تاريخ التسجيل : 05/11/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2
15072012
وادي الحيتان يكشف الاصل البري للحيتان
وادي الحيتان يكشف الاصل البري للحيتان
21/03/2010
الصحراء والحيتان عادة شيئان لايلتقيان، غير ان مصر استثناء من هذه القاعدة، حيث بين كثبانها الغير متناهية، عُثر مؤخرا على جنة بيلوجية من بقايا عظام الحيتان القادمة من اعماق التاريخ، حيث كانت هذه المنطقة من الصحراء تحت ماء البحر.
المنطقة المعروفة بإسم " وادي الحيتان" تظهر وكأنها مقبرة للحيتان وتقع على مسافة 150 كيلومتر جنوب غرب القاهرة. اليوم لاتوجد فيها حياة نباتية او حيوانية ولكن قبل حوالي 40 مليون سنة كانت جزء من بحر Tethys, حيث كان موطن العديد من الحيوانات البحرية في صورتهم التي كانوا عليها ماقبل التاريخ مثل بقر البحر والحيتان والتماسيح وسلحفاة البحر وسمك المنشار.
اليوم تبزغ بقايا عظام الحيوانات القديمة من بين رمال قاع البحر القديم، والذي مساحته تصل الى عشرة كيلومترات مربعة. المستحاثة الاولى عثر عليها الجيلوجيين المصريين في شتاء عام 1902 ومنذ ذلك الوقت تدفقت هذه المستحاثات بدون انقطاع. عام 1905 جرى اول إكتشاف اذهل العلماء حيث عُثر على هيكل عظمي لحيوان كان يعيش قبل 40 مليون سنة يسمى Basilosaurus, وتعني ملكة السحالي. بسبب طول هذه المستحاثة اعتقد العلماء، في ذلك الوقت، انها تعود لنوع ضخم من الزاوحف القديمة ولكن اليوم نعلم انها تعود لحوت ماقبل التاريخ طوله مابين 15-25 متر وجمجمة رأسه وحدها يبلغ طولها 1،5 متر.
بسبب موقع وادي الحيتان المنعزل بقي المكان بدون اهتمام تقريبا الى الثمانينات من القرن الماضي، حيث اصبح مركز اهتمام عالمي. بالطبع جرى العثور على مستحاثات حيتان اقدم في اماكن اخرى من العالم، ولكن وادي الحيتان يتفوق في عدد الانواع وكمية المستحاثات والتراكم التدريجي تاريخيا ليكون بدون منافس على الاطلاق. إضافة الى ذلك، فإن جفاف الهواء وكون المستحاثات مصفطة في طبقات من الرمال جعل المستحاثات محفوظة بطريقة جيدة. ي بعض الاماكن لم تكن هناك حاجة حتى للحفر إذ ان المستحاثات خرجت للسطح بفضل الريح وحده وظاهرة التعري.
في مقطع عامودي ومع بعض جرى العثور على 400 حوت يغطون الفترة من ماقبل 41 الى ماقبل 37 مليون سنة. من ضمنهم توجد خمسة اصناف من حيتان ماقبل التاريخ تعود لافراد من مختلف الاعمار. قسم منهم محفوظ بكمال مذهل الى درجة انه حتى بقايا الطعام في بطنهم لازالت موجودة.
ان المثير بمنطقة وادي الحيتان انها تبدو وكانها نافذة نادرة تطل بنا على الماضي بترتيبه التاريخي، لنرى التتدرج الزمني في التطور التاريخي للحيتان تماما من اللحظة التي انتقلوا فيها من الحياة على اليابسة الى الحياة في الماء. هذا التغيير الجوهري جرى في نهاية العصر الجيلوجي المسمى يوسين. eocen. هذا العصر يبدأ من قبل 57 مليون سنة وينتهي قبل حوالي 35 مليون سنة.
تحليل الحمض الاميني يشير الى ان اقرب الاقرباء البريين للحيتان اليوم هو فرس النهر " سيد قشطة"، غير ان اصل الحيتان يعود الى عائلة حيوان بري من آكلة اللحوم بحجم الذئب او الثعلب كانت تعيش عل الشاطئ الشمالي من البحر تيثيث القديم في منطقة باكستان الحالية قبل ستة ملايين سنة.
قبل 50 مليون سنة ظهر الجد المؤسس للحيتان وهو النوع المسمى Pakicetus, وعلى الاغلب قضى وقتا طويلا من يومه في الماء بحثا عن الطعام. عيون هذا الحيوان كانت تتموضع في اعلى الجمجمة بحيث انه كان قادرا على الرؤية من على مستوى سطح الماء، تماما كما هو الحال مع التمساح وفرس النهر اليوم. كما ان اذانه ملائمة للسمع من تحت الماء. هذا النوع لم يكن امفيبي، بمعنى انه ليس من نوع الكائنات القادرة على الحياة تحت المياه وعلى اليابسة على السواء بنفس الدرجة كما هو الامر مع القريب الابكر Ambulocetus.
هذا النوع الذي عثر العلماء له على نموذج عمره 40 مليون سنة، في باكستان، كان في طريقه ليصبح حيوان مائي تماما، ولكنه بقي يلد صغاره على اليابسة. اسمه اللاتيني يعني " الحوت الذي يمشي" إذ ان هيكله كان لازال يملك الاطراف الامامية والخلفية مع الاقدام. غير ان الاقدام الامامية كانت صغيرة وغير صالحة للاستخدام على اليابسة، في حين ان الخلفية كانت كبيرة ومفلطحة ويمكن استخدامها للتجديف.
من العلامات المميزة للحوت المبكر على العموم ان ذنبه كان طويلا وكانت لديه اطراف امامية وخلفية جيدة التكوين، بحيث ان الحيوان كان قادرا على التحرك على اليابسة ايضا. وعلى الاغلب، فإنهم استخدموا اطرافهم من اجل السباحة اكثر الاوقات خصوصا في المرحلة اللاحقة من تطورهم. بعد هذا النموذج للحوت المبكر تبعته انواع اخرى اكثر ملائمة للحياة في الماء وتمكنت من الانتشار اكثر.
فقط مع الانواع المسماة Basilosaurus, Dorudon, والتي ظهرت قبل 40 مليون سنة، جرت التغييرات الحاسمة نهائيا لحياة دائمة في الماء. النوع الثاني اعلاه يعتقد انه الجد المباشر للحيتان الحالية، على الرغم من ان مستحاثات النوعين موجودين بين المستحاثات التي عُثر عليها في وادي الحيتان.
عام 1905 عندما قام الباحثون بالكشف عن العظام الاولى للنوع Basilosaurus, كانت هذه البداية لسلسلة من الاكتشافات المثيرة. خلال السنوات اللاحقة جرى العثور عل العديد من النماذج التي تؤكد ان هذه الاسرة من الحيوانات كانت هي عماليق الارض، من حيث انها الاكبر على مر التاريخ، وعلى مايبدو فإن عظامها وعظام مثيلاتها هي التي اطلقت الخيال لشعوب المنطقة والمناطق المجاورة لتصوراتهم الخصبة عن " شعوب العمالقة التي سكنت الارض". وهذه الكائنات تحديدا كانت تقف على قمة الهرم البيلوجي في وقتها. في هذا المجال يقف العالم الامريكي في البلينتولوجيا Philip D Gingerich, من جامعة ميتشيغان واكبر المختصين في علم تطور الحيتان على قمة المنجزات التي تجري في هذا الحقل.
عام 1983 قام غينغيريتش بزيارة وادي الحيتان للمرة الاولى وتبع ذلك احدى عشرة زيارة حتى عام 2008. عام 1989 قام فريقه بالكشف عن مستحاثتين تعودان للنوعين اعلاه، لديهم اطراف خلفية لها اقدام واصابع. الاطراف الخلفية كانت متجهة الى الداحل نحو جسد الحوت-الجد وكانت من الصغر بحيث انه لايمكن ان يكون من الممكن استخدامهم لا على اليابسة ولا حتى للسباحة في الماء. هذه الاقدام كانت من بقايا الاقدام عند الجد السابق، وعلى الاغلب كانت تستخدم من قبل الذكر كأسناد خلال عملية الجماع.
عام 2005 كان غينغيريتش وزملائه من العلماء المصريين في مقدمة الانباء عند إكتشاف اول هيكل كامل لحيوان Basilosaurus, بطول 18 متر ووزن 2500 كيلوغرام.
على ضوء هذا الاكتشاف وبقية الاكتشافات نعلم اليوم ان جسم هذا العملاق كان انسيابي مناسب لاختراق المجاري المائية وان فقراته الظهرية كانت قادرة على تحريك الجسم الى الاعلى والى الاسفل عند السباحة. من خلال العثور على مستحاثات اسماك وحتى سمك قرش في امعاء نماذج من باسيلوصاورس تمكن العلماء من تقرير ان النوع كان سباحا وصائدا ماهرا، طارد على الاغلب الطرائد الكبيرة مثل السلحفاة البحرية وبقرة البحر وحتى الحيتان الاخرى.
في ذات العام الذي جرى فيه اكتشاف الهيكل الكامل قامت منظمة اليونيسكو بالاعتراف بالمنطقة كأرث ثقافي عالمي ذات اهمية للبشرية بأسرها. في تبريرها لهذا القرار جرى الاشارة الى " تفوق المنطقة على مثيلاتها بعدد الهياكل والتركيز والنوعية وبوجودهم في تراكم مرصوف تاريخيا ومنعزل عن التتدخل".
من المثير للقلق ان المنطقة تتحول اليوم الى منطقة سياحية، وعلى الرغم من ان عدد السواح لازال في حدود قليلة الا ان الخطط تقام لبناء منظومة سياحية كاملة.