لا ينتهي الخلاف حول آراء اينشتاين السياسية لاسيما المتعلقة بقضية فلسطين و إنشاء دولة يهودية.و يزعم كثير من الصهيونيين أن أينشتاين واحد منهم.و لكن اينشتاين كان مسالما و كونيا و ممقتا للقومية.
حديثا نشر كتاب بعنوان "اينشتاين عن إسرائيل و الصهيونية : أفكاره المثيرة حول الشرق الأوسط" بقلم (فريد جيروم) و قد تمكن من إعادة أفكار اينشتاين عن الشرق الأوسط ثانية إلى دائرة الضوء.
و الدليل على موقف اينشتاين من فلسطين و الصهيونية أوضح ما يكون في كلماته هو و أفعاله المتعلقة بالموضوع.فعلى سبيل المثال مثل اينشتاين أمام لجنة التحقيق الانغلو-أميركية و كانت تناقش القضية الفلسطينية في كانون الثاني 1946، و تحدث ضد خلق دولة يهودية.و إليكم مقطعا من شهادة اينشتاين أمام القاضي هوتشيسون رئيس اللجنة الأميركي:
- القاضي: قال الصهيونيون أمام لجنتنا أن القلب الغاضب لكل يهودي لن يهدأ حتى تكون هناك دولة يهودية في فلسطين.و يتم التأكيد على وجوب أن يكونوا أكثرية بالنسبة للعرب . و قيل لنا من قبل ممثلي العرب بأن العرب لن يسمحوا بهذا الوضع، أي لن يسمحوا أن يتحولوا من أكثرية إلى أقلية.
- اينشتاين: نعم.
- القاضي: لقد سألت أولئك الأشخاص العديدين إن كان من الأساسي لحقوق و امتيازات اليهود أن يذهبوا لفلسطين ، إذا كان من الأساسي للصهيونية الحقيقية أن يتبلور هذا المشروع و بهذا يكون لليهود دولة يهودية و أكثرية يهودية دون اعتبار لرأي العرب.هل تتفق مع وجهة النظر هذه ، أو تعتقد بإمكانية معالجة الموضوع وفقا لأسس أخرى؟
- اينشتاين: بالتأكيد نعم، فكرة الدولة لا تنسجم مع قلبي . و لا أستطيع فهم الحاجة لها ، إنها مرتبطة بالكثير من المصاعب و ضيقي الأفق, أعتقد أنها سيئة.
- القاضي : أليس من المفارقة التاريخية التأكيد على خلق دول يهودية؟
- اينشتاين: برأي نعم، أنا ضدها.
عام 1948 بعد مذبحة دير ياسين كتب البيرت اينشتاين رسالة إلى صديق أميركي من المدافعين عن حرية إسرائيل أشار فيها إلى منظمة ارجون بقيادة مناحيم بيغن الذي أضحى فيما بعد رئيس وزراء ، و إلى عصابة شتيرن التي ضمت اسحاق شامير و اصبح ايضا رئيسا للوزراء على أنهما منظمتين إرهابيتين و رفض دعم أولئك الأشخاص "الضالين و المجرمين".
البيرت اينشتاين و سيدني هوك و حنا اريندت و خمس و عشرون شخصية يهودية بارزة كتبوا رسالة إلى نيويورك تايمز في الرابع من كانون الأول 1948 اتهموا فيها حزب مناحيم بيغن و اسحاق شامير الليكود بالفاشية و اعتناق خليط من القومية المتطرفة و الإبهام الديني و شعور التفوق العرقي.
عام 1950 نشر اينشتاين التصريح التالي حول مسالة الصهيونية. وقد قال هذه الكلمات أمام لجنة العمل القومية لأجل فلسطين ، في نيويورك عام 1938،و لكن أعاد نشرها بعد إنشاء إسرائيل:
" إنني أفضل اتفاقا منطقيا مع العرب على أساس العيش المشترك في سلام عوضا عن خلق دولة فلسطينية . فإذا وضعنا جانبا الاعتبارات العملية ،فان فهمي للطبيعة الجوهرية لليهودية يدفعني لمقاومة فكرة دولة يهودية بحدود و جيش و قوة دنيوية مهما كانت معتدلة. إني أخشى من خلل داخلي يصيب اليهودية و خاصة من جراء تطور قومية ضيقة ضمن صفوفنا ،كان ينبغي علينا محاربتها مسبقا بدون دولة يهودية".
رفض اينشتاين رئاسة دولة إسرائيل و في كتاب "البيرت اينشتاين: سيرة ذاتية" تحدث البريخت فولسينغ حول العرض الذي قدم لاينشتاين ليغدو ثاني رئيس لإسرائيل فقال: " بينما كان بين غوريون ينتظر قرار اينشتاين و يحتسي القهوة سأل مساعده اسحاق نافون الذي أصبح فيما بعد رئيسا: اخبرني ماذا سنفعل إن قال نعم، لقد كان علي عرض المنصب عليه لأن من المستحيل عدم القيام بذلك، و لكن إن قبل سنكون في ورطة".
كتب اينشتاين إلى ابنة زوجته مارغوت بعد رفضه للرئاسة :"لو أصبحت رئيسا، فإنني في بعض الأوقات سأقول للشعب الإسرائيلي أشياء ما كانوا ليحبوا سماعها"
لم يكن اينشتاين صهيونيا و كانت معارضته لإسرائيل معروفة بشكل واسع خلال حياته ، غير أن أسطورة دعمه لإسرائيل ولدت يوم وفاته في نعيه بصحيفة نيويورك تايمز و التي كتبت بوقاحة أنه ناصر إنشاء دولة يهودية الأمر الذي ناقض أفكاره المعلنة على مدى عقود.ففي عام 1930 نشرت مقالة بعنوان "اينشتاين يهاجم السياسة البريطانية الصهيونية " و عام 1946 أخرى بعنوان " اينشتاين يعارض دولة يهودية"
و من الواضح أن البيرت اينشتاين لم يدعم الصهيونية السياسية و عارض قيام دولة يهودية على أساس عرقي و اثني. و كانت آراؤه السياسية باستمرار مؤيدة لحقوق الإنسان الكونية. و عارض الحرب و الشوفينية القومية العرقية .و اليوم يبجل كأيقونة سياسية و علمية و لكن للأسف ينسى الكثيرون كلماته الحكيمة عن القضية الفلسطينية و صراعها مع الصهيونية السياسية.
الكاتب هو ايداورد سيزكورغان و هو محام كندي.