ينبغي معالجة الطبيعة الكمومية للزمان والمكان في نظرية موحَّدة. وفي سُلم المسافات القصيرة جدا، يمكن الاستعاضة عن الفضاء ببنية مؤلّفة من أوتار وأغشية تتصل ببعضها وتنفصم بشكل مستمر ـ أو يُستعاض عنه بشيء آخر أكثر غرابة.
|
سَيُكْتَشفُ على الأقل جسيم سُلَّمي واحد محايد كهربائيا. وستكون كارثة إذا
اقتصر الاكتشاف حتى عام 2020 على هذا الجسيم وحده، إذ إننا سنبقى عندئذ من دون
مفتاح لحل اللغز الهائل المتعلق بالطاقات المميزة التي نصادفها في الفيزياء
والمعروفة باسم مسألة الهرمية
hierarchy problem.
إن الكوارك الذروي هو أثقل جسيم معروف في النموذج المعياري وتعادل كتلته طاقة
قيمتها 175 جيگاإلكترون ڤلط (GeV).
(اختصارًا: جيڤ، والجيڤ الواحد (1GeV)
أكبر بقليل من الطاقة المحتواة في كتلة پروتون واحد) [انظر: «اكتشاف كوارك
القمة»،مجلة العلوم، العدد 5(1998) ، ص 54]. ويتوقع أن تكون كتل جسيمات هيگز
التي لم تكتشف بعد مماثلة لهذه الكتلة وتتراوح بين مئة وعدة مئات جيڤ. إلا أن
هناك ما يشير إلى وجود سلم للكتل أوسع من هذا المجال بكثير ستُعبِّر عنه
معادلات النظرية الموحَّدة المرتقبة. تختلف شدات تفاعل حقول الگلوون و
W
و Z
والفوتون في النموذج المعياري مع الحقول الأخرى لهذا النموذج؛ وهذا يفسر سبب
كون القوى الناتجة من تبادل الگلوون أشد بمئة مرة من القوى الأخرى في الشروط
العادية. أما التثاقل فهو في غاية الضعف: إن قوة التثاقل بين الإلكترون
والپروتون في ذرة الهدروجين هي نحو
39-10 مرة شدة القوة الكهربائية.
إلا أن شدات التفاعل هذه تتوقف على الطاقة التي يجري فيها القياس [انظر الشكل
العلوي في الصفحة 9]. ومما يلفت النظر أن التقدير الاستقرائي يساوي بين مختلف
تفاعلات حقول النموذج المعياري في طاقة تتجاوز
10
16جيڤ (GeV)
بقليل، وتتساوى شدة قوة التثاقل مع شدات القوى الأخرى في طاقة لا تزيد كثيرا
على الأولى، نحو 10
18 جيڤ. (وقد اقتُرِحت تحسينات على نظرية التثاقل
إلى درجة أنها تساوي بين شدة التثاقل وشدة القوى الأخرى في نحو 10
16 جيڤ). ونحن وإن كنا قد اعتدنا في فيزياء الجسيمات على نسب كتل كبيرة إلى حد ما،
كنسبة 1 إلى000 350، وهي نسبة كتلة الإلكترون إلي كتلة الكوارك الذروي، فإن هذه
النسبة لا تساوي شيئا إذا ما قورنت بنسبة سُلّم ال100 جيڤ: النموذجي لطاقة
التفاعلات الشديدة في النموذج المعياري، إلى سلم 10
16جيڤ (وربما 10
18جيڤ): طاقة التوحيد الأساسية [انظر الشكل السفلي في الصفحة 8].
تكمن عقدة مسألة الهرمية في فهم هذه النسبة الهائلة، هذه القفزة الواسعة من
سوية إلى التالية في تسلسل سلالم الطاقة. ونحن لا نعني بالفهم هنا مجرد تعديل
الثوابت في مختلف النظريات للحصول على النسبة الصحيحة، وإنما فهم يكون نتيجة
طبيعية لمبادئ أساسية.
اقترح النظريون أفكارا عدة جديرة بالاهتمام لحل مسألة الهرمية بشكل طبيعي،
تُدخل بعض هذه الأفكار مبدأ تناظر جديدا يعرف باسم فائقية التناظر
supersymmetry
(الذي يحسن أيضا الدقة التي بها تتقارب تفاعلات في
10
16جيڤ)، ويدخل
بعضها قوى شديدة جديدة تعرف باسم
technicolor؛
ويجمع بعضها الآخر بين المفهومين [انظر الشكل في الصفحة 19]. تحتوي هذه
النظريات كلها على قوى إضافية تتحد مع القوى الشديدة والضعيفة والكهرمغنطيسية
في 10
16جيڤ تقريبا. وتصبح القوى الجديدة شديدة في طاقة تقل كثيرا
عن 10
16 جيڤ، ولكننا لا نستطيع رصدها مباشرة لأنها لا تؤثر في
جسيمات النموذج المعياري المعروفة؛ بل إنها تؤثر في جسيمات أخرى كتلها كبيرة
بحيث لا يمكن تكوينها في المختبرات. ومع ذلك فإن هذه الجسيمات «الثقيلة جدا»
أخف بكثير من 10
16جيڤ، إذ إنها تكتسب كتلها من القوى الجديدة التي
لا تتسم بالشدة إلا في طاقات أقل بكثير من 10
16جيڤ. وفي إطار هذه
النظريات تتفاعل جسيمات النموذج المعياري المعروفة مع الجسيمات الثقيلة جدا،
وتظهر كتلها كمفعول ثانوي لهذا التفاعل الضعيف نسبيا. وقد تحلّ هذه الآلية
مسألة الهرمية فهي تفضي إلى جعل الجسيمات المعروفة أخف من الجسيمات الثقيلة
جدا، وإلى جعل هذه الأخيرة بدورها أخف بكثير من 10
16جيڤ.
إن توحيد ظواهر فيزيائية متباينة في نظرية جامعة يشكل أحد الموضوعات الأساسية في الفيزياء. والنموذج المعياري يصف بنجاح ثلاث قوى من قوى الطبيعة الأربع (الكهرمغنطيسية الضعيفة والشديدة) ويبقى إذًا توحيد هذا النموذج مع النسبية العامة التي تتحكم في قوى التثاقل وفي طبيعة الزمكان.
|
تشترك هذه الأفكار في صفة أخرى: إنها تتطلب وجود طائفة متنوعة من الجسيمات
الجديدة لا تتجاوز كتلها ألف جيڤ بكثير. فإن صحت هذه الأفكار فستُكتشف تلك
الجسيمات قبل عام 2020 في مصادم الهدرونات الكبير، وقد يُكْتشف بعضها قبل هذا
التاريخ في المختبر فِرمي لاب أو في سيرن
CERN،
مع أنه قد يتطلب عقودا من الزمن التحري التام عن مختلف خصائصها وعن المُسرعات
اللازمة لذلك. وعندما يتم اكتشاف هذه الجسيمات وقياس خصائصها، فسنتمكن عندئذ من
القول بثقة إذا ما كان بعضها قد استطاع البقاء بعد اللحظات الأولى من الانفجار
الأعظم وإذا ما كان من الممكن أن تكون الآن مصدر «المادة المظلمة»
dark
matter
في الفضاء بين المجرات، والتي يعتقد أنها تشكل القسم الأكبر من كتلة الكون.
ومهما يكن من أمر فمن المرجح أن نصل في حدود عام 2050 إلى فهم سبب النسبة
الهائلة في سلالم الطاقات التي نصادفها في الطبيعة.
وماذا بعد؟ يكاد يكون من المستحيل عمليا القيام بتجارب تتضمن سيرورات لجسيمات
بطاقة 10
16جيڤ. وفق التقانة
الحالية، يتناسب قطر المسرِّع مع الطاقة الممنوحة للجسيمات المسرعة. وهكذا قد
يتطلب تسريع جسيمات إلى طاقة
تبلغ 10
16 جيڤ مسرعا يمتد عدة سنوات
ضوئية. وحتى لو استطعنا بطريقة ما تركيز طاقة ماكروسكوبية (كِبْرية) على جسيم
واحد فإن معدلات السيرورات الجديرة بالاهتمام قد تكون من البطء إلى حد يمنعها
من إعطاء معلومات مفيدة. ولكن، حتى وإن كنا غير قادرين على دراسة مباشرة
لسيرورات في طاقة 10
16 جيڤ، فإن الأمل معقود أن تؤدي هذه السيرورات
إلى نتائج في الطاقات المتاحة التي يمكن تعرفها تجريبيا لأنها تتجاوز كل ما
يسمح به النموذج المعياري.
إن النموذج المعياري هو نظرية حقل كمومية
(1) من نوع خاص، إنها نظرية
قابلة لإعادة الاستنظام
renormalizable.
يرجع هذا المصطلح إلى الأربعينات حين كان الفيزيائيون يتعلمون كيفية استخدام
أولى نظريات حقل كمومية لحساب انزياحات صغيرة في مستويات طاقة الذرة. فقد وجدوا
أن حسابا كهذا ينتج باستمرار كميات لامنتهية، وهذا يعني عادة أحد أمرين: إما
وجود عيوب كبيرة في النظرية وإما تجاوزها حدود صلاحها. كما وجدوا حينذاك طريقة
لمعالجة هذه الكميات اللامنتهية باستيعابها في إعادة تعريف (أو إعادة استنظام)
مجرد بضعة ثوابت فيزيائية كشحنة الإلكترون وكتلته. (تحتوي النسخة الأدنى من
النموذج المعياري المعدلة بجسيم سلمي وحيد، على 18 ثابتا من هذا النوع). نقول
عن نظرية تصلح فيها هذه الطريقة نظرية قابلة لإعادة الاستنظام. إن بنية هذه
النظريات أبسط من بنية النظريات غير القابلة لإعادة الاستنظام.
يطرأ التقدم الأكثر عمقا في الفيزياء الأساسية عندما تتواءم مبادئ مختلف النظريات وتنتظم في إطار واحد. ونحن لا نعرف حتى الآن ماهية المبدأ الموجِّه الذي يكمن وراء توحيد نظرية الحقل الكمومية (التي تشمل النموذج المعياري) مع النسبية العامة.
|
تفاعلات مُخمدة
(****) أدت البنية البسيطة القابلة لمعاودة الاستنظام للنموذج المعياري إلى استخلاص
تنبؤات كمية محددة للنتائج التجريبية، وقد عزز نجاح هذه التنبؤات صحة النظرية.
فعلى الخصوص، يُبطل مبدأ قابلية معاودة الاستنظام، مع مختلف مبادئ تناظر
النموذج المعياري، سيرورات غير ملاحظة؛ كمثل تفكك پروتونات منفردة، كما يحظر
هذا المبدأ أن يكون للنيوترينوهات كتل. وقد ساد الاعتقاد لدى الفيزيائيين
بارتباط صحة نظرية حقل كمومية بإمكان معاودة استنظامها. وتحقيق هذا المتطلب قاد
بشكل فعال الفيزيائيين النظريين إلى صياغة النموذج المعياري. وقد كان من المقلق
جدا أنه بدا من المستحيل، لأسباب أساسية، استنباط نظرية حقل كمومية للتثاقل
قابلة لمعاودة الاستنظام.
كيف يمكن أن تخطر على بالنا الأفكار اللازمة لتوصيف عالَم يصير
فيه الحدس
المستنبط من الحياة في الزمكان غير قابل للتطبيق؟ أما الآن فقد تغير المنظور؛ فنظريات فيزياء الجسيمات تبدو مختلفة بحسب طاقة
السيرورات والتفاعلات التي تؤخذ في الاعتبار. فالقوى الناتجة من تبادل جسيم
كبير الكتلة ضعيفة جدا، وعلى نحو نموذجي، في الطاقات المنخفضة بالنسبة إلى هذه
الكتلة. وبالمثل يمكن إخماد تأثيرات أخرى بحيث لا يبقى في الطاقات المنخفضة إلا
ما يُعرف باسم نظرية الحقل الفعّال
(2)، وهي النظرية التي تهمل جميع
هذه التفاعلات. وقد أدرك الفيزيائيون أن أي نظرية كمومية أساسية تتسق والنسبية
الخاصة ستبدو على شكل نظرية حقل كمومية قابلة لمعاودة الاستنظام في الطاقات
المنخفضة. ولكن ليس للنظريات الفعالة، على الرغم من حذف القيم اللامتناهية
منها، تلك البنية البسيطة للنظريات القابلة لمعاودة الاستنظام بالمعنى المعهود.
وهناك تفاعلات معقدة إضافية، وبدلا من إقصائها كليا، تُخمد بشدة عند انخفاض سلم
الطاقة إلى أقل من حد مميز.
والتثاقل نفسه هو مجرد تفاعل مُخمد غيرقابل لمعاودة الاستنظام. ونستدل من شدة هذا التفاعل (أو بالأحرى من ضعفه) في
الطاقات الضعيفة، على أن سلم طاقاته الأساسي هو
10
18جيڤ تقريبا.
وقد يؤدي تفاعل آخر مخمد غير قابل لمعاودة الاستنظام إلى عدم استقرار الپروتون
بعمر نصف يراوح بين
10
31 و
10
34سنة، وهو أمر من البطء
بحيث لا يمكن رصده حتى في حدود عام 2050
(3).
كذلك قد يعطي تفاعل آخر مخمد غير قابل لمعاودة الاستنظام كتلا ضئيلة
للنيوترينوهات، نحو
11-10جيڤ، وهناك ما يشير فعلا إلى وجود كتلة بهذه الرتبة. وسيبت في هذا الأمر
قبل عام 2050
(4).
ستقدم رصود من هذا النوع إرشادات ثمينة إلى نظرية موحدة للقوى، إلا أنه من
المحتمل ألا نستطيع اكتشاف هذه النظرية من دون توفر أفكار جذرية جديدة. وبعض
هذه الأفكار الواعدة متداول حاليا. فهناك خمس نظريات مختلفة لكائنات دقيقة ذات
بعد واحد اسمها الأوتار strings. تظهر هذه الأوتار في الطاقات المنخفضة حسب
أنماط اهتزازها على شكل جسيمات متنوعة، وتزودنا على ما يبدو بنظريات منتهية
تماما للتثاقل والقوى الأخرى في زمكان ذي عشرة أبعاد. طبعا نحن لا نعيش في عشرة
أبعاد، إلا أنه يمكننا أن نقبل أن ستة من هذه الأبعاد قد تراكمت وارتصت بحيث
يستحيل رصدها في سيرورات تقل طاقة الجسيم فيها عن 10
16 جيڤ. وفي السنوات
القليلة الماضية ظهرت أدلة تبين أن نظريات الأوتار الخمسة هذه (وكذلك نظرية
الحقل الكمومية بأحد عشر بعدا) هي نسخ لنظرية أساسية واحدة تسمى النظرية(5) M
أو نظرية الأغشية) تطبق مختلف التقريبات