مع نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير في إسقاط نظام "مبارك" الذي تميزت
علاقاته بالكيان الإسرائيلي بالغموض غير المبرر لمدة ثلاثين عاما، ولجملة
من المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية الحادة، بدأت الأوساط داخل مصر
وخارجها تُولي أهمية لمناقشة مستقبل العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية بعد ما
يزيد على ثلاثة عقود على معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية.
وينصب الاهتمام المصري الشعبي والبحثي والإعلامي على تساؤل رئيسي، مفاده
ما هي المصلحة المصرية من الاستمرار في علاقات سلام مع الكيان الإسرائيلي
واستمرار معاهدة السلام، ومقارنتها بالمصلحة من تعديل بنودها أو طلب
إلغائها، خاصة بعد حادثة مقتل الجنود المصريين على الحدود المصرية –
الإسرائيلية في الثامن عشر من أغسطس من العام الجاري بنيران إسرائيلية؟ وقد
تسبب ذلك في زيادة الاحتقان الشعبي، والرغبة في الانتقام للجنود المصريين،
والذي انعكس في الموقف الشعبي الغاضب بإنزال العلم الإسرائيلي من على
السفارة الإسرائيلية، ورفع العلم المصري مكانه، وكذا اقتحام السفارة
الإسرائيلية، وهو الأمر الذي جعل قضية العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية في
صدارة المشهد، سواء على المستوى المحلي أو الدولي.
في هذا الإطار، نظم "المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية"
مؤتمرا تحت عنوان "إعادة قراءة العلاقات المصرية- الإسرائيلية في ظل
المتغيرات الإقليمية الحادة" في شهر سبتمبر2011 بمقر المركز. والذي حاول
استشراف مستقبل العلاقات المصرية – الإسرائيلية، في ظل الظروف الراهنة،
والثورات التي تجتاح العالم العربي، بحضور العديد من الخبراء والأكاديميين
والمتخصصين من خلال ثلاثة محاور رئيسية.
جدل مصري حول معاهدة السلام في محور مفهوم وتطور العلاقات المصرية - الإسرائيلية في إطار الصراع
العربي- الإسرائيلي، حرص الدكتور قدري حفني، أستاذ علم النفس بجامعة عين
شمس، على طرح أهمية الحالة الاجتماعية والثقافية وانعكاساتها على طبيعة
وتطور العلاقات المصرية – الإسرائيلية. وذكر أنه في ظل الصراع العربي –
الإسرائيلي، عاش ما يزيد على ثمانية أجيال من العرب واليهود؛ مما جعل
الصراع سمة أساسية في حياتهم، تمتد آثاره لتصل إلى أعماق المجتمع، وتتغلغل
في أبنيتة كافة، بحيث يصبح جزءاً لا يتجزأ من أعماق الهوية القومية لأفراد
كل جماعة من الجماعات المتصارعة مما يؤثر فى أنماط سلوكهم.
بينما تحدث لواء دكتور عادل سليمان، المدير التنفيذي للمركز، عما شهدته
العلاقات المصرية - الإسرائيلية من خمس جولات عسكرية: 48، و56، و67، وحرب
الاستنزاف، وأخيراً حرب أكتوبر 1973. وأشار إلى أن مصلحة إسرائيل
الاستراتيجية تكمن في عدم دخولها في صراع عسكري مع مصر، وأنها تدرك ذلك
جيداً، ولذلك فهدف إسرائيل الرئيسي دائماً هو استمرار عملية السلام.
بينما اهتم الدكتور محمد عبد السلام، رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية
بمؤسسة الأهرام، بتحليل تأثير التوازنات الاستراتيجية التي شهدتها
التفاعلات المصرية – الإسرائيلية فى الخيارات الكبرى التي حكمت علاقات
الجانبين، خاصة الجانب الإسرائيلي الذي واجه مشكلة دفعت به إلى الحل السلمي
بشكل جادٍ مع مصر. كما وصف عبد السلام عدم قدرة الدول العربية على الحشد،
مثلما فعلت إسرائيل، بأنه حقيقة سوداء أثرت فى التوازن العربي- الإسرائيلي
خلال السنوات الماضية.
أما اللواء بحري محسن حمدي، عضو مفاوضات السلام بواشنطن ورئيس اللجنة
العسكرية للإشراف واستلام سيناء من إسرائيل، فقد صرح بالعديد من الحقائق
التي لم يعلن عنها من قبل، في محاولة منه للرد على الاتهامات الموجهة إلى
الجانب المصرى بخصوص تقديم تنازلات للجانب الإسرائيلي، فذكر أن طلبات
إسرائيل بالفعل كانت استفزازية، وأنهم لم يقبلوا أياً منها، وأن إسرائيل لم
تفرض عليهم أي ترتيبات أمنية، وأنهم من حددوا حجم القوات المطلوب وجودها.
في الوقت الذي اختلف فيه جمال الغيطاني، المفكر والأديب المصري، معه، وقال
إنه شعر بصدمة كبيرة عند قراءة نص المعاهدة التى وزعت مع أوراق المؤتمر
بالمركز، فهو لا يرى أن القوات كافية للدفاع عن سيناء، مما جعلنا ندفع ثمن
هذا الآن.
واستنكر الغيطاني عدم وجود سيادة عسكرية صارمة في مدينة شرم الشيخ، وأصر
على أنه ليس هناك توازن في هذه المعاهدة بين الطرفين، وأن هناك تنازلات
كثيرة جداً، والمسئول عنها الرئيس الراحل أنور السادات. دفع هذا اللواء
محسن حمدي إلى الإصرار قائلاً إن كل من يدعي أن هناك بنوداً سرية في
اتفاقية كامب ديفيد كاذب، وإن من يملك نصوصا تؤكد ذلك فليأت بها.
الأبعاد الاستراتيجية والاقتصادية ودور الإعلام أكد السفير إيهاب وهبة، مساعد وزير الخارجية الأسبق، ضرورة الدخول في
مفاوضات رسمية مع إسرائيل بخصوص ترتيبات الأمن الخاصة بالمنطقتين (ب) و(ج)،
وأن ما حدث من تفجيرات متكررة لخط الغاز الخاص بإسرائيل والأردن خير دليل
على عدم الوجود العسكري الكافي في تلك المنطقتين.
في الوقت الذي اهتم فيه دكتور أحمد غنيم، أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد
والعلوم السياسية، بمناقشة الأبعاد الاقتصادية للمعاهدة، ومحددات العلاقات
التجارية بين مصر وإسرائيل، طبقاً للمعاهدة وما تلاها من اتفاقيات. كما
أشار إلى وجود رأيين تجاه اتفاقية "الكويز"، ووصف الرأي الذي يؤيد إلغاءها
بالسياسي البحت، وعرض أسباب أهمية البقاء عليها وعدم إلغائها.
بينما أكد الغيطاني ضرورة معرفة الآخر، لأننا لا يمكن أن ندخل صراعاً دون
التعرف على الطرف الآخر. كما أشار إلى أن الجهود الحثيثة، سواء من جانب
السلطة أو الإعلام الذي يلعب دوراً مهماً في هذه القضية، لم تستطع أن تؤثر
فى توجهات الرأي العام تجاه العلاقات المصرية – الإسرائيلية واتفاقية كامب
ديفيد، مدللا على ذلك بالسخط شعبي وأحداث السفارة الإسرائيلية.
كما وصف ما فعلته الحكومة والإعلام من تكريم للشاب الذي أنزل العلم
الإسرائيلي من فوق السفارة الإسرائيلية بأنه بمثابة عمل تحريضي، ويدلل على
جهل السلطة المصرية والقائمين عليها بطبيعة الشعور الشعبي تجاه هذه القضية.
وأخيراً، ذكر أنه يدرك أن هذا الصراع طويل جداً، ولن يحسم سريعاً.
مستقبل العلاقات في ظل معاهدة السلام في هذا السياق، ذكر السفير نبيل فهمي، السفير المصري السابق بالولايات
المتحدة ، أنه على الرغم من تأييده لعملية السلام، فإنه يعتقد أن العلاقات
المصرية – الإسرائيلية غير سوية، كما أكد ضرورة تقييم الأوضاع الدولية
(الموقف العربي، الموقف الغربي، الموقف الأمريكي)، وأهمية تغليب المحددات
الوطنية، والمصلحة المصرية على الخارجية.
وأشار دكتور عز الدين شكري، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية،
إلى التغير الثقافي العنيف الذي حدث في مصر بعد الثورة التي كانت بمثابة
نقطة البداية، فهو يرى أن هناك المزيد مما يعجل بضرورة فتح الملفات
المغلقة، والإعلان عما حدث بأكتوبر بالفعل، وحقيقة العلاقات والاتفاقات
المصرية – الإسرائيلية.
ومن جانبه، أكد دكتور عماد جاد، رئيس تحرير مختارات إسرائيلية بمؤسسة
الأهرام، أن المصالح الإسرائيلية تقتضي ألا توجد دولة ديمقراطية في
المنطقة، ولذلك فهي أكثرالدول التي أيدت نظام "مبارك". كما رأى أن ما حدث
أمام السفارة الإسرائيلية هو منتج طبيعي للتلاعب بمشاعر الناس والاستهانة
بعقولهم. ولذلك، فإن أكثر ما يقلق الإسرائيليين هو ازدياد الدور الذي يلعبه
الرأي العام، وهو ما يعتقد أنه خطة مدروسة من النظام بمعنى خلق مستويين من
العلاقة. وأيد فكرة مصارحة الناس بالحقائق وتوعيتهم، وتوقف من بيدهِم
الأمر عن المزايدة، وأهمية إعلاء مصلحة مصر، فالحرب ليست بالأمر السهل،
قائلا "حرب السيوف والخيول انتهت من سنين".
أهم التوصيات الرئيسية للمؤتمر خرج المؤتمر بمجموعة من التوصيات لصناع القرار المصري، من شأنها تعزيز
المصالح المصرية الوطنية، في ضوء مجموعة من التغيرات المحلية والإقليمية
والدولية على حد سواء. وقد تمثلت تلك الملاحظات في الآتي:
أولا- ضرورة بلورة رؤية وطنية توافقيةحول مستقبل العلاقات المصرية – الإسرائيلية، وما نريد أن تكون عليه في المستقبل، في ضوء معطيات ومتطلبات المصلحة الوطنية المصرية.
ثانيا- أهمية تقييم العلاقات المصرية- الإسرائيليةمن
خلال تحديد ماهية هذه العلاقات، مع الأخذ في الحسبان الدور الأمريكي،
باعتباره عنصراً مكملاً لهذه العلاقات، والتغيرات التي شهدتها مصر، خاصة
بعد ثورة 25 يناير.
ثالثا- أهمية تعديل معاهدة السلام المصرية – الإسرائيليةبما يتوافق مع المصالح الوطنية المصرية، ويحافظ على أمنها القومي.
رابعا- المطالبة بألا تكون معاهدة السلام المصرية – الإسرائيليةوحدها
هي محور ارتكاز العلاقات المصرية- الإسرائيلية، وإدارك أن استمرار هذه
العلاقات لا يتوقف على هذه المعاهدة فقط، بالإضافة إلى أهمية إعادة النظر
في مفهوم التطبيع.
خامسا- تأكيد أهمية معرفة إسرائيل من الداخلمن خلال حركة
ترجمة واسعة، ومتابعة للصحافة الإسرائيلية والثقافة الإسرائيلية، دون أن
يعني ذلك تطبيعاً مع إسرائيل، بالإضافة إلى التوسع داخل مراكز البحوث
لتخصيص دراسات حول إسرائيل لمعرفة كافة جوانب الحياة داخل المجتمع
الإسرائيلي.
سادسا- أهمية الدخول في مفاوضات رسمية مع إسرائيلمن أجل إعادة النظر في ترتيبات الأمن، وعملية إعادة انتشار القوات المصرية في سيناء، خاصة في المنطقتين (ب) و(ج).
سابعا- أهمية أن تكون المصالح المصرية هي الأساس الحاكملاستمرار العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل.
ثامنا- مطالبة الحكومة الحالية بمراجعة السياسات المتبعةبالتعامل مع سيناء، وأهمية وضع خطط وبرامج تنموية من خلال استراتيجية قومية لتنمية وإعمار سيناء.
تاسعا- أهمية وجود قياس حقيقي للأزمات الناشئةبين
البلدين بما يحافظ على مصالح كل دولة دون تمييز لدولة عن أخرى، مع إجراء
مراجعة دورية للاتفاقيات الموقعة بين الدولتين، في ظل ما تشهده العلاقات من
تغيرات.
وفي الختام، أجمع الحاضرون على أن الصراع العربي –
الإسرائيلي قابل للتأجيل، ولكن الأهم حالياً هو إعادة بناء الدول العربية،
وضرورة الاهتمام ببناء الأنظمة الديمقراطية، وعدم اللجوء إلى القوة في حل
هذه القضية، وأهمية العودة إلى الاتفاقيات السابقة. بالإضافة إلى تأييد
فكرة مصارحة الناس بالحقائق وتوعيتهم، وتوقف من بيدهِم الأمر عن المزايدة،
وأهمية إعلاء مصلحة مصر، فالحرب ليست بالأمر السهل، ووجوب وضوح الخيارات
أمام الرأي العام ونخبة المثقفين، ومعرفة أن بديل المعاهدة هو الحرب. علاوة
على أهمية الابتعاد عن استخدام نهج النظام السابق في التعامل مع القضايا
المطروحة حالياً، وعدم إهمال الأبعاد الأمنية والاقتصادية، ووضعها فى
الحسبان.