** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالرئيسية  الأحداثالأحداث  المنشوراتالمنشورات  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

 

 كما لو شبّه لي ذلك (3) الأربعاء 10 شباط (فبراير) 2016 تقييم المقال : 1 2 3 4 5 بقلم: حسن أوزين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عزيزة
فريق العمـــــل *****
عزيزة


التوقيع : كما لو شبّه لي ذلك (3)  الأربعاء 10 شباط (فبراير) 2016 تقييم المقال :  1 2 3 4 5   بقلم: حسن أوزين   09072006-161548-3

عدد الرسائل : 1394

تاريخ التسجيل : 13/09/2010
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 4

كما لو شبّه لي ذلك (3)  الأربعاء 10 شباط (فبراير) 2016 تقييم المقال :  1 2 3 4 5   بقلم: حسن أوزين   Empty
14022016
مُساهمةكما لو شبّه لي ذلك (3) الأربعاء 10 شباط (فبراير) 2016 تقييم المقال : 1 2 3 4 5 بقلم: حسن أوزين

كما لو شبّه لي ذلك (3)  الأربعاء 10 شباط (فبراير) 2016 تقييم المقال :  1 2 3 4 5   بقلم: حسن أوزين   Arton14934-37b3f

ما الَّذي يجعلني بصورة غامضة أجهل ملابسات أسبابها المعقَّدة معنيّة بقضيَّة هذا الرَّجل الهارب من الحرب العالميَّة على شعوب الشَّام؟ هل صدمة الطُّفولة، المشبعة عبر سيرورة زمن العمر الممزَّق بصور استيهامات التَّمثُّل للكينونة المجهضة، حفرت أخاديد رعبها الجهنَّميّ في ذاكرتي العميقة إلى درجة خنق بعد الانسان في قرارة نفسي، وهو يتخلَّق من تبادل تمرير قيمة الحبّ والعشق بين القلب ونبضه؟ أم أنَّنا نقف أنا وهو في زاوية واحدة لمتخيّل الخلاص، من اختلالات شروخ الذَّات المزمنة، من خلال البوح بخسارة أغلب الأحلام وأيضا الكثير من الأوهام؟ وإذا كان هو يشهد على نفسه كرجل بصدق أقوال محنته، فما الَّذي يجعلكم واثقين من حقيقة ما أقول كامرأة في قهر لعبة تقطيع زمن النّسيان، خاصَّة وأنَّ الأمر يتعلَّق بالعشق والحبّ؟ لم تعد تهمُّني تلك الحسابات القمعيَّة في تبرير حقّ صدق الكلام، لأنَّ البركان النَّائم في سبات قناع الهدوء قد انفجر، وليس بإمكاني سدُّ فوَّهته وإلاَّ تحوَّلت إلى مزق محروقة يتلاعب بها خريف الرّياح. ألم يقل في دفتره بأنَّ قبر الصَّمت عيد الخاسرين، وأنَّ أفق الكلام مأساة الحالمين؟ 

في ذلك اليوم المشؤوم، النَّجس برجس ثقافة الخوف المستندة إلى آليَّة الكائن الأسطوريّ المسمَّى الشَّيطان، وهو يبصم علامته الفارقة على وجه طفولتي البريئة بكوني العورة والعار والفتنة الحيَّة الَّتي ينبغي قطع رأسها قبل أن تعيث في الأرض والعباد الفساد والخراب، أعلنوا كلَّهم بأنَّني لم أعد طفلة وأنا في السَّابعة من عمري. حرّكوا في داخلي خطيئة تلك المرأة المشبوهة الملعونة القذرة، ذات السَّوابق السيّئة، في الإغراء والإغواء القريب من الغدر والعهر، في عالم الملكوت بدار الرَّحمن في سبع سماوات طباقا، الَّتي ينبغي أن يحسب لها ألف حساب، مع التَّرخيص لكلّ الذُّكور من الكبير إلى الصَّغير بإطلاق النَّار اللَّفظيَّة والحركيَّة إزاء أدنى حركة تنمُّ عن رغبة في خرق الإقامة الجبريَّة بين الجدران الثَّابتة لثوابت جماعتي الطَّاهرة بفطرة الرَّب في الخلق، أو تلك الأسوار المتحرّكة لسفينة الحجاب المتماوجة بين الشّراع والعاصفة في بحر الشَّهوات الهائجة لعيون رجال معبأة بأسلحة الدَّمار الشَّامل لكبت جنسيّ محفور في نفسيَّة حفريات ثقافة تاريخ الأعماق الجنيالوجي لولادة مجتمعنا المقهور بعبوديَّة الاجتياف الذَّاتي لنزوة موت الإنسان.

 في بداية خطواتي الأولى في الدُّنيا كانت الحياة جميلة ورائعة، دون قيود ولا ضوابط، مع حريَّة رحبة كالأفق السَّماويّ المفتوح لاحتضان كلّ الخيالات الجامحة المتجاوزة لمفهوميْ الزَّمان والمكان، في نوع من القدرة الكليَّة على قهر واختراق قوانين الطَّبيعة إلى درجة نفخ الرُّوح على صورتي في الأشياء الَّتي كنت ألعب بها. آه كم كنَّا نحن الصّغار قبل ولادة بشاعة زمن الحقد لإقصاء النَّوع الانسانيّ آلهة، وإن كانوا قالوا عنَّا كما شبّه لهم بضغط قلق الهجر والخوف من سؤال العدم مجرَّد ملائكة. وغالبا ما كنت أستعين بأجنحة غير مرئيَّة للسَّفر بعيدا في عوالم مجهولة لثقافة جهل وقمع حقيقة الوجود الانسانيّ للصَّغير، خاصَّة إذا كانت أنثى. كم كان ذلك الأفق السَّماويُّ حلما ورديًّا مودعا في النَّفس حرقة الأسئلة الحياتيَّة والوجوديَّة الَّتي كان الكبار يقمعون جرأتها بسلاح الخوف والإخضاع ضدًّا على عمقها الحدسيّ المجهول الاسرار.

هكذا دون سابق إنذار وبتصرُّف من جانب واحد قطعوا الحبل السُّريَّ الَّذي يصلني بالحياة. وأصدروا حكمهم الموبوء بكوني شرًّا لابدَّ منه ومن درء مفاسده مع الحرص على تحريمه ليصير حرمة في أمسّ الحاجة لمقدَّس الحلال، بين تبادل لذَّة متعة النّساء والانجاب، وحفظ درية الأصل، لتوسيع وتقوية متانة حلف فخد القبيلة. انقلبت حياة طفولتي من المشرق إلى المغرب معلنة أفول وجودي الحيّ. لم أكن وأنا على صغر سنّي لأدرك سرَّ هذا الانقلاب الفجائيّ من الحريَّة إلى الإرهاب. هكذا أغلقوا أذانهم حذر الإنصات لآيات الوجود في التَّنوُّع والاختلاف البشريّ. “ولا يزالون مختلفين إلَّا من رحم ربّك ولذلك خلقهم”. أمَّا هم فقد شمَّروا عن سواعدهم لتشريب طفولتي مكتسب قوالب لغة الذُّكورة بمقدَّس الاقتران والانعكاس الشَّرطيّ، كما لو كانت - الذُّكورة - ملكة فطريَّة للاستعداد الطَّبيعيّ في الانثى لعيش قهر وسطوة الرّجال. ودون أن أعرف سرّ هذا التَّحوُّل من البراءة إلى الشُّبهة، إلى درجة التَّملُّك الشَّرعيّ لإنسانيتي بمقدَّس الوحي، كان عليَّ رغما عنّي أن أستبطن في جسدي هذه اللُّغة النَّتنة بشكل خفيّ في نظرتي وحركاتي وطريقة تفكيري وعلى امتداد تضاريس جسدي الحيّ فيما يشبه الرَّقيب الذَّاتيَّ ضدَّ نفسي لإعدام حقّ الظُّهور في الوجود والإنتصاب في الكلام. خاصَّة وأنَّ الأمر يتعلَّق بفتاة تهزم الأولياء الصالحين بقوَّة بركات ذكائها وسحر جمالها الأخَّاذ.

لا أحد حاول بقليل من كلام لغة القوم أن يشرح لي بما يناسب سنّي حركة هذا التَّناقض الكلّيّ من الفرح إلى الحزن، من الوجود إلى العدم، من الحياة إلى الموت. فكانت كرة نار حقد الرّعب الرَّهيب تكبر مع العمر والتّعلم في أعماقي تجاه الجميع دون استثناء، خاصَّة إزاء الاجتماعيّ المقنَّع برداء الطَّبيعيّ في تراكيب اللُّغة، ومسكوكات التَّداول الثَّقافيّ، في تمرير تمييز عبوديَّة القهر اليوميّ. وسرعان ما انتبهت في مراهقتي المتمرّدة، ليس فقط على دفع جزية الأنوثة صاغرة، بل والرّدة في وجه امتياز وحدانيَّة الذُّكورة المقدَّسة، إلى خطورة لعبة الكلام في اغتيال النّساء. كانت تبدو لي الكلمات بمثابة مسدَّسات كاتمة الصَّوت، لكن مع الوقت في صيرورة الحياة وعيت أنَّ فعاليتها مشروطة بجهل النّساء لهذه الحقيقة.

ولم تكن الأسئلة لتفارقني بوجعها المؤلم الحادّ: لماذا دمَّروني كلّ هذه السَّنوات ونشروا الخراب في جوفي بلغة الحرام والخوف، كما خصبوا إرثي النَّفسي بآفات الشُّبهات والنّقص والعجز؟ ألهذا الحدّ يخاف الرّجال في مجتمعنا من النّساء؟ هل حقًّا ما تحكيه مسرحيّة نفسيّة الورع والحشمة والوقار لثقافة الذُّكورة أنَّكم جبناء ضعفاء أمام قوَّة فتنة النّساء؟ فما الَّذي يبنيه خوف ضعف الرّجال وتهدمه قوَّة شجاعة النّساء ؟

كانت حياتي كلّها سلسلة من الممنوعات والأوامر والنَّواهي الغبيَّة إلى أبعد الحدود. لذلك كنت أضحك بشكل ساخر من هذا الإخراج المسرحيّ الرَّديء، حيث يتشبث مجتمعي بحفظ براءة النَّص عن ظهر قلب متجاهلا أنَّ حقيقة المسرح في فرجة شبهات المعيش اليوميّ. وإلا لماذا فاض الواقع أمام عيني وغطَّى صور النَّهي وانزاحت نصوص الذُّكورة بعيدا لا تقوى على قوامة النّساء، أو بالأحرى فهم وعيش وحلّ الحياة؟

منذ ذلك التَّاريخ الملعون وأنا أضمر الحقد العنيف، لمنطلقات القتل الرَّمزيّ والوجوديّ لحياتي، و ضدَّ آليات القمع والإكراه الَّتي اغتصبت طفولتي وحقّي الانسانيّ في التَّمتُّع بنعمة حياة الوجود. لذلك كافحت بمختلف الأساليب الخفيّة والصَّريحة، للتَّنكيل ببداهة لغة وثقافة الموت والإخضاع، معلنة رجاحة قوَّة عقلي في تحقيق تميّز التَّعلّم ضدَّ أقراني من الذُّكور. وكم كنت سعيدة وأنا أسحل ذكورة القهر بفرح جنونيّ كذَّب بشكل ساخر أسطورة الحبّ والعشق المزعوم الكامن في صلب ذلك الإرث المشؤوم لثقافة نزوة الكراهية والموت. وكان يحلو لي دائما قنبلة جوف الرّجال الَّذين تجرَّؤوا لخطبتي، من خلال نزع حجاب العفَّة الذُّكوريَّة الكاذبة للغة، وجعلهم وجها لوجه أمام تبرّج كلماتها الباذخ الخيانة للوقار والخجل والحياء المزعوم. هكذا كنت أتكلَّم دون الخوف من سطوة الكلمات الَّتي تلزمني بخيانة تجربتي الوجوديَّة الأصيلة في الحياة. كنت أطلق العنان لذاتي للتَّعبير بحريَّة كاملة حين أصارح العريس المحتمل: أعاني من مسّ ملاك الحبّ ومجنونة بسحر العشق لإنسان ساكن في قلبي.

مثل هذه الكلمات البسيطة كانت كافية لجعل ديناصور الذّكورة في الرَّجل يرتعد، ويتحوَّل إلى مجرَّد جرذ قذر لا يقوى على الحركة. عندما يسمعون مثل هذا الكلام الصَّريح يحترق في داخلهم قشّ الذُّكورة مخلّفا رائحة أزكم من روث البهائم العفن.

لكنَّني اليوم أمام رعب امتحان عسير، وأنا ألتقي بهذا الرَّجل صدفة، كما لو كنت إزاء نور ومض قلبي فجّره عشقه المدفون في تاريخي المنسيّ بالصَّدّ والكفّ، ولم لا بالكبت؟ أيعقل أن يخرج رجل من متخيّل الكتابة والعشق الشّعريّ أو النَّثريّ إلى الواقع الحيّ؟ وهل حقًّا يمكن لهذا الزّبل المخيف من قيم الكراهية والحقد ضدّ النّساء وجنون نزوة الموت أن يخلّف رجلا بقلب إنسان؟ ولماذا إحتاج هو إلى ستَّة عقود ليقلّب جمر حلم الحبّ والعشق دون أن يقلّق بشأن حصاد ملح الغبار والرَّماد الَّذي ذرَّته رياح الذُّكورة على أشلاء قلبه المنثور، كما لو كان من أصحاب المشأمة في يوم قارعة بعثه المنشور؟ هل حقًّا يحتاج الإنسان إلى سنتين لتعلم الكلام، وإلى أكثر من ستين سنة ليتعلَّم حبَّ الإنسان في الإنصات لنصفه الملغى، وهو يدفع الثَّمن من حساب العمر؟ لا أصدّق إطلاقا أنَّ رجلا من ثقافة مجتمعي يحمل في داخله عذاب خيالات لولبيّة، لتدفّق الجواري والسَّبايا على السَّابقين والتَّابعين... كما يرزح تحت وطأة عبء هوس قرون مثنى وثلاث ورباع، أن يخرج في النَّاس شاهرا قلبه الحيَّ الَّذي اقتلعه من صدره لينير درب النّساء؟ و كيف لفتاة مثلي في مقتبل العمر أن تدرك كلّ هذه الأسرار؟

أحيانا تتملكني نوبة جنونيَّة لتمزيق هذا الدَّفتر المنحوس، والتَّخلُّص منه عبر بالوعة المرحاض. لكن ما قرأته في صفحاته يتحدَّاني بروعة عشق هذا الإنسان. لكن ما الَّذي جاء به إلى عيادة الكلام في ذلك الصَّباح الممطر؟ هل ضاقت به سبل الإصغاء ولم يجد أذنا لاحتضان لوعة الكلام، وهي تلتهب بنار حبّ هارب من سخريَّة الأقدار؟

وبعد أن طالت غيبته ولم يأت في جلسة الخميس، ولكي أرتاح من ثقل هذا الدَّفتر المشؤوم اتَّخذت القرار الصَّعب، إذ عدت إلى البيانات الشَّخصيَّة للرَّجل بحثا عن رقم هاتفه لأخبره بشأن دفتر عشقه المنسيّ. وكلَّما اتَّصلت كانت سلعة صوت امرأة لشركة الاتّصالات تكرّر الإجابة نفسها: الرَّقم الَّذي تطلبونه غير مشغل أو يوجد خارج التَّغطية. ودون أن أعرف كيف حدث ذلك وجدتني أتصفح مرَّة أخرى ذلك الدَّفتر المهجور.

1- الصَّمت عيد الخاسرين...

لم أكن أعتقد بأنَّ الحياة تعاش بهذا الشَّكل الصَّامت الغريب، كانت الخسارة تلعب لعبتها الخسيسة القذرة، فبعد أن حطَّمت كلّ ما هو جميل في داخلي دون أن تفلح في فرض انكساري لتضمّني إلى فضائها المسموم بلوثة الكراهية والحقد، كانت تسخر ضاحكة من نبي عشق لفظه حضن امرأة لم تعبأ بملك وحي الحبّ.

كنَّا معا نتكلَّم نفس الأفكار ونرخي العنان لأحلام الحبّ لتنطق الحروف على الألسن. ونمارس جرأتنا في العناق والقبل والضَّم والرَّعشة هي المبتغى، البعيد عن المبغى. ونقسم بقيم الإنسان الجديد على أنَّنا لسنا عبدة أوثان لما وجدنا عليه أباءنا من عبوديَّة الإنسان للإنسان. كانت تقول بهزء وهي تضغط على الحروف: لا مثنى ولا ثلاث ولا رباع...

واحدة تكفي. أرد صادقا كمن تنازل عن إرث أجداده الثَّقيل لعابر سبيل.

كانت ثقتنا عالية بانتصار خروجنا عن المألوف في التَّقاليد والعادات. لم نكن نرفع الشّعارات الكبيرة، أو نتقدّم الاحتجاجات الغاضبة العنيفة، ولا نبحث في الثَّورة عن الألفاظ ذات الجرس و الإيقاع القريب من سجع الكهَّان. لم نكن نتكلَّم كثيرا لأنَّنا كنَّا نؤمن بالممارسة في التَّغيير والثَّورة والعلمانيَّة...في علاقتنا مع ذواتنا والآخرين والعالم. لذلك تخليّنا عن الكثير من الموروثات في الطُّقوس والعادات والتَّقاليد، وفي التَّصوُّرات والمعتقدات، ولم نكن نقبل أيَّة مساومة في هذا الشَّأن. لم تكن طريقنا معبَّدة ولا مفروشة بالورود، كما يقول تعبير ألم معاناة الوعي بكرامة الإنسان.

وكما تهجم جيوش نظام مستبدّ عربيّ على شعبه بالتَّنكيل والقتل والتَّدمير، مدفوعة بعدوانيَّة نزوة الموت والحقد المترسبة في أعماق نفسيَّة ثقافة تنشئة البصر والبصيرة، والرُّؤية والمشاعر والإحساس، وتحديد العلاقات والدَّلالات، وكما ينفجر صيف حارّ شرس وعدواني قبل أوانه في بداية فجر الأيَّام الأولى لفصل الرَّبيع، محاصرا الحياة بلغة الخريف، بما يشبه المجاعة المذبحة في استئصال الإرادة والإجهاز على الغريم، مثل ما حدث في الماضي ويحدث اليوم في حصار المدن، جاء الحمل الأوَّل لامرأتي معلنا النُّكوص وابتلاع طعم التَّقاليد والعادات المجتمعيَّة، والرُّضوخ التَّدريجيّ لمنطق الوصاية في سلطة العلاقات العائليَّة والاجتماعيَّة الممتدَّة، فاختلَّ تفاعل العشق بين القلب ونبضه، وبدأ الكثير من أشجار القيم والمبادئ والأفكار، الَّتي سقيناها بدماء الحبّ، تفقد أوراقها دون أن تكترث تلك المرأة الَّتي أحببتها بصدق. كانت ترى في صيرورة الخنوع هذه واقعيَّة العيش بين النَّاس، بعيدا عن غربة جنون الخروج عن المألوف في السُّلوك والمواقف والأفكار، هكذا تسلَّل وباء حكمة ما قبل تاريخنا إلى جذور أزهار وأشجار حديقة حبّنا المزعوم. ولم أكن معنيًّا بتلك الأزهار السَّاحرة الجمال، ولا بتلك الأشجار الشَّامخة الَّتي كانت تذبل شاحبة وتذوي أوراقها بسرعة تساقط الأيَّام، معلنة موتها العجول. وفجأة دون أن أعرف كيف صرت أمارس طقس الهنود في حرق أجزائي الحيَّة هذه الَّتي استسلمت لجفاف حرقة خريف مستقرّ العادة في العيش كالجثث الفاقدة للحياة. لقد كنت معنيًّا بالأساس بتلك الأزهار والأشجار الَّتي ظلَّت صامدة قويَّة وحيَّة في وجه كلّ الصّعاب والمحن. كنت معنيًّا بسرّ نسغ الحياة المتدفّق في أعماقها، لأنَّ منه كنت استمدُّ عشق الحياة، لأكذّب أسطورة واقعيَّة الطُّمأنينة والهناء في عيش تقليد المألوف تحت الظّلال الوارفة لنزوة الكراهية والموت. وربَّما بسبب خيالاتي العمياء في التَّصلُّب والعناد كنت أحمي وأصون شيئا غامضا في الأعماق، لا يتبلور ويتطوّر إلَّا في سيرورة العذاب والألم، شيئا يشبه الرُّؤيا في نكران عبء جثَّة الذَّات في إعاقة الدفّاع عن قيمة الحياة، وليس الفناء في وهم الخلود. ومع الأيَّام أدركت بشفافيَّة الحبّ جماليَّة تلقي الحياة من تلك الأزهار والأشجار الَّتي آمنت بقيمة حقّ الحياة، وتحدَّت لعنة الخضوع لمألوف الجثث في عيش الحياة.

جاء الحمل الأوَّل كالنَّافذة الَّتي يعود منها المطرود من الباب، كان فرصة للسَّائد والتَّقليد العفن في العلاقات المجتمعيَّة أن يأخذ بتأثره المكبوت، عبر دم الأقارب والأهل والأحباب، وكان مرفوقا بالرّهان والمخاطرة على أنَّه ولد وليس بنت، وكانت امرأتي لا تكفّ عن الغناء:

ولد.. لو عندي ولد...

ومع المخاض جاءت العقيقة، بحساب رمزيّة قدسيَّة الأيَّام متلازمة بمنطق أضحية القربان و أقنعتها في معاودة إنتاج نفس العلاقات المجتمعيَّة، ساخرة من عشق تجاوز الواقع بالخيال، وأنا أرى كيف كانت شبهة لعبة المخاطرة تغيب وجود المولود بلعنة المشابهة بين الأب والأمّ والخال...

 2- والكلام أفق حلم العاشقين “فتلقى أدم من ربّه كلمات”

أنا الإبن الَّذي قذفت به أيُّها العاشق المزعوم وسط رحم العلاقات الملوَّثة بمرض فقدان المناعة النَّفسيَّة الفرديَّة والمجتمعيَّة، وبمرض فقر الدَّم الثَّقافيّ والفكريّ والتَّاريخيّ، لقد ظلمتني وأنت تهيئني بلغة الحوار والتَّواصل وقبول التَّعدُّد والاختلاف...

لقد أجهزت على إنسانيتي ودمَّرت نفسيتي الهشَّة الصَّغيرة، وأنا أعيش المفارقات الجهنميَّة بين تربيتي وتنشئتي، وما يعتمل في المجتمع من ويلات لا علاقة لها بمتخيّل الكتابة الَّذي شحنتني به، فهل كنت تبدع كائنا ورقيًّا إزاء وسخ الحياة اليوميّ الَّذي كان يلفُّني؟ لقد كان الأطفال أقراني يسخرون منّي وأنا أضحك من اعتقاداتهم الخرافيّة بوجود كائنات عجيبة خارقة تهدّد وتتحكَّم في حياة الإنسان، مثل الجنّ، الشَّياطين، والعفاريت، كما استغربوا لجوئي دائما إلى لغة الكلام الهادئ لحلّ الخلاف وتجنُّب الاعتداء والخصام. فهل كنت حقًّا افتقر إلى أوصاف معاني لغة الرُّجولة؟

ولا تنس أنَّني عانيت كثيرا حين التحقت بالمدرسة، حيث وجدت قردا يلهو بعصا سيّده يسمَّى معلّما أو أستاذا، وهو يخيف الأطفال من عاقبة الكلام. والويل لمن تجرأ على الاستفسار أو سوَّلت له نفسه طرح السُّؤال. لقد تلاعب هذا القرد بمشاعر طفولتي، وهو يزجُّ بي في يمّ سخرية الأطفال بين الغمز واللَّمز والتَّنابز بالألقاب، كلَّما أصررت على المشاركة في الدَّرس بكسر صمت الاستماع لوحي صحيح درسه المزعوم. وكنت أبدو لهم مع توالي السَّنوات غريب الأطوار، حين أقبل كلّ الأفكار وأحترم جميع المعتقدات والآراء، وغالبا ما كان بعضهم يقول عنّي كافرا زنديقا حين لا أشاطرهم عبادة أفكار وممارسات الأجداد.

ألم يكن من الوقاحة أن تترفَّع عن مسخ مجتمعك، وتتنازل بلغة الخيال عن سلطتك الأبويَّة لتجعل منّي صديقا في ساحة حرب الكبار على الصّغار والرّجال على النّساء؟ هل كنت تجهل بشاعة القتل اليوميّ لإنسانيَّة الإنسان، وإلاَّ لماذا اخترت لي هذا المسار، ودفعت بي دفعا إلى هذا المصير القذر، وأنا أدفع الثَّمن من زهور عمري أضعافا وأضعاف؟

لا أستطيع أن أغفر لك أيُّها الجبان المقنَّع برداء الحبّ والعشق هذا العذاب الَّذي احترقت به منذ صباي، وأنت تجعلني في وجه الكراهية أتّسع حبًّا لكلّ النَّاس، وهم يضيقون الخناق عليّ بكوني شبهة وبدعة فساد الزَّمان. ما نفع أن تسقيني من ماء العقل والحكمة والنَّاس ترتوي من طوفان الجنون؟ ما كان لك أن تجعلني على صغري قربانا لإزاحة هذا السَّواد الغشوم، وهل يقوى إنسان مسالم أعزل مثلي على قتال خفافيش الظَّلام؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

كما لو شبّه لي ذلك (3) الأربعاء 10 شباط (فبراير) 2016 تقييم المقال : 1 2 3 4 5 بقلم: حسن أوزين :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

كما لو شبّه لي ذلك (3) الأربعاء 10 شباط (فبراير) 2016 تقييم المقال : 1 2 3 4 5 بقلم: حسن أوزين

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: اخبار ادب وثقافة-
انتقل الى: