متوكل " ثــــــائـــــــــر منضبــــــــط"
عدد الرسائل : 425
الموقع : صراع من اجل الاشتراكية تاريخ التسجيل : 05/11/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2
| | العمى الأخلاقي والفكري في الولايات المتحدة | |
العمى الأخلاقي والفكري في الولايات المتحدة ستيفين غرين/محاضرة ألقيت في المؤتمر السنوي للرابطة القومية للأميركيين العرب في فندق هيات ريجنسي، واشنطن، في 4 أيار 1984 هناك مثل عربي يقول بأن صديقك هو من صدَقك لا من صدّقك. وقد يُدرك الأميركيون بعد سنوات أن الملك حسين عبّر عن صداقته عندما أبلغ الولايات المتحدة أن المملكة"… اختارت بأن لا تعتبر نفسها القوة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تستطيع مساعدتنا جميعاً على التوصل إلى سلام عادل ودائم." والعجيب أن إدارة ريغن وكثرة من أهل البلاد تلقّوا بيان الملك حسين بدهشة وشعور بالصدمة. ومما يدل على السذاجة ويبعث على الأسى هو أن تعتقد أمّة عظيمة كأمّتنا أن باستطاعتها اتّباع دبلوماسية جين كيرباترك، والبرنامج التشريعي لدانيال باترك موينهان، والسياسات الأمنية لريتشارد بيرل، وأن تنصّب نفسها في الوقت ذاته "وسيطاً نزيهاً" للسلام في الشرق الأوسط. لكن جذور الفشل الأميركي الأخير المحرج في المنطقة لا يُبحث عنها في إدارة ريغن وحده، ولا حتى في سياسات الرؤساء السابقين، فأنتم بوصفكم أميركيين عرباً تعرفون أن المشكلة أعمق من ذلك. فهي تكمن في التحامل والجهل اللذين يميّزان نظرة الأميركي العادي إلى الشرق الأوسط والنزاع القائم فيه منذ أمد طويل. فقبل سنة ونصف تقريباً جلست في بيتي بفيرمونت لأبدأ بكتابة الفصل الأول من كتاب "الانحياز" الذي يدور حول حرب عام 1948-1949 في الشرق الأوسط. وكنت قد فوجئت بالعثور في مركز الوثائق الرسمية على مواد عن قدرة وعدد القوات العسكرية الإسرائيلية التي شاركت في تلك الحرب. ودفعني ذلك إلى إلقاء نظرة على الصورة الشعبية التي رُوّجت في أميركا "لمعجزة النصر التي حقّقتها إسرائيل الصغيرة". وعندما راجعت قصة "الشتات" الشعبية التي كتبها ليون أورس تبيّن لي أن بحثي حقّق ما يُعرف بلغة الكومبيوتر "بالضربة الموفّقة". يقول أورس في معرض وصفه لجيش الهاغاناه الذي وصفه "بجيش من الورق" بأنه كان يتألف من 55000 محارب وأنه كان يواجه خمسة جيوش عربية قوية تتألف من مليونين ونصف المليون من الجنود، أي أن العرب كانوا يتفوقون بنسبة 40 إلى واحد في العدد، وبنسبة 1000 إلى واحد في الأعتدة، ونسبة 5000 إلى واحد في مساحة الأرض. وحسن الحظ أنني كنت قد حصلت من مخابرات الجيش الأميركي والهيئة المشتركة لرؤساء الأركان على وثائق مدعومة بأدلة من القيادة البريطانية العليا تقول بأن الإسرائيليين كانوا في الحقيقة يتفوّقون في العدد على القوى العربية بنسبة 2.5 أو 3 إلى واحد. وعليه سارعت إلى اقتباس ما أورده أورس في كتابه. على أن ما راعني في كتابه "الشتات" وأنا أقلب صفحاته هي العنصرية المفضوحة التي تصبغ كل فقرة منه. فالعرب على اختلاف فئاتهم في نظهره قذرون، كسالى، جبناء وقساة، واليهود من أي فضة كانوا شرفاء، أقوياء، شجعاناً ولطفاء. واكتشفت بأن "الكتاب" ليس إلاّ قطعة من البذاءة العنصرية. وهو- باختصار- ككتاب الجنس الذي يخلو من أي قيمة اجتماعية. وعجبت عندئذ كيف أمكن نشر مثل ذلك الكتاب حتى في أميركا ذاتها وقدّرت بشيء من الثقة أن عمر الكتاب يبلغ حوالي خمسة وعشرين عاماً وأنه كُتب قبل نضال الستينات من أجل الحقوق المدنية، وقبل أن يشحذ اهتمامُنا بحقوق الإنسان في السبعينات حساسياتنا القومية تجاه العنصرية. وقلت عندئذ في نفسي إنه لا يمكن أن يُكتب مثله في الثمانينات. هذا ما قدّرته. لكني فوجئتُ بأنه كُتب مثله. فقبل حوالي شهر رأت دار النشر الأميركية "دوبلدي" أن تنشر للمؤلف نفسه- أي أورس – قصة أخرى عن الشرق الأوسط بعنوان "الحج". وجاءت هذه القصة أكثر عنصرية من الكتاب السابق "الشتات". ففي إحدى المواقف يتفقّد بطل القصة جدعون آش الخراب في قرية دير ياسين العربية مع كولونيل بريطاني غاضب اسمه برومبتون. ثم ينظر إلى الكولونيل قائلاً: "يؤلمني أننا اضطررنا إلى القيام بمثل هذه الأعمال من أجل البقاء. وأنا أغفر للعرب قيامهم بقتل أطفالنا. لكن ما لا أغفره لهم هو أنهم اضطرونا إلى قتل أطفالهم". وفيما بعد يقول جدعون أيضاً للكولونيل: "أليس من الغريب أن نجد أنفسنا – نحن اليهود – مرة أخرى ملزمين بالقيام بعمل قذر لا يريده الآخرون؟ إنك أنت وجميع أصدقائك الخبثاء في وزارات الخارجية تعلمون في قرارة نفوسكم مبلغ القسوة والشر اللذين يصدران عن العالم الإسلامي. لكنكم لا تجرؤون على إظهار حقيقة المسلمين ولا تقولون لشعوبكم: هذا هو الوضع، وعلينا أن نتعايش معه. وتفضّلون أن تتركوا لليهود أن يقوموا بذلك. فمرة أخرى نجد أنفسنا وحدنا وراء الاستحكامات نتحمّل تقريع المستسلمين القانعين ممّن يُعرفون بحلفائنا في الديموقراطيات الغربية. إن المسلمين سيقلبون العالم رأساً على عقب قبل نهاية هذا القرن، ومن الأفضل لكم أن تجدوا في أنفسكم الشجاعة الكافية لمجابهته. إن الإنسان يشعر بالوحشة هنا يا برومبتون". وليس في هذا الهراء الحقير سوى نقطة واحدة تلفت النظر. ففي صفحة 202 من القصة يقوم قائد إسرائيلي بإبلاغ بن غوريون أنه لن يكون لدى الهاغاناه سوى 30.000 جندي لخوض الحرب. وكان عددهم في كتاب الشتات 55000. وعليه يمكن للمرء أن يفترض بأنهم سوف يختفون بالكلية في كتاب أورس القادم، وأن ما حلّ بالفلسطينيين من عذاب وموت وتهجير سيكون مجرّد حلم مزعج. لقد سلّطت الضوء على العنصرية والأخطاء في هذين الكتابين لأنهما يباعان في غالبية مخازن الكتب في أميركا، ولأن الدار التي نشرتهما من أكبر دور النشر الأميركية. وهذا يعني أن أميركا تعاني من عمى أخلاقي. وأشد إزعاجاً من هذا العمى الفكري الذي يميّز ما يُكتب ويذاع في أميركا عن الأحداث التاريخية والجارية في الشرق الأوسط. وفيما يلي بعض الأمثلة. 1- في مايو 1983 أحسنت جريدة "لوس أنجلوس تايمز" صنعاً بنشرها مقالاً عن دفعة جديدة من الوثائق أفرج عنها مركز الوثائق الإسرائيلي. وتكشف هذه الوثائق أن الرئيس السوري حسني الزعيم عرض في عام 1949 أن يجتمع ببن غوريون للبدء في محادثات سلام لإنهاء حالة الحرب بين سوريا وإسرائيل. ولإغراء الإسرائيليين بقبول العرض وعد الزعيم مسبقاً بقبول توطين 300.000 لاجئ فلسطيني – أي نصف جميع اللاجئين من جرّاء حرب 1948 – في سوريا. على أن بن غوريون رفض العرض غير آبه لاعتراض موشي شاريت وزير الخارجية وأبا إيبان مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة . 2- في أغسطس عام 1983 ورد في مقال كتبه توماس داين، المدير التنفيذي للجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة. لمجلة "الدفاع والدبلوماسية" ما يلي : "إن القوات البحرية والجوية الإسرائيلية على جانب من القوة يمكنها من تحدي القوات البحرية السوفييتية في شرق البحر الأبيض المتوسط مما يجعلها عاملاً له أهمية كبيرة في تقييم ميزان القوى بين الشرق والغرب في تلك المنطقة". وفي مكان لاحق من المقال ذاته مضى داين يقول : "إن الهدف الرئيسي من مساعدة إسرائيل هو ضمان أمن وبقاء حليف رئيسي تشكّل قوّته دعامة في نظام الأمن الدولي الأوسع. أما الهدف النهائي من مساعدة إسرائيل فهو في أساسه شبيه بالسبب الذي من أجله نُبقي قوّاتنا في كوريا وأوروبا، ونحافظ على وجودنا البحري في غرب المحيط الهادئ، وهو تعزيز الأمن الدولي بردع العدوان، وضمان الدفاع عن الأصدقاء والحلفاء. ولتقرير ما إذا كانت مساعداتنا لإسرائيل تتناسب مع مصالح الولايات المتحدة، ينبغي اعتماد المعيار التالي وهو مقارنة التكاليف والفوائد بالإنفاقات الكبرى على الأمن الدولي". وإذا افترضنا – وهو في اعتقادي ما يفعله كل من يمشي في الشارع ويمضغ العلكة – أن توماس داين وإيباك (اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة) يتكلّمان نيابة عن الحكومة الإسرائيلية، فإن كلماته تكتسب أهمية خاصة. إذ يطالب الكونجرس الأميركي الآن بأن تقدّم مساعدات لإسرائيل لا لتمكينها من الدفاع عن نفسها وإنما لقهر الاتحاد السوفييتي في الشرق الأوسط في أي مواجهة عالمية بين الدول الكبرى. وعليه فالمطلوب هو إطلاق العنان لإسرائيل بلا أية قيود. ولا أعرف جهازاً من أجهزة الإعلام الكبرى في أميركا اهتم بكلمات داين أو حتى طلب منه شرحها. 3- وأخيراً وقبل ثلاثة أيام نشرت "الواشنطن بوست" في زاوية التحليل الإخباري مقالاً بعنوان مخفف وهو "فشل الشياسة الأميركية في بيروت يخلق مشكلة لقدرة أميركا على الاحتواء" وتمثّل الفقرات التالية خلاصة ما جاء فيه. "إن فشل الولايات المتحدة في فرض حل ينهي الانقسامات الداخلية في لبنان ويضع حداً للتدخّل السوري جعل الدول العربية تفقد ثقتها في حزم الولايات المتحدة ورغبتها في التعاون الوثيق معها في الدفاع عن المنطقة وفي التوصل إلى حلول للنزاع العربي الإسرائيلي. "وقد اتضح هذا خلال زيارة للشرق الأوسط قام بها مؤخراً ريتشارد مورفي مساعد وزير الخارجية للشؤون الشرق أوسطية وذلك في محاولة لإنشاء تعاون عسكري أوثق مع الدول العربية المعتدلة في الخليج يهدف إلى إقامة حاجز في وجه المخاطر المحتملة للحرب العراقية الإيرانية. "واعترف مسؤول أميركي بشكل غير رسمي بأن استقبال تلك الدول لمورفي كان كما قال أحدهم – يراوح بين الفتور والرفض الصارم. "وأضاف هذا المسؤول : بعد فشلنا في لبنان نشأ الكثير من الشك في جدوى الاعتماد علينا. وقد يتغيّر هذا مع الوقت، أما الآن فلا يريد أحد منهم أن يلاحظ الآخرون أنه يسعى إلى التقرب منا". ولا نجد في هذا التحليل الذي يحتل عموداً طوله ثلاثون إنشاً أية إشارة إلى أن أحد أسباب تدهور نفوذ الولايات المتحدة لدى الدول العربية قد يكون ذلك الاتفاق الأمني الرسمي الجديد والشامل مع الدولة التي لا تزال جميع الدول العربية ما عدا واحدة منها في حالة حرب معها من الناحية القانونية وهي إسرائيل. على أنه من الإنصاف أن نذكر أن كاتب المقال وهو جون جوشكو أتى على ذكر حدث حمله بلا شك على كتابته وهو اجتماع محرري الواشنطن بوست ومراسليها في اليوم السابق مع ديفد كيمحي المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية. ومع مرور الزمن، وهو طويل في الواقع، كان لا بد للعمى الأخلاقي والفكري الذي أشرنا إليه أن يترك بصماته على السياسة الخارجية الأميركية. فالاتفاقية الأمنية مع إسرائيل في نوفمبر 1983 لم تكن في حقيقة الأمير إلاّ اعترافاً رسمياً بترتيب سرّي وعلني قائم منذ زمن طويل تُزوّد إسرائيل بموجبه وزارة الدفاع الأميركية بمعلومات عن أداء أنظمة الأسلحة السوفييتية، واختبار وتقييم أداء الأسلحة الأميركية ضد الأسلحة السوفييتية في ساحة المعركة. وكان هذا "الترتيب" يشتمل على مشاركة الإسرائيليين في التكنولوجيا العسكرية التي تسبق بأجيال الأسلحة المتوافرة لأي دولة في الشرق الأوسط. ولا أستثني من ذلك الأسلحة النووية. وقام الكونجرس الأميركي خلال بضع السنوات الماضية بزيادة المعونة العسكرية والمالية بانتظام لإسرائيل وهو يدرك أنه بهذا يقوم بتمويل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وتمويل الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، وأن أعماله تشجبها كل دولة أخرى في المنطقة. وما أحاول أن أقوله – وهو شيء لا يسهل على المرء أن يقوله أمام جمهور من المستمعين الأميركيين العرب- هو أن الولايات المتحدة ليست الآن (1984) حليفاً موثوقاً به لأي دولة عربية. ذلك أننا انحزنا تماماً وبشكل نهائي (إلى إسرائيل). ولم يعد هناك شيء بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي للدول العربية التي لنا معها علاقات "أمنية" إلاّ ويتسرّب خبره إلى إسرائيل. وأنتم بوصفكم أميركيين عرباً يمكنكم، بل ينبغي عليكم، التصدي للعنصرية والجهل اللذين يفسدان السياسة الأميركية في المنطقة العربية. ولكن لا بد لي من القول إنه لا حيلة لكم في المعركة الحالية. إذ لم تعد الولايات المتحدة تتظاهر حتى باتباع سياسة متوازنة في الشرق الأوسط، وهو ما أبلغنا إياه الملك حسين قبل شهرين. وعندما قرأت بيانه كدت أبكي. فقد كان أكثر رصانة من أي شيء قرأته عن الشرق الأوسط في صفحة واحدة من صفحات "النيويورك تايمز" في حياتي. والدول العربية هي المطالبة الآن بأن تُفهم الإدارة والشعب في هذه البلاد بالأفعال لا بالأقوال أننا بانحيازنا خسرناهم. والواقع أن هذه الدول بدأت سيرها في هذا الاتجاه. ومما يسرّ فعلاً أن المملكة السعودية والإمارات العربية المتحدة أخذت تشتري الأسلحة من أوروبا، الأمر الذي أفقد كثرة من الأميركيين عملهم. ومما يسرّ أيضاً أن نرى عرفات في القاهرة وعمّان، وأن نرى أن مصر قد عادت إلى المؤتمر الإسلامي. وآمل أن يكون حسني مبارك عنى ما قاله عندما صرّح بأن مصر ستقطع علاقاتها الدبلوماسية مع أي بلاد تنقل سفارتها إلى القدس. ويؤسفني أن أخلص إلى القول بأن على الدول العربية إذا أرادت أن تكتسب احترام الأميركي العادي وخصوصاً رئيسنا الذي هو أميركي عادي جداً أن تتعلّم درساً من إسرائيل. فعليها عندما نتصرّف على نحو يضرّ بالمصالح الأساسية للأمن القومي العربي أن تقدم على عمل يؤلمنا بالفعل. فعندما هاجمت إسرائيل السفينة الأميركية "ليبرتي" في عام 1967، وعندما قام الجنود الإسرائيليون في بيروت برسم الحدود التي يتوجب على جنود البحرية الأميركية "المارينز" أن لا يجتازوها، لم يكونوا يخاطبون العقل أو الشعور الأميركي بالعدالة أو التصرف العادل. لقد كانوا يبعثون بتحذير صارم، وسرعان ما فهم ما يريدونه. وأعتقد بأنه إذا لم تبدأ الحكومات العربية بالتصرف على ذلك النحو فإن الحكومة الأميركية لن تجد ما يدفعها إلى ممارسة نفوذها بحزم وقوة في المنطقة للتوصل إلى تسوية عادلة للنزاع العربي الإسرائيلي عن طريق التفاوض، وسوف لا ينظر إلى جهودكم للتصدي للعنصرية والجهل في انديانا وأوريغون وغيرهما بما تستحقه من احترام. | |
|