** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالرئيسية  الأحداثالأحداث  المنشوراتالمنشورات  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 انتفاضات العالم العربي (17) الثورة في العالم العربي، شرارة تمرد فوضوي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ماردة
" ثـــــــــــــــــــــــــائــــــــــر "
انتفاضات العالم العربي (17)  الثورة في العالم العربي، شرارة تمرد فوضوي Biere2
ماردة


عدد الرسائل : 201

تاريخ التسجيل : 26/10/2010
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2

انتفاضات العالم العربي (17)  الثورة في العالم العربي، شرارة تمرد فوضوي Empty
01092011
مُساهمةانتفاضات العالم العربي (17) الثورة في العالم العربي، شرارة تمرد فوضوي



انتفاضات العالم العربي (17)  الثورة في العالم العربي، شرارة تمرد فوضوي Arton9546-08db9


"بيضاء دهشتنا، كلّ شيء صورة بيضاء" محمود درويش.

أكاد أرتبك، لما شاهده العالم العربي ويشاهده مؤخرا من زحف عارم للثورات
"قاطرات التاريخ"* بتعبير ماركس، في كل من تونس ومصر، ومواكبتها للسير
بتؤدة نحو ليبيا والبحرين، اليمن وإيران، الجزائر والأردن، سوريا والمغرب. .
. لكن لماذا الارتباك بالضبط؟ وما أساس هذا الشعور الذي يجعلني أفهم قدر
ما لا أفهم وأستسيغ قدر ما لا أستسيغ ما يقع؟ هل ستسترسل الشعوب العربية في
نهجها هذا، لتقلب عروش الحكام تباعا، الواحد بعد الآخر؟ أم تراها ستتوقف
عند البعض منهم، منحنية الرأس حتى حين غير معلوم؟ من يستطيع التنبّؤ، في
مجال السياسة؟ من يجرؤ على استقراء الأحداث رياضيا، ويرسم لنا خريطة العالم
العربي بعدما وقع وبدأ يقع؟ هل من نبيّ؟



أما فيما يخصني بالذات، فلا أستطيع إلا التصريح بارتباكي ممّا يقع وحيرتي
ممّا يحصل. ذلك أنه، بالأمس القريب فقط، كان الكل يغرّد ويغنّي الأنشودة
ذاتها وكانت الشعوب العربية، تسترخي سعيدة بعبوديتها. ممّا جعل الحكام
يتجبّرون، أيما تجبّر، حتى أن الجمهوريات صارت تتحوّل إلى ملكيات، وبات كل
نظام يرسم خريطة طريق حكم العباد الأبدية. لكن فجأة وبغتة، ألفينا أنفسنا
أمام عدّ عكسيّ، أفضى إلى انتقاص نظامين إلى حدود الساعة. فهل من مزيد؟ من
يجرؤ على التنبؤ؟ السياسيّ؟ ربّما، وكذا الديماغوجي، أمّا أنا فسأظلّ أكتفي
بالدهشة والحيرة أمام ما يقع. أجل إني، لا أستطيع ركوب موجة الإدعاءات
والزعم بأن الأمور ستحسم على هذا النحو دون ذاك، لا لشيء إلا لأنّ الأحداث
غالبا ما تأتي ضدّ كل ادعاء، والوقائع، كثيرا ما تجيء مفنّدة ترّهات الفهم
القبلي. الحدث اليوم يسير على أقدام من وحل، إنه ما يقع في فوريته. فهو
بحكم منطق الأشياء يكون ولا يكون. وفضلا عن طابعه الفوريّ والمباغت هذا،
أضيف أن ما يميّزه كذلك إنما هو، كونه يتوقف على إرادة أولئك الذين يبادرون
بتفجيره، ويسهرون على توقيعه. فالحدث مشروط بإرادة الشعب الذي يرغب في
التحرر أو البقاء وفيا لملكوت أنظمته الاستبدادية. ألم يسبق لـ"لابويسي" أن
قال بأن السلطة لا وجود لها إلا بموافقة أولئك الذين تمارس عليهم؟ من ثمة
فهي ما ينتفي ويتلاشى حالما، يسحبون ثقتهم منها، ويمضون إلى مراجعة
حساباتهم تجاهها.






لكن هذا السحب وهذه المراجعة، يقتضيان من أوّل ما يقتضيان، بزوغ بذرة
اللاخضوع واحتداد بركان عدم الانصياع، وراء أقنوم النظام القائم. مما يعني
الزج بالأوامر القطعية في سلة المهملات، وإزاحة ثقافة الواجب والأداء
الضريبي المفروض بحكم قوانين زجرية، وتكشير الأنياب، صدّا لآليات عنف
السلطة القهرية، وقضاء على كل أعداء الإنسانية وغليظي الإحساس. والحالة
هاته، فإنّ ما قام به البوعزيزي في تونس، وما أقدم عليه غيره في مصر، ليلتف
حولهم من بعد أنصار الحرية، ومريدو الانعتاق، لم يكن له أن يكون، لولا
الطابع البوليسي الذي به تتميز الأنظمة العربية، بحيث أننا منذ قرون ولحدود
الساعة، لا نشتمّ من آلتها السلطوية إلا النتانة والتحقير، القمع
والترهيب، النهب والتفقير. جراء ذلك كله، لم يكن أمام الشعوب إلا أن تنتفض
وتتمرد في وجه الطاغوت، مطالبة بتنحية رأس النظام جانبا. لكن هذا التمرد
الذي جسد عبقرية الشعوب العربية، وأزاح عنها كل ما كانت توصف به من نعوت
سلبية وقدحية، إن كان يتسم بشيء فإنما يتسم بعفويته وفوريته. ذلك أن حركة
الياسمين في تونس كما حركة الفلّ في مصر، لم يقم بها تنظيم معلوم، ولا
تنتسب لأحزاب مهيكلة، ولا يقودها عقل مدبر. كل ما في الأمر، إنما هو أنها
حركة انفجرت في وجه السلطة، فجأة، وعلى يد فاعلين لم يكن النظام يحسب لهم
أي حساب أو يقدرهم أدنى تقدير. كان الكل يستهزئ من هؤلاء الشباب، الذين
يتبادلون رسائلهم على الفيسبوك والتويتر، حد اعتبارهم مجرد مراهقين،
يتلاعبون بألفاظ، لا يفهمون مغزاها الواقعي، ويتراشقون بكلمات سياسية لا
يدركون دلالاتها الحقيقية.



هكذا فبينما كان الحدث يطبخ وزيت انفجاره تغلي، كانت الأنظمة تقيم موائد
وحوارات مع التيارات المنظمة، والأكثر تمثيلية بحسبها للحشود. وازِعُها في
ما دأبت عليه، هو اعتيادها على أن قضايا الشأن السياسي، ينبغي أن تناقش
وتحل ما بينها وباقي التنظيمات لا غير. لكن ما يتناساه هذا الطرح، أو يكاد،
إنما هو أن الأشياء قد تأتي خلافا لكل التوقعات، وأن الأمور السياسية قد
تجري بعيدا عن نبوءات الخبراء وخارج تكهنات المستشارين السياسيين. فالأحداث
بطبعها مقرونة، بما كان الإغريق يسمونه بالكايروس أي تلك اللحظة الحاسمة
والصعبة الضبط حيث يتم الانقضاض على الفريسة، أو العدو دونما سابق إنذار أو
تنبيه. إن الكايروس على حد تأويل "طوني نيغري" توظيف خطير لزمان مشترك آت،
لا يمكنه أن يكون إلا هداما وثوريا في الوقت ذاته "(1) وهو شرخ طارئ
به يتحدد المصير المحتوم لشعب بأكمله؛ نلفي هذا البعد الكايروسي للزمان،
أيضا، في بعض الأعمال الروائية والسينمائية، بحيث تأتينا الشخصيات على نحو
من الاستعجال لا مثيل له؛ استعجال هو ما يصون روح العمل الإبداعي ذاته
ويضفي عليه جمالية لا تضاهى. جمالية أشبه ما تكون بتلك الجمالية التي
نتلمسها في أعمال دوستويفسكي، وكافكا، ونستشفها من تلك التقاطعات غير
القابلة للتنبؤ، وتلك الالتقاءات العفوية، مابين شخوص المخرج السينمائي
"كروزاوا"أو "وودي ألان"، صاحب فيلم "فيكي كريستينا، برشلونة". نلاحظ
هاهنا، أن الوقائع والأحداث كلها أشياء تحصل فجأة وتأتي على نحو غير منتظر.
من ثمة عودة سلسلة من التساؤلات الوجودية من قبيل : من نكون؟ وإلى ماذا
نؤول ونصير؟ هل بوسعنا أن ننفلت من فجائية الصعقة الوجودية؟





كيف لنا أن ندبر الحدث بالرغم من كونه يجيء دونما حسبان؟ أليس الإنسان
مفعول رغباته، كما أكد التحليل النفسي؟ ما السر في الالتقاءات التي نحققها
فتأتي إما عظيمة وإما سيئة؟

يورد دولوز في هذا السياق، فكرة رائعة "لمينيلي" حول الحلم مؤداها : "أن
الحلم يهم أول ما يهم، أولئك الذين لا يحلمون؛ فحلم أولئك الذين يحلمون،
يهم أولئك الذين لا يحلمون؛ لماذا؟ لأن الخطر يحدق بنا حالما يكون
هنالك حلم الآخر. إن حلم الناس، هو على الدوام حلم قاتل، يجرؤ على
التهامنا. فأن يحلم الآخرون،أمر خطير؛ الحلم إرادة قوة مرعبة، وكل منا على
هذا النحو أو ذاك ضحية حلم الآخرين". وعلى مقاس كلامه هذا، أرى أن الثورة
التي ابتدأ لهيب نارها من تونس ليمتد إلى باقي الأصقاع، تكاد تجري على نحو
ما يجري هذا الحلم الجميل (حالما يغدو التمرد ثورة، وتتحقق الحرية، دونما
انتكاسة تعود بنا القهقرى نحو تيوقراطية دينية أو ليبرالية متوحشة) الذي
صار يهدد الجميع. وإذا صح القول بأن الحلم لا تخطيط مسبق له ولا برنامج
قبلي يحكم انفجاره فكذلك الثورة، التي تتحقق في عفويتها وتجيء دونما حساب
ولا ترتيبات أولية، خلافا لماركس الذي كان يعتقد أن الثورة تستدعي التنظيم
كما الحزب وتوالد البنيات. لقد صارت العفوية تنتصر، لكنها عفوية تستدعي
القوة والطاقة مثلما الشجاعة و الغضب الذي يشتعل وسط الحشود اشتعال النار
في الهشيم. الثورة، بهذا المعنى، قنبلة موقوتة لا أحد يعلم متى و كيف وأين
ستنفجر؟، قوتها تكمن أول ما تكمن، كما أسلفنا، في فجائيتها، لأنها أشبه ما
تكون بالتسونامي أو لنقل بالأحرى أنها بركان فوار موصول بشيء خارج عنه. شيء
أغرب ما يكون عن ذاته. لكن ما يكون هذا الغريب؟





هذا الشيء الخارج عن الثورة، والذي به تكون أو لا تكون؟ إنه بنظري ما
قد نطلق عليه "لاشعور الثورة". فمثلما للحلم لاشعوره، للثورة كذلك
لاشعورها. لكن هذا اللاشعور، هو ما يتحدد على نحو "دولوزي" باعتباره :"آلة
لإنتاج الرغبة". الرغبة باعتبارها ما يسمح لنا بالتأثير في العالم وتغيير
مجراه، مادامت إرادة قوة تحررية، لا تقبل الحصر وتتمنع عن كل اختزال،
وتقوم دوما ضد التسلط والهيمنة. فبقدرما تروم السلطة قهر الناس وقمعهم فهي
تروم الرغبة في هدّ صرح آليات القهر والاستعباد. من ثمة ثورية الرغبة بحيث
تضحى مشكلتها مقرونة بمشكلة الثورة التي هي السلطة لا غير. لماذا؟ بسيط:
لأن السلطة هي دوما ضد الحرية. أي أنها بتعبير باكونين(2) ضد كل ماهو
إنساني في الإنسان. هنا السؤال: هل بالفعل ما يقع اليوم في تونس ومصر وباقي
البلدان العربية، يستحق أن نطلق عليه اسم الثورة؟ أقصد الثورة على نحو ما
أتينا على تحديده سلفا،لا الثورة كما تتحدد بحسب الأدبيات الماركسية والتي
يعاب عنها نزوعها لإحلال ديكتاتورية محل أخرى(ديكتاتورية البروليتاريا
بتعبير ماركس ). ذلك أن القراءة الماركسية لم تعد تصلح لإدراك ما نحن بصدده
اليوم.


ومخطئ من لا يزال يعتقد أن صراع الطبقات هو دينامو الثورة. فالتوقف عند
ما أقدم عليه البوعزيزي، وحده، كفيل بجعلنا نستشف لب الإشكالية.
وبنظري، فالبوعزيزي، لم يبدأ بإضرام النار في جسده إلا انتصارا لذاته
أولا، بعدما عاناه من قهر وتسلط وعدوان. فالرجل لم يتمرد إلا باسم ما
استشعره من آليات قمع جهنمية لم تعد تطاق ونكاية في نظام قهري لم يعد أحد،
يستطيع مكابدة جبروته . هكذا، اختار أن يكون سيد نفسه، اختار أن يموت واقفا
لا راكعا. وفي موته الإرادي هذا نستشف أيضا، مدى سمو خصاله و تحليه بما لا
يتصور من شهامة ونبل، وتمتعه بما يكفي من الجرأة والعنفوان. فالانتحار على
نحو ما فعل البوعزيزي، تعبير عن أقصى درجات التحرر، إن لم نقل أنه انتصار
لفن الحياة والمتعة بدل الفناء والألم.


إن الانتحار هنا قوة وليس عنفا. وشتان مابين الاثنين كما هو معلوم،
بحيث أن العنف عمل سلبي غايته المثلى هي الهدم والتعديم، أما القوة فهي سعي
دائم للبناء حتى بعد إقدامها على الهدم، ونزوعٌ لا غبار عليه للتأسيس
والإتيان بإضافة نوعية للوجود. من ثمة، وجب التسريع أحيانا بالموت، سيما
حالما تكون الحياة مأساة وعذابا. إذ يستدعي الأمر والحالة هاته، مغادرتها
على الفور، تماما مثلما نغادر غرفة مليئة بالدخان. فثمة بلا شك، حدود لتحمل
القهر، وهنالك سقف لتنفس العفونة لا أحد يطيق أن يُتجاوَز . أما البقاء،
والصبر تحت نير الأجواء الملوثة، فليس يعني إلا الموت البطيء.


لا مناص إذن للإنسان من الحسم والاختيار ما بين العبودية أو التحرر.
الأولى هي تنازل عما يميز كينونتنا من كرامة ورفعة أما الثانية فهي إعلان
مستميت للثورة على كل السلط أينما كانت و حيثما حلت، وتشهير للغة الرفض في
وجه كل الرؤساء والطغاة، تماما كما سبق لأعظم المتمردين في التاريخ أن فعل،
أقصد الشيطان بطبيعة الحال. فهو وحده من استطاع أن يمتنع وأن يقول لله
"لا" ممزقا بذلك شرنقة الإجماع. وهو لعمري على ذات النحو، إنما يقول نعم
للحرية. نفس الشيء يتكرر، عبر مسارنا البشري في كل مرة، يستشعر فيها أحد
متمردي عصرنا، وهُمْ قِلَّة، أن حريته قاب قوسين و أنه صار عرضة للمهانة و:
"الحكرة". فـ"الحكرة" كنتاج مسلسل القمع والاستبداد هي ما جعل الرغبة
(رغبة البوعزيزي في التمرد) تلتقي زمانيا مع عزيمته وقراره، على نحو سريع
ومباغت . ذلك أن السرعة عامل حاسم في انبثاق الحدث، وانفجار الثورة. إنها
ما يختزل المسافات الناشئة مابين الرغبة وتحققها، وما يجعل الفعل يلتحم
بالإرادة. إرادة سرعان ما غدت جماعية بعد أن كانت فردية، ليصبح الفرد كلا
والكل فردا. إن علينا أن نرى في السرعة إذن تباشير حدث كبير، حدث معه فحسب
يمكن الإعلان عن ميلاد عالم جديد، هو عالم تنهار فيه أعمدة نظام بأكمله
وتتداعى فيه ميلشياته بالمرة. على هذا الأساس يتبدى أن الصراع هو في الأصل
صراع ضد السلطة. والإشكالية كما ذهب إلى ذلك باكونين، إنما هي من يملك
السلطة ومن لا يملكها؟ من يسود ويحكم ومن يخضع ويذعن؟ الإشكالية تتحدد
بعلاقات القوى القائمة مابين الناس حتى أن البرجوازي كما لاحظ أونفراي، ليس
يتحدد بالنسبة للبروليتاري، بكونه من يمتلك وسائل الإنتاج(كما يرى ماركس)
فحسب، بل أيضا بكونه من يهيمن و يسيطر أي أنه من يمتلك السلطة(كما يرى
باكونين).


من ثمة فالتمرد عندما وقع كان ينادي تآزر كل المقهورين والمنبوذين،
المعطلين والمهمشين، الفقراء والعمال، الفلاحين والمياومين، النساء
والرجال… أي كل أولئك الذين يرون أن القهر يلحقهم وأن السلطة عدوهم. ربما
لذلك، ذابت الشعارات على اختلاف أنصارها. فلا أحد من الثوار صاح : "الإسلام
هو الحل" أو "العلمانية هي السبيل". كل ما في الأمر إنما هو الإجماع على
جوهر القضية الذي هو "إسقاط النظام". بديهي إذن أن نستنتج بعد هذا كله أن
ثورة الشباب العفوية، ثورة فوضوية بامتياز، وذلك، على نحو ما تفيده
الفوضوية سواء عند باكونين الذي يقترح"بدل ثنائية البرجوازي والبروليتاري،
ثنائية الحاكم والمحكوم، أي المهيمِن والمهيمَن عليه، المستغِل
والمستغَل"(3)أو عند نيتشه، الذي يرى أنها أسلوب فني يتجسد فعليا
كمبادئ تحررية في أبسط تفاصيل الحياة اليومية، حد أننا نرفض أن نقود وأن
ننقاد، مثلما نكره الخضوع قدرما نكره الهيمنة. هل أقول ألا نستعين بالقوة
إلا انفلاتا بجلدنا من براثن تسلط الآخرين؟ صحيح، ولكن ذلك هو ما يتطلب
نهجا ويستدعي موقفا من قبيل موقف التضامن. فالتضامن كما عشنا خلال هذه
الثورات هو وحده ما سهل مأمورية التسريع بالإطاحة بأعتد أنظمة الحكم شراسة
سواء في تونس أو مصر. إنه الطريق الأنجع للّوذ بالحرية. فبدل إذكاء نار
التفرقة ما بين الناس، وإشعال فتيل الحقد والضغينة مابين المستغَلين، نلمس
أن القوة الضامنة للتمرد كانت وستبقى هي التلاحم والتواؤم ما بين
المهمَّشين والمقهورين، لذلك ترى الفوضوية أنه من أخلاقها.


فالسعادة فوق الأرض لا تكون إلا بعد بناء حياة مشتركة،على قاعدة
الإرادة الفردية الحرة. كيف؟عبر التعاقد. فالنظام والعدالة والديمقراطية
كلها أمور يجب أن تقوم على أساس تعاقد حرّ مابين المعنيين. لكن هاهنا مرة
أخرى وجب التنبيه، إلى ما يميز التعاقد الفوضوي عن نظيره الذائع الصيت،
الذي هو التعاقد الاجتماعي العائد لروسو. وعلى حد توكيد"هنري أرفون"4))
يمكننا القول بأن برودون في "فكرته العامة فيما يخص الثورة في ق. 19 " هو
من بَيَّنَ بجلاء أن العقد الاجتماعي الذي أقره روسو هو المسئول عن تسلط
الدولة الذي وصلت إليه كل الديمقراطيات.


فالتعاقد الاجتماعي، كما نظَّر له روسو لا يدور إلا على السلطة
السياسية، ويهمل كليا الحياة الاجتماعية والاقتصادية. فهو بذلك عقد فارغ،
مادام يسمح بالتقعيد للسلطة وشرعنة تمركزها في يد الحاكم ثانية. كيف؟ بجعل
الإرادة العامة من حيث هي إرادة أغلبية تسود دوما على حساب الإرادات
الخاصة. مما يُقزِّم مرة أخرى، حقل الحريات ويُوَلِّد نوعا مضاعفا من
الاستلاب؛ استلاب أقل ما يمكن أن يقال عنه، إنما هو أنه استلاب غدا ممنهجا
وواعيا بعد أن كان عشوائيا وغفلا. والحق أن من يقرأ كتاب روسو، العقد
الاجتماعي، يستخلص دونما عناء أن صاحب إنجيل الثورة الفرنسية بتوصيف
نابوليون، يجهل إن لم نقل يتجاهل بالفعل، ما تكونه الحقوق الاقتصادية،
ويكاد لا يتكلم إلا عن الحقوق السياسية(5).


وبخلافه تماما يرى التيار الفوضوي أن التعاقد هو تعاقدات بالجمع، يلزم
أن تتم عبر استحضار حاجيات الأفراد العديدة. فلا شك، أن الحرية السياسية لا
معنى لها، طالما ثمة استرقاق اجتماعي واستغلال اقتصادي، أي طالما ثمة بلغة
برودون "مِلْكية"، على اعتبار أن المِلكية هي في كل الأحول سرقة واختلاس،
بل نفي للمساواة ليس إلا (6). مما يجعلنا نفتح بابا ظل موصدا في وجه الناس،
إلى وقت ليس ببعيد، وهو باب الانتفاع من خيرات الوطن. تلك الخيرات
التي يستحوذ عليها الحكام ويفرضون الوصاية عليها، حدّ مضيّهم قدما في تجويع
المحكومين وتفقيرهم. فإذا كانت السلطة ترفض التوزيع العادل
للثروات، وتقاتل من أجل استفرادها بها أيما استفراد، فالفوضوية كان شعارها
لعصر بأكمله: "خذوا ما أنتم في حاجة إليه". مما يفيد أن الاستفادة هي بحسب
العوز والحاجة لا بحسب الكفاءة والتمكن، وذلك بطبيعة الحال ضمانا لرفاهية
الجميع وسعادة الأغلبية. لكن هذا لا ينبغي أن يجعلنا نخال أن فلسفة التيار
الفوضوي، هي الأخرى، حبيسة متعوية "الامتلاك" التي تزج بها في نزعة محض
استهلاكية، سوقية، بل علينا أن نعلم أنها تتعداها إلى حد انتصارها لمتعوية
"الوجود" حيث أن المِران الذاتي، كما الانهمام بالذات والاشتغال باستمرار
نحتا لكينونة متميزة، من بين السمات البارزة في التيار التحرري الفوضوي.
ذلك أن الثورة عموما هي بحث دائم عن مستقبل جديد. إنها صيرورة لا تتوقف،
ورحلة لا تنضب، وأسلوب في الرفض والامتناع عن طأطأة الرأس أمام كل
التوافقات القاتلة، لأن "السلطة هي دوما سلطة"بتعبير "لابويسي" أحد رواد
الفكر الفوضوي بامتياز.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

انتفاضات العالم العربي (17) الثورة في العالم العربي، شرارة تمرد فوضوي :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

انتفاضات العالم العربي (17) الثورة في العالم العربي، شرارة تمرد فوضوي

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» انتفاضات العالم العربي (12) تونس : من الانتفاضة إلى الثورة
» انتفاضات العالم العربي (13) تأمّلات في الثورة التونسية
» انتفاضات العالم العربي (24) أفكار عن الثورات أو الانتفاضات الاحتجاجية السائدة حالياً في العالم العربي
» انتفاضات العالم العربي (52) رسالة إلى شباب الثورة السورية
» انتفاضات العالم العربي(22) تساؤل نقدي بصدد ما يجري في العالم العربي

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: