العلم هو ما تعرف والفلسفة هي ما لا تعرف. برتراند راسل فيلسوف ورياضي وكاتب إنجليزي
من أبرز السمات المميزة للفكر الانساني المعاصر اهتمامه بقضايا الوعي و الذات،واهتمامه ايضا بقضايا العلم ونتائجه اي "تحليل المعرفة العلمية"، ذلك أن التقدم التقني و ما قدمه من قدرات علمية في السيطرة على الطبيعة قد ساهم في العودة إلى التساؤل عن الفلسفة و قيمتها و دورها داخل مجتمع الاستهلاك. فهل تمت ضرورة تفرض وجود الفلسفة أمام قوانين علمية دقيقة ؟ و أمام نتائج مادية نفعية لصالح الانسان؟.
إن التقدم التقني لم يقلص من دائرة الفلسفة بل وسع نطاقها كتفكير ملازم للتطور العلمي ذلك أن المعطيات العلمية الجديدة دفعت بالفلسفة الى الإهتمام بمناهج العلم و نتائجه إيمانا به علما أن لكل تقدم علمي آثار على مسار الفكر الفلسفي.
لقد اتخذت الفلسفة من العلم موضوعا للتفكير تنتقد نتائجه وتصححها بهدف تحديدها وبيان صلاحيتها، وهذا ما أدى إلى ظهور ما يسمى ب"الابستمولوجيا " أي "الدراسة النقدية للعلوم " ، و هكذا يمكن القول بأن العلم لم يقلص من دائرة التفكير الفلسفي بل وسع من مجاله.و في هذا الصدد يرى الفيلسوف الانجليزي "برتراند راسل"B.Russel بأن جميع ميادين العلم و المعرفة تحف بها منطقة مجهولة ،منطقة لا حدود لها حيث يصل إليها الانسان عندما يغادر أرض العلم ليدخل في ميدان التفكير التاملي الفلسفي ،وهذا مل يفسر الحضور المستمر للفلسفة لتطرح مجموعة من التساؤلات حول حدود العلم و أبعاده و لتتساءل عن مدى ملاءمة النتائج التقنية للإنسان، و ايضا حول وضع الإنسان وقيمته داخل هذا المجتمع .إن هذه التساؤلات و غيرها تظل مطروحة رغم ما يقدمه العلم والتقنية للانسان، وهذا ايضا ما تبنته الفلسفة الوجودية التي اهتمت بالوجود الفردي و اعتبرت أن الوجود سابق على الماهية ،والانسان كما يرى "جون بول سارتر"J.P.Sarter الفيلسوف الوجودي يوجد أولا ثم يحدد ماهيته بعد ذلك أي مشرعه المستقبلي بفعل الارادة و الاختيار و الحرية و هي كلها معايير انسانية أعادت الاعتبار للإنسان وجاءت كرد فعل أمام العقلانية الكلاسيكية التي تقصي ما هو لاعقلي و لا إنساني و تعمل على تمجيد العقل وحده.
هكذا يمكن القول ان التفكير الفلسفي يحمل في ذاته مشاكل لم يتمكن العلم من أن يقول كلمته بعد فيها كالقضايا المصيرية "العدالة ،الخير ،الشر ، الحقيقة، الموت، الحب..."، و ما اهتمام الفلسفة بحدود العلم إلا رهان صعب يفرض على الفلسفة العودة إلى ذاتها باستمرار للتساؤل عن مهمتها ومكانتها بين مختلف العلوم، معلنة هدفها الذي هو البحث عن الحقيقة باعتبارها نوعا من المغامرة التي نقوم بها لذاتها على حد تعبير" راسل" ، فالفلسفة تختلف عن أنماط التفكير الأخرى في أنها تعيد النظر في ذاتها و تتساءل عما حققته باستمرار ، إن الفلسفة كائن لا يموت، لكنه أيضاً لا يمكن أن يعيش في بيئة ثقافية طاردة له! فنحن محتاجون -فعلاً- لمراجعات ثقافية شجاعة تقدّر قيمة السؤال لا قيمة الإجابة، لإزالة الهوة بين مناهجنا والحياة العملية.
بقلم : رشيد عوبدة