'سعيد' وشلل الأطفال الدستوري

'سعيد' وشلل الأطفال الدستوري

'سعيد' وشلل الأطفال الدستوري No

ذ رشيد شريت

Saturday, June 18, 2011

يُعرف شلل الأطفال بأنه من أهم الأمراض الفيروسية التي تصيب المواليد الجدد،
تتراوح شدته من عدوى بسيطة إلى مرض يصحبه شلل رخوي في الأطراف خصوصا ً
الأطراف السفلى من الجسم. لذا تعمد الأمهات إلى تلقيح أطفالهن عبر أربع
جرعات الأولى تكون بعد 45 يوم من الولادة.و من هذا المطلق فالدولة الوليدة
لا تختلف كثيرا عن المولود الطري الجديد، و هي مهددة بشلل أطفال مماثل
يجعلها مقعدة طول حياتها. لذا،يكون أول شيء تقوم به بعد رحيل الاستعمار، و بعد إن حدث هناك تطهير البلاد من العملاء و الخونة وأذناب
الاستعمار، أخذ الجرعة الأولى بواسطة دواء يسمى بالتلقيح الدستوري، بأن
تُكَوَّن جمعية تأسيسية منتخبة من طرف الشعب غير معينة من أعلى تسهر على
وضع الدستور ليتم عرضه على الشعب من أجل التصويت ثم الانتقال إلى باقي
الجرعات الأربع في بناء و انتخاب المؤسسات التشريعية والتقريرية حتى تقوم
للدولة الوليدة و تنمو نموها الطبيعي.

لكن ما حدث عندنا في المغرب ؟ لقد رُزِقنا في سنة 1956
مولود سمي على بركة الله بسي "البلد السعيد" واختصارا بسعيد، وعوض أن يلقح
بجرعات من اللقاح الدستوري لتفادي شلل الأطفال الرهيب في المدة القانونية
الطبية المنصوص عليها فضل أهله أو بعض من أهله تأجيل التلقيح إلى غاية1962
!أي بعد أن صار سعيدا طفلا عمره ست سنوات ما يعني أنه أصيب بشلل للأطفال
الدستوري. و على الرغم من محاولات التداوي بالأعشاب الدستورية عبر سنوات 1970و 1972 و 1992و 1996إلا
أن المرض استفحل و سي سعيد أصيب بعاهة دستورية مستدامة و بذلك بقي
مقعدا.بل بعض الجيران يتحدثون ان سي سعيد سوف يجرب معه لقاح دستوري جديد منتصف هذه السنة 2011.لكنها بدون جدوى لأن اللقاح السابق لم يعد يجد معه نفعا؟

قد
تكون هذه أقرب صورة دستورية طبية لحالتنا منذ 1956. لأننا نعاني من مرض
دستوري مزمن لم ينفع معه العلاج. لماذا تأخر الدستور الشعبي في المغرب؟
سؤال يجعلنا نردده كل مرة و في كل مناسبة؟ لأن أهم مرحلة في العلاج هو
تشخيص أين الخلل؟ حتى نتمكن من البحث عن الدواء.

ظهرت
الحاجة الماسة إلى اللقاح الدستوري مع مطلع القرن 20، وذلك نتيجة عدة
عوامل ذاتية وموضوعية، منها فساد الحكم واستبداده وارتباط الدولة المخزنية
بشخص الملك رغم صغره سنه حينئذ ،حيث كان السلطان الشاب عبد العزيز مدمن
اللعب واللهو وركوب الدراجات الهوائية، ثم من بعد ازاحته من طرف أخيه
السلطان عبد الحفيظ زادت الحاجة إلى جرعة دستورية سيما بعد استشعار خطر
الاحتلال المباشر لدول لها بنيات و مؤسسات سياسية حديثة. كل هذا و غيره
دفع إلى ضرورة الحقن المؤسساتي عبر اللقاح الدستوري.و كان من الممكن أن
يتم التلقيح الدستوري سنة 1906 ثم في سنة 1908. و لكن الفرصة ضاعت و دخل
الاستعمار و بقينا بدون لقاح دستوري.

قبل
الاستقلال أو الاحتقلال بتعبير الأمير أسد الريف الخطابي رحمه الله الدالة
على أن الاستقلال كان ناقصا.كانت هناك مجموعة من الوطنيين خافت من استبدال
استبداد باستبداد، يعني أن يحل الاستبداد الأسمر "مول البلاد" محل
الاستبداد الأشقر، لذا كان أول مطلب لهم هو طبيعة الدولة المستقلة قبل
الاستقلال حتى لا نتناحر مرتين، مرة مع العدو و مرة مع أخرى مع أبناء
الجِلْدة. هذا الفكر الوطني حمل رايته رجل عظيم
ظلمه التاريخ و المخزن و شلة الفقيه علال الفاسي.إنه محمد حسن الوزان الذي
أسس حزب الشورى و الاستقلال.و قبله كان أحد مؤسسي كتلة العمل الوطني.

لماذا
فضل محمد الحسن الوزاني الشورى و كان يقصد بها الديمقراطية قبل الاستقلال؟
لأن التجارب مع "اخُوتهُم المغاربة أثبت أن شهوة الكرسي "واعرة بزاف" و
أنه لا ثقة في "كحل الراس " أمام إغراء السلطة!سيما أن أصدقاءه الوطنيين
لا يؤمنون كثيرا بفعل دمقرط يدمقرط ديمقراطية، و الدليل أنه في سنة
1936أرسلت كتلة العمل الوطني وفدا بقيادة محمد الحسن و عمر بن عبد الجليل
إلى باريس لشرح مواقف الكتلة، فلم يكن من الفقيه علال إلا أن دعا إلى
المؤتمر الأول للكتلة مستغلا غياب الوزاني لينصب نفسه رئيسا لها و الوزاني
المسافر نائبا له، و هذا ما يعرف بالدارجة " بالدقة الفاسية أو النار
الفاسية" التي هي من أصعب أنواع الحمى!أما الدقة الفاسية الثانية فكانت
بعد الاستقلال حيث تمت تصفية الشوريين الداعين إلى الدسترة.فيما يعرف
بأحداث المعتقل السري درا برشية، و إذا بالحزب الذي كان عدد أعضائه 150
ألف عضو في 127 يتقزم بفعل ضربات من ناهضوا الديمقراطية و تغلق صحافته و
مقراته.

طبعا
الفقيه علال لم تكن المرة الأولى التي "يخوي" فيها برفاق الدرب
،فقد"اخْوَا" بالأمير الخطابي عشية انعقاد مؤتمر إيكس ليبان المشؤوم حيث
اجتمعا الرجلان في القاهرة على أن يصدرا بيانا تنديديا بالمؤتمر الملغوم
الذي كان عبارة عن مؤامرة لبقاء المصالح الفرنسية بالمغرب، و عندما كان
ينتظر الأمير الخطابي مجئ الفقيه فوجئ بالفقيه يطير إلى باريس تاركا
البيان و الخطابي ينتظران! و القصة مشهورة رواها ابن أخ الخطاب...

وعلى
ذكر إيكس ليبان،أو الحمل الناقص، فقد كان واضحا أن "سي سعيد" لن ينمو نموا
طبيعيا، و ذلك لأن كل الصراعات كانت حول السلطة و الوصول إلى مقاليدها
بقدر في حين تم تغييب سؤال شكل السلطة؟

ولنا
أن نتأمل الوفود المغربية المفاوضة، حيث كل وفد لا يمثل إلا نفسه و "يلغى
بلغاه "،بما فيهم وفد عملاء فرنسا الذي حضر بقوة، كما إلتحق بهم وفد آخر
في آخر المطاف و هو وفد اليهود المغاربة المدعوم بوفد يهودي أتى من أمريكا
خصيصا ليضمن حصة سي موشي من كعكة سيد المشلم، و طبعا إذا كان العملاء
يطالبون بحقهم في سي "سعيد" فمن باب الأولى أن يطالب موشي بما تيسر...صراع
محموم على السلطة و نيل نصيبا من الكعكة عكسته عدد الوفود و تركيباتها:

وهكذا حضرت وفود مؤتمر إيكس ليبان أو "الرَكْبَة الكحلة و العَوجَا"

'سعيد' وشلل الأطفال الدستوري

'سعيد' وشلل الأطفال الدستوري :: تعاليق

'سعيد' وشلل الأطفال الدستوري