للموتِ في سورية طفلٌ، له كلّ الآباء والأمَّهات. طفلٌ يكسر خابية السَّماء ، يخيط جدران البطن بالبسملات. هذا الطفل وصيةٌ واجبةٌ، تنطّ في قلب مسألة الإرث، تقضم كجرذٍ الفروضَ وتشتّت شمل العصبات. لطفل الموت في سورية هويَّة ورقم وطنيٌّ، عدد كامل لا تتجمهر حوله الكسور ولا تشرئب لعنقه الأسّات.
الولد البكر، الأوَّل، الآخِر، الوسط ، يطوف كنبيّ في سلّة من الحبال السّرية لأطفال اجهِضُوا قبله، أجهِضُوا بعده حتَّى صار وحيدًا، لم يمت عندما لعب والداه الأعميان بخصيتيه بل ازداد فحولةً حتَّى صار يخصّب الأرحام من خلف حجاب، من أمام حجاب، إيماءً، وحيًّا، و قلْ ما شاء، شاء.
يا طفل الموت، يا فخر صناعتنا الوطنيَّة، وضعنا القوانين لحمايتك من الحياة وكلّفنا الشّعراء بأن يقولوا فيك شعرًا منظومًا مقفًى بالهامات وشعرَ تفعيلةٍ كدود القزّ يأكل ورق توتنا لنصنع حرير الفجيعة وشعر نثر كأنّه القطط الَّتي تجول على الجثث تأكل عيونها لأنّ الجثث كانت مزدحمة بالحياة، فماتت تحت وقع الأقدام الهائجة احتفالاً بالخراب الَّذي عمّ البلاد.
حضر الشَّيخ والقسُّ ولادتك، هذا يجعلك تغطس في صديد الألم وهذا يقطع قلفة الباه ومن خلفهما وقف السّواد شاخصين لمجدك الآت. يا طفل الموت في عامك ... نشعل لكَ شموع عتمتنا على كاتو صُنِع من دقيق القلوب وبيض الأكباد، فانفخْ في مزمورك وأطفِئ هذه العتمة بظلامك، لنبدأ الاحتفال.
____
عيدُ موتٍ سعيد، عيدُ موتٍ سعيد ، عيدُ موتٍ سعيد ...
وبدأ الاحتفال..
بالونات مصنوعة من رئات منفوخة بغاز الفساء، ترتفع في أجواء أمنياتٍ لكَ بأعوامٍ مديدةٍ وبدودٍ وذبابٍ أزرقَ في كلّ مكان.
____
يا طفل الموت، ابتسمْ؛ لنأخذ صورةً كبيرةً لنا، نحن السّوريون، سنعلّقها على صدر الزمكان، فتُضرَب بنا الأمثال ويقول عنّا الحكماء ونُتلى ونحكى ونصوّر كأحسن فلم رعب أنتِج على يد شعبٍ له من الحضارة خمسة أعوام.
____
يا طفل الموت، يا ولدي يا رصاصة عيني، عدْ قبل المساء أخاف عليك من قمر العشاق أخاف عليك من نجمة في قنبلة، أخاف عليك من هاون الفجر، من ضربة مدفع الصباح، أخاف عليك من أضغاث رؤيا تأمرني بأن أذبحك في تمام الهاجرة حيث لا ظلّ يشهد إلاَّ الحرباء، فماذا تقول يا ولدي؟
- افعل ما تُؤمر به يا أبت وأنّي من العجولين وأنّي ما شاء، شاء.
____
فلما مدَّ سكين الأفق على اللّسان، يهمّ بقطع الكلمة الشّريرة جاءَه صوتٌ من كلّ الجهات: وفديناه بشعبٍ عظيم.