نابغة فريق العمـــــل *****
التوقيع :
عدد الرسائل : 1497
الموقع : المنسق و رئيس قسم الفكر والفلسفة تعاليق : نبئتَ زرعة َ ، والسفاهة ُ كاسمها = ، يُهْدي إليّ غَرائِبَ الأشْعارِ
فحلفتُ ، يا زرعَ بن عمروٍ ، أنني = مِمَا يَشُقّ، على العدوّ، ضِرارِي
تاريخ التسجيل : 05/11/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2
| | طائر ذكي(*) | |
طائر ذكي (*)طيور الدجاج ذكية وتفهم عالمها، وهذا يثير أسئلة مقلقة عن الطريقة التي تُعامَل بها في المداجن. -
باختصار تشير أدلة متنامية إلى أن الدجاجة العادية أذكى بكثير مما كانت تُعطى من تقدير. الطيور ماكرة ومراوغة وقادرة على التعاطف، وتمتلك مهارات تواصل متطورة ومعقدة. وكون الدجاج ذكيا إلى هذا الحد يشير إلى أن مثل هذا الذكاء هو أكثر انتشارا في المملكة الحيوانية مما كان يعتقد. ولهذه الصورة الناشئة عن عقلية الدجاج أيضا تداعيات أخلاقية للطريقة التي يعامل بها المجتمعُ طيورَ المداجن. |
في المملكة الحيوانية، بعض الكائنات أذكى من بعض. فالطيور، بخاصة، تبدي عدة مهارات جديرة بالملاحظة كان يعتقد سابقا أنها تقتصر على البشر: فطيور العقعق(1) تميز انعكاساتها في المرآة. وغربان نيو كاليدونيا(2) تنشئ الأدوات وتتعلم هذه المهارات من كبارها. والببغاوات الرمادية(3) الإفريقية تستطيع العدّ، وتصنيف الأشياء وفق اللون والشكل، والتعلم لفهم كلمات الإنسان. ويستطيع كذلك ببغاء الكوكاتو ذو العرف الأصفر(4) والمسمى كرة الثلج(5) أن يرقص على الإيقاع.
غير أن قلة من الناس تعتقد أن الدجاج ذكي. لكن العلماء عرفوا في السنوات الأخيرة أن هذا الطائر يمكن أن يكون ماكرا ومخادعا، وأنه يمتلك مهارات تواصل تضاهي تلك التي لبعض الرئيسيات primatesا(6)، وأنه يستخدم إشارات معقدة ومتطورة لتبليغ مقاصده. وعند اتخاذ القرارات، يأخذ الدجاج في الحسبان خبرته ومعرفته السابقة فيما يخص الوضع. ويمكنه حل المشكلات المعقدة ويتعاطف مع الأفراد التي تكون في خطر.
وهذه الرؤى الجديدة عن عقل الدجاج تشير إلى أن بعض القدرات الاستعرافية(7) المعقدة التي كانت تعزى تقليديا إلى الرئيسات وحدها، ربما تكون أكثر انتشارا في المملكة الحيوانية مما كان يعتقد من قبل. ولهذه المكتشفات أيضا تداعيات على الطريقة التي يعامِل بها المجتمعُ الدجاجَ في المداجن: فملاحظة أن الدجاج يمتلك هذه الصفات الاستعرافية تفرض اعتبارا أخلاقيا للظروف التي يعانيها نتيجة أنظمة الإنتاج المصممة لجعل لحم الدجاج وبيضه قدر المستطاع رخيصا ومتوفرا على نطاق واسع.
دجاج متحدث(**)
لقد استغرق الباحثون قرابة قرن من الزمن ليعرفوا ماذا يدور في أدمغة الدجاج. فقد برزت أولى الأفكار من دراسات أجريت في العشرينات من القرن الماضي، حينما بَيّن البيولوجي النرويجي <Th. شجلدروپ-إيبي> أن لدى الطيور نظام سيطرة سمّاه “الترتيب النقري (الهرمي)”(8) بعدما لاحظ أن الدجاج يفرض زعامته من خلال توجيه نقرة حادة للأفراد الأدنى مرتبة كلما تطلعوا إلى مكانة أعلى.
جاءت القفزة الكبيرة التالية في فهم ذكاء(9) الدجاج بعد عدة عقود. حيث قام الباحثان الراحلان <نيكولاس> و<كوليا> [من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس] بتصنيف نداءات الطيور وخلصوا إلى أن لدى الدجاج مخزونا من أربعة وعشرين صوتا مختلفا، العديد منها يبدو خاصا بحدث معين. فعلى سبيل المثال، عندما يواجه الدجاج تهديدا من الأعلى، مثل نسر جائع، فإنه يجثم ويصدر صوت “إي إي إي إي” “eeee” رقيقة جدا وعالية الطبقة. وصوت القرقرة الذي يربطه أغلب الناس بالدجاج هو في الواقع أحد الأصوات التي يستخدمها الدجاج عندما يواجه حيوانا أرضيا مفترسا. ويثير اكتشاف الطعام لدى ذكور الدجاج سلسلة من الأصوات الحماسية “دوك دوك” dock dock وبخاصة إذا كانت تنصت إليه إحدى الإناث النقادات.
وهذه الاكتشافات المبكرة توحي إلى أن ما يدور في دماغ الدجاج، الذي هو بحجم الجوزة، أكثر مما قد يعتقد المرء. فقد ظهرت هذه الأصوات بأنها تكويد encoding لمعلومات معينة مقصودة لتحريض استجابة خاصة من المشاهدين. إلا أن ربط هذه الأصوات والحركات بمعناها الحقيقي ظل أمرا صعبا إلى أن تطورت، في التسعينات من القرن الماضي، التقانة التي سمحت للباحثين باختبار فرضياتهم بدقة أكبر. وكان من بعد ذلك أن بدأ العالم الراحل <Ch. إيڤانز> [من جامعة ميكوري في أستراليا] وآخرون باستعمال أجهزة التسجيل السمعية الرقمية والتلفزيونات العالية الدقة لاختبار طبيعة علاقة نسق(10) أصوات الدجاج تحت ظروف مضبوطة. ولب الموضوع أنهم أنشؤوا واقعا افتراضيا(11) للطيور، فأحاطوا قفص الاختبار بتلفزيونات مكنتهم من تغيير ما تواجهه الدجاجة - رفيق، منافس، مفترس - وتسجيل الكيفية التي تستجيب بها لحالات مختلفة. فقد ترى دجاجة الاختبار صقرا وهميا يحلق فوقها، أو ثعلبا يعدو نحوها من جانبها، أو ديكا يطلق سلسلة من أصوات دوك-دوك dock-dock.
وقد أدى هذا الواقع الافتراضي حقا إلى كشف مدهش فعلا: فالأصوات أو الحركات التي يأتي بها أحد أفراد الدجاج تُبَلِّغ معلومات معينة، تفهمها بقية الدجاج. فلا تحتاج الدجاجة إلى أن ترى مفترسا يحلق فوقها حتى تتصرف كما لو أنه هنالك فعلا، وإنما يكفيها أن تسمع نداء تحذيريا من طائر آخر فقط؛ فصيحات الدجاج من حيث الوظيفة الدلالية(12) functionally referential، كما يظن علماء السلوك - بمعنى أنها تشير إلى أشياء وأحداث معينة بشكل عام بالطريقة نفسها التي تؤديها الكلمات المستخدمة من قبل البشر. ويبدو أن الأصوات لدى الدجاجة التي تسمع الصيحات تشكل صورة ذهنية لذلك الشيء؛ مما يدفعها للاستجابة وفقا لذلك - إما بالفرار من مفترس أو الاقتراب من مصدر غذاء.
وقد أظهر العالَم الافتراضي أيضا أن أفراد الدجاج تُفصِّل رسائلها وفق مستمعيها. فالديك الذي يرى التهديد من فوقه، مثلا، قد يطلق نداء إنذار، إذا علم بوجود أنثى قريبة، ولكنه قد يبقى صامتا عند وجود ذكر منافس له. والإناث انتقائية بالطريقة نفسها، فهي تطلق إنذارا فقط عندما يكون لديها صيصان.
وبشكل عام، أشارت هذه النتائج إلى أن الأصوات لم تعكس ببساطة الحالة الداخلية للطير، مثل كونه خائفا أو جائعا. ولكن الدجاج فسر دلالة(13) الأحداث واستجاب لها، لا بمنعكس بسيط وإنما بأفعال مُحكَمة التدبير. والدجاج، فيما يبدو، يفكر قبل أن يفعل - وهذه سمة مرتبطة بصورة أكثر نمطية بالثدييات ذات الدماغ الكبير أكثر من ارتباطها بالطيور.
بأية وسيلة(***)
أظهرت النداءات الدلالية(14) أن الدجاج أكثر تعقيدا وتطورا من الناحية الاستعرافية مما كان يُقدّر. وأبرز البحث أيضا سؤالا مثيرا للاهتمام: إذا كانت لهذه الطيور القدرة على تبادل المعلومات عن الأحداث المحيطة، فهل تقوم بكتم هذه الأخبار أو حتى ببث أخبار مضللة عندما تتوقع أن تستفيد من هكذا سلوك مخادع؟ فالمزيد من التبصرات تأتي من خلال دراسات للأشكال الأخرى للإشارات التي يرسلها الدجاج.
لقد عرف العلماء منذ أربعينات القرن الماضي أن الطيور تؤدي عروضا بصرية معقدة بخصوص اكتشاف الطعام. وأبرز هذه العروض هو سلسلة من الأفعال تدعى مجتمعة نشوة الطعام اللذيذ(15) tidbitting، حيث يحرك الديك الزعيم رأسه بسرعة من جانب إلى آخر ويخفضه ويرفعه، ملتقطا للطعام وموقعا له المرة تلو المرة بشكل متكرر ليشير إلى أنثى بأنه وجد شيئا لذيذا. وهذا الأداء هو الطريقة الأساسية التي يستميل بها شريكة له. واعتقد العلماء أن الذكور المرؤوسين(16) بدورهم يركزون على التصرف بهدوء، بحيث يجتنبون إثارة حفيظة الزعيم. ومع ذلك، فقد أشارت بعض الملاحظات للدجاج وهو في مجموعاته الاجتماعية إلى أن الترتيب النقري للطير(17) ربما لا يكون منتظما تماما، كما كان يعتقد الباحثون في البداية. وفي الواقع، أشارت أدلة متزايدة إلى أن طيور الدجاج ربما تكون أوغادا مخادعة.
لقد أخطأ المراقبون البشريون في البداية هذه الدراما وراء ذلك، لأن التفاعلات بين أفراد المجموعة قصيرة وفي كثير من الأحيان سرية؛ فالطيور تفضل الاختفاء في العشب الطويل ووسط الأجمات. وفي الوقت نفسه، ليس من الممكن لشخص بمفرده أن يراقب طيور الدجاج كلها في آن واحد. وللحد من تلك المصاعب، أتت إحدانا(<سميث>) بحل سمَّته أخاً أكبر للدجاج(18).
فقد قامت <سميث> وزملاؤها في جامعة ميكوري بوصل سلكي لأقفاص الطيور الخارجية - وهي مساحات واسعة في الهواء الطلق ذات غطاء نباتي وفير، محاطة بشباك من كل الجهات - بعدة آلات تصوير عالية الدقة وبمجموعة من الميكروفونات لالتقاط كل حركة تصدرها الطيور وكل صوت تطلقه. وبعد ذلك قاموا بتحليل التسجيلات الحاصلة.
وكما كان متوقعا، فقد كان الديك المتزعم يصيح ليظهر بأنه سيد الساحة. وكان يؤدي عرض نشوة الطعام الشهي ليجتذب الإناث. وكان يطلق صيحات الإنذار ليحذر السرب من خطر قادم من الأعلى.
وكان المرؤوسون هم من أتوا بما لم يكن متوقعا. فقد توقع فريق الدراسة أنه ينبغي على هؤلاء الذكور أن تلزم حدها، لتتجنب تعرضها للملاحقة أو النقر أو الدفع من قبل الزعيم إذا تجرؤوا التحرش بأنثاه. لكن الكاميرات والميكروفونات قد أظهرت قصة أعقد من ذلك. فقد استخدمت هذه الذكور الأدنى تكتيكات خفية بطريقة كان يُعتقد من قبل أنها مستحيلة بين الطيور: فقد قاموا بأداء الجزء المرئي فقط من نشوة الطعام الشهي - بالقيام بحركات الرأس من دون صوت دوك دوك - محدثين بذلك إشارة جديدة يمكنها في آن واحد اجتذاب قرينة بهدوء واجتناب غضب الديك المتزعم.
وحقيقة أن الذكور المرؤوسة تعدل إشارة نشوة الطعام الشهي بهذه الطريقة لتغوي الدجاجات بشكل خفي أظهرت مرونة سلوكية أذهلت الباحثين. لكنه لا يزال يتعين عليهم أن يسبروا كامل أعماق مراوغة هذه الطيور.
ولدراسة سلوك الحيوانات عن قرب أكثر، فقد أضاف الباحثون تقانة أكثر إلى مجموعة أدواتهم. فقد كانت أصوات الدجاج في الأغلب رقيقة للغاية، بحيث لم تكن <سميث> والباحثون الآخرون قادرين على التقاطها، حتى مع تزودهم المكثف بآلات التصوير والميكروفونات. فقد كانوا بحاجة إلى طريقة لتسجيل كل نداء يقوم به و يسمعه كل فرد من أفراد الدجاج.
وكان الحل الأمثل لتحقيق ذلك هو أن يقوموا بتزويد الدجاج بحقائب ظهر تحمل ميكروفونات لاسلكية خفيفة الوزن شبيهة بالتي يستخدمها المراسلون الصحفيون عند قيامهم بعمل ميداني. ولكن من أين لهم الأدوات المناسبة لذلك؟ فقد رأت <سميث> أن حمالات الصدر قد تحل المشكلة. فأخذت تبحث عن القديمة منها ذات المشابك السهلة التثبيت لاسيما السوداء حتى لا يمكن تمييزها عن الريش. وقامت <سميث> بقطع المشابك والأربطة القابلة للتعديل وربطت هذه الأجزاء بالميكروفون لتصنع عدة التعليق. وما أن يعلق على خصر الدجاج، فإن هذا الجهاز المصنوع بسرعة وبساطة - المسمى تحببا الأخ الأكبر للدجاج 2.0(19) - سيسجل ما قاله الدجاج وما سمعه.
كانت <سميث> متحمسة بشكل خاص للاطلاع عن كثب أكثر على الكيفية التي تستجيب بها هذه الحيوانات للخطر، وقد كانت الأبحاث السابقة محيرة، تلك التي بينت أن الذكور قد تصرخ أحيانا عندما ترى مفترسا (صقرا مثلا) في الجو، محيرة لأن إطلاق مثل هذه الصيحات قد تعرض الديك لخطر أكبر بالتنبه إليه ومهاجمته هو نفسه. وكان العلماء قد افترضوا أن حاجة الذكر إلى حماية قرينته وذريته هي أمر مهم للغاية، إلى حد كون إطلاق هذه الصيحات يستحق المخاطرة. إلا أن <سميث> تساءلت عما إذا كانت عوامل أخرى تؤثر في سلوك الصياح.
| دجاج المداجن (كهذه الدجاجات بمزرعة في فلورو في بلجيكا) يعيشُ غالبا في ظروف مزدحمة للغاية. |
وقد اتضح أن هناك عوامل أخرى مؤثرة. فاستخدام دجاج الأخ الأكبر 2.0 للتنصت حتى على أكثر عمليات التواصل هدوءا أظهر أن الذكور أحيانا تطلق صيحات لأسباب تتعلق بحبها لذاتها. فالطيور التي رصدت الخطر على نفسها وعلى منافسيها كانت أكثر ميلا إلى إطلاق صيحة إذا استطاعت أن تقلل من الخطر على نفسها وأن تزيده على منافسيها في آن معا. وكثيرا ما يطلق الذكر صيحات إضافية إذا كان في مأمن تحت شجيرة وكان منافسه مكشوفا في العراء، وهو عرضة لخطر اقتناصه من قبل مفترس منقض. فإذا كان الديك محظوظا، فإنه سيحمي أنثاه، وسيواجه العواقب ذكر آخر.
وتعرف هذه الاستراتيجية بتعويض الخطر(20) risk compensation أو الاستجابة الممنهجة تجاه الخطر، وهي أيضا مهارة أخرى يشترك فيها الدجاج مع البشر. فالسواد الأعظم منا سوف يقبل التحدي لمزيد من الخطر إذا أدرك وجود عامل مخفف. فالناس، على سبيل المثال، سوف يقودون سياراتهم بسرعة أكبر عندما يضعون حزام الأمان، أو عندما تكون السيارة مجهزة بفرامل مانعة للانزلاق. وهكذا، فإن ذكور الدجاج سوف تتصرف بطريقة مماثلة؛ فتعرض نفسها للمزيد من الأخطار إذا شعرت بمزيد من الأمان.
الدجاجة الأم(****)
لاتزال قائمة مهارات الدجاج المعرفية تنمو مع كل اكتشاف علمي جديد. وقد أظهر <G. ڤالورتيگارا> [من جامعة ترنتو في إيطاليا] أن لدى الكتاكيت الصغيرة القدرة على تمييز الأرقام واستعمال الأشكال الهندسية. فإذا أُعطيت نصف مثلث، على سبيل المثال، فإنها تستطيع إكماله وتمييز الشكل العام بجميع أجزائه. وكشف البحث الذي نشر عام 2011 من قبل <J. إدگار> وزملائها [من جامعة بريستول في إنكلترا] عن المرونة التي تبديها الطيور أحيانا وفق فكر ماكياڤلي(21) أحيانا، مظهرا قدرتها على الشعور بالتعاطف.
[النتائج] تجارب الدجاج الافتراضي(*****) إن معرفة أن الدجاج سوف يشاهد بعضه بعضا قد أوحت إلى إحدانا (<سميث>) وزملائها بصنع ديك من الرسوم المتحركة ثلاثي الأبعاد باستخدام تقانة الرندرة rendering نفسها المستخدمة في صناعة السينما مثل Skyfall و Titanic. لقد سمح هذا الديك الافتراضي لفريق البحث بإجراء اختبار عملي لعروض الطيور birds’ displays وقدرتها على فهم بعضها بعضا . وهو ما أبرز كذلك السؤال القديم حول سبب امتلاك الديكة للزوائد اللحمية الحمراء المسماة “اللغدين”(22) wattles. واللغد هو جلد سميك متدلٍ بشكل حر من منقار الديك. فعندما يقوم الذكر بعرض نشوة الطعام الشهي - بسلسلة من حركات الرأس التي يستخدمها لإخبار أقرانه المحتملين بأنه وجد الغذاء - فإن اللغد يتأرجح جيئة وذهابا، ويصفعه على جانبي الرأس إذا كان متحمسا جدا. وخلال العقود السابقة أخفقت الأبحاث في إيجاد أي فائدة من وجود اللغد لدى الذكور. وتعتقد <سميث> أن رفرفة اللغد ربما تجعل عرض نشوة الطعام الشهي أكثر وضوحا وتعطيه المجال لجذب أنظار الإناث، ولكنها لم تستطع اختبار فكرتها بقطع هذه الزوائد ورصد أثرها على رد فعل الأنثى. وعوضا عن ذلك، فقد ابتدعت ديكا من الرسوم المتحركة سوف يقود الدجاج الحي إلى الطعام الشهي ثم غيرت حجم اللغد ومرونته في ديك الرسوم المتحركة هذا لاختبار ماذا ستكون ردود فعل الإناث. وتبين فيما بعد أن اللغد يمثل العلم الأحمر بالنسبة إلى الإناث، إذ يُسهِّل على الدجاجة معرفة مكان الذكر الذي لديه الطعام. وبالنسبة إلى الذكر، فإن هذه التزيينات قد تكلفه شيئا من صحته لأن ازدياد حجم اللغد يترافق مع زيادة هرمون التستوستيرون(23) testosterone، الذي يضعف جهاز المناعة، لكنها تكلفة تستحق ذلك على المدى البعيد بسبب حصوله على الإناث. وقد شكلت دراسة ذكاء الدجاج تحديا للباحثين أحيانا. وفي مناسبات عديدة كان الطائر يخرب التجربة لأنه يتجاوب بشكل مخالف للشيء الذي طرحه الباحث. ففي تجربة عرض الطعام الشهي، ابتدعت <سميث> إعدادات أتاحت للدجاجة فرصة مشاهدة فيديو الذكر مع الطعام. وللقيام بذلك، كان على الأنثى الانتظار وراء باب معدَّل بجهاز سيرڤو ذي تحكم عن بعد منزوع من سيارة ألعاب. وإحدى الدجاجات التي كانت ترتدي حزاما برتقاليا وتحمل رقم 07، أطلق عليها مداعبة “007”(24)، كانت مشهورة بالوقوع في المشكلات. وأثناء انتظارها للباحثة لفتح الباب بجهاز التحكم، ازداد الضجر لدى الدجاجة 007 وبدأت تتفحص عن كثب آلية الفتح، وتدير رأسها من جانب إلى آخر. وبعد لحظات قليلة التقطت بحذر السلك الذي يتحكم في قفل الباب. فتح الباب، وحصلت الدجاجة 007 على ما أرادت: بأن تكون قريبة من الذكر وطعامه. بعد هذه التجربة الفريدة، لن تنتظر الدجاجة مرة أخرى. ومع أن الباحثين قد غيروا شكل القفل مرات عديدة، فإن الدجاجة 007 كانت قادرة دائما على حل اللغز والخلاص قبل أن يحين دورها. |
وفي تجربة <إدگار>، شاهدت الدجاجات الأمهات صغارها يتلقون هبّة لطيفة من الهواء داعبت ريشها الناعم. فأدركت الكتاكيت هبة الهواء أنها تهديد لها؛ فبدت عليها الملامح المعهودة للقلق، بما فيها زيادة معدل ضربات القلب وتدني درجة حرارة العين. ومما يثير الاهتمام والفضول أن أمهات الكتاكيت أصبحت منزعجة لمجرد أنها لاحظت ردود أفعال كتاكيتها. فأظهرت علامات قلق الكتاكيت نفسها على الرغم من عدم تعرض هذه الدجاجات لهبات الهواء وعدم وجود خطر واضح على الكتاكيت. كما أطلقت الدجاجات مزيدا من نداءات القرقرة لصغارها. وتشير هذه النتائج إلى أن بإمكان الدجاج تلقي ما تدركه الطيور الأخرى - وهي مقدرة شوهدت سابقا عند قلة من الأنواع فقط، بما فيها الغربان والسناجيب، والبشر بالتأكيد.
إن حقيقة كون الدجاج العادي، والذي لا يرتبط بشكل وثيق بأنواع أخرى من الطيور المعروفة بذكائها، يمتلك مثل هذا الإدراك المتطور يثير الانتباه إلى ضرورة البحث عن أصول هذا الذكاء. ولعله أكثر شيوعا في المملكة الحيوانية مما كان يظنه الباحثون، ويبرز كلما توفرت الظروف الاجتماعية المؤهبة لذلك بخلاف كونه سمة نادرة صعبة التطور.
ومن جانبه، يحتمل أن الدجاج يرث براعة الإدراك من سلفه البري، دجاج الأدغال الأحمر(25)، الذي يعيش في غابات جنوب آسيا وجنوب شرقها. حيث تكوَّن مجتمع أسلاف الدجاج من مجموعات طويلة الأجل شبه ثابتة مكونة من أربعة إلى ثلاثة عشر فردا من مختلف الأعمار. وكان يترأس كل مجموعة ذكر مسيطر وأنثى مسيطرة، وكما هي الحال في العديد من المجتمعات الأخرى، كان يحصل هؤلاء المتزعمون على ما يريدون، سواء أكان ذلك طعاما، أم مكانا أم جنسا، غالبا من خلال إحكام السيطرة على مرؤوسيهم، وكان الذكور يمضون معظم وقتهم في التباهي بما يمتلكون وبتوفير الطعام للإناث؛ والإناث تراقب الذكور باهتمام، وتحكم عليهم من خلال أفعالهم وتتذكر ما فعله كل منهم في الماضي؛ وتتجنب المخادعين والمؤذين منهم. إن سمعة الديك مهمة لتحقيق نجاح طويل الأمد مع الدجاجات، فالمنافسة على الإناث حامية الوطيس.
والمنافسة داخل السرب ليست المصدر الوحيد للضغط على القدرات العقلية للطيور. إذ تواجه مجموعة من التهديدات من خارج السرب أيضا - تتضمن الحيوانات المفترسة، مثل الثعالب والصقور - مما يحتم على الطيور تطوير استراتيجية هروب مختلفة تجاه كل من هذه التهديدات. وهذه الظروف أجبرت الطيور على تطوير استراتيجيات ذكية للتعامل مع بعضها البعض ومع الأخطار المحيطة بها، إضافة إلى تطوير سبل التواصل حول جميع هذه الأوضاع. ومازالت تلك الخصائص موجودة لدى الدجاج المنزلي.
مرونة الدجاج وقدرته على التكيف، والمستمدة من سلفه الاجتماعي دجاج الأدغال الأحمر، ربما كانت جزءا من عيوبه. |
وتثير مثل هذه القدرات الخاصة بالحيوانات التي يأكلها بلايين البشر أسئلة عن الطريقة التي تُعامل بها (هذه الحيوانات). فالطيور التي تعيش عادة بشكل أسراب صغيرة في البرية يمكن أن تُزرب في حظيرة مع ما يصل إلى 000 50 آخرين. ومن أجل توفير كميات وافرة من اللحوم فقد تم تقصير أمد عمر الدجاج المربى من عشر سنوات إلى نحو ستة أسابيع. وتقتل هذه الطيور وهي بهذا السن الصغير لأنه تم اختيارها جينيا لمثل هذا النمو السريع، بحيث لو تركت لتتجاوز هذا السن لأصبحت عرضة لأمراض القلب، وهشاشة العظام osteoporosis وتكسرها. وقد أصاب الدجاج البياض نجاحا أفضل قليلا، فهو يعيش ثمانية عشر شهرا فقط في مساحة تقارب قياس ورقة من أوراق الطباعة.
إن مرونة الدجاج وقدرته على التكيف، والمستمدة من سلفه الاجتماعي دجاج الأدغال الأحمر، ربما كانت جزءا من عيوبه، التي سمحت للطيور بالبقاء على قيد الحياة حتى في ظل الظروف القاسية وغير الطبيعية التي يربيها فيها الإنسان الآن. ومن المرجح استمرار هذا النمط من التربية طالما أن معظم الناس لا يأبهون لمعرفة المكان الذي يأتي منه طعامهم ويجهلون طبيعة الدجاج الرائعة.
غير أن المستهلكين بدؤوا بإحداث تغيير. ففي أوروبا وبعض الولايات الأمريكية، مثل كاليفورنيا، يجري تمرير قوانين جديدة تقضي بتحسين ظروف عيش الدجاج البياض في المداجن، مدفوعة بشكل كبير بمطالبة المشتري الرفق بالحيوان بشكل أفضل، إضافة إلى غذاء أكثر صحة. وفي أستراليا، يقوم المنتجون حاليا بتسليط الضوء على الظروف الإيجابية التي يربون فيها حيواناتهم، متنافسين على العدد المتزايد من المستهلكين المهتمين بالجوانب الأخلاقية. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير مما يجب فعله. فالظروف التي تتم فيها تربية الدجاج لأجل لحومها مازالت إلى حد كبير غير خاضعة للتدقيق.
لقد بدأ الباحثون مؤخرا بتوضيح الطبيعة الحقيقية لذكاء الدجاج، ولكن أمرا واحدا مؤكد وهو أن هذه الطيور ليست بتلك “المقرقرات المغفلة” dumb clucks كما كان الناس يظنون سابقا.
المؤلفان
| Carolynn “K-lynn” L. Smith - Sarah L. Zielinski | <سميث> هي زميلة باحثة في جامعة ميكوري بأستراليا. وتستقصي في أبحاثها التواصل والاستعراف (الإدراك) لدى الحيوانات بدءا من الحبار وحتى الفيلة. وهي حائزة بالمشاركة على جائزة يوركا Eureka من المتحف الأسترالي لعام 2010.
<زيلينسكي> هي كاتبة علمية مستقلة تعمل في واشنطن، ظهر نتاجها في العلوم والأخبار العلمية وفي اتفاقية سمشونيان Smithsonian، ومنشورات أخرى. | | |
مراجع للاستزادة | |
|