للمرة
الأولي في تاريخ مصر القديم والحديث يخرج الشعب في ثورة ضد حاكمه ويرغمه
علي الرحيل ، خالد الإسلامبولي هو أول من قتل الفرعون ، والشعب المصري
اليوم يرغم الفرعون علي الخروج ذليلا مطرودا .
قتل خالد الفرعون
لكن نظامه بقي ، واليوم يسقط الشعب الفرعون وعينه علي نظامه الذي لا بد وأن
يزول ، نظام الاستبداد والفساد ، نظام القبضة الأمنية ، نظام النهب والمال
الحرام ، نظام تحالف الثروة والسلطة والأمن والبلطجة .
رحل
الطاغوت من القصر الرئاسي بعد أن أحاط به الثوار ونزلت طائرات الهليوكبتر
تنقل ما خف وزنه وغلا ثمنه من أموال الشعب لتلحق بمبارك الطريد المذموم إلي
شرم الشيخ وهو ما كان معناه أن مبارك لن يعود إلي قصر الرئاسة ثانيا ، كان
ذلك قبل إعلان نائبه عن تنحيه عن ا لسلطة للمجلس العسكري الأعلي .
ثورة
الشعب ا لمصري عرفناها ضد محتليه من الإنجليز والفرنسيس كثورة القاهرة
الأولي والثانية وكثورة رشيد ، أما ضد الاستبداد فإن كل محاولات المصريين
ظلت من نخبه العسكرية كما في حالة عرابي أو السياسية كما في حالة مجلس شوري
الدواوين وغيره ، وبقدر ما كانت ثورة 1919 شعبية وضد المحتل فإنها للمرة
الأولي في التاريخ المصري تستبدل المفاوضات والسياسة في مواجهة المحتل
بالجهاد والمواجهة ، نحن أمة عرفت المقاومة بالقتال والجهاد في مواجهة
المحتلين وجاءت ثورة 1919 لتجعل من التفاوض سبيلا للحصول علي الحقوق ، وجاء
انقلاب يوليو 1952 ليفرض الوجه العسكري علي الساحة السياسية ويقلص قدرات ا
لشعب وحيواته ، منذ اليوم الأول ضيقت الثورة علي حركة الجماهير وقيدتها بل
واجهت حركات العمال بالقمع ، وبقدر ما كان النظام الناصري منحازا للفقراء
والطبقات الاجتماعية الدنيا لكنه أبطل قدرات هذه
الطبقات علي الفعل
والمشاركة في تقرير مصيرها السياسي . ورسخ تقاليد النظم الفاشية
والاستبداد وعبادة الفرد كما أرسي أسس الوثنية السياسية والدولة الجاهلية .
كانت ا لسجون العسكرية والسرية والاختفاء القسري والتعذيب عناوين
لمرحلة الدولة الناصرية ، كان الاستفتاء والتزوير أدوات لتقرير ما يريده
النظام ، وحشر الشعب رغما عن أنفه في نظام الحزب الواحد الذي عرف بالنفاق
وغياب تقاليد المهنية والكفاءة لحساب أهل الثقة والكذابين .
عرفت
مصر الهزيمة الكبري في عام 1967 ، ولأول مرة نسمع عن حركة الطلاب عام 1968
ثم عام 1970 ، أذكر أنني كنت طفلا صغير وقت وقت مظاهرات الطلاب التي انطلقت
من
المعهد الأزهري في المنصورة ، ثم عرفنا مظاهرات 18 و19 يناير
1977 وكنت وقتها طالبا في الجامعة بكلية الاقتصاد ، ثم حركة تنظيم الجهاد
والتخلص من السادات ، ثم تمرد قوات الأمن المركزي عام 1986 كنت وقتها
مسجونا في سجن الاستقبال ، ثم بداية الحركات الاجتماعية في نهاية عام 2004
والتي دشنتها حركة كفاية وكنت عضوا بها ، واليوم 11 فبراير يسقط الطاغوت
بقوة الجماهير والشعب المصري وبدعم من الجيش لمطالب الجماهير ، هنا الشعب
ينتقل من الهامش إلي المركز ليصبح الطرف الأساسي في المعادلة السياسية
المصرية الجديدة ، مصر تولد من جديد ، مصر ترسم ميلاد عهد جديد ، ثورة
الشباب هي المرحلة الأعلي من نضال القوي ا لسياسية والاجتماعية المصرية
والتي حاولت أن تجعل الدولة تعبيرا عن مجتمعها ، وتجعل الحاكم صوتا لشعبه
ولأمته .
نظام مبارك استباح كل قواعد العمران ، اقتحم المنازل
والبيوت وقتل البرآء عبر المحاكم العسكرية وكنز الثروة دون الفقراء ، وحول
مصر من دولة للمصريين إلي عزبة خاصة يورثها لأبنائه ويمنحها لاصدقائه ،
وأذل المصريين حتي صاروا يقتل بعضهم بعضا من أجل الحصول علي رغيف العيش ،
وأذل العلماء وسجنهم وأسكت صوت الإسلاميين وقمعهم ، وباع البلد لصندوق
النقد الدولي وأجندة البنك الدولي .
المصريون اليوم صانعو المشهد
السياسي وهم في القلب منه ، وعلا الصوت بهتاف تحيا مصر ، والشعب يريد إسقاط
النظام ، وبدت هوية مصرية جديدة لمصر تتشكل ، في التحرير كان
المصريون
جميعا هناك فقراء وأغنياء ، شباب وشيوخ ، فلاحون وأهل البندر والمدن ،
عمال ومثقفون ، مسلمون وأقباط ، إسلاميون وعلمانيون وليبراليون ، وكلهم كان
يصدر عن صوت واحد يقول : يسقط ا لطاغوت .
كنا زمان ندرس معني كلمة
الطاغوت ، ونرفض التحاكم إليه وندعو لضرورة الكفر كشرط للإيمان ، واليوم
يسقط الطاغوت ، يطرده شعبه ، ميدان التحرير عنوان للكرامة المصرية ، والجيش
لا يحكم بانقلاب وإنما يحكم من خلال مجلس عسكري أعلي وهو ما يعني أن فترة
انقتالية سيعاد ترتيب الاجراءات القانونية والدستورية لانتقال السلطة
وبداية حياة دستورية جديدة ، اليوم المصريون يسجلون بداية خبرتهم في النضال
السياسي السلمي ، وهو النضال الذي يجب أن يكون الإسلاميون في قلبه ، مصر
تتشكل من جديد ، وبقدر ما يكون الحاضرون في المشهد بقدر ما يكون لهم الحق
في المشاركة في صنعه مستقبلا .
نحن نقول بصوت واضح لا غموض فيه ،
الإسلام هو دين الدولة الرسمي ، والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع
هي مطالب لكل المصريين ، فليس معني مدنية الدولة تجاهل دين الأغلبية .