هل يكون القصف في بيروت هو بداية نهاية حزب الله؟
الشرعية المفقودة
لا نستطيع التقليل من أهمية الانفجار الذي هز الضاحية الجنوبية ببيروت ذات الأغلبية الشيعية في 15 أغسطس (آب) الماضي، والذي أودى بحياة 20 شخصا وإصابة المئات. فيمكن أن يكون هذا الانفجار هو بداية النهاية لحزب الله، الطرف السياسي - العسكري المهيمن في لبنان، وواحد من أعداء الولايات المتحدة الأكثر نفوذا في المنطقة.
عناصر من حزب الله
تعددت التقارير المتنبئة بسقوط حزب الله طوال السنوات الثماني الماضية، ففي 2008، بعد سنتين فقط من الحرب المدمرة مع إسرائيل، قتل عماد مغنية، القائد العسكري الأبرز في حزب الله، فى انفجار سيارة في دمشق. فزعم المحللون أن حزب الله فقد تفوقه العسكري والاستراتيجي، كما اعتقدوا أن إسرائيل اخترقت تنظيم حزب الله، وما هي إلا مسألة وقت حتى يستطيع الجواسيس هناك نشر الفوضى. ولكن في الواقع كان حزب الله على خير ما يرام، فعلى الرغم من مهارات وإنجازات مغنية الفريدة فإنه كان مجرد جزء (وإن كان هاما) من منظومة أكبر. حيث يتمتع حزب الله بهيكل تنظيمي تحسده عليه حتى أكثر المؤسسات تطورا، فكان الحزب قادرا على استبدال مغنية تماما، وهذا بالفعل ما حدث بعد أقل من أسبوع من جنازته.
وفي يوليو (تموز)، هرع المعلقون مرة أخرى إلى الزعم بأن الجماعة الشيعية ستؤول إلى زوال خاصة أنها فقدت شرعيتها فى عيون اللبنانين من غير الشيعة وذلك بعدما اتهمت المحكمة الدولية أربعة أفراد ينتمون لحزب الله في قضية مقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، ولكن حزب الله استطاع النجاة من العاصفة بمزيج من الاستراتيجية السياسية والعنف والتحدي، حيث لم يثر تراجع شعبية حزب الله بين غير الشيعة مخاوف الحزب على الإطلاق، فطالما يمتلك حزب الله السلاح ويحظى بدعم قاعدته الشعبية، فلم يتغير شيء بالنسبة لحزب الله.
ومن جهة أخرى، بدأ المشهد يبدو كئيبا بالنسبة لحزب الله منذ عام مضى، وبعد شهور من اندلاع الصراع بين الرئيس السوري بشار الأسد، والحليف الوفي لحزب الله، والثوار السنة الذين يحاولون الإطاحة بالرئيس، وذلك حينما بدا نظام الأسد على وشك السقوط. وعندما شعر بأنه على وشك أن يخسر حليفه، (وكذلك الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية التى كان يقدمها له)، اعتقد البعض أن حزب الله سيخشى أن يتعرض لعزلة سياسية فى الداخل. وعلى الرغم من أن هذا الاعتقاد يحتوي على قدر من الحقيقة، لم تكن هناك أية إرهاصات من قبل بأن هذه العزلة ستؤثر على وجود حزب الله فى حال نجا الأسد. وحتى لو تمت الإطاحة بنظام بشار، فالمرجح أن حزب الله وإيران لديهما خطط بديلة. فعلى سبيل المثال، بدأت إيران بالفعل التواصل مع السودان، تلك التي لا تعتبر بديلا أمثل لسوريا، ولكنها لديها حكومة صديقة وعلاقات جيدة مع الشيعة بالعراق.
فمنذ أن نجا حزب الله من الحرب، ومن تداعيات حكم المحكمة الدولية، ومقتل مغنية، وتراجع شرعيته الشعبية، ومن احتمال فقدان تحالفه الاستراتيجي مع سوريا، ربما يبدو أنه أصبح محصنا ضد الأزمات.
ولكن هناك عاملا أساسيا: وهو تراجع علاقته بمؤيديه من الشيعة. فعلى مدار الـ 31 عاما التى وجد خلالها حزب الله على الأرض كان الحزب يجعل من توطيد علاقات طيبة بالشيعة اللبنانيين على قمة أولوياته، مدركًا أن مثل هذه العلاقات هى خط دفاعه الأول وربما الأخير، فهي المصدر الوحيد للدعم الذي لا يستطيع حزب الله أن يستمر من دونه أو يستبدله.
ولأول مرة، تتعرض هذه العلاقة الخاصة للخطر، فبدخول حزب الله خضم المعارك في سوريا ومساندته للأسد، دخل في صراع مفتوح مع السنة سواء المعتدلين أو المتشددين في المنطقة. فدائما ما كانت العوامل الديموغرافية الإقليمية تعمل ضد الشيعة، وهم يدركون ذلك. فحتى أشد المؤيدين لحزب الله من الشيعة اللبنانيين يفضلون السلام مع إخوانهم السنة في لبنان والمنطقة على الصراع معهم. وهذا هو ما جعل الهجوم في الرويس لافتا للنظر، حيث سوف تنظر قيادات حزب الله للحادث باعتباره محاولة من أعدائهم للضغط على المجتمع الشيعي اللبناني لمطالبتهم بالانسحاب من سوريا، مثلما فعلوا بعد التفجير الذي حدث الشهر الماضي في نفس المكان، وأيضا عندما تم اكتشاف قنبلتين أخريين في الضواحي الجنوبية في وقت سابق هذا العام. وإذا ما بدأ شيعة لبنان يشكون في استراتيجية حزب الله، فإن الحزب يكون قد حكم عليه بالزوال والفشل.
ومباشرة بعد الانفجار الأول الذى وقع الشهر الماضى، تعهدت قيادات حزب الله بأن تستأنف الحرب في سوريا، قائلين إن هذه الهجمات لن تزيدهم إلا إيمانا. وفى ذلك الوقت كانت الفصائل الشيعية ما زالت موالية لحزب الله على الرغم من وجود البعض الذين كانوا يتساءلون عن السبب الذى يجعل الحزب يخاطر بكل شيء. وعلى الرغم من عدم وقوع ضحايا فى الانفجار الأخير، بدأ القلق يتسلل إلى النفوس.
ولكن معارضة وعدم رضا الشيعة ستحتاج إلى وقت طويل حتى تتمكن من خلخلة قبضة حزب الله على المجتمع، فقد كان الحزب يعمل على رعاية هذه العلاقات منذ 1982 مقدما للشيعة السلع المجتمعية، والتمثيل السياسي، والأمان، والإحساس بالتمكين. ولكن مع كل انفجار في معقلهم، وكل خسارة في الأرواح الشيعية، ليس وراءها إسرائيل، سيتراجع نفوذ الحزب على قاعدته الشعبية. فإذا لم يغير حزب الله من سياسته تجاه سوريا، فسيجد نفسه منعزلا فعلا في الداخل وفي المنطقة بأكملها.
بلال صعب
المدير التنفيذي ورئيس قسم الأبحاث والشؤون العامة في «معهد الدراسات العسكرية للشرق الأدنى والخليج» (إنيغما) في أميركا الشمالية.
فورن أفيرز – خاص بـ”المجلة”المجلةمجلة المجلة هي واحدة من أعرق المجلات السياسية في الشرق الأوسط. تصدر شهريا بالعربية والإنجليزية والفارسية من لندن. ومنذ صدور طبعتها الأولى في عام 1980، أُعتبرت المجلة ﺇحدى المجلات الدولية الرائدة في الشئون السياسية في العالم العربي. وكجزء من مطبوعات الشركة السعودية للأبحاث والنشر، نحرص على الحفاظ على اسمنا والارتقاء بمستوانا من خلال تزويد قرائنا بأدق التحليلات الصحافية وأكثرها موضوعية.