هرتسل وحاخامات المدن
الكسندر يعقوبسون
2010-12-23
لو أنهم حكوا لبنيامين زئيف هرتسل انه في دولة اليهود
سينشر عشرات الحاخامات رسالة تُحرم بيع غير اليهود الشقق أو ايجارها، فمن
المؤكد انه كان يثور ويغضب جدا لكن أشك في أن يتفاجأ. وصف هرتسل في كتابه
'دولة اليهود' معركة انتخابات في مركزها طلب سلب غير اليهود الحق في
التصويت من قبل حزب برئاسة حاخام ارثوذكسي قومي.
يُهزم هذا الحزب في
صناديق الاقتراع بحسب الكتاب؛ وكان يُفرح هرتسل بيقين أن يسمع ان يُرفض في
اسرائيل حزب يتبنى برنامج الحاخام غاير من 'دولة اليهود' مسبقا عن المشاركة
في الانتخابات. لكن من المؤكد انه كان سيُدهش لسماع لقب 'حاخام مدينة'
يحمله كثيرون من الموقعين على الرسالة. فلماذا يتلقى حاخامات منصبا رسميا،
كان سيسأل في امتعاض بالتأكيد. لقد كتبت في صراحة، بعد أن أكدت مبلغ
احترامي للدين والتراث، أننا مُجبرون لمنع كل محاولة من رجال الدين للسيطرة
على الدولة؛ ينبغي إبقاء الحاخامات في الكُنس كما نُبقي الجيش في الثكنات.
يبدو
أن موقف هرتسل من هذا الشأن كان أكثر حزما من الموقف المعمول به حتى اليوم
في جزء من الدول الليبرالية. ففي بريطانيا ما زالت الحكومة تُعيّن رجال
دين الكنيسة الانغليكانية الذين يمثل جزء منهم الكنيسة في مجلس اللوردات،
ويُطلب الى البرلمان أن يُجيز حق النساء في تولي هذا المنصب. وفي الدنمارك
والنرويج يُعين الملك رؤوس الكنيسة الرسمية (اللوثرية) وهو ملزم ايضا بحسب
الدستور أن ينتمي اليها.
كذلك تبني دول ديمقراطية حديثة رموزا دينية ليس
نادرا: فالصليب يظهر على أعلام غير قليلة في اوروبا، ويبدأ دستورا ايرلندا
واليونان بعبارة 'باسم الثالوث المقدس'. لكنه لا توجد دولة ديمقراطية في
العالم حتى الآن يوجد فيها للمؤسسة الدينية سلطة على أحكام الحياة الشخصية
كما في اسرائيل (كان هذا في اليونان وأُلغي في الثمانينيات)، كذلك لا توجد
دولة ديمقراطية اخرى يمكن فيها وجود وثيقة مخجلة فاضحة مثل رسالة
الحاخامات، دونما صلة بمكانة المؤسسة الدينية فيها.
بخلاف ما يعتقده
كثيرون، لا يوجد مقياس عام يقضي بالفصل بين المؤسسات الدينية ومؤسسات
الدولة، لكن يوجد تعليل ممتاز لهذا الطلب خاصة في اسرائيل وهو طابع المؤسسة
الدينية في البلاد. ليست هذه المؤسسة كلها تؤيد رسالة الحاخامات لكن من
الواضح ان كثيرين يؤيدونها.
إن الفصل المؤسسي بين الدين والدولة ليس
امكانا سياسيا واقعيا في البلاد. لكن الاتصال بمؤسسات الحكم ليس امتيازا
فقط لان له ثمنا ايضا. فمن يتلقى صلاحيات من الدولة يُخضع نفسه ايضا لجهاز
رقابة اعمال أناس السلطة. يوجد لهذا الجهاز في دولة اسرائيل غير قليل من
القوة، وقد أبعد ذوي مناصب سلطوية عن مناصبهم. إن الموقعين يتكلون على انهم
لن يُحاكِموا محاكمة جنائية عشرات الحاخامات على كلام مهما يكن شديدا. لكن
ينبغي أن نطلب بشدة إبعادهم عن مناصبهم الرسمية.
مما يؤسف له جدا انه
يوجد غير قليل من المجالات التي تمتنع فيها الدولة عن تطبيق قوانينها أو
يصعب عليها ذلك؛ لكن عندما يعمل صاحب منصب رسمي لا مجرد مواطن في اطار عمله
بخلاف القانون ويمس بالغير، فلا يجوز للدولة أن تُمكّنه من البقاء في عمله
والاستمرار في الاضرار. إن استمرار ولايته لعمله الرسمي في هذه الظروف هو
مس واضح بحقوق المواطنين الذين أضرت بهم اعماله. إن التنديد العام لن يؤثر
أبدا في حاخامات المدن، لكن الاستئناف الى محكمة العدل العليا اعتراضا على
بقائهم في عملهم قد يفعل ذلك.
هآرتس 23/12/2010