اكتسبت ثورة مصر صفة التاريخية لأسباب عديدة، أهمها
أنها قامت في بلد تاريخي، عريق الجذور عميق التجارب، واسع التأثير. وهي
صفات لا تنطبق إلا على دولة مثل إيران، التي تحركت أمس تلقائيا وعلى نطاق
محدود، مستجيبة لنداء تلقاه شعبها من شعب قريب، مشابه، لا تفصله عنه حدود
طبيعية ولا حتى دول حقيقية.
كان من شأن هذا التحرك المتواضع الذي شهدته ايران ليؤكد على أنه عندما
يموج الكبار يصمت الصغار وينزوون في مقاعد المتفرجين، وتصبح اضطرابات
البحرين وليبيا واليمن والجزائر والاردن وسواها مجرد مشاهد تفصيلية خلفية
لما يجري في الحواضر الكبرى من العالمين العربي والاسلامي، كما تصير
التحولات السياسية الجوهرية التي يتوقع ان تشهدها تلك الدول العربية في
الاسابيع أو الاشهر المقبلة، أصداء ثانوية عابرة لانفجار البركان المصري
الكبير. وكان من شأن ذلك التحرك الايراني التحضيري، أو ربما الاستكمالي
لمعركة انتخابات الرئاسة في حزيران العام 2009 ، أن يثبت بما يدعو الى
الفخر أن ثورة مصر ليست حكرا على العرب ولا انعطافاً مهماً في مسار حياتهم
وتجربتهم السياسية، بل هي إنجاز بارز يستفيد منه المسلمون جميعا في أي بلد
كانوا، ومكسب لا شك فيه لشعوب العالم الثالث من دون استثناء.
لم تكن المسيرات التي نظمت في شوارع طهران وأصفهان، شرارة الثورة
الايرانية الثانية التي يترقبها العالم كله بفارغ الصبر. كانت تحية عفوية
لمصر وشعبها، وكانت ايضا جولة جديدة بين المعارضة التي لم يعد يجوز وسمها
بأنها إصلاحية، والنظام الذي لم يعد يصح أن يوصف بأنه ديني محافظ. فقد
ازداد الطابع الراديكالي، السياسي من جهة والامني من جهة اخرى، للفريقين
اللذين توصلا الى الاستنتاج ان الحل الوحيد هو إلغاء الآخر واستئصاله
وإعدام رموزه على نحو ما هتف نواب الأمة الإيرانية في قاعة مجلسهم امس
الاول وعلى نحو ما كان يهتف شبان تلك الأمة في الشوارع.. وهما باتا واثقين
بأن الجولة الحاسمة بينهما تقترب يوما بعد يوم.. التي قد لا تكون نتيجة
التفاعل المباشر مع الثورة المصرية، ولا مع قياداتها وشعاراتها ومنجزاتها
المعروفة جيدا في ايران أكثر من أي بلد آخر في العالم الاسلامي، بما في ذلك
تركيا.
روح العصر المصرية تحوم اليوم فوق إيران، حيث جيل شاب لا يختلف بشيء
أبدا لا في المعرفة ولا في الحلم ولا في الأدوات،عن نظيره المصري الذي خرج
الى الشوارع وهدم الهيكل على جميع رؤوس كهنته، وأسقط بسرعة مذهلة دولة
فارغة من أي شرعية ومن أي محتوى، وحطم مؤسسات سياسية وأمنية كان بقاؤها في
السلطة إهانة للهوية الوطنية، ولكل ما يختزنه التاريخ المصري من أمجاد
وحضارات وقيم.
قد لا يتكرر السيناريو المصري في إيران، التي يمكن الزعم أن انتفاضة
شبانها وشاباتها على المؤسسة الحاكمة سبقت الثورة المصرية وألهمتها. لكن
الأهداف ستكون بالتأكيد واحدة. وهي تترقب الفرصة المؤاتية لخوض المعركة
النهائية.