يتوسط الصفحة الرئيسية لموقع "جماعة المجاهدين أون لاين" الالكتروني، "الإعلان" المثير التالي:
"لمن لديه الرغبة بالمشاركة، عمل إعلامي جهادي من خلال المنتديات العربية، يحتاج لرجال جهاديين".يتلخص هذا "الجهاد" في ضرب المواقع الالكترونية العائدة لـ"الأعداء"،
ولا يحتاج إلى أكثر من الخبرة التقنية، جهاز الكمبيوتر، و.."الروح
الجهادية".
لكن "الجهاد" ضمن العالم الافتراضي، لا يقتصر على هذا الجانب على
الإطلاق، بل يتعداه إلى جوانب أخرى كثيرة، أصبح "الانترنت" فيها مع الوقت،
يشكل دعامة من دعامات نشاط الجماعات الإسلامية ذات الطابع المتشدد العنفي.
وفقا لأولئك، "سخّر" الله لهم هذه الوسيلة، في خدمة "الجهاد والمجاهدين"
ضد "الكفر والطاغوت"، وفقا لما نقرأ في كثير من منتدياتهم. وبالنسبة للغرب
الذي أنتج هذه التقنية، فلا يبدو أنه كان على علم وقتها، بآلية "التسخير"
تلك! ما أدخله في حرب مع نتائجها، لا يبدو أن حسمها قريب المنال لصالح أي
من الطرفين.
قواعد الكترونيةيذكر جيل كيبل في كتابه "حرب العقول المسلمة: الإسلام والغرب"، بأن
الانترنت هو السبب الأساسي لنجاح تنظيم القاعدة في القيام بأحداث سبتمبر
2001، بل ويجزم أن أحداث "11-9 تمثل نتاجا للانترنت"! يقترب من هذه الفكرة
خبير الإرهاب الدولي غابريل ويمان، في تقريره حول استخدام الإرهاب لشبكة
الانترنت، حيث يؤكد أن أعضاء منظمة القاعدة البارزين "اعتمدوا بشكل مكثف
على الانترنت في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر".
استخدام الجماعات الإسلامية المتشددة للانترنت لم يسبق ذلك التاريخ بوقت
طويل. وفقا لضياء رشوان الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، فإن "أولى
المجموعات التي استخدمت الانترنت وأنشأت لها موقعا الكترونيا في منتصف
التسعينيات، كانت الجماعة الإسلامية في مصر، ثم بدأ الاستخدام الكثيف
للشبكة الالكترونية مع بداية الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على ما
يسمى بالإرهاب". ويضيف بأن تنظيم القاعدة الذي قام بتفجير السفارتين
الأميركيتين في نيروبي ودار السلام عام 1998، لم يكن لديه وقتها أية وسيلة
للإعلان عن مسؤوليته عن هذه العملية باستثناء رسالة عبر الفاكس، وهو ما
اختلف جذريا بعد أحداث 11 أيلول 2001.
فالحرب التي تستخدم فيها الأسلحة النارية على اختلافها، قد تدمر أماكن
تجمع عناصر القاعدة ومعسكراتها ومخابئها، لكنها تبقى بعيدة عن التأثير على
"قواعدها" الالكترونية. وإذا كانت القاعدة وحدها في أرض المعركة، فإنها
محاطة بالمتعاطفين والداعمين ومشاريع "الجهاديين" ومن يقفون على ضفاف
فكرها، في عالمها الافتراضي. "اللهم احفظ المواقع والمنتديات الجهادية
وجميع القائمين عليها"، يعلق أحد المتدخلين في واحد من تلك المنتديات!
تصفّح ونصائحتكفي كتابة عبارة "مواقع جهادية" على محرك البحث غوغل من أجل الدخول إلى
عالم "الجهاد والشهادة" من أوسع أبوابه الالكترونية. في بحث أولي، يمكن
الحصول على عشرات المواقع. معظمها مرتبة ضمن قوائم مصنفة "إقليميا"،
وموجودة ضمن عدد كبير من المنتديات والمواقع "الجهادية". فقائمة تضم
المواقع الخاصة بالجهاد في بلاد الرافدين، وأخرى في الجزيرة العربية، وأخرى
في بلاد الشام وهكذا.
عدد قليل من تلك المواقع لا يعمل – أو تم تعطيله بالأحرى- ومثله محجوب
عن الخدمة ويحتاج إلى "بروكسي" للدخول إليه، وهذه أيضا ليست بمشكلة على
الإطلاق.
حيث تذيل تلك القوائم دائما، بإرشادات حول فك الحجب، تتضمن أحدث
"البروكسيات" والبرامج التي تساعد على تصفّح سهل. أكثر من ذلك، هو النصائح
"الأمنية" التي تتضمنها معظم المنتديات "الجهادية". فمرتادو تلك المواقع
والمنتديات، يعون تماما أهمية الدور الذي تقوم به، وأصبحت لديهم الخبرة
الكافية للتعامل مع جزء كبير من المخاطر الأمنية التي تعتري نشاطهم
الالكتروني. على سبيل المثال، نقرأ في أحد تلك المنتديات المداخلة التالية:
"… وقد أصبحت أجهزة المخابراتعلى اختلافها، تشعر بخطورة ذلك، كما أنها رأت
في هذه المنتديات الحواريةفرصة لا تعوض لاصطياد من يمكن اصطياده من
"الإرهابيين"، أو من معارضي هذاالنظام أو ذاك… فراحت تسعى جاهدة لاختراق
تلك المنتديات الحوارية بدس بعض عناصرها للإيقاع بمن يمكن الإيقاع به، أو
بالضغط على مالكي تلكالمنتديات ليتعاونوا معها في ذلك، بل إن وكالة
الاستخبارات الأمريكيةأعلنت مؤخراً – كما جاء في قناة الـ "سي إن إن" -
أنها تخطط لفتح منتدياتحوارية باللغة العربية لاصطياد "الجهاديين". وبناء
على ما سبق؛صار لزاماً …– بعد أن أصبح مجردالدخول وزيارة مثل تلك المواقع
"جريمة" تعاقب عليها بعض الأنظمة الطاغوتيةفي عالمنا الإسلامي – نقول: صار
لزاماً على هؤلاء الالتزام بعدد من الإجراءات الوقائية وأخذ أشد الحيطة
والحذر عند التعامل معها، مثل: التحذير من كون المتحاورين في المنتديات من
الأجهزة الأمنية، التنبه إلى أن التسجيل في إحدى المنتديات من شأنه أن يجعل
صاحب المنتدى يحدد الـ IP الخاص بالحاسوب المستخدم ومن ثم تحديد مكان
المتداخل، بالإضافة إلى وجود طرق أكثر أمنا ولكن لا يمكن ذكرها هنا حتى لا
ننبه إليها العدو…".
قد يتعجب المرء من كون معظم تلك المواقع غير محجوب، خاصة في دولة مثل
سوريا تعتبر من بين الأسوأ في مجال حرية الوصول إلى وتبادل المعلومات عبر
الانترنت. الدراسات المتخصصة تبرر ذلك بأن عشرات ومئات المواقع "الجهادية"
"تغلق يوميا في شتى أنحاء العالم، لكنها سرعان ما تتحول إلى عناوين أخرى.
"تظهر المواقع فجأة، ثم تختفي فجأة، لكن في الحقيقة فإنها فقط تغير
عناوينها الالكترونية وأحيانا مظهرها. في بعض الأحيان يتم تغيير الموقع
بشكل يومي كما هو الحال مع المواقع التابعة للقاعدة"، يذكر غابريل ويمان.
من ناحية ثانية، تبقي بعض الحكومات على هذه المواقع غير محجوبة، ولا
تسعى حتى لتدميرها، من أجل "تصيّد" من يقوم بتصفحها بشكل مستمر أو المشاركة
في منتدياتها، أو من أجل الحصول على معلومات عن الجماعات التي تمثلها.
الشكل والمضمون
بينما تتصدر معظم تلك المواقع الآيات القرآنية التي تحض على الجهاد، ويتضمن
بعضها صورا لقادة تنظيم القاعدة كبن لادن والظواهري، فإنها تنقسم من حيث
المضمون إلى التالي:
هناك أولا المواقع التي تعود إلى جماعات بعينها، مثل تنظيم القاعدة،
وهذه تتضمن عادة تاريخ المنظمة، أنشطتها، قادتها، معلومات حول أهدافها
السياسية والإيديولوجية، وأخبار يجري تجديدها يوميا، وفقا لويمان.
ومواقع أخرى تتسم بالعمومية من حيث هي مواقع "جهادية" لا يذكر فيها ما
يدل على أنها تعود إلى جماعة بعينها، حتى لو كانت الحقيقة خلاف ذلك. وهناك
المنتديات التي تناقش أمور "الجهاد" فقهيا وعملياتيا، وتقوم بدور الدعاية
للمواقع "الجهادية" المختلفة. هذا فضلا عن المواقع التي تمجد بعض قادة
القاعدة وتحتوي صورهم وقصائد نظمت فيهم وأحاديثهم المسجلة صوتيا
وبياناتهم…الخ.
كما يبدو أن الكثير من المواقع تركز على هدف محدد تقدمه على الأهداف الأخرى التي تجتمع عليها مثيلاتها، وتتلخص هذه الأهداف في:
— نشر الفكر "الجهادي". والكثير من المواقع تأخذ على نفسها تحقيق هذا
الهدف بشكل أساسي، باعتبار أن "نشر العقيدة الصحيحة ونشر فكر الجهاد على
الانترنت باب عظيم من أبواب نصرة الدين.." وفقا لأحد تلك المواقع. ونشر هذا
الفكر يأخذ منحى فقهيا بالدرجة الأولى، من حيث الشروحات الدينية للآيات
القرآنية والأحاديث النبوية وفتاوى الفقهاء ذات الصلة.
— نشر ذلك الفكر يستتبع التحريض على "الجهاد" الواقعي منه كما
الافتراضي، وهو ما يمثل الهدف الثاني. (على سبيل المثال، دعا بيان نشر
بتاريخ 20-5-2007 على أحد المواقع الجهادية، إلى "شن حملة الكترونية ضد
العدو لدعم العمليات العسكرية التي تنفذ من قبل المجاهدين.."، ومثل هذه
الدعوات كثير في تلك المواقع والمنتديات). ويقوم التحريض على أساسين،
أولهما ديني، يعتمد تكرار الآيات القرآنية التي يستقون منها حكم واجب
"الجهاد" والتحريض عليه وجزاءه في الآخرة، ومن ذلك ما نقرأ في أحد تلك
المواقع: "إيمانا منا بأهمية التحريض على القتال والجهاد في سبيل الله
وبيان حقيقة المعركة بين الحق والباطل.. لقد أمرنا الله بتحريض المؤمنين.
قال الله تعالى: يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال. فجعل الله القتال
والتحريض سببا في كف بأس الذين كفروا". وأيضا الآية القرآنية التالية التي
تتكرر في معظم المواقع: "الذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل ِاللّهِ
وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ
أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفا".
والأساس الثاني، يقوم على الخطاب العاطفي القائم على إظهار "شرور
الأعداء" من جهة، والتركيز من جهة أخرى على الرابط بين "الأخوة في الجهاد"
الذين تجمعهم على اختلاف جنسياتهم وقومياتها وأعمارهم وأماكن تواجدهم، وحدة
الجماعة المؤمنة المنخرطة في "جهاد" ضد "عدو" مشترك. ".. تخيل كيف تؤثر
هذه الجهود الصغيرة على أسود التوحيد في أرض المعارك، عندما يعلمون بأن
إخوتهم الذين لم ينخرطوا بعد في الجهاد، قد انخرطوا بالفعل.." يقول صاحب
دعوة الحملة الالكترونية أعلاه. وفي هذا الإطار، تستخدم المؤثرات البصرية
والصوتية لإضفاء طابع "قدسي عاطفي" يثير الشجن ويحرض العاطفة ويستنفر
الحواس، وذلك إما عبر الأناشيد الدينية التي تحض على القتال وتعد بالنصر
القريب وتتخللها تكبيرات النصر والشهادة، أو عبر مقاطع الفيديو التي تمثل
العمليات العسكرية لتلك الجماعات، مقرونة بعبارات الحماس والتهليل.
أما المنتديات فتلعب هذا الدور التحريضي، فضلا عن الأساليب السابق
ذكرها، بأساليب تشابه إلى حد بعيد ما اعتدنا عليه طويلا لاستثارة المشاعر
القومية وشحذ الهمم من أجل "التحرير والمعركة الكبرى"، من أشعار وشعارات
ومقالات مشحونة بلغة عاطفية وتهكمية. حتى أن بعض الأشعار التي نحفظها عن
ظهر قلب تتردد في تلك المنتديات بين حين وآخر. ومن بين الشعارات التي لفتت
انتباهي في هذا الإطار: "الأمة التي تجيد صناعة الموت تستحق أن توهب لها
الحياة" و"الجهاد سبيلنا، القتل في سبيل الله أسمى أمانينا"!
— ثم يأتي "الإعداد" الذي تتخصص به مجموعة مواقع كهدف ثالث لا يقل أهمية
عن ما سبق، ويرمي إلى إعداد "المجاهدين" عسكريا وجسمانيا، "لتجهيز الكوادر
الجهادية القادرة بعون الله تعالى على إعادة الخلافة الإسلامية"، وفقا
لأحد أبرز تلك المواقع "موسوعة الإعداد"، والتي تحتوي من بين ما تحتوي على
شروح تفصيلية مرفقة بالصور، للأسلحة المختلفة وتصنيع المتفجرات والسموم
والألغام وحروب العصابات والاتصالات وغيرها كثير، حتى أنها تحتوي على
الإسعافات الأولية وكيفية التعامل مع الإصابات البشرية، فضلا عن قائمات
لـ"مواقع للكفار الطواغيت" باللغة الانكليزية، حول مواضيع عسكرية مختلفة.
يضيف خبراء الإرهاب إلى الأهداف السابق ذكرها، أو بالأحرى، إلى
استخدامات الانترنت من قبل الجماعات الإسلامية المتشددة، التمويل ورصد
مواقع "الأعداء" من أجل التحضير لضربها (يقول دان فيرتون في كتابه "الثلج
الأسود: التهديد غير المرئي للإرهاب الافتراضي"، بأن "خلايا القاعدة تعمل
بمساعدة قواعد بيانات كبيرة تحتوي تفاصيل عن أهداف محتملة في الولايات
المتحدة، وأنهم يستخدمون الانترنت لجمع المعلومات عن تلك الأهداف…"). هذا
بالإضافة إلى تحقيق التواصل ما بين أفراد الجماعة الواحدة والجماعات فيما
بينها وهو ما يأتي تحصيل حاصل على أية حال.
أما بخصوص "التجنيد الالكتروني"، فيرى ضياء رشوان بأن "التجنيد عبر غرف
الدردشة والمنتديات هو أمر غير واقعي، وأن ما يحدث هو تجنيد غير مباشر،
بمعنى الإقناع بتلك الأفكار ثم التصرف بعد ذلك بطريقة مستقلة عن المصدر"،
فيما تشير تقارير أخرى إلى حدوث مثل هذا التجنيد بالفعل عبر الانترنت كما
يذكر ويمان في تقريره.
فضلا عن ما سبق، فإن بعض تلك المواقع تستعرض أهم ما جاء في وسائل
الإعلام العربية والدولية حول قضايا الإرهاب من أخبار وتحليلات، وتتولى
الرد عليها و"تفنيدها" من منظور القائمين على تلك المواقع، فما يبدو أنه
محاولة للحد من تأثير التيارات الإسلامية المعتدلة أو مراجعات قادة سابقين
في تيارات إسلامية متشددة لفكرهم وعقيدتهم، وهو ما تجري الإشارة إليه في
كثير من تعليقات المتدخلين أو المقالات المنشورة في تلك المواقع.
حرب أخرى خاسرة؟في بلاد الغرب، يطرح بشدة موضوع مكافحة الإرهاب الافتراضي من قبل حكومات
تلك الدول، لما جره ذلك من تضييق على حرية الوصول إلى المعلومات وتبادلها
وانتهاك الخصوصية الفردية وغير ذلك- مع العلم بأن هذا الإرهاب لا يقتصر على
ما يسمى بـ"الإرهاب الإسلامي" بل يمتد إلى قضايا أخرى كثيرة. أما في دولنا
العربية، فلا نعاني من مثل هذه المشكلة، بسبب غياب تلك الحريات واستمرار
انتهاك تلك الخصوصية بغض النظر عن الإرهاب وأصحابه.
المشكلة هنا، تتخذ شكلا آخر.
في سوريا على سبيل المثال، غالبا ما تقترن الاعتقالات في أوساط الشباب
المتهمين بحمل الفكر الجهادي التكفيري، باعتقال أجهزة الكمبيوتر العائدة
لهم. أدلة الإدانة لدى إحالة هؤلاء إلى محكمة أمن الدولة الاستثنائية،
غالبا ما تكون الأقراص المدمجة، التي تتضمن خطبا أو كلمات لقادة تنظيم
القاعدة، أو لعمليات عسكرية لبعض الجماعات المتشددة العنفية في العراق أو
أفغانستان أو غيرها. في كثير من الأحيان، خاصة بالنسبة لكلمات القادة، تكون
الأقراص مسجلة عن بعض القنوات الفضائية، كقناة الجزيرة وغيرها. في قضية
اتهم أصحابها بصلات مع تنظيم القاعدة، كان من بين التهم الموجهة، الدخول
إلى مواقع التنظيم على شبكة الانترنت. في قضية أخرى، تم تعقب مجموعة من
الشبان واعتقالهم، بسبب صديق لهم، كان يستخدم أجهزتهم للدخول إلى مثل تلك
المواقع، ومثل هذا المثال يتكرر في كثير من قضايا الاعتقال المشابهة.
بكلمات أخرى، في الكثير من الحالات لم يقم أولئك الشبان بأي عمل مادي أو
بالانتساب إلى جماعة متشددة. هم تلقفوا تلك الأقراص واستمعوا إلى تلك
الأناشيد وشاهدوا بعض العمليات العسكرية المصورة. احتمال تطور هذه الحالة
لديهم من الإعجاب والاستلاب إلى النشاط والعمل الحركي منوط بعوامل عدة
أمنية واجتماعية ونفسية. ما يهم هنا، هو أن المادة متوفرة، وفي كثير من
الأحيان، يكون لها – بما تحمل من محرضات دينية قدسية ومؤثرات صوتية وبصرية-
تأثير لا يجب الاستهانة به، على الأقل، لدى شريحة من الشباب اجتمعت لديها
الخلفية الدينية مع الرفض للواقع القائم.
فهل تحقق الحرب ضد الإرهاب الافتراضي أكثر مما حققته ضد الإرهاب على أرض
الواقع؟ قد تكون هناك إمكانية، محدودة ربما، لحصار الأنشطة الإرهابية على
الانترنت، مثل التمويل والتخطيط لعمليات إرهابية وسواها. لكن ما الذي يمكن
أن يحد من تأثير نشر الفكر العنفي والتكفيري من خلال الشبكة الالكترونية؟
على أية حال، وعلى الرغم من أن الانترنت ضيق المسافات وجمع المتناقضات
ووفر إمكانية التلاقي بين مختلف أصناف البشر في كل مكان، إلا أنه في الوقت
نفسه، عزز من عزلة كل جماعة و تيار فكري أو سياسي عن الآخر بشكل من
الأشكال. لذلك ربما، يسعد العلمانيون بمحاورة أنفسهم، وكذلك يفعل
الإسلاميون المعتدلون، ومثلهم المتشددون العنفيّون، ما قد يجعل من "قاعدة"
كل منهم الالكترونية، وإن بنسب مختلفة، "قواعد آمنة" فكريا إلى حد بعيد!