(**)أوصلني إلى الجدار فحسب
إن الإمكانات العالية للمنظومات ذات النطاق الفائق
العرض في نقل البيانات بسرعة كبيرة دفعت مجموعة من المخترعين وأرباب المشروعات
(انظر الجدول في هذه الصفحة) إلى دعم هذه التقانة القصيرة المدى باعتبارها
وسيلة مثالية تقريبا لمعالجة الفيض المتنامي من المعلومات اللاسلكية فيما بين
شبكات الأجهزة الإلكترونية المحمولة (التي تعمل بالبطارية)، إذ إن هذه الشبكات
المستقلة قد تشتمل على مساعِدات رقمية شخصية
(1) personal digital assistants وكاميرات رقمية،
وكاميرات ڤيديو، وأجهزة سمعية/ ڤيديوية، وهواتف خلوية، وحواسيب محمولة، وما
أشبه ذلك من الأجهزة الإلكترونية النقالة. ولكي يجري تبادل الملفات الرقمية
الكبيرة اللازمة لرفد التطبيقات العريضة النطاق (العريضة الحزمة)
(2)
broadband
applications والمتزايدة التعقيد، تحتاج هذه
التجهيزات إلى وصلات اتصال لاسلكي ذات نطاق عالي العرض.
يُنتظر من تقانة النطاق
الفائق العرض اللاسلكية أن تتيح ظهور طائفة
جديدة تماما من الأدوات والوظائف
الإلكترونية التي قد تغير مجرى حياتنا.
يُعد الحضور المتزايد لوسائط
الارتباط السلكية بشبكة الإنترنت حافزا آخر إلى تطوير التقانة اللاسلكية
القصيرة المدى؛ إذ إن الكثيرين من سكان العالم المتقدم يمضون سحابة يومهم ضمن
نطاق 10 أمتار من وصلة سلكية ما إلى الشبكة. ومن شأن هذا القرب أن يفتح المجال
أمام إمكانية استخدام التقانة اللاسلكية القصيرة المدى للاتصال بين الأجهزة
الإلكترونية المحمولة والإنترنت. والنتيجة أن الصناعة استجابت لهذا الأمر عن
طريق تطوير تقنيات اتصالات ضيقة النطاق يمكنها أن «توصلني إلى مقبس الحائط
فحسب.» تشمل هذه التقنيات المواصفة IEEE 802.11b
والمواصفة «بلوتوث» Bluetooth اللتين تعملان ضمن
نطاق تردد غير مرخَّص يقع بين 2.400 و 2.483 جيگاهرتز، وكذلك المواصفة
IEEE 802.11a التي
ينحصر نطاق عملها داخل الأبنية وتعمل على الترددات بين 5.150 و 5.350 جيگاهرتز.
والواقع أن تقنية «بلوتوث» هي أفضل التقنيات المعروفة من بين ما يُعرف عموما
باسم الشبكات الشخصية personal-area
networks (PANs) اللاسلكية. وقد صُمِّمت هذه
الشبكات بديلا للكبلات التسلسلية وكبلات المسرى التسلسلي العميم
universal serial bus (USB)، المستخدمة في نقل
البيانات بين التجهيزات الإلكترونية المتقاربة المواقع. ومع وجود فوارق في
تطبيقات معينة تبعا لأغراضها، من المتوقع أن تتمكن مواصفة «بلوتوث» المنخفضة
الطاقة من أن توفر للمستخدمين سرعة قصوى في نقل البيانات تصل إلى قرابة 700
كيلوبتة بالثانية، وذلك لمسافات تصل إلى نحو 10 أمتار.
وقد وُضِعت المواصفتان
IEEE 802.11a و
IEEE 802.11b بصورة خاصة للشبكات المحلية
local-area networks
(LANs) اللاسلكية التي تَبرز فيها أهمية السرعات الكبيرة والمدى الطويل،
لكنها تتطلب استهلاكا أعلى للطاقة. وتتيح هذه الشبكات المحلية اللاسلكية في
العادة وصلات بين الحواسيب المحمولة والشبكات المحلية السلكية بواسطة ما يسمى
نقاط النفاذ access points. وبإمكان مستخدمي
المواصفة IEEE 802.11b
أن يتوقعوا الاستفادة من سرعات نقل قصوى تبلغ قرابة 5.5 ميگابتة بالثانية عبر
مسافات مكشوفة تمتد إلى نحو 100 متر. أما المواصفة المرافقة لها،
IEEE 802.11a،
فستوفر للمستخدمين سرعات نقل قصوى للبيانات تقع بين 24 و 35 ميگابتة بالثانية
عبر أمكنة مكشوفة تناهز 50 مترا. والمعروف من الناحية العملية أن المنظومات
الراديوية القصيرة المدى كافة تعمد إلى «تخفيض» سرعاتها للتعويض عن طول
المسافات ووجود الجدران والأشخاص ومختلف أنواع العوائق.
ويبدو حاليا أن الأجهزة المرسِلة/
المستقبِلة transceivers ذات النطاق الفائق
العرض، والمصنوعة أساسا من أشباه الموصلات، ستكون قادرة على تحقيق سرعات عالية
جدا في نقل البيانات تقع بين 100 و 500 ميگابتة بالثانية عبر مسافات تقع بين 5
و 10 أمتار. وسوف تؤدي هذه السرعات العالية لانتقال البتات إلى نشوء تطبيقات
يستحيل وجودها في ظل مواصفات الأنظمة اللاسلكية الحالية، بل يتوقع المهندسون أن
تكون وحدات النطاق الفائق العرض أرخص ثمنا وأصغر حجما وأقل استهلاكا للطاقة من
أجهزة الراديو الحالية ذات النطاق الضيق من الترددات.
مطورو تقانة النطاق
الفائق العرض
(***) ثمة ناحية أخرى تتفوق فيها منظومات
النطاق الفائق العرض على غيرها من المنظومات الأخرى القصيرة المدى، فالطلب
المتزايد على زيادة سعة البيانات اللاسلكية، وازدحام أطياف التردُّدات
الراديوية المعدَّلة، يحبّذان المنظومات التي لا تقتصر على توفير معدلات سرعة
عالية في نقل البتات فحسب، بل توفيرها مركزة في مناطق جغرافية أصغر مساحة، وهي
كمية مقيسة صار يطلق عليها اسم السعة الحيّزية spatial
capacity، وتقاس بعدد البتات في الثانية في المتر المربع، وهي في الواقع
معيار لشدة البيانات data intensity، مثلما أن
عدد وحدات اللومن بالمتر المربع هو معيار لشدة إضاءة مصدر ضوئي. ولما كان
مستثمرو النطاق العريض ـ المتزايدون باطراد ـ يجتمعون في أمكنة مزدحمة
كالمطارات والفنادق ومراكز المؤتمرات ومقار العمل، فقد بات أهم متغير في
المنظومة اللاسلكية هو سعتها الحيزية، وهي قدرة تتفوق فيها تقانة النطاق الفائق
العرض (انظر الرسم البياني في هذه الصفحة).
مقارنة السعات الحيزية
للمنظومات اللاسلكية القصيرة المدى
تحبِّذ السعة الحيزية (وهي معيار للفعالية العملياتية تبرز أهميته لدى مقارنة المنظومات اللاسلكية القصيرة المدى) تقانة النطاق الفائق العرض. وهي تقاس بواحدات الكيلوبتة في الثانية في المتر المربع، ولا تركِّز على سرعات البتات في نقل البيانات فحسب، بل وعلى سرعات البتات المتاحة في الأمكنة المحصورة التي يحددها مدى الإرسال القصير المدى. |
<إن التطور الناجح لتقانة النطاق
الفائق العرض اللاسلكية سيتيح ظهور مجموعة جديدة تماما من الأدوات والوظائف
الإلكترونية التي قد تغير مجرى حياتنا. فعلى سبيل المثال، بدلا من أن نقصد
متجرا للڤيديو لاختيار بعض الأفلام المسجلة، قد ينتهي الأمر إلى أن يكون
بإمكاننا ـ لدى توقفنا لملء خزان السيارة بالوقود ـ نقل (تحميل)
downloading الأفلام من الشبكة مباشرة باستعمال
وحدة خزن وسيع mass-storage unit محمولة، ووسيلة
بث لاسلكية ذات عرض نطاق فائق. وقد يسمح النطاقُ الفائق العرض بمزامنة تقاويم
المساعِدات الرقمية الشخصية وأدلة البريد الإلكتروني الضخمة لحظيا، أو بإرسال
الرسائل واستقبالها في أمكنة عامة كالمقاهي والمطارات والفنادق ومراكز
المؤتمرات. كذلك قد يمكِّن المسافرين بالطائرة أو القطار من الاستمتاع بانسياب
صور الڤيديو والألعاب التفاعلية على نظارات مجسّمة (ثلاثية الأبعاد)، وأجهزة
استماع عالية الأمانة
(3) مزودة بتقانة النطاق الفائق العرض. أما هواة التصوير
فبإمكانهم تحميل الصور الرقمية والڤيديو من آلات التصوير إلى الحواسيب أو إلى
آلات عرض السينما المنْزلية عن طريق الخدمة اللاسلكية ذات النطاق الفائق العرض،
مستغنين بذلك عن العدد الكبير من الكبلات التي نستعملها اليوم على نطاق واسع.
وهناك تطبيقات أخرى بالغة الأهمية
لتقانة النطاق الفائق العرض لا تنتمي إلى مجالات الاتصالات، وهي تعتمد على وجود
نبضات دقيقة التوقيت، مرهفة كحد الموسى، تشبه النبضات المستخدمة في التطبيقات
الرادارية، وتُكسب الجهاز اللاسلكي ذا النطاق الفائق العرض القدرة على كشف
الأجسام المطمورة أو تمييز الحركات خلف الجدران، وهي إمكانات تنطوي على قدر
كبير من الأهمية في عمليات الإنقاذ ومهمات فرض تطبيق القوانين.
يمكن أيضا الاستفادة من النبضات
العالية الدقّة للنطاق الفائق العرض في تحديد مواقع أجهزة البث الموجودة داخل
الأبنية. فعندما تعمل منظومة لاسلكية ذات نطاق فائق العرض بمثابة نموذج محلي
لنظام تحديد المواقع الأرضي (GPS) أو لتقنية
«لوجاك» LoJack المضادة لسرقة السيارات، فإنها
تحسب، بطريقة التثليث، مواقع البضائع التي وُسِمت قبلا بأجهزة إرسال، باستعمال
أجهزة استقبال موضوعة في أمكنة مجاورة. وقد تعود هذه المقدرة بفائدة كبيرة على
موظفي المتاجر الكبرى عند قيامهم بما يسمى «عمليات الجرد الوهمية» في متاجرهم ـ
مثل تتبع مواقع البضائع الثمينة المعروضة على الرفوف أو في المخازن. ويمكن كذلك
استعمال ميزة تحديد المواقع هذه لتعزيز مستوى الأمن: فأجهزة الاستقبال ذات
النطاق الفائق العرض التي تركَّب في الأقفال «الذكية» للأبواب أو في الصرّافات
الآلية لن تسمح لهذه الآلات بالعمل إلا عندما يقترب مستفيد مخول باستعمالها ـ
يحمل جهاز إرسال ذا نطاق فائق العرض ـ ويصير على مسافة متر أو أقل منها.
(****)راديو بلا موجة حاملة
يختلف النظام اللاسلكي ذو النطاق الفائق العرض عن
الأشكال المألوفة للاتصالات الراديوية، كالتضمين السعوي/ الترددي
AM/FM، أو الموجات القصيرة، أو ترددات الشرطة والإطفاء، أو البث الإذاعي
والتلفازي، وما شابه ذلك. ذلك أن هذه الخدمات التي تعمل على عرض نطاق ضيق،
والتي تتحاشى إحداها التداخل مع الأخرى بالتزامها حدود النُّطُق الترددية
المخصصة لها، تستخدم ما يسمى الموجة الحاملة carrier
wave. ويقتضي ذلك دمغ رسائل البيانات فوق الإشارة الحاملة عن طريق
تضمين سعتها أو ترددها أو طورها بطريقة ما، ثم العمل بعد ذلك على استخلاصها
منها عند مرحلة الاستقبال (انظر الإطار في الصفحة 22).
تقنيات الإشارات الراديوية
(*****) نظم التضمين الضيّقة النطاق والعريضة
النطاق
تعتمد تقنيات الراديو التقليدية الضيقة النطاق على موجة «حاملة» أساسية يجري تغييرها بطريقة منهجية (تضمينها) بحيث تجسد دفقا مكوَّدا من البتات. ويمكن تعديل الموجات الحاملة لتشتمل على بيانات رقمية، وذلك عن طريق تغيير سعتها أو ترددها أو طورها.
لا تستخدم التقانة اللاسلكية ذات النطاق الفائق العرض موجة حاملة، بل تقوم، بدلا من ذلك، بتضمين النبضات الإفرادية بطريقة ما. وفي نظام التضمين الثنائي القطب يتمثل الرقم 1 بنبضة موجبة (صاعدة) ويتمثل الرقم 0 بنبضة معكوسة (هابطة). وفي مقاربة أخرى، تمثل النبضات المكتملة السعة الرقم 1، في حين تمثل النبضات ذات نصف السعة الرقم 0. أما التضمين بموضع النبضة فإنه يرسل نبضات متطابقة ولكنه يغير توقيت إرسالها. وتدل النبضات المتأخرة على الأصفار.
لماذا تدل النبضات القصيرة على نطق عريضة من الترددات خلافا لنظم الاتصالات التقليدية، يحتل النظام اللاسلكي ذو النطاق الفائق العرض مدى عريضا من الترددات عند مستويات طاقة منخفضة جدا، غالبا ما تكون أدنى من مستوى ضجيج وسط إرسال الإشارات [1].
تبين المقارنة [2] التالية، التي تصوِّر نبضات نموذجية لحزمة فائقة العرض وأطيافها الترددية المصاحبة، أنه كلما ضاق أمد النبضة ارتفعت قيمة ترددها المركزي وزاد عرض انتشار طيفها الترددي. [الپيكوثانية تساوي جزءا من تريليون من الثانية].
تُبيِّن نظرية محوِّل فورييه Fourier transform theory لماذا يكبر عرض نطاق النبضة كلما قصر زمن حدوثها. وهي تنص على أنه يمكن تمثيل أي شكل موجة بالمجموع المثقل بشكل مناسب لأشكال الموجات الجيبية. فعلى سبيل المثال، يمكن إعطاء قيمة تقريبية للموجة المربعة [رتل منها في الواقع] بواسطة أساس [جذر] موجة جيبية مضافا إليها موجات جيبية تردداتها مضاعفات فردية [توافقيات]
لتردد أساسها. وتكون كل توافقية مضافة أضعف من سابقتها، إلا أن القيمة التقريبية تتحسن بعد كل عملية إضافة. ومن الناحية المبدئية، فإن عددا لامتناهيا من الإضافات يمثل الموجة المربعة بدقة؛ ولكن، كما يظهر فيما يلي [3]، فإن الأساس مضافا إليه التوافقيات الفردية الأربع الأولى، يعطينا جوابا تقريبيا مقبولا.
يبين الشكل [4] توزيع الطاقة في الموجة الأساسية والتوافقيات بدلالة تردداتها في حال تقريب فورييه لنبضتين. ويلاحظ أن النبضة الضيقة تتطلب ترددا أساسيا أعلى يمثلها. أما التوافقيات الأربع المضافة إلى هذه الموجة الأساسية، فإن انتشارها [أو عرض نطاقها] يكون أوسع من انتشار نبضة أعرض.
تقنيات الإشارات الراديوية (******)
|
أما تقانة النطاق الفائق العرض
فتختلف عن ذلك اختلافا جذريا. فبدلا من استخدام موجة حاملة، تكون إصدارات
النطاق الفائق العرض مؤلفة من سلسلة من النبضات المتقطعة. وبمجرد إحداث تغيير
في سعة النبضات أو قطبيتها أو وقت حدوثها أو في أي صفة أخرى لها، يصبح بالإمكان
تكويد المعلومات ضمن دفقة البيانات نفسها. ويشار هنا إلى أن عدة مصطلحات أخرى
قد استُعملت للتعبير عن نمط الإرسال في النطاق الفائق العرض، نذكر منها الإرسال
من دون موجة حاملة، والإرسال بحزمة قاعدية، والإرسال اللاجيبي، والإرسال النبضي.
(*******)تجنُّب التداخل
ولأن أمد النبضات في النطاق الفائق العرض قصير جدا،
فإنها تعمل ضمن نطاق متصل من الترددات يمتد بضع وحدات من الجيگاهرتز. يستتبع
ذلك أنه كلما قصر أمد النبضة، ازداد عرض طيف الترددات الذي تشغله النبضة (انظر
الإطار في الصفحة المقابلة).
يُصدر جهاز إرسال نموذجي ذو نطاق فائق العرض ويعمل بقدرة 200
ميكروواط، إشعاعا
لا يتعدى جزءا من ثلاثة آلاف جزء من متوسط
الطاقة التي يصدرها جهاز هاتف خلوي عادي تساوي قدرته 600 ملي واط.
ولما كانت نبضات النطاق الفائق العرض تَستخدم
الترددات نفسها التي تستخدمها أنظمة الخدمة الراديوية التقليدية، فهناك احتمال
لحصول تداخل بين هذه النبضات وتلك الأنظمة. وكانت محطات ماركوني ـ التي تعمل
بفرجة شرارية ـ تستخدم طاقات عالية لحاجتها إلى تغطية مسافات بعيدة. أما في
بيئتنا الحالية، التي تخضع إلى نوع من التنظيم، فأغلب الظن أن المنظومات
المماثلة لمحطات ماركوني لن يكون مسموحا باستعمالها نظرا إلى إمكانية تداخلها
مع أي شيء تقريبا يرسَل عبر الهواء. وسوف تشاطرها منظوماتُ اتصالات النطاق
الفائق العرض المسألةَ ذاتها لولا أنها تتعمد العمل على مستويات منخفضة من
الطاقة بحيث لا يتعدى ما تصدره من طاقة راديوية ما يُصدره مجفف الشعر والمثقاب
الكهربائي والحاسوب المحمول وغيرها من الأدوات التي تُصْدِر طاقة كهرمغنطيسية
كمنتَج ثانوي. هذا الخرج المنخفض الطاقة يعني أن مدى النطاق الفائق العرض صار
محدودا جدا ـ أي بحدود 100 متر أو أقل، بل وحتى 10 أمتار كما هي الحال عادة.
أما فيما يتعلق بطرائق التضمين التي نُحسِن اختيارها، فإن التداخل الناجم عن
أجهزة إرسال النطاق الفائق العرض يكون محمودا على وجه العموم نظرا إلى أن
مستويات طاقة النبضات تكون، بكل بساطة، منخفضة جدا بما يكفي لمنع حدوث أي
مشكلات.
ويرجح أن يكون متوسط القدرة المنبعثة من الأجهزة المرسلة/ المستقبلة للنطاق
الفائق العرض منخفضا بما يكفي لعدم تعرض مستخدمي هذه الأجهزة لأي نوع من
المخاطر البيولوجية، شأنه في هذا شأن الإصدارات المنبعثة من الأدوات الكهربائية
المنزلية، علما بأن ثمة حاجة إلى إجراء مزيد من الاختبارات لتأكيد هذا الأمر
بصورة كاملة. وعلى سبيل المثال يُصدر جهاز إرسال ذو نطاق فائق العرض بقدرة 200
ميكروواط إشعاعا لا يتعدى جزءا من ثلاثة آلاف جزء من متوسط الطاقة التي يصدرها
جهاز هاتف خلوي عادي تساوي قدرته 600 ملي واط.
في 14/2/2002 أعطت المفوضية الفدرالية للاتصالات(4
FCC موافقتها المشروطة على استخدام النطاق الفائق العرض، بعد أن ظلت
تتلقى التعليقات والملاحظات الواردة من الجهات المعنية طوال سنتين تقريبا. وقد
زاد عدد التعليقات على القوانين المقترحة على 900 تعليق، تَركَّز معظمها على
احتمال أن يتداخل النطاق الفائق العرض مع نظم الخدمة الموجودة حاليا مثل نظام
تحديد المواقع الأرضي (GPS) ومنظومات الاتصالات
الرادارية والدفاعية وخدمات الهاتف الخلوي.
إلا أن شُرّاع القوانين في المفوضية الفدرالية للاتصالات سلكوا أسلوبا محافظا
عندما سمحوا بإجراء تطبيقات على الاتصالات باستعمال النطاق الفائق العرض تنحصر
حدود قدرة «الإشعاع الثانوي» الكلية فيها ما بين 3.1 و 10.6 جيگاهرتز. أما
الإشارات التي تقع خارج هذا النطاق فيجب توهينها بمقدار 12 ديسيبل (db)،
إضافة إلى توهين إضافي بقيمة 34 ديسيبل في المناطق القريبة من نطق ترددات
النظام (GPS). كذلك سُمِح للكوادر العاملة على
فرض القانون والمحافظة على السلامة العامة بالتزام قيود أكثر تساهلا،
باستعمالهم وحدات النطاق الفائق العرض في البحث عن ضحايا الزلازل أو الهجمات
الإرهابية.
وعلى الرغم من هذه القيود المفروضة، فإن الجهات المعنية بتطوير تقانة النطاق
الفائق العرض واثقة من أن التقانة اللاسلكية ستكون قادرة على أداء معظم المهام
التي تَصَورها لها أنصار هذه التقانة في مجال نقل البيانات. وقد أوضح المختصون
في المفوضية الفدرالية للاتصالات أنهم سوف ينظرون في إمكانية تخفيف هذه القيود
حالما يتسنى اكتساب الخبرة العملياتية وإجراء مزيد من الدراسات.
ومن المفارقات الحقيقية ما يبدو من أن أكثر المشكلات التقنية تحديا يتمثل في
إيجاد وسائل تمنع أجهزة الإرسال الأخرى من أن تتداخل مع أجهزة النطاق الفائق
العرض. والواقع أن هذا المجال هو واحد من المجالات التي تملك فيها منظومات
الحزمة الضيقة ميزة واضحة لا مراء فيها ـ إذ إن مثل هذه المنظومات تكون عادة
مزودة بمرشح أمامي يمنع أجهزة الإرسال العاملة خارج نطاق ترددات استقبالها من
إحداث أي مشكلات. ولعل من المؤسف أن جهاز الاستقبال في النطاق الفائق العرض
بحاجة إلى مرشح أمامي «مفتوح إلى مداه» يسمح بمرور طيف عريض من الترددات، بما
في ذلك الإشارات الصادرة عن أجهزة تداخل محتملة. إن قدرة جهاز الاستقبال في
النطاق الفائق العرض على التغلب على هذا العائق، الذي يسمى أحيانا مقاومة
التشويش
jamming
resistance، يعد فعلا صفة أساسية في تصميم جهاز الاستقبال الجيد. ومن
الطرائق المتبعة لتحسين مقاومة التشويش تركيب ما يسمى مرشِّحات ثلمية
notch filters مهمتها توهين الأجزاء الضيقة من الطيف حيث يحتمل حدوث
التداخل. وهناك إجراء وقائي آخر جرى تطويره يقضي باستخدام مرشِّحات ثلمية آلية
تتتبَّع الإشارات الصادرة عن أجهزة التشويش القوية ذات النطاق الضيق وتعمل على
إضعافها.
(********)تعدد مسارات التداخل
هناك نقطة مهمة تتمثل في نوع آخر من
التداخل الراديوي هو التداخل المتعدد المسارات multipath
interference. ففي بعض الأحوال، قد تنعكس إشارة النطاق الضيق نفسها،
بتأثير الأجسام المحيطة، وتتخذ لها مسارَيْن مختلفين أو أكثر بحيث تصل الإشارات
المنعكسة إلى جهاز الاستقبال بحالة اختلاف في الطور out
of phase، وأحيانا تبطل إحداها الأخرى عمليا. وقد عانى معظمنا مشكلات
تعدد المسار في أثناء الاستماع إلى محطة الراديو FM
في السيارة. فعندما تتوقف السيارة عند إشارة مرور
traffic light مثلا، قد تصبح الإشارة signal
فجأة مفعمة بالضجيج ومشوَّهة. ولكن إذا تقدمت السيارة مسافة قدم أو اثنتين
فغالبا ما يؤدي ذلك إلى تغير التوقيت النسبي لوصول الإشارات المستقبَلة بما
يكفي لاستعادة استقبال صوتي واضح.
على أن الإشارات المتعددة الناجمة
عن الانعكاسات ربما تكون في حد ذاتها عائقا أمام الوحدات اللاسلكية ذات النطاق
الفائق العرض، لكن التصميم الحاذق قد يمكّن هذه الوحدات من الاستفادة من هذه
الظاهرة لمصلحتها؛ ذلك أن النبضات الضيقة للنطاق الفائق العرض تسمح لبعض أجهزة
الاستقبال بميز كل من التيارات المتعددة المسار واستخدام «أذرع» متعددة للإطباق
على مختلف الإشارات المنعكسة. بعدئذ، وفي غضون زمن حقيقي وجيز، «تقترع» الأذرع
لمعرفة ما إذا كانت البتة المستقبَلة واحدا أو صفرا. وتجدر الإشارة إلى أن دالة
تدقيق البتات تقوم في الواقع بتحسين أداء جهاز الاستقبال.
طاقة منخفضة ومدى قصير
(********) إن النزعة الحالية لإرسال إشارات
ذات طاقة أكثر انخفاضا على مدى أقصر حصلت سابقا في ميدان الاتصالات اللاسلكية،
مع بدايات ظهور تقانة الهاتف الراديوي. فقبل عام 1980، كان بإمكان برج واحد
يحمل جهاز إرسال عالي القدرة أن يغطي مدينة بأسرها، لكن المتاحية الطيفية
spectrum availability المحدودة كانت تعني عدم
قدرته على خدمة عدد كبير من المشتركين. فإلى عهد قريب (هو عام 1976) لم يكن
بوسع شركات خدمة الهاتف الراديوي في مدينة نيويورك التعامل في وقت واحد مع أكثر
من 545 مشتركا في الهاتف المحمول ـ وهو عدد قليل قطعا بالمقاييس الحالية. وقد
استطاعت صناعة الهاتف الخلوي أن تستوعب عددا كبيرا من المشتركين عن طريق تخفيض
القدرة والمسافة كلتيهما تخفيضا جذريا، ومن ثم إتاحة إمكان الاستفادة من الطيف
نفسه مرات عدة ضمن الرقعة الجغرافية الواحدة. ويبدو أن النظام اللاسلكي القصير
المدى حاليا ـ ولا سيما النطاق الفائق العرض ـ هو فعلا قاب قوسين من أن ينسج
على المنوال ذاته.
ولا شك في أن تقانة النطاق الفائق
العرض، باعتبارها أحدث نتاج لتقنية الراديو بالفرجة الشرارية، قد تتمكن بمساعدة
أشباه الموصلات والإنترنت، من أن تبرز في وقت قريب على أنها لبنة بناء لاسلكية
أساسية في تقانة اتصالات البيانات الفائقة السرعة.