** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالرئيسية  الأحداثالأحداث  المنشوراتالمنشورات  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 تقصي المستحاثات في درب التبانة(*)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ايمن سعيد
مرحبا بك
مرحبا بك
avatar


عدد الرسائل : 49

تاريخ التسجيل : 08/07/2015
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 7

تقصي المستحاثات في درب التبانة(*) Empty
12072015
مُساهمةتقصي المستحاثات في درب التبانة(*)

تقصي المستحاثات في درب التبانة(*)

في تاريخها السحيق، قامت مجرة درب التبانة (1) بابتلاع الكثير
من المجرات الصغيرة. والآن تقدم المخلفات الكونية، التي تركتها
هذه المجرات وراءها، أدلة حديثة على كيفية تشكل منطقتنا الكونية.



 

باختصار
  خلال دوران المجرات القزمة حول مجرة درب التبانة، تقوم قوة الثقالة لمجرتنا (درب التبانة) بتفريقها ببطء إلى ذيول طويلة تسمى مواكب نجمية stellar streams. ويقوم الفلكيون، الذين يُطلق عليهم علماء آثار مجراتية، باستعمال مستحاثات هذه المجرات المفقودة لدراسة ماضي درب التبانة.

  لقد اكتشف الفلكيون أول دليل على موكب نجمي ممتد حول مجرتنا عام 2003، ثم وجدوا قرابة دستة من مواكب أخرى منذ ذلك العام. وتحليلُ هذه المواكب يدعم النظريةَ التي تنص على أن درب التبانة قد كَبُر إثر ابتلاعه لمجرات صغيرة.

  وقد تتوصل الدراسات المستقبلية للسمات المميزة لمدارات النجوم وتركيبها الكيميائي إلى معرفة مكونات المواكب النجمية التي تلاشت منذ أمد بعيد. وفي النهاية، فقد لا يوضح علم الآثار المجراتية تاريخ درب التبانة فحسب، وإنما أيضا الطريقة التي تتطور بها المجرات على مرّ الزمن.
 

 

اخرج إلى العراء في ليلة ظلماء صافية بعيدا عن وهج أضواء المدينة وانظر عاليا، فسرعان ما ترى الطوق المتلألئ لمجرة درب التبانة مشكِّلا فوق رأسك قوسا مثيرا. لقد مضت أربعة قرون حتى الآن منذ أن وجه <گاليلو گاليلي> منظاره للمرة الأولى نحو هذا المنظر المهيب، ولاحظ أن ما سُمِّي «لبنا أو حليبا» ما هو في الحقيقة إلا عدد لا حصر له من النجوم المنفردة الباهتة الضوء لدرجة أنه يصعب تمييزها بالعين المجردة. وقد استغرق الأمر من علماء الفلك ثلاثة قرون أخرى ليقتنعوا بأن مجرة درب التبانة ما هي إلا واحدة من بلايين المجرات في الكون.
 

وفي الواقع، فإن مجرة درب التبانة نفسها ليست مجرة واحدة فقط. فقد أظهرت دراسة حديثة أنها قامت، بمضي الزمن، بجذب وابتلاع العديد من المجرات الأصغر منها ودمج نجوم تلك المجرات فيها. ويوجد على الأقل عشرون مجرة قزمة(2) يتراوح حجمها بين واحد في المليون إلى واحد في المئة من حجم درب التبانة، ومن المؤكد أنها تدور في فلكها الآن، ومن المحتمل وجود عدة دستات منها لم تكتشف بعد. ويُعتقد أن السواتل(3) الموجودة حاليا ما هي إلا أجزاء صغيرة من تلك التي كانت موجودة من قبل، وأن البقية قد تم سحبها إلى مجرتنا وامتصاصها منذ زمن طويل بفعل الجاذبية. فقد بدأت هذه الوليمة (ابتلاع المجرات) عندما كانت مجرة درب التبانة أصغر سنا وحجما مما هي عليه الآن وهذه الوليمة مستمرة حتى يومنا هذا، وحتى المجرات التابعة التي لاتزال موجودة حتى الآن فإنه يمكن ابتلاعها في نهاية المطاف.
 

وبعد وقت طويل من إفناء ضحايا هذه الشهية التثاقلية لمجرة درب التبانة، تترك تلك المجرات آثاراً لها على شكل سيول وجداول ضخمة من النجوم باهتة الضوء تمتد عرض السماء. وعلى مدى الخمسة عشر عاما المنصرمة، كشف حقل علمي جديد نسبيا متعلق بهذا الموضوع، سُمِّي فيما بعد علم تأريخ المجرات البدائي(4)، العديدَ من هذه السيول أو المواكب النجمية. ويعكف علماء تأريخ المجرات على دراسة هذه الآثار المتبقية والقادمة من ماضي مجرتنا لتجميع المعلومات والأحداث عن تاريخ مجرة درب التبانة للحصول على أدلة على كيفية نشوء وتكوّن وتطور المجرات الحلزونية spiral galaxies الأخرى كما يسميها الآخرون.
 

من المنطقي دراسة المجرات من الخارج تماما مثلما تتم دراستها من الداخل. نحن لا نستطيع تطبيق ذلك في مجرتنا، لكننا نستطيع الحصول على معلومات مفصلة لا يمكن التوصل إليها بفحص المجرات الأخرى من الخارج من خلال الاستفادة من رؤيتنا القريبة والمُحكمة من داخل درب التبانة.
 

لقد ساعد هذا الحقل العلمي الجديد فعلا على إثبات طريقة تنامي مجرة درب التبانة والمجرات الفتية الأخرى. واكتشاف العديد من هذه المواكب النجمية الناشئة عن سواتل أو أقمار زالت قبل زمن طويل، يدعم النظرية المتبناة على نطاق واسع والقائلة إن مجرتنا بدأت صغيرة الحجم وتضخمت جزئيا بإضافة تكتلات على دفعات كبيرة بعملية تسمى تكوّن البنية الهرمية(5). ومع أن جزئيات عدة من هذا السيناريو لا تزال غامضة، فإننا نقوم ببطء، ولكن بل بكل ثقة، بكتابة السيرة الذاتية لدرب التبانة.
 

كيف تتكون المجرات(**)
 

تنص النظرية الهرمية(6) لتكون المجرات على أن الدافع الرئيسي لنمو مجرات ضخمة مشابهة لدرب التبانة ليس المادة الباريونية(7) (النجوم والغاز والغبار، التي يمكننا رؤيتها، والتي تتألف من الجسيمات نفسها التي نتكون منها أنا وأنت). فمن دون شك، إن القوة الدافعة هي هالات halos، أو فضاءات ضخمة مكونة من مادة قاتمة غير مرئية، وهي التي تحيط بالمجرات وتغمرها، ويعتقد أن الهالات الصغيرة للمادة القاتمة هي التي تكونت أولا، ثم تراكمت تدريجيا لتصبح هالات أكبر تدفع المجرات الكبيرة إلى ابتلاع تلك التي هي أصغر منها.
 

أما اليوم، فإن هالة المادة القاتمة dark matter لكل مجرة أكبر كتلة وأوسع انتشارا عدة مرات من المادة العادية المرئية. ومع أنه مازال يتعين على الفلكيين اكتشاف ماهية المادة القاتمة (التي لا ندركها إلا من خلال سحبها التثاقلي لأي شيء آخر)، من الغريب أن لدينا بعض الثقة في الرؤية المتعلقة بكيفية تجمع هذه المادة، لأن معدلات التجمع المرصود للمجرات وتفاعلاتها المتبادلة تنسجم مع النماذج الموضوعة لفرضية تراكم المادة القاتمة. إن الغموض الذي يكتنف تكون المجرات لا يكمن حقيقة في المادة القاتمة، بل في المادة الباريونية العادية المكونة من جسيمات تتفاعل بطرائق معروفة يمكن دراستها هنا على الأرض.
 

تقصي المستحاثات في درب التبانة(*) 2015_01_02_33
ليل مرصع بالنجوم: يتوهج درب التبانة في سماء ليل المحيط الهادي فوق صحراء Atacama في تشيلي.

 

وتنطلق وجهة النظر الأساسية في الطريقة التي تسهم بها المادة الباريونية في نشوء وتطور المجرات من هالة المادة القاتمة. فهذا الجسم يسحب مادة عادية بحالتها الغازية باتجاهه بفعل قوة الثقالة(8). ويمكن للغاز المندفع نحو مركز الهالة، عندما تتوفر ظروف ملائمة، أن يشكل النجوم. وعندما يقترب بعض هذه النجوم من نهاية حياتها، فإنها تنفجر وتعيد ذراتها إلى الغاز داخل المجرة، وربما أبعد منها، وغالبا ما تطلق جيلا آخر من النجوم التي تتكون من أي بقايا للغاز والغبار. والأكثر احتمالا بهذه الطريقة تشكل القلب المركزي (الانتفاخ) لدرب التبانة وأذرعه اللولبية (القرص).
 

بيد أن درب التبانة يحتوي على كرة ضخمة (تسمى هالة أيضا) مكونة من نجوم منتشرة تحيط بالانتفاخ والقرص. وربما أتى كثير من هذه النجوم متطفلا من مجرات قزمة دمرت قبل عهد بعيد. وطبقا لنظرية التكون الهرمي لكيفية تشكل المجرات، تنضم النجوم إلى الهالة وفق متتالية من الأحداث تجري بطريقة مماثلة لما يلي: أثناء دوران مجرة قزمة في مدارها حول درب التبانة، فإنها تشعر بقوة الجاذبية (قوة السحب التثاقلي)(9) للمجرة الكبيرة والتي تزداد قوة كلما اقترب الساتل من المجرة الأكبر. وعندئذ تخضع المادة (النجوم والغاز والغبار والمادة القاتمة) المتموضعة على الجانب الأقرب إلى درب التبانة لقوة جذب أكبر قليلا من تلك التي تتعرض لها المادة الموجودة على الجانب الأبعد.
 

ونتيجة لذلك، تستطيل المجرة القزمة على طول المستقيم الممتد بينها وبين المجرة التي هي أكبر منها، وتتقدم هذه الاستطالة بفعل قوى تسمى القوى المدية(10) - القوة الفيزيائية نفسها التي تدفع القمر ليتسبب بحوادث المد والجزر في محيطات الأرض. وخلافا للتفاعل المشترك بين القمر والأرض، فإن القوى المدية لدرب التبانة والمؤثرة في أقمارها أو سواتلها satellites يمكن أن تكون قوية بما يكفي لإزالة مادة من هذه المجرات. وفي هذه الحالة يتم انتزاع النجوم من جسم المجرة القزمة، وحالما تُزال المادة، تبقى النجوم في قبضة قوة الجاذبية لدرب التبانة وتواصل مسيرتها في مدارات فرعية تبتعد شيئا فشيئا عن مدارات المجرة الأم. وبمرور الزمن، يُحدِث هذا الابتعاد الطفيف انتشارا متواصلا لبقايا هذا الحطام التي يزداد انتشارها وابتعادها عن مجراتها الأصلية لتكون مواكب نجمية.
 

لقد أوضحت هذه الصورة النظرية الكثير من المفاهيم، لكن ما كان يفتقر إليه العلماء، ولوقت طويل، هو الأدلة المادية والحسية. أما وقد حصلوا عليها الآن، فقد بَيَّن اكتشاف العديد من المواكب النجمية أن درب التبانة بدأ منذ بلايين السنين بالتهام جيرانه، وذلك عندما كان فتيا، وأنه يواصل اليوم التهام المجرات القزمة. ومع أننا رأينا برهانا على مواكب نجمية أتت من مجرات قزمة مرافقة ومعظمها كان حول مجرتنا، فربما يحدث مثل هذه المواكب حول جميع المجرات اللولبية المشابهة، مع أن تلك المواكب البعيدة ستكون عموما أبهت من أن تكتشَف عن بعد.
 

غير أن العديد من تفاصيل عملية التكون الهرمي مازالت غامضة، ومنها: متى ابتلع درب التبانة معظم سواتله المجراتية؟ وما هو معدل التهامه للمجرات القزمة؟ وما هي المدة التي يستغرقها في دمج نجومها؟ للإجابة عن هذه الأسئلة يتعين على الفلكيين إخضاع مزيد من المواكب النجمية لدراسة دقيقة وعميقة، وكذلك بقايا المواكب الميتة.
 

التنقيب عن مستحاثات مجراتية(***)
 

يبحث الفلكيون عن المواكب النجمية في درب التبانة بطرائق متعددة، أولها وأكثرها مباشرة هي البحث عن مجموعات من النجوم تبعد المسافة نفسها عن مجموعات من نجوم تبعد عنا المسافة نفسها وتتجمع معا في خيوط طويلة. ولهذا، فنحن بحاجة إلى خريطة جيدة ثلاثية الأبعاد لنجوم مجرتنا تبين مسافات ومواقع أكبر عدد ممكن من النجوم في جميع الاتجاهات.
 

وعلى مدى الخمس عشرة سنة المنصرمة كان ما حصل عليه علماء الآثار المجراتية هو معلومات بصيغة بيانات وفرتها لهم عملية مسح رقمي للسماء اسمها (the Sloan Digital Sky Survey (SDSS. لقد استخدمت هذه العملية مقرابا مخصصا لذلك في مرصد في نيومكسيكو اسمه Apache Point Observatory لجمع معلومات عن أكثر من 80 مليون نجم ضمن درب التبانة، إضافة إلى معلومات عن أبعادها وألوانها وخصائص مميزة أخرى، وتنتشر هذه النجوم في ربع واحد من السماء. وقد وفر العدد الهائل للنجوم في هذا الكاتالوگ(11) مرجعا فريدا للتنقيب عن مستحاثات تعود إلى ماضي درب التبانة.
 

ويُظن أن نسبة النجوم التي ولدت أولا في مجرات أخرى ثم صنفت لاحقا في مجرتنا صغيرة عددا، إذ إنها قرابة واحد في المئة أو أقل في مجرتنا التي تؤوي مئات البلايين من النجوم. لكن خريطة سلون Sloan قدمت إلى الفلكيين قرابة مليون نجم دخيل محتمل ليجري فحصها عساهم يجدون دليلا على مجرات ماتت قبل أمد بعيد. وقد بحث علماء الآثار المجراتية في هذه الخريطة عن نجوم يحتمل أن تبعد عنا مسافة مناسبة لتكون واقعة في الهالة المجراتية. وقد حدد الفلكيون من بين هذه النجوم مواقع مواكب نجمية تتخذ شكل الذيول وتستوطن مناطق أكثف نجوما من البقاع المحيطة بها. وقد كان الفلكيون يعرفون شكل الذيول جزئيا عن طريق المحاكيات الحاسوبية التي ابتكرتُها ونشرتُها عام 2005 بالتعاون مع الكوسمولوجي <J. بولوك> [من جامعة كاليفورنيا]. وقد استفدنا من فهمنا للكيفية التي تتكون بها هالات المادة القاتمة هرميا، وترافق ذلك مع فهمنا لفيزياء القوى المدّيّة، وذلك للتنبؤ بحجم وامتدادات المواكب النجمية التي تنشأ عن ابتلاع الكثير من المجرات الحلزونية خلال تشكل مجرة درب التبانة.

 

 
[فيزياء المواكب النجمية]
من المجرات القزمة إلى الروافد النجمية(****)
  إن اكتشاف البنى التي تسمى مواكب نجمية(12)، والتي تقع على حافة درب التبانة، أعطى الفلكيين دليلا على أن مجرتنا ومجرات أخرى مماثلة لها تنمو عن طريق التهامها لمجرات قزمة صغيرة. وهذه المواكب هي أمارات تشي بأن مثل هذا الالتهام قد حدث بالفعل. وفي مجرتنا تبدأ المواكب بالتكوّن حين تصبح مجرة قزمة قريبة جدا من درب التبانة (1). وتولد قوة الثقالة الكبيرة للمجرة قوى مدية، سحبها في الجانب القريب من المجرة القزمة أقوى من سحبها في الجانب البعيد عنها. وتمط هذه القوى المدية المجرة القزمة تدريجيا على طول المستقيم الواصل بينهما وبين درب التبانة (2). وتنجر النجوم فرادى بعيدا عن المجرة القزمة وتكون مواكب نجمية (3) وتتحرك على طول مدار يبعد قليلا عن المجرة القزمة. وبمرور الزمن، تمتد هذه المواكب لتغدو أوسع انتشارا. ومن الممكن للمواكب التي تسببها مجرات قزمة كبيرة أن تتمدد في نهاية المطاف لتطوق درب التبانة كله (4).
تقصي المستحاثات في درب التبانة(*) 2015_01_02_35
 

 

وفي عام 2003 جاء أول دليل مقنع على وجود موكب نجمي متطاول حين اكتشف فلكيون يقودهم <S. ماجڤسكي> [من جامعة ڤرجينيا] ذيولا عملاقة منبعثة من أقرب ساتل معروف لدرب التبانة، هو مجرة القوس والرامي القزمة(13)، وذلك في البيانات التي وفرها المشروع the Two Micron All Sky Survey الشبيه بمشروع سلون Sloan الذي أجري في الأشعة تحت الحمراء. وتقع ذيول الموكب قريبا جدا من مدار مجرة القوس والرامي، وهي تحوي عددا من النجوم يعادل تقريبا عدد النجوم التي مازالت موجودة في مجرة القوس والرامي نفسها. والذيول طويلة جدا بحيث إنها تحيط دائريا بكامل مجرتنا. وقد تم رصد مجرة درب التبانة وهي في حالة هجوم على أقرب جار (لكن يبدو أنه ليس الأحب) إليها.
 

ومنذ ذلك الاكتشاف، اكتشف علماء الآثار المجراتية في كاتالوگ سلون(14) نحو دستة إضافية من مواكب النجوم حول مجرتنا. و يمكننا القول، بناء على طول ذيول مجرة القوس والرامي، إن هذه المواكب كانت على مدى بليوني إلى ثلاثة بلايين سنة تفقد من نجومها. ويبدو أن أعمار المواكب الأخرى التي نراها تقدر ببضعة بلايين من السنين. وتشير هذه الاكتشافات إلى أن درب التبانة كان يبلع مجرات أكثر في تاريخه المبكر، وأن مقدار ما يهضمه منها هبط في الآونة الأخيرة بسبب نقص عدد المجرات القزمة التي يمكن ابتلاعها. وحتى الآن تنسجم هذه الاكتشافات مع تنبؤات نظرية التكون الهرمي. ومع ذلك، فمن المحتمل أن تكون المواكب النجمية المعروفة هي مجرد جزء من المواكب الموجودة حاليا. ولا بد من وجود مواكب أخرى يصعب رصدها الآن بسبب ضعف نورها، ولكنها تخفي المزيد من المعلومات عن ماضي المجرات.
 

أدوات جديدة للاستكشاف(*****)
 

والاعتماد على مواقع النجوم للعثور على مواكب نجمية سيفوّت علينا رؤية الكثير من المواكب القديمة، ذلك أنه يمكن لفروق طفيفة بين الخاصيات المدارية للنجوم على مدى بضعة بلايين من السنين أن تتسبب في حدوث استطالة وانتشار وشحوب(15) في الضوء، وحتى اضمحلال للمواكب النجمية، وهذا ما يجعلها تفقد أي بنية واضحة. ويعكف الفلكيون حاليا على البحث عن طرائق لاستخدام خاصيات نجمية أخرى للعثور على مواكب شديدة التفكك، وعلى بقايا مواكب أيضا انفصل بعضها عن بعض تماما. وستساعد تجمعات النجوم هذه العلماء على استكشاف أكثر الفترات الزمنية نشاطا في تكوّن المجرات والتي حدثت منذ أكثر من عشرة بلايين عام، وضمن البلايين القليلة الأولى بعد الانفجار الأعظم the big bang، حيث تشكلت معظم النجوم في الكون. فهذا هو الوقت الذي التحم فيه، ليس فقط بضع مجرات وتجمعات نجمية صغيرة، بل المئات منها لِتُكوِّن درب التبانة.
 

وتتضمن إحدى الطرق المستخدمة للتقصي عن هذه البقايا المتخلفة عن مجرات أصبحت الآن بعداد الميتة، البحثَ عن نجوم لها مدارات مشتركة. فبعد وقت طويل أصبحت نجوم المواكب(16) مبعثرة جدا بحيث لا يمكن التعرف عليها من مواقعها، إلا أنه يمكن الاستفادة من حركتها لتمييز النجوم التي كانت يوما ما جزءا من المجرة نفسها، وأن نتعلم كيف انضمت إلى مجرة درب التبانة. وهذه هي إحدى المهمات الكثيرة التي يقوم بتنفيذها الساتل گايا Gaia الذي أطلقته وكالة الفضاء الأوروبية the European Space Agency في الشهر 12/2013. وسيمضي گايا السنوات الأربع القادمة في توليد مجموعة بيانات تغيير قواعد اللعبة لعلماء الآثار المجراتية، وذلك بقياس مسافات ومواقع وحركات أكثر من بليون نجم. وهذا مكسب مثير بسبب العدد الهائل للنجوم التي تجري فهرستها، ولأن الأبعاد الكثيرة للمعلومات التي يجري قياسها لكل نجم ستسمح لنا بحساب كامل مدارات هذه النجوم. وهكذا يمكننا اختيار نجوم لها خاصيات مدارية متشابهة، لاحتمال قدومها من المجرة الأصلية نفسها، حتى ولو كانت مواقعها في السماء لا تُظهر أي نوع من الارتباط بينها.
 

إضافة إلى ذلك، هناك ما يجعل النجوم لا تنسى البتة مكان ولادتها: إنه تركيبها الكيميائي. وهذه الكيمياء طريقة محتملة أخرى لكشف المواكب النجمية. والنجوم تُغير باستمرار تركيبها الكلي عن طريق الالتحام النووي الذي يحدث في نواها، والذي يدمج العناصر الخفيفة لتصبح أثقل. لكن لا يمكن للالتحام النووي أن يحدث إلا في المناطق المركزية الأكثف والأشد سخونة من النجم، ويُظَنَّ أن الفضاء المحيط بالنجم، وهو ما يعكف الفلكيون على دراسته، مطابق للغاز الذي ولد منه. ويسعى الفلكيان <K. فريمان> [من الجامعة الوطنية الأسترالية] و<J. بلاند-هوثورن> [من جامعة سِدني] إلى استخدام هذه الذاكرة المميزة لا للعثور على روافد نجمية فقط، وإنما لتصنيف النجوم التي لها بصمات كيميائية متطابقة في المجموعات النجومية التي ولدتها أيضا، بصرف النظر عن الموقع الذي تشغله حاليا في السماء.
 

لن ينجح الأسلوب البسيط لـ<فريمان> و<بلاند-هوثورن> في استخدام سمة كيميائية وحيدة لتحديد النجوم المرتبطة بمجرة قزمة معينة، فمن المحتمل أن تحتوي هذه المجرات ذاتها على نجوم ولدت في العديد من تجمعات نجومية مختلفة تتمتع بسلسلة من المركبات الكيميائية. ومع ذلك تتعاون طبيعتا التأريخ الكوني والتكون النجمي بحيث يمكن لمقاربة كيميائية مماثلة إعطاؤنا بعض المعلومات عن تاريخ نمو مجرة درب التبانة.
 

أولا، إن النجوم المتكونة فيما بعد ضمن مجرة مفروضة، تحتوي عموما على عناصر ثقيلة أكثر مما تحتويه النجوم التي تكونت في وقت أبكر، لأن المادة التي تكونها سبق إغناؤها ببقايا الأجيال السابقة من النجوم.
 

ثانيا، تتم معرفة كيف تستمر عملية الإغناء هذه بالضبط عن طريق تدفقات الغاز المحكومة جزئيا بالتأثير التثاقلي لجاذبية هالة المادة القاتمة للمجرة. ويوحي هذان الأثران أن المجرات التي لها الكتلة نفسها تقريبا، والتي تنمو وتنهار في الوقت نفسه تقريبا، لا بد وأن تزود النجوم بالتوزيع نفسه للمركبات الكيميائية، أي الانتشار نفسه للغزارة الكمية للعديد من العناصر المختلفة. وبالعكس، سيؤدي أي اختلاف سواء كان في كتلة المجرة أو في زمن نموها إلى فروق في التوزيعات الكيميائية للنجوم التي تكوّن المجرة. ومن هنا يمكن للتوزيع الإجمالي للمركبات الكيميائية للنجوم حول مجرة درب التبانة أن يسمح لنا بتحديد الجزء القادم من مجرات لها كتل متشابهة وفي أوقات متشابهة، هذا إن لم تكن بالفعل من المجرة ذاتها.
 

وقد درس <D. لي> هذه الفكرة حين كان طالبا للحصول على الدكتوراه بإشرافي في جامعة كولومبيا. وتوحي بحوثه الأولية بأن الملحقات الكيميائية قد تكون حساسة إلى درجة تكفي لتحديد الإسهامات كلها حتى من أصغر المجرات القزمة التي دمرت في وقت مبكر جدا من التاريخ المجراتي. وبمعرفة أي الأجزاء من نجوم درب التبانة وصلت في فترات مختلفة، يغدو بمقدورنا أن نضع مخططا لتوالي عمليات ابتلاع هذه المجرات، وأن نتتبع أثر تاريخ نمو مجرتنا وصولا إلى أقدم وأول العهود. وتعكف حاليا مجموعتان على قياس المركبات الكيميائية لملايين النجوم؛ ومن الممكن أن تُستخدم بياناتهما لمعالجة هذه المسألة. وتدعى إحدى هاتين المجموعتين (GALAH)ا(17)، وهي بقيادة <فريمان> و<بلاند-هوثورن>، التي تمتلك مشروع مسح ريادي ماض قدما. وتدعى المجموعة الأخرى (APOGEE)ا(18)؛ التي بدأت عملها عام 2011 بصفتها جزءا من مشروع مسح سلون الجاري.
 

من المحتمل ألا تكون المواكب النجمية المعروفة سوى جزء طفيف مما هو موجود منها. فلا بد من وجود مزيد من المواكب التي هي أبهت من أن نستطيع رؤيتها حاليا.

 

وقد بدأ علماء الآثار المجراتية يدركون لتوهم أن دراسة مجرة درب التبانة تشبه دراسة 1000 مجرة، لأن العديد من الأجسام الصغيرة اندمجت لبناء هذا الجسم الأكبر. ولا تزودنا المستحاثات المأخوذة من تلك المجرات بمعلومات عن تاريخ درب التبانة فحسب، بل تزودنا بمعلومات أيضا عن تواريخ جميع المجرات الصغيرة التي تضمها مجرتُنا. ويتعين علينا في الحال أن نكون قادرين على دراسة كيفية نشوء مجرات ذات حجوم مختلفة عديدة في أوقات مختلفة كثيرة، وكل ذلك في مختبراتنا المحلية. وفي العقد القادم، من المحتمل أن تسهم هذه التحليلات في فهمنا لتكوّن المجرات بقدر لا يقل عن إسهام الاكتشافات المذهلة في العقد المنصرم للمواكب النجمية التي تطوق درب التبانة.
 

وفي النهاية، فإن ما نود أن نعرفه هو كيفية تكّون أولى المجرات في الكون. إن الأسلاف الأولى للمجرات المماثلة لمجرتنا هي صغيرة وبعيدة جدا لدرجة تجعل من المستحيل علينا التقصّي المباشر لها. بيد أن علماء الآثار المجراتية قد يكتشفون بقايا تلك الأسلاف، وذلك بدراستهم لنجوم طويلة الأعمار ما زالت تحمل بصمات أسلافها، وهي منتشرة هنا وهناك في مجرة درب التبانة. وهكذا، فإن اتباعنا لأسلوب واقعي جدا، وهو القيام بالحفر في فنائنا الخلفي، قد يفتح لنا نافذة نطل بها على الكون المبكر وعلى المراحل الأولى لنشوء المجرات، وهذا شيء قد يستحيل بلوغه بأي وسيلة أخرى.

 




المؤلفة

Kathryn V. Johnston 
  <جونستون> أستاذة ورئيسة قسم علم الفلك في جامعة كولومبيا. وهي من Yorkshire بإنكلترا، وقد أتمت دراستها في جامعتي كيمبردج وكاليفورنيا بسانتا كروز. وتهتم <جونستون> بمعرفة كيف تكونت المجرات ونمت، وبوجه خاص درب التبانة.
تقصي المستحاثات في درب التبانة(*) 2015_01_02_34

 




  مراجع للاستزادة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

تقصي المستحاثات في درب التبانة(*) :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

تقصي المستحاثات في درب التبانة(*)

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» درب التبانة فوق
» اليكم زوار بانيت معلومات عن مجرة ‘درب التبانة‘
» كواكب خارج مجرة درب التبانة قد تؤوي حياة
»  تتجه نحو ثقب بمركز "درب التبانة" سحابة بمجرتنا بسرعة 8 ملايين كلم
» أشباح ماضي المجرّات(*) قد تكون النجوم الغريبة الحركات بقايا مجرات غابرة ابتلعتها مجرّتنا (درب التبانة).

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: منبر البحوث المتخصصة والدراسات العلمية يشاهده 23456 زائر-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: