أمام التطور الهائل في الجيوش الحديثة والتداخل بين
السياسة والاقتصاد والإستراتيجية والشئون الإدارية ولتصبح الجيوش قادرة على
مجابهة الكثير مـن المشاكل والمواقف المختلفة ولكفاءة القوات العسكرية
يصبح من الضروري دراسة العوامل المؤثرة على هذا التداخل ولا تقتصر الدراسة
على العسكريين فقط بل يدخل كثير من المدنيين العاملين في المؤسسات والهيئات
الإنتاجية والصناعية التابعة للدولة.
وتعتبر الشئون الإدارية همزة
الوصل التي تربط بين اقتصاد الدولة والعمليات العسكرية كما أنه من الضروري
أن تكون الأعمال المدنية والعسكرية في الحروب الحديثة متكاملة أو ممتزجة
ويجب أن تكون القيادة المدنية والقيادة العسكرية ممتزجتين.
الشئون الإدارية و الاقتصاد الوطني:
تمتد
جذور الشئون الإدارية في مجال الاقتصاد الوطني بحيث تخضع لنفوذ الجهات
المدنية ويصبح المعيار الحقيقي لها كفاءة ونجاح وقوة الأقتصاد في الدولة
بمـا أن الشئون الإدارية يتحكم فيها النفوذ المدني والنفوذ العسكري ومن
الطبيعي أن تحدث ظروف معينة يتفق فيها النفوذان وظروف أخري لا يحدث فيها
أتفاق ولهذا تنشأ خلافات في الآراء الخاصة بشئون الدفاع فأن تقديرات القادة
العسكريين غالباً ماتختلف مع تقديرات المسئولين المدنيين لذلك يصبــح
لزاماً وجود الفهم المتبادل بين المسئولين المدنيين والعسكريين ولهذه
الغاية يجب دراسة العلاقة بين الإستراتيجية والشئون الإدارية والتعبئة .
الشئون الإدارية و الإستراتيجية :
بالرغم
من وجود نظريات لتعريف العلاقة بين الإستراتيجية والشئون الإداريـة
والتعبئة إلا أنه لا يوجد تعريف موجز في الدراسات العسكرية يوضح تلك
العلاقة التـي تربطهم .
وبعض النظريات الأساسية تري أن العوامل
العسكرية التي تؤثر في الحـروب يمكن تصورها على هيئة ثلاث دوائر متقاطعة
ومرتبطة بعضها ببعض وتنبني القرارات والأعمال في أي مستوي على امتزاج
الاعتبارات الإستراتيجية والإدارية والتعبوية ( العملياتية ) .
وضعت هذه النظريات تعاريف على النحو التالي :
الاستراتيجية :
هي
التوجيه الشامل للقوات لتحقيق الأهداف أو الأغراض العامة وهي تتضمن اختيار
ووضع توقيتات لتنفيذ أقل عدد من الأهداف المحددة التي يمكن انجازها جميعاً
من أجل تحقيق الهدف العام .
الشئون الإدارية :
هي
الإمداد بالوسائل المادية التي تمكن من تشكيل القوة فـي تنظيم عسكري وتشمل
إنشاء القوات المقاتلة وإيجاد المعاونة الإدارية المستمرة لهـا لتحقيق
أقصي كفاءة في القتال باستمرار .
التعبئـــة ( العمليات ) :
هي التوجيه المباشر للقوة العسكرية لإنجاز الأهداف التي تحددهـا الإستراتيجية .
العلاقة بين الإستراتيجية والشئون الإدارية :
توجد
علاقة وتبعية بين الإستراتيجية والشئون الإدارية ونتيجة لأن الاقتصاد
يمثـل جزء كبيراً من الإستراتيجية وتؤثر العوامل الاقتصادية على الأهداف
الإستراتيجية والاقتصاد هو مصدر لكثير من النزاعات البشرية وأطماع البعض
للسيطرة على مصادر الإنتاج وخطوط المواصلات والتنافس الاقتصادي بين الدول
الذي يبدأ سلميــاً وقد يشتد ويتحول إلى حرب اقتصادية وأحياناً يتطور ويصبح
صراعاً مسلحاً .
والعلاقــات التي تربط بين الإستراتيجية والشئون
الإدارية علاقات ذات أشكال متباينة أهمها العلاقة التي ترتبط بإمكانيات
الشئون الإدارية ومدي الخطط الإستراتيجية والتي تؤثر على تكوين القوات
العسكرية وكفاءتها وهناك مواقف تصبح فيها الشئون الإدارية هـي العنصر
الحاسم في تقرير الخطة الإستراتيجية وهناك مواقف يكون فيها العامل الإداري
سبباً في كسب أو فقدان أي صراع دون حرب ومنها إستراتيجية الحصار المعروفة
منذ القدم ومستمرة حتى يومنا هذا التي تهدف إلى منع وصول الاحتياجات
الحيويـة للدولة أو الجيش الميداني .
وبنظرة سريعة على التاريخ العسكري
نرى هزيمة القـوات الألمانية في معركة العلمين في الحرب العالمية الثانية
بسبب فشل إستراتيجية هتلر في تعزيز السيطرة على جزيرة كريت وتوقعه لهجوم
الحلفاء من الشرق وتوجيه الوسائط المحدودة أصلا لحماية كريت مما جعله غير
قادر على احتلال جزيرة مالطا مما قطع خطوط مواصلاته ونزول الحلفاء في
المغرب بصورة غير متوقعة لذلك خسر رومل الحرب بسبب نقص الإمدادات وكان
للشئون الإدارية دور أساسي فيها .
في حرب الخليج 1990 كانت الأهداف
الإستراتيجية والأولويات التي ركز عليها ديك تشيني وزير الدفاع الأمريكي آن
ذاك هي ضرب مراكز القيادة ، المطارات العسكرية ، شبكة الإمدادات والمخازن
والمستودعات ووسائل النقل والجسور وسكك الحديد، مصافي النفـط ، معامل
الأسلحة والذخيرة ، ومحطات الكهرباء وفرق الحـرس الجمهوري ونلاحـظ أن
التركيز الأكثر كان على النواحي الإدارية أو الجهات ذات العلاقة بها .
ثم
كانت إستراتيجية الحصار الاقتصادي للعراق الذي دام ثلاث عشره سنــة دمر
اقتصاد الدولة وأثر على شئون القوات العسكرية وتجهيزها وتوقف عجلـة التطور
ثم كان الاجتياح العسكري عام 2003 ف وبأقل الخسائر .
الشئون الإدارية بين التطور والتهميش:
مما
سبق نستنتج أن المبدأ العام يوضح بما لا يدعو مجالاً للشك أن الإمكانيات
الاقتصادية تحد من تكوين القوات المقاتلة كما تحد الإمكانيات الإدارية في
نفس الوقت من استخدام القوات العسكرية ومن ذلك يتبين أن العوامل الاقتصادية
- الإدارية هي التي تحدد الإستراتيجية . ويؤثر الجانب الاقتصادي على
الإستراتيجية العامة ويؤثر الجانب الإداري على الخطط الإستراتيجية أو
التعبوية .
مع ملاحظة أن الشئون الإدارية على أهميتها لم تحظ بما
تستحق من البحث والدراسة الوافية وأن الشئون الإدارية لم تعرف حق المعرفة
رغم أنها تمثل الرابط الأساسي بين تنظيم الوحدات العسكرية وبين استخدام هذه
الوحدات بكفاءة .
وأن الزيادة الكبيرة في المعدات العسكرية
الحديثة واستخداماتها المعقدة وإدامتها المكلفـة جداً يتطلب زيادة كبيـرة
في الوحدات المعاونة الإدارية بالإضافة لكفاءة الضباط والأفراد التابعين
لها .
الرأي السائد الذي يميل إلى الاعتقاد بأن الضباط والأفراد
ذوي الكفــاءة المحدودة يكلفون بالمهام الإداريـة والتي تعتبر تابعة للقوات
المقاتلة ولها دور ثانوي وأثبتت التجارب أن هذا التصور الخاطئ أدي إلى
الكثير من المشاكل والخسائر الفادحة .
لذا يجب أن تتغير هذه
المفاهيم الخاطئة ومن المفيد البحث في أسس الشئون الإدارية ودراستها دراسة
وافية واختيار وتأهيل الأفراد المكلفين بالمسئوليات الكبيرة في المجالات
الإدارية وتعتبر القيادة الإدارية نموذجاً لأسلوب العمل والتصرف في
البيانـات والمعلومات والقرارات بشكل موفق مع إجراءات تكوين الوحدات
العسكرية وتأمين الاحتياجات والسيطرة عليها .
كما يجب أن يكون القائمون
بالأعمال الإدارية القيادية ضباطاً متخصصين وملمين بقدر كبير من العلم
والخبرة والقدرة على تحديد الأهداف الصحيحة وتحقيقها كما يجب أن يكون لهم
إصرار وعزم للتغلب على مـا يضعه الأفـراد المعوقون من عوائق لتحقيق رغبات
وأطماع شخصية ضيقة .