[ هذه ترجمة عن الإنجليزيّة لمقال كتبه مُدَوّن (1) من سنغافورة، ننشره للأهمّية ] إنّ فكرة الكارما تكاد تكون عالميّة شاملة، وتختلف فقط من حيث الاسم بين
المعتقدات والثقافات الأخرى غير البوذية. فالبعض يطلق عليها شعار "أنت تحصد
ما تزرع" أو "كما تدين تدان". إن هذه الفكرة تنطوي، أساسا، على الاعتقاد
بأن العالم عادل، وأن الكون (أو الله) عادل، وأن فاعلي الخير والمجدّين في
العمل يلقون الثواب والذين يقومون بأفعال شريرة يعاقبون أشد العقاب.
وأنت قد تتساءل مستغربا: وما الخطأ في وجهة النظر العامة هذه؟ بالتأكيد قد
تكون هذه الفكرة ساذجة جداً وغير منطقية ومفرطة في التفاؤل، ولكن ما الضرر
الذي قد ينتج عن الفكرة المثالية بأن الكون عادل؟ إذا كان هناك ضرر ما ألم
تكن هذه النظرة العامة ستدفع البعض إلى أن يكونوا أخياراً وكرماء؟
حسناً، بمعزل عن حقيقة أنه لا يوجد شيء يستحق الثناء في القيام بأفعال
الخير فقط من أجل جمع الحسنات التي تسجل عند الله، فإن مغالطة "عدالة
الكون" هذه ستثير إشكالية كبيرة عندما يتم تبرير الكم الهائل من الظلم
والمأساة التي تصيب الناس المفترض أنهم أخيار.
عندما يؤمن المرء بأن الكون يعاقب الناس السيئين ويكافئ الأخيار، ماذا
يحدث إذا ما لاحظ شخصاً ما يقع ضحية عمل شرير أو ظروف سيئة؟ إن المؤمن
بـ"الكون العادل" - ولكونه غير قادرٍ على حل التناقض الحاصل جراء المأساة
التي تحل بشخص خيِّر وأخلاقي في كونٍ ذي آلية تصحيح ذاتية قدرية – سيصل إلى
نتيجة مفادها أن الضحية لا بد وأنه فعل شيئاً ما ليستحق هذه المصير،
مؤمناً بأن عدالة الكون هي التي قادت هذا الشخص إلى هذه العاقبة وفي نفس
الوقت هو الملام عليها.
إنّ ظاهرة الكون العادل المترافقة مع لوم الضحية ليست غريبة وغير شائعة.
ففي دراسة أُجريت من قبل ليرنر (1966) تم عرض شريط فيديو على مجموعة من
الأشخاص تظهر فيه مشاركة (امرأة) في تجربة تتعرض لصعقات كهربائية مؤلمة
جداً. كانت ردّة فعل المشاهدين أن قللوا من قيمة الضحية ورأوا بأنها تستحق
ما جرى لها.
إنّ الاعتقاد بالكون العادل تبين أنه مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالورع
والفاشستية (روبن وببلاو، 1975)، الأمر الذي لا يشكل مفاجأة بالاعتبار إلى
الكيفية التي نظر فيها المتدينون المتشددون إلى إعصار كاترينا وتصويرها
كعقاب من الله لولاية "نيو أورليانز" لقبولها بالمثلية الجنسية، كما رأوا
في تسونامي 2004 وكأن الله ثأر من الأساليب والطرق الشريرة التي تتبعها
النساء في تلك المنطقة. عندما يتم التسليم بأن "لا شيء يحدث من دون سبب"،
فإن البعض لا يستطيعون إلا أن يقحموا انتقام الله (أو الكون) في الأمر في
سبيل تبرير قوة الطبيعة الصعبة على الفهم والتفسير. كما أنه ليس من المدهش
أن تورد هذه التبريرات في جو من الشعور بالتفوق وصلاح النفس وكأن أحدهم
يقول:" ألم أقل لك، هذا ما يحدث عندما لا تنصت إلى الله (إلهي)".
بطريقة ما، إن الاعتقاد بالكون العادل هو شكل من أشكال حفظ النفس ومصدر
لراحتها، ومن السهل جداً الافتراض أن السيئين فقط يقعون ضحايا للكوارث
وأفعال الشر لأننا بهذه الطريقة نقنع أنفسنا أنه طالما نحن أناس أخيار فإن
الأمور السيئة لن تحدث لنا؛ طالما أنني لست امرأة لعوباً وقذرة سوف لن يتم
اغتصابي؛ طالما أنني أتبرع إلى المؤسسات الخيرية سوف يضمن لي الله /
الكارما أنني لن أصاب بالسرطان. كل هذه الأكاذيب الصغيرة التي نخبر أنفسنا
بها تساعدنا على الشعور بأننا نتحكم بحياتنا بدلاً من أن نكون خاضعين لعالم
لا يرحم ولا يسامح، حيث نحن معرضون فيه لأفعال الآخرين الشريرة، أو معرضون
لأهوال وكوارث أمنا الطبيعة.
ولكننا عندما نبدأ بلوم الضحية فإننا لسنا فقط نجعلها تعاني من الشعور
بالذنب والعار غير الضروريّين بل نتغاضى أيضاً عن المصادر والأسباب
الرئيسية لوقوع الظلم. إننا نبدأ بالتركيز على الحقيقة المغلوطة القائلة
بأن ضحايا الاغتصاب - بطريقة أو بأخرى - مسؤولون عما جرى لهم بدلاً من
التركيز على حقيقة أن الاغتصاب والعنف غير مقبولين وهما بالتأكيد ذنب
المُعتدي بغض النظر إلى طريقة ارتداء الضحية لثيابها أو ممارسة أفعالها.
نحن نبرر منطقياً استحقاق الفقراء والمتضررين لقدرهم كعقاب لكونهم أغبياء
وكسالى بدلاً من الأخذ بعين الاعتبار العوائق الاجتماعية والمؤسساتية
والبنيوية التي تقف في طريق ارتقائهم في المجتمع. نحن نقنع أنفسنا أنه فقط
الناس الأغبياء اللامبالون الذين يتباهون بثرائهم يقعون ضحية السرقة بدلاً
من أن نركز على الاختيار الذي اتخذه اللص نفسه، أو نتعامل مع الأسباب
الاجتماعية
والنفسية الممكنة التي قد تجعل شخصاً ما للجوء لمثل هذا النوع من الجرائم.
نحن نلوم الشذوذ والاختلاط الجنسيين لتسببهما بمرض الإيدز بدلاً من أن
نبحث عن علاج، أو نشر ثقافة وقائية، أو تأمين موارد مالية لشراء الأدوية.
نحن حتى نبرر أن ضحايا العنف الأسري يستحقون ما يجري لهم لأنهم لا بدّ
فعلوا شيئاً ليتلقوا هذا العنف، أو أنهم على الأقل أغبياء لاستمرارهم في
علاقة كهذه، بدلاً من أن نبدي تعاطفنا معهم ونتفهم حالتهم.
وللسخرية هنالك اعتقاد قوي بأن الكون وبشكل طبيعي يمنعنا من التعامل مع
المظالم الحقيقة لعالمنا هذا، لأنه طالما أننا نفترض وجود كائنٍ أسمى أو
قوة سحرية
سوف تنشر أو تطبق العدالة، فإننا نكون من جانبنا قد تخلينا عن مسؤوليتنا
في تطبيق هذه العدالة. بالمقابل وحالما تقبلنا حقيقة أن الناس الأخيار -
وبدون أية أسباب - يتعرضون للأمور السيئة أيضاً، وأنه لا يستحق أي شخص أن
يتعرض للاغتصاب أو الاعتداء أو القتل أو أن يعيش متشرداً في الشوارع، حينها
نكون قد أحللنا قيم الاحترام والرحمة محلّ العنجهية والازدراء والادعاء
بالاستقامة.