أية صورة للمغرب في زمن القناصين؟
المعطي قبال -
mkabbal@gmail.com
في
زمن الثورة الإعلامية، مع طفرة «الفايسبوك» و«التويتر» والمدونات وشبكات
التواصل، هرمت العبارات التي صنعت المجد الذهبي لسنوات إدريس البصري، مثل
«شد فمك» أو «ادخل سوق راسك» أو«شوف واسكت». تحررت الكلمة وانكسرت الحواجز
النفسية، لكننا لم نخرج بعد وبالكامل من قبضة قضاة الظلام الذين لا يزالون
يسطرون، بإيعاز من قوى خفية، الخطوط الحمراء على شكل قضبان حديدية يرمون
وراءها الصحافي الذي يفضح الفساد ويعري رموزه وتضاريسه العنكبوتية. يقوم
المنطق الخفي الذي ينشط سلوكات هذه السلط على تكريس أحادية الرأي وتشذيب
ما «اعوج» من الأفكار والآراء بمقص مشحوذ. وعليه، لم يخرج وضعنا الإعلامي
بعد من الوصاية الأبوية للخطاب الرسمي. لكن مع انبثاق أقلام صحافية جديدة
في المشهد الإعلامي المغربي، وعلى رأسها رشيد نيني، تصالح القارئ مع صحافة
النقد والتعرية وعدم المواربة، أي مع احترافية اخترقت مجالات جديدة لتفضح،
بالاستناد إلى المعلومة النادرة والسبق الصحفي، «السيبة» السائدة في
التدبير والتسيير، ولتكشف الشطط في استعمال النفوذ واختلاس المال العام.
وقد ساهمت هذه الصحافة المستقلة في تمتين وتحصين الوعي النقدي لدى القارئ
المغربي الذي عودته الصحافة الرسمية على لغة الخشب التي تلخصها عبارة:
«كولو العام زين»!
في الثاني عشر من يوليوز القادم، تكون قد مرت 12 سنة على وصول العاهل
المغربي محمد السادس إلى سدة الحكم. 12 عاما تحققت في المغرب خلالها
منجزات هامة اقتصادية وسياسية واجتماعية بمستوى الطفرة. لكن في المشهد
«الوردي» العام، تبقى حرية الصحافة والإعلام بمثابة نقطة سوداء تشوش على
صورة المغرب في الداخل والخارج، ويجد النظام صعوبة في التخلص من رواسب
عقلية الرقابة والعقاب وعقلية «خليهم غافلين». تبقى حرية الصحافة، إذن،
عقدة العقد. من سوء حظ مكممي الأفواه أن المغاربة «عاقوا» ولن يتراجعوا عن
مكسب الجهر بتذمرهم، وبالأخص منهم جيل الثورة الإعلامية والرقمية الذي هو
بصدد رسم ملامح وقسمات مجتمع الغد. يعتبر هذا الجيل ضحية الطفرة
الاقتصادية والتعليمية التي لفظت إلى الهامش الألوف الذين فقدوا الثقة في
التعليم وفي السياسة. كما أن لهذا الجيل عينا على الكومبيوتر وعينا على ما
وراء الحدود، إذ تحدوه رغبة «لحريك».
استحدثت منظمات حقوقية وغير حكومية تقليدا ديمقراطيا سنويا تنشر بموجبه
تقارير سنوية هي بمثابة مرآة للوضع الصحي لحرية الرأي والتعبير في العالم،
إذ تكشف بالأرقام المضايقات والاعتقالات والاغتيالات التي تطال الصحافيين
في العالم. وفي تقريرها السنوي لعام 2010، صنفت منظمة «مراسلون بلا حدود»
المغرب في المرتبة الـ135 من مجموع 178 بلدا، وتقدمتنا في الترتيب بلدان
مثل الجزائر وموريطانيا والكويت... وهذه المرتبة انتكاسة حقيقية بالنظر
إلى التحولات التي شهدتها المملكة. ليس المغرب هو سوريا أو اليمن أو
أفغانستان التي صنفت في مؤخرة القائمة. باعتقال رشيد نيني والحكم عليه
بسنة حبسا نافذا وبغرامة قدرها 1000 درهم، لن تخرج صورة المغرب في
التقارير السنوية لعام 2011، لمنظمتي: «مراسلون بلا حدود» و«آمنيستي»
وغيرهما من المنظمات الحقوقية، براقة، فقبل أسبوع صدر في الولايات المتحدة
التقرير السنوي لـWorld Justice Project rule Of Law Indice برسم عام
2011، بتمويل من مؤسسة «ميليندا وبيل غيتس»، والذي احتل فيه المغرب
المرتبة الـ51 من مجموع 66 دولة. وقد شدد التقرير على آفتي المغرب
المزمنتين: الرشوة وغياب حرية الرأي والتعبير. دخل رشيد نيني السجن ليدرج
اسمه بفخر إلى جانب الـ126 معتقلا الذين أحصتهم «مراسلون بلا حدود» بصفتهم
ضحايا حرية الرأي في العالم. سيخسر البلد في التصنيف الدولي، الذي يصدر عن
هذه المنظمات، رتبا جديدة ليعرض على العالم صورة أقرب إلى صورة بلدان يجهز
فيها قناصون، يدوسون أبسط الحقوق والقوانين، على حرية الرأي والتعبير. كل
ذلك في الوقت الذي يطمح فيه المغرب إلى نقلة نوعية على م
أية صورة للمغرب في زمن القناصين؟ ستوى الآليات
الدستورية والسياسية نحو مجتمع الحق والعدالة والمساواة، وهو المجتمع ذاته
الذي ما فتئ رشيد نيني، من موقع حبه وإخلاصه للوطن، يدافع عن قيامه بجرأة
واحترافية عالية. ولـ«مكافأته» على هذا التفاني أرسله «صحاب الوقت» إلى
سجن عكاشة !