السعودية وأسعار النفط: الرفاق حائرون!
صبحي حديدي
October 25, 2014
كانت لافتة تماماً، بل أقرب إلى سابقة غير معهودة في أصول التخاطب وتقاليده ضمن العائلة الملكية، أن يوجه الأمير الوليد بن طلال رسالة مفتوحة إلى علي بن إبراهيم النعيمي، وزير البترول والثروة المعدنية السعودي، ينتقد فيها تصريحات الأخير، التي تهوّن من تراجع أسعار النفط، وتعلن أنّ «
السعودية ليست قلقة على الأسعار». وكتب الأمير: «نود أن نعبّر عن دهشتنا واستغرابنا بل استنكارنا لهذه التصريحات أو لأية تصريحات مماثلة تهدف إلى التقليل أو التهوين من الآثار السلبية الكبيرة التي ستلحق بميزانية واقتصاد المملكة العربية
السعودية من جراء التراجع الكبير في اسعار النفط!»، وإشارة التعجب من الأمير، للعلم!
مثير، أيضاً، أنّ الوليد وجّه نسخة من رسالته إلى الشيخ خالد بن عبد العزيز التويجري، رئيس الديوان الملكي، «لإطلاع خادم الحرمين الشريفين»؛ ثمّ خصّ وزير المالية ووزير الاقتصاد والتخطيط بنسخة أيضاً، وكأنه يشدد على أنّ الأمرـ في بُعده الأوّل الذي يخصّ هبوط الأسعار، وبُعده الثاني النابع من استهانة الوزير بهذا التطوّر ـ يتجاوز حقلاً واحداً في الاقتصاد السعودي، ويشمل المال والتخطيط، وبالتالي الاقتصاد عموماً.
والحال أنّ منطقة ما، لعلها رمادية للوهلة الأولى فقط، هي التي أثارت الخلاف بين الأمير والوزير؛ لكن رماديتها سرعان ما تتلاشى في الواقع العملي، لتصبح أوضح ـ أو أسود على أبيض، لكي يتابع المرء استعارة الألوان ـ تجعل الأوّل على مبعدة من الثاني في شأن كبير مبدئي: الوزير ينفّذ سياسة عليا، سياسية في الجوهر، وليست اقتصادية أو تخطيطية بالضرورة، والأمير يطمح إلى العناصر الأخرى، قبل السياسة والسياسات، أي «التفاعل مع أي متغيرات تحدث في أسواق النفط العالمية ومدى تأثيرها على اقتصاد المملكة».
قد يكون الوزير، في إطلاق تلك التصريحات، قد أدّى الوظيفة المطلوبة منه تماماً، أي الإيحاء بعد أهمية هبوط الأسعار، لا لشيء إلا لأنّ هذا الهبوط يخدم، أوّلاً، سياسة المملكة في تكبيل إيران، ثمّ مناوشة سوق النفط عموماً، بما في ذلك
روسيا وفنزويلا، وثانياً، استخدام النفط كسلاح في جولة حرب ابتدائية قد تتيح ردّ الاعتبار إلى السعودية كقوّة إقليمية سابقة، أو على الأقلّ استرداد بعض امتيازات الموقع القديم، من البوّابة النفطية القديمة ذاتها؛ وثالثاً، المفاعيل خير على خير ما دامت ترضي، أيضاً، مصالح الولايات المتحدة، في سوق الخام كما في سوق السياسات الإقليمية.
أمّا الأمير فإنّ غضبته قائمة على اعتبارات تكنوقراطية، اقتصادية واستثمارية، عمادها قوله في الرسالة المفتوحة: «حذرنا مراراً في السابق بأن بلادنا تواجه خطر استمرار الاعتماد الشبه كلي على النفط حيث أنّ 90٪ من ميزانية الدولة لعام 2014 تعتمد عليه، فهذا التهوين هو بحد ذاته كارثة لا يمكن السكوت عليه»؛ والأمير وضع، بنفسه، خطاً سميكاً تحت الجملة!
إنه، في عبارة أخرى، يعيد التلميح إلى تلك الفرضية العتيقة التي تقول إنّ القطاع السعودي الخاص هو «رافعة» تطوير المملكة، والسبيل الأمثل للحدّ من هيمنة الولاءات العشائرية والدينية. لكنّ الأمير يتناسى أنّ الميل العامّ السائد لدى الغالبية الساحقة من أصحاب الرساميل السعودية الضخمة هو الاستثمار الخارجي أوّلاً، والإبقاء على الفتات لتوظيفات آمنة في قطاعات استهلاكية وخدماتية محدودة وغير صناعية، تضمنها مؤسسات الدولة المنشغلة في التصنيع الوحيد ذي المعنى: النفط، أولاً وثانياً وعاشراً…
الرفاق، في المملكة، حائرون إذاً؛ رغم أنهم لا يتساءلون، إلا قليلاً، عن الحقائق الدامغة، الأبسط رغم أنها الأدهى!
صبحي حديدي