حمادي فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1631
تاريخ التسجيل : 07/12/2010 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 8
| | نائل بلعاوي: على المثقف أن يقف دائما إلى جانب المهزوم | |
| نائل بلعاوي: على المثقف أن يقف دائما إلى جانب المهزوم |
- السلطات العربية لها مخلب في كل ذرة هواء في الأوطان التي تحتلها، لم تترك مجالا أو مكانا لم تغرس فيه أذاها ورائحة القيود والظلام. وإن المبدع الذي ربما يراه البعض على أنه بعيد في برجه، هو أول المتضررين بل هو أكثرهم من هذه السلط التي تدخل حتى بين ثنايا منتجه الثقافي، فتضع أمامه وأمام شعبه خيارين: إما هي أو البؤس، ليكون خياره الثالث ألا وهو المنفى. “العرب” التقت الشاعر الفلسطيني نائل بلعاوي وكان لنا معه هذا الحوار.
| العرب آرام [نُشر في 01/07/2015، العدد: 9965، ص(15)] | | | أحلم بأن يتحول الوطن العربي إلى فضاءات تستحق أن يعيش المرء تحت ظلها |
| | يقول نائل بلعاوي: لا تزال بعض الصحف تضيف إلى اسمي صفة شاعر، ولم أقدم الكثير لجعلها صفة أستحق حملها، جئت إلى الكتابة من هناك، من الرغبة الدفينة في كتابة الشعر، وكنت على وشك طباعة ديواني الأول عام 1998، لكنني سحبت المخطوطة، إذ تغلبت قناعتي حول النص الذي عليه أن يبهرني أولا على الرغبة العادية في الانتشار، ولست نادما على ذلك. نائل بلعاوي من مواليد فلسطين 1966، نزح رضيعا مع أهله إلى الأردن عام 67 ثم هاجر إلى فيينا عام 1989، ومن هناك انطلق عمله في الصحافة والكتابة والترجمة. الكتابة والمنفى هاجرت لأن جميع الأسباب المحرضة على الهجرة توفرت، هكذا يعلن نائل بلعاوي إذ يقول “ظروفي الاقتصادية حرمتني من إكمال دراستي، الدراسة والرغبة في مقارعة المجهول، إضافة إلى الاقتراحات التي تشعلها القراءة والكتابة، كل ذلك شكّل دوافعي للسفر”. ويصف فيينا بأنها الصدفة الأجمل في حياته، فهي المدينة التي وجد فيها كل ما يحب وإليها ينتمي، ويتحدث عن أوروبا التي كانت أكثر قربا من كل الرؤى والتصورات التي حلم بها، أما المدن العربية بالنسبة إليه، فهي أماكن تتصارع، وبأشكال دموية أحيانا، و يحلم في ما يحلم به، أن تتحول تلك الأمكنة من المحيط إلى الخليج إلى فضاءات تستحق أن يعيش المرء تحت ظلها أو يعود إليها. بشاعرية يصف بلعاوي الكتابة إذ أنها سليلة السحر الذي ما أن تدلف معبده حتى يأخذك بعيدا، هو الذي ينتمي إلى اللغة العربية وسحرها، وهو الذي يجيد الألمانية، لكنه منذ سنوات لم يستطع الكتابة إلا بلغته الأم التي يحب. أما عن الترجمة وهي إحدى نشاطاته، فهو يعتبر أنه لا يعمل في الترجمة بصورة احترافية، هو الذي نقل العديد من النصوص الأدبية إلى العربية، ونشرت في العديد من المجلات والصحف، ترجم لشعراء مثل باول سيلان، جورج تراكل، إيرك فريد، توماس بيرنهارد وغيرهم، يصف نفسه بأنه مجرد قارئ تجذبه نصوص بعينها فيقرر نقلها إلى لغته الأم ليس أكثر، ويتحدث عن الترجمة بأنها ميدان إبداعي في حدّ ذاته وعملية إعادة كتابة لما يراه ويحسه ويستقبله المترجم، يصفها بأنها ضحية مثل جميع حقول الإبداع عند العرب ضحية الإهمال التاريخي المتعمد التي تتبعه الأنظمة المستبدة التي تعمل بكل جهد على إشاعة الأمية. - اقتباس :
- سنوات الرعب الأخيرة قدمت مثقفا مترددا وغير واثق من مرجعياته، مثقفا بلا مشروع فعلي وبلا مرجعيات ثابتة
بالنسبة إلى بلعاوي لا شيء في الرواية الفلسطينية يدعو إلى الفرح أو يشير إليه، فهذه القضية هي في أكثر محطاتها بؤسا واضطرابا، وإن الحديث عن هذه التراجيديا الإنسانية العالية يفتح الجراح العتيقة ويستدعي الألم، ويستتبع كلامه بأن السلطة التي أوكلت إليها اتفاقيات أوسلو مهمة النزول بالقضية الكونية العادلة من مرتبة الصراع حول كل شيء مع إسرائيل إلى مرتبة الخلاف حول طبيعة الخدمات، هي أول من يتحمل المسؤولية، تلك السلطة التي أدخلت القضية في نفق سديمي كما يعبر بلعاوي وأنزلتها من علياء تمثيلاتها الإنسانية وحولتها إلى قضية دولة صغيرة تعاني من مشاكل حدودية مع جارتها إسرائيل، ولديها خلافات إدارية معها ومتاعب تعيين وزراء وسفراء وتغطية النفقات الكبيرة لشخصياتها الخاصة، حيث تحولت السلطة الفلسطينية إلى مجرّد نموذج مصغر للأنظمة العربية المستبدة، إضافة إلى الانقسام السخيف بين غزة ورام الله، وفق تعبيره. لكن ما يراهن عليه بلعاوي، هو تلك القدرة الهائلة التي حققها الفلسطيني على الاستمرار في الدفاع عن هويته وحقوقه وأحلامه بدولة مستقلة، تنهي أسطورة الاحتلال البغيض. قدر المثقف ويعتبر ضيفنا أن المثقف عليه أن يكون ابنا وفيا لعصره، كما كان الحال مع أرسطو وابن رشد وغوته، كما كان هيغل وماركس وإدوارد سعيد، ويستشهد نائل بلعاوي بجملة شهيرة للشاعر الألماني شيلر “الفن ابن الحرية”، إذ لا يمكن أن يزدهر الفن والثقافة إلا في ظل حرية بلا حدود. وبالعودة إلى مقولة غونتر غراس “على المثقف أن يقف دائما إلى جانب المهزوم، تساءل بلعاوي، لكن هل وقف المثقف العربي في هذه اللحظات التاريخية الحاسمة إلى جانب المهزوم. بنعم خجولة يجيب بلعاوي، وبلا صارخة أيضا، فسنوات الرعب الأخيرة قدمت مثقفا مترددا وغير واثق من مرجعياته، مثقفا بلا مشروع فعلي وبلا مرجعيات ثابتة تحدد رؤاه. ويضيف نائل بلعاوي: البعض فقد بوصلته الأخلاقية الإنسانية العادية أيضا. حيث وقف إلى جانب الطغاة. لكن رغم كل شيء، كشفت سنوات الربيع العربي عن مجموعة لا بأس بها من المثقفين الذين يواصلون القبض على جمرة الفكرة الأصيلة للثقافة، التي هي نفسها جمرة الحرية. - اقتباس :
- الترجمة ميدان إبداعي في حد ذاته، وعملية إعادة كتابة ما يراه ويحسه ويستقبله المترجم، وهي ضحية عند العرب
كما يتحدث بلعاوي بشيء من اليأس والخذلان عن قائمة خذلته هو شخصيا على المستوى الأخلاقي والإنساني، تتضمن أسماء مثل الراحل أنسي الحاج، سعدي يوسف، كمال أبوديب، جابر عصفور، نزيه أبوعفش، وغيرهم، ويصف موقف أدونيس بالموقف الوقح، حيال مواقفه الأخيرة حيال حراك شعبه وترديده مقولات النظام، ويعرّف مثقف السلطة بأنه هو الذي يضع جميع أدواته في خدمة وتصورات السلطة عن الواقع والحياة. يعلن بلعاوي أن السلطات العربية السياسية تمكنت من منح السلطات الاجتماعية والدينية مخالبها الحادة وزودتها بعصاها الضاربة، تلك السلطات التي لها تأثيرات فاعلة وحاسمة في المنتج الثقافي وهي فاعلة في لجم الخطاب عدا كونها دائما مقدسة ودائما لا تقبل النقاش، ويتحدث عن التحولات الكبرى الاجتماعية، التي هي دائما بطيئة ولا تتم إلا بصورة تدريجية، ويعود ليؤكد أن الخلاص من السلطة الاستبدادية هو المقدمة للخلاص من أدواتها الاجتماعية والدينية وهنا بالضبط يكمن عمل المثقف ودوره. يقول ضيفنا: كأن السلطة العربية التي وُضعت للمرة الأولى أمام سؤال شرعيتها عام 2011، لم تجد مهربا من هذا المأزق الوجودي إلا باللجوء إلى الرايات السوداء وظلامية ما تشير إليه، حيث أحالت المشهد إلى صراع سديمي بين قبيلة وأخرى وبين طائفة وطائفة. ويتابع قوله: السلطة العربية لم تعمل خلال سنوات طويلة إلا ضمن عمل ممنهج على إبعاد فكرة الدولة المدنية الحديثة عن نفسها وعن أحلام شعوبها، حيث كانت تعدّ نفسها لتسأل هذا السؤال الذي نطرحه اليوم، نحن أم هذا الوباء؟ وعن ظاهرة التطرف يقول: لا يمكننا مناقشة ظهور داعش دون الغوص عميقا في مظاهر الاستبداد وآلياته العنفية التي ورثها العالم العربي ولا يزال أسيرا لها، هكذا يفصح بلعاوي بكل وضوح عن ضرورة دفع ثمن الخلاص من استبداد عنيف تمتد جذوره إلى قرون عديدة، هذا الخلاص لن يتم بين ليلة وضحاها، ولا يُقدّم على طبق من ذهب، هكذا تقول تجارب من سبقونا إلى الخلاص المنشود، وعلى هذه الطريق علينا أن نسير. |
| |
|