انشقاقات في النظام والجيش ينضم إلى المذابح ... والمعارضون يصرّون على مطالبهم
الـقـذافـي يُـغـرق ثـورة لـيـبـيـا بـالـدمـاء
|
ليبيون يرفعون علماً وطنياً قديماً فوق دبابة في مجمع أمني في بنغازي أمس (أ ب) |
|
|
متظاهر ليبي يضرب صورة للقذافي بحذائه امام السفارة الليبية في القاهرة أمس (رويترز) |
|
|
ليبيا تغرق بدماء شعبها التي يسفكها نظام معمر
القذافي بوحشية لم يسبق لها مثيل ولا يرتكبها إلا محتلٌّ أجنبي او مختلٌّ
محلي. وسائل الإعلام باتت عاجزة عن حصر عدد القتلى والجرحى، وعن تقديم صورة
وافية عما يجري في ذلك البلد العربي المعذب، من سلوك النظام الذي نفذ
تهديده باستخدام الجيش ضد المواطنين، وشنّ غارات جوية وهجمات مدرعة على
أنحاء من العاصمة طرابلس وغالبية المدن الليبية التي خرجت عن سيطرة الأجهزة
العسكرية والأمنية والتحقت تباعاً بالمعارضين الذين يطالبون بحقهم في
إسقاط حاكم يسيطر عليهم منذ 42 سنة.
أسوأ ما في وقائع يوم امس ان الافق كان مسدوداً امام اي حل يوقف
المذابح المروعة التي ترتكبها اجهزة النظام الماضية كما يبدو في البطش حتى
إركاع شعب بكامله، هب قبل ايام وقرر ان يحذو حذو اشقائه التونسيين الى
الغرب والمصريين الى الشرق في طلب التغيير، وهو ما افقد النظام صوابه، كما
اصاب العالم كله بصدمة ازاء هول تلك المأساة التي تحل بالليبيين، والتي لم
يملك احد القدرة على انهائها، برغم الادانات الدولية المدوية التي ابلغ
بعضها مباشرة الى القذافي نفسه، وحذّرته من مغبة المضي قدماً في ذبح شعبه.
العاصمة طرابلس كانت امس في حالة غليان وهي تتابع اخبار الثورة الشعبية
تجتاح بقية المدن والانحاء الليبية فتداعت الى التحرك، لكنها سرعان ما
تعرضت للموجة الاولى من الهجوم الجوي والبري من قبل الجيش الذي ما زالت
وحداته المنتشرة في المدينة كما يبدو على ولائها للنظام، برغم انشقاق
طيارين حربيين فرّا بطائرتيهما المقاتلتين الى جزيرة مالطا القريبة، التي
استقبلت ايضاً مروحيتين مدنيتين ليبيتين ما زالت التكهنات تدور حول هوية
ركابهما، وسط سيل من الانباء عن عمليات ترحيل المواطنين العرب والاجانب من
ليبيا في جسور جوية نظمتها معظم الدول لا سيما تركيا فيما اقام الجيش
المصري نقطة على الحدود مع ليبيا لاستقبال العائدين المصريين، واعلن ان
وحدات حرس الحدود الليبية تركت مراكزها.
وبدا القذافي كمن فقد السيطرة بعدما توالى سقوط المدن الواحدة تلو
الأخرى في أيدي المعارضة، وامتداد الثورة إلى قلب العاصمة طرابلس، حيث
أطلقت طائرات حربية نيران ذخيرة حية على حشود من المتظاهرين المناهضين في
طرابلس.
وقال أحد سكان العاصمة، إن ما تشهده المدينة أمر لا يمكن تخيّله،
موضحاً أن الطائرات الحربية والمروحيات تقصف منطقة بعد أخرى بلا تمييز.
وتحدث شهود عيان عن «مجازر» في حيي فشلوم وتاجوراء في طرابلس، حيث تم
إطلاق النار عشوائياً على السكان ما أدى إلى وقوع قتلى من بينهم نساء. وقال
احد سكان حي تاجوراء إن «ما حدث في تاجوراء هو مجرزة»، وأضاف إن «مسلحين
يطلقون النار عشوائياً. وهناك نساء بين القتلى»، مشيراً إلى أن مكبرات
الصوت في المساجد تطلق نداءات استغاثة.
لكن سيف الاسلام، نجل الرئيس الليبي، نفى أن يكون الجيش قد استهدف
متظاهرين أو أحياء سكنية. وزعم القذافي الإبن إن «القوات المسلحة قصفت
مخازن اسلحة تقع في مناطق بعيدة عن المناطق السكنية»، من دون ان يحدد مكان
هذه المناطق.
وذكر شهود عيان أن عناصر من قوات الأمن قامت بنهب المصارف والمؤسسات
الحكومية في طرابلس، وان المحتجين اقتحموا مراكز عدة للشرطة وأحرقوها أو
حطموها، فيما اشتعلت النيران في مبنى مؤتمر الشعب العام (البرلمان)، في وقت
بدأ السكان تخزين السلع الأساسية توقعا في ما يبدو لاندلاع اشتباكات
جديدة.
وكان شهود عيان أفادوا بأن متظاهرين نهبوا مبنى تلفزيون وإذاعة حكوميين
في طرابلس. وقال أحدهم إن «مبنى يضم قناة الجماهيرية الثانية وإذاعة
الشبابية تمّ نهبه». وقناة «الجماهيرية الثانية» هي القناة الثانية في
التلفزيون الحكومي، أما إذاعة «الشبابية» فأسسها سيف الإسلام معمر القذافي
في العامة 2008، ثم جرى تأميمها.
ونقل التلفزيون الرسمي الليبي عن مصادر أمنية تأكيدها سقوط «ضحايا عدة»
لدى قيام قوات الأمن بعملية استهدفت «أوكار التخريب والرعب»، داعية
الليبيين إلى التعاون مع السلطات «لبسط الأمن» في البلاد.
وأصبحت مدن الشرق الليبي في أيدي المعارضة، بينما انتشرت الاحتجاجات
خارج بنغازي مهد الانتفاضة الشعبية التي هزت واحداً من أطول الانظمة
العربية عمراً وأشدها قمعاً.
وقالت رئيسة «الاتحاد الدولي لروابط حقوق الإنسان» سهير بلحسن إن
«مدناً كثيرة سقطت خصوصاً في الساحل الشرقي. وقد انضم عسكريون إلى
الانتفاضة»، مشيرة على وجه الخصوص إلى مدينة بنغازي (شرق) ومدينة سرت
(وسط)، وهي مسقط رأس القذافي ومعقل قبيلته.
وأشارت تقارير إلى أن الإنتاج في واحد من آبار النفط توقف نتيجة لإضراب
العمال، فيما سحبت بعض شركات النفط الأوروبية العاملين الأجانب وأوقفت
العمليات، علماً بأنّ معظم آبار النفط في ليبيا تقع في الشرق جنوبي بنغازي
مهد الاضطرابات الحالية.
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن المقدم محمد صابر، وهو أحد ضباط
القوات المسلحة، إن المحتجين بسطوا سيطرتهم على مدينة بنغازي في شرقي
البلاد، مؤكداً أن «المدينة هادئة بعدما سيطر عليها المحتجون». وأضاف
«لدينا الآن لجان شعبية لحماية المدينة».
وذكر شهود عيان أن الشرطة الليبية أخلت مدينة الزاوية (60 كيلومتراً
غربي طرابلس). وقال عمر الذوادي، وهو أحد سكان المدينة، إن «اشتباكات
اندلعت بين أنصار القذافي والمناهضين له والشرطة غادرت المدينة»، لافتاً
إلى أن «جميع المتاجر أغلقت أبوابها، فيما أحرق منزل القذافي وسرق أناس
سيارات الشرطيين وهناك عمليات سطو مسلح على الطرقات».
وأشارت صحيفة «قورينا» الليبية إلى أن احتجاجات مناهضة للحكومة اندلعت
في بلدة راس لانوف، حيث توجد مصفاة للنفط ومجمع للبتروكيماويات.
وفي مؤشر إلى الخلافات داخل النخبة الحاكمة في ليبيا، استقال وزير
العدل «احتجاجاً على الأوضاع الدامية واستعمال العنف المفرط ضد المحتجين
العزل من قبل قوات الكتائب الأمنية»، وكذلك أمين جهاز المراسيم العامة في
ليبيا مسعود المسماري، الذي وصف القذافي بأنه «مصاب بمرض جنون العظمة».
وفي نيويورك، أعلن أعضاء البعثة الليبية لدى الأمم المتحدة قطع أي صلة
لهم بنظام القذافي. وقال نائب المندوب الليبي في الأمم المتحدة إبراهيم
داباشي إن البعثة الليبية قطعت كل علاقة لها بحكومة القذافي، غير أن
الدبلوماسيين الليبيين لم يتخلوا عن مناصبهم.
وأوضح داباشي «لم نقدم استقالاتنا. نحن لا ننتمي للنظام. لطالما مثلنا
الشعب وليس شخصاً. إنني على يقين من أن الشعب الليبي سيواصل كفاحه للتخلص
من النظام»، داعياً مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى أن يعقد
اجتماعاً طارئاً لبحث الوضع في ليبيا «من اجل ايجاد سبيل لحماية الشعب ضد
أعمال الإبادة الجماعية».
كما قدم السفير الليبي لدى الهند ودبلوماسيون آخرون في الصين ومالطا
والدنمارك والسويد استقالاتهم احتجاجاً على الجرائم التي يرتكبها نظام
القذافي.
وأصدر ائتلاف من رجال الدين الليبيين فتوى بأن «خروج كل المسلمين في
ليبيا على القيادة فرض عين». وأضافوا، في بيان حمل توقيع «شبكة علماء
ليبيا»، إن «السلطات الليبية تتمتع بالإفلات من العقاب وتواصل بل وتشدد
جرائمها الدموية ضد الإنسانية... وبذلك فقد خرجت تماماً عن سبيل الله
والنبي محمد».
وامتد التمرد على قرارات القذافي إلى ضباط في القوات المسلحة، إذ حطت
مقاتلتان ليبيتان في مطار فاليتا في مالطا، بعدما رفض طياراها تنفيذ أوامر
عسكرية بقصف المتظاهرين، فيما حطت مقاتلتان في مطار بنغازي بعدما تمرّد
طياراها على قرار مشابه.
وأثارت المجازر القذافي موجة من الإدانات الدولية، بدءاً بدول الاتحاد
الأوروبي، لا سيما بريطانيا وفرنسا، وصولاً إلى الولايات المتحدة، التي دعت
الحكومة الليبية الى احترام حقوق شعبها.
وقالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون «إننا ننضم الى المجتمع
الدولي في ادانة العنف في ليبيا بشدة. والآن حان الوقت لوقف سفك الدماء
غير المقبول هذا»، مضيفة إن الحكومة الليبية عليها مسؤولية احترام الحقوق
العامة لشعبها ومنها حقه في التعبير الحر والتجمع.
وكان مسؤول في الإدارة الأميركية قال إن الرئيس باراك أوباما يدرس
«جميع كل الخطوات المناسبة» للرد على الأحداث التي تجري في ليبيا. وأوضح أن
مستشار الأمن القومي الأميركي طوم دونيلون اطلع اوباما على الوضع في
ليبيا، و«نحن نفكر في كل الخطوات المناسبة»، مضيفاً «نحن نعمل على تحليل
خطاب سيف الإسلام القذافي لنرى ما يحمله من احتمالات لتطبيق إصلاحات جدية».
وقال وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ إن «المملكة المتحدة قلقة بشدة
من تطور الأوضاع في ليبيا»، واصفاً ما يجري بأنه «غير مقبول»، فيما أدان
الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، في بيان صادر عن قصر الاليزية، «الاستخدام
غير المقبول» للقوة في ليبيا، ودعا الى ايجاد حل سياسي للاضطرابات، في حين
أعربت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل عن «صدمتها» إزاء ما يحدث في
ليبيا، بينما دعت وزارة الخارجية الروسية الأطراف كافة في ليبيا إلى ايجاد
حل سلمي عبر الحوار الوطني