السرد بين النظرية والتراث
في "مجلة العلوم الإنسانية"
صدر العدد الجديد (الثاني
العاشر) من مجلة العلوم الإنسانية، الدورية العلمية المحكمة التي تصدر عن
كلية الآداب بجامعة البحرين. واشتمل العدد على ثلاثة أبواب أساسية، وهي
الأبحاث، والمحور، وقراءات ومراجعات.
وتضمن باب الأبحاث ثلاثة أبحاث علمية، حيث يكتب د.شريف عبد اللطيف عن
"وساطة القاضي في ميزان النقد الغربي". ويقارب هذا البحث كتاب "الوساطة بين
المتنبي وخصومه" للقاضي الجرجاني من منطلق التفاعل بينه وبين النقد
الغربي، وذلك من أجل استجلاء أبعاد الكتاب المفاهيمية، واستجلاء مظاهر
المعاصرة فيه والتي يمكن استحضارها في الدرس النقدي والبلاغي الحديث.
وفي بحث آخر يتناول د. زاهد خلف روسان "المفاهيم الدينية ومسايرتها
لأحكام العقل من منظور الإمام محمد عبده". ويتناول هذا البحث الأبعاد
الإصلاحية التي انطوى عليها موقف الشيخ محمد عبده تجاه مجموعة من المفاهيم
الدينية، حيث كان يجتهد في تحليلها وتوضيحها لتظهر مسايرة لأحكام العقل،
ولتصبح هذه الأحكام عوامل لتشجيع حرية الإنسان لا قيودا تكبله، ومن بين هذه
المفاهيم: القضاء والقدر، وأفعال الإنسان الاختيارية، والتوحيد، وتعدد
الزوجات، وإصلاح التعليم، والسلطة المدنية في الإسلام وغيرها. كل هذا يجعل
الباحث يخلص إلى أن مدرسة محمد عبده الفلسفية امتداد صريح لفكر المعتزلة.
أما د. صالح سليمان عبد العظيم فيكتب عن "الإنترنت ولغة حجرات الدردشة"،
وتتناول هذه الدراسة تأثيرات الإنترنت في اللغة العربية واستخداماتها،
وذلك من خلال التركيز على موقع البال تووك (Paltalk). وقد انتهت الدراسة
إلى أن النص المستخدم داخل حجرات الدردشة هو نص مختلف عن النصوص التقليدية.
وتتميز اللغة المستخدمة باعتماد آلية تكرار الحروف والكلمات، واستخدام
الإشارات والأيقونات، والمزج بين اللغة العربية والإنجليزية، وكتابة اللغة
العربية بحروف لاتينية. الأمر الذي حمل الباحث إلى استخلاص أن هذه اللغة
تعكس قدراً كبيراً من التفكك والتشظي اللذين يميزان توجهات الأجيال الجديدة
التي هي أكثر استخداماً للإنترنت.
أما محور العدد فقد كان يدور حول
قضية "السرد بين النظرية والتراث"، وقد اشتمل على أربعة بحوث أساسية. وفي
المحور يقدم د. أحمد الحسن دراسة عبارة عن "مدخل إلى تاريخ نظرية الرواية"،
وهو يسعى إلى الكشف عن تاريخ ظهور الرواية في الأدب العربي والغربي، ويرى
الباحث أن الرواية العربية جزء من الرواية العالمية، على الرغم من الخصوصية
التي تميز هذه الرواية عن غيرها.
وفي المحور ذاته يقدم د. محمد مريني "مقاربة بنيوية تكوينية في النقد
المغربي الحديث: النقد السردي أنموذجاً". وفي هذه المقاربة يتناول الباحث
الأعمال النقدية التي اشتغلت على القصة والرواية في الأدب المغربي الحديث،
وذلك من منظور بنيوي تكويني (منظور لوكاتش وغولدمان).
كما درس د. عبد الله إبراهيم "الرواية العربية وتفكك الموروث السردي"،
وتركّز البحث على وصف الكيفية التي تفككت بها المرويات العربية الحديثة
خلال القرن التاسع عشر. وهو يكشف طبيعة عالم السرد القديم، ويحلل أساليب
التعبير التقليدية، والظروف الثقافية التي تبلورت من خلالها ملامح النوع
الروائي. ذلك أن السمات الخاصة للرواية العربية لم تنبثق فجأة من العدم،
وبل هي تطوير وإعادة تجميع لعناصر سردية وأسلوبية شهدت انهياراً نتيجة
تغيّر النسق الثقافي العام، فأعيد تشكيلها في نوع جديد هو الرواية.
أما د. محمد عبد الرحمن يونس فيقدم دراسة حول "سلطة الحكاية وسلطة القتل
في ألف ليلة وليلة"، وتسعى هذه الدراسة إلى استكشاف التأثير الشديد الذي
تمارسه الحكاية العجيبة في ألف ليلة وليلة في نفسية الشخوص السلطويين
المروي لهم. الأمر الذي ينقذ الرواة وأبطالهم من القتل.
وفي باب قراءات ومراجعات، يقدم د. سعيد بنكراد مقاربة متميزة حول
"التأويل وتعدد الحاجات الإنسانية"، وفيها يطرح الباحث التأويل بما هو حاجة
إنسانية وليس ترفاً فكرياً أو ضلالاً وخروجاً عن سبيل مستقيم.
ويقدم د. إدريس الخضراوي مراجعة نقدية مطولة في كتاب "تمثيلات الآخر"
للدكتور نادر كاظم، ويذهب الباحث إلى أن الكتاب يمثل أهم محاولة نقدية
عربية وأعمقها استثماراً لمقترحات النقد الثقافي والدراسات الثقافية.
ويترجم سعيد الغانمي الفصل الرابع من كتاب "العقل واللغة والمجتمع:
الفلسفة في العالم الواقعي" لجون سيرل، وهذا الفصل بعنوان "كيف يعمل
العقل؟"، وهو بحث فلسفي في قضية القصدية وح