هذا الكتاب فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1296
الموقع : لب الكلمة تاريخ التسجيل : 16/06/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3
| | ماذا يحدث؟ فوضى جديدة تجتاح عالمنا العربي , فوضى في مواجهة الفوضى .. هاشم صالح | |
ماذا يحدث؟ فوضى جديدة تجتاح عالمنا العربي , فوضى في مواجهة الفوضى ..
|
| |
” هل يستطيع هيغل أن يفسر الربيع العربي ؟ ” : (( التقدميون السطحيون , و أنا منهم , ما عادوا يفهمون شيئاً مما يحصل حالياً في العالم العربي ..)) . يصرح هاشم صالح هذه الجملة تاركاً نغمة أو طابعا معينا , حيث القارئ يفهم مباشرة أن هاشم صالح أكتفى من البقاء في دوامة التحليل الإعتيادي للربيع العربي , أو الفوضى التي تعم العالم العربي , فجميعنا – أيّ الماركسيون – اليساريون – التقدميون – لم نستطع أن نفسر الربيع العربي بالشكل المطلوب , بالرغم من التشدق بالعلمية و المادية التاريخية و الجدلية , فتركيبة الربيع العربي نفسها غريبة , تقودها رياح غريبة و غامضة , و مهما حاولنا تفسير هذا الربيع تخرج لنا ثغرة أخرى تجعلنا نتعلثم و نرجع في الدوامة التي كنا فيها . في حقيقة الأمر , لا نستطيع أن نفسر الربيع العربي بالشكل الصحيح حيث أنها لا زالت في المرحلة الجنينية أو البدائية , فالرؤية التحليلية غير واضحة , و لكن هذا لا يعني أننا لا نستطيع أن نتحدث في الأمر أو نتوقع نتيجة ما , فماركس على سبيل المثال توقع و تنباً بالعولمة أو الرأسمالية العالمية حينما كانت الرأسمالية في مرحلتها الجنينية , و لكن , يستوقف التقدميون العرب عند نقطة ما , و هي الإيديولوجية السائدة في تلك التغييرات – الأيديولوجية الدينية- الإسلامية – و لا ريب أن تلك الأيديولوجية ستنتصر في مجال الكراسي السياسية ألخ .. فيتسأل التقدميون , هل نقف مع الرجعية ؟ حيث أنها من صنع الشعب ؟ أم نكون في وضعية الحياد ؟ أم نقف ضد هذه الموجة ؟ أم تلك الحركات أساساً ليست حركات من قبل الشعب , بل ممنهجة خارجياً ؟ و حقاً لا أحد يفهم ماذا يحدث – و أنا واحداً منهم – كيف كل هذه الامور حدثت , و إلى ماذا ستؤدي تلك الحركات ؟ و لكننا نستطيع أن نستخلص استنتاجات من الربيع العربي : -أن أغلب مثقفي اليسار العربي لم يستطيعوا أن يصلوا إلى استنتاج ثابت حول ماهية الربيع العربي. - أن تلك الحركات مجرد تغييرات سياسية , و ليست ثورات بالمعنى التغيير الاجتماعي . -الربيع العربي جزء من التغيير الموعود من قبل العولمة ( الفوضى الخلاقة ؟). -الإيديولوجية أو الروح التي تقود تلك التغييرات – غالباً – هي التيارات الأسلاموية . -لا يمكننا أن ننسى أن تلك التغييرات حدثت بسبب الإضطهاد الاجتماعي والسياسي -هذه الحركة مدعومة من قبل القطب الغربي (عسكرياً و إعلاميا) - حركات غير منظمة بل فوضوية . - ربما نستطيع أن ندرج مفهوم الهيمنة الثقافية (عالمياً؟) . في البدء , يجب علينا أن نعيي أن الربيع العربي مجموعة من حركات تغيرية من قبل الشباب العربي , حيث أنها تهدف إلى التغيير السياسي و ليس التغيير الاجتماعي , فعلى غرار الشباب الفرنسي عام 1968 كان الهدف الوحيد هو التغيير السياسي , طلاباً و عمالاً يداً بيد , و هذا السيناريو متشابه في حركات الربيع العربي . فدور الطبقة العاملة في الربيع العربي ضئيل , أو يجدر بنا القول نسبي , و المشكلة الأكبر أن تلك الحركات صعبت الأحوال للطبقات الفقيرة و العاملة , حيث تدنت مداخيل السياحة على سبيل المثال وأصبحت أقل في الدول التي واجهت هذا التغيير فبهذا مثقفو اليسار لم يفهموا إذ كانت تلك الحركات مناحزة للعمال أو للطبقات الكادحة و الفقيرة , أو هل سيستفيد العمال من نتائج تلك التغييرات ؟ و بالإضافة , نستطيع أن نشير إلى مفهوم (الفوضى الخلاقة ) , الفوضى المبتكرة , التي ظل الغرب يتوعدنا بها . أن زمن الدكتاتوريات القديمة التي تعرقل السيرورة الاقتصادية لدى الغرب أصبح غير مرغوب بها , و من الأفضل و الأسهل جداً إحضار نظام موالي – إقتصادياً – للغرب , و هذا مما سيفتح شريان الاقتصاد العالمي , وفقاً لمخطط العولمة . فبشار الأسد و القذافي و الخامنئي , مع المصادر الطبيعية الغنية التي بحوزتهم , أصبحوا غير منفعين إطلاقاً , حيث أصبحوا عظماً في حلق الغرب و السيرورة الاقتصادية و السياسية , و لهذا إزالة تلك الأنظمة أصبحت ضرورة بالنسبة إلى الغرب ,بغض النظر عن البديل, لأن البديل سيكون أكثر تفتحاً من تلك الأنظمة القومية و الثيولوجية . و هنا أيضاً نستطيع أن ندرج مفهوم الهيمنة الثقافية , حيث نستطيع أن نرجع إلى المفكر الكبير غرامشي , بتوضيحه أن الدول الرأسمالية لا تمارس أسلوب القمع و البوليس و العسكر و الغزو و الإستعمار فقط , بل أنها لجأت إلى نوع من سيطرة أكثر مريحة و هي الهيمنة الثقافية CULTURAL HEGEMONY , فبسط الثقافة البرجوازية مع مرور الزمن أصبح جزء من المجتمع , و بالتالي يتبنى المجتمع هذه الثقافة و يعتقد أنها صحيحة و لا شائب فيها , و الآن – إذ نستطيع أن نربط هذا المفهوم في عصرنا الحالي – الغرب لا يريد فقط أن يمارس إنقلابات عسكرية و تغيير الانظمة , بل لجأ إلى بسط الثقافة الغربية – الديمقراطية – الليبرالية في الشرق , فأي نظام سيأتي بديلاً للأنظمة الدكتاتورية سيتحدث بأسم الديمقراطية بشكلها الغربي , و ستكون هناك ملامح لدولة المؤسسات و القانون , حيث دخل الإسلاميون لعبة خطيرة , و هي لعبة التحدث بأسم الديمقراطية , و الآن عليها أن تطبق ما كانت تقوله . عنصر مهم لا يمكننا تجاهله هو أن تلك الحركات تتمتع بروح دينية-إسلامية , فنفهم أن تلك التغييرات منحازة لدين و لأمة معينة , و ليس لجميع أفراد الشعب , بالرغم من الاحاديث عن التسامح و التوافق , لكن , دائماً سيكون هناك إنحيازاً دينياً و مذهبياً . هذا من جانب , أما من الجانب الآخر , تلك الحركات نشبت ليس بسبب ضغطة زر من قبل الغرب – حيث نحب أن نستخدم الغرب مثل الشماعة نعلق عليها كل مآسينا – بل نتج من الظلم السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي , حيث أغلب مواطنو تلك الدول محرومين من الممارسة الديمقراطية , و فوق هذا , فقر شديد وبطالة متزايدة وقمع حريات , فروح التغيير كانت موجودة و كان ينقصها شرارة – في هذه الحالة شرارتنا هي النار التي التهمت جسد بوعزيزي – فلا يمكننا ربط تلك الحركات كلياً بالغرب , فلو تلك الشعوب كانت تعيش في رخاء لكانت قانعة بما هي عليه , فالأوضاع المتدنية كانت عاملاً أساسياً في تلك الحركات . سرعان ما أستفاد الغرب من حركات عفوية كتلك , حيث كانت تعمل لنشوبها من سنين , بوضع و نشر مراكز حقوق الإنسان و مفاهيمها حول العالم , و سرعان ما وجهت بكاميراتها نحو الأحداث و أصبحت هذه الأحداث حديث العالم . ففي الدول التي لم تمارس العنف طويلاً – مثل مصر و تونس – قدم الغرب للمعارضة مساعدات مادية أو مساعدات من خلال الميديا , و لكن الدول التي مارست العنف بشكل ممنهج و مبالغ فيه – مثل ليبيا و سوريا – نجد الغرب قدم مساعدات عسكرية , و قد نجح في قلب النظام الليبي , و يعمل بكل جهد لقلب النظام السوري . الربيع العربي , تقوده عوامل سحرية و غامضة لدرجة لا يوجد رأي موحد لدى التقدميين و اليساريين و الماركسيين , التحليلات أصبحت متطايرة في السماء . و لنستخلص موقف التقدميين حول الربيع العربي : - قسم منهم وقف مع التغيير و كذلك مع النتيجة “الإسلامية” . -و قسم آخراً وقف مع التغيير و لكنه لم يقف مع النتيجة . - و هناك من لم يؤيد الحركة منذ ولادتها . فأول موقف هو موقف انتهازي لا ريب في ذلك , حيث التقدمية لا تقف مع الرجعية , و كل ما يفعله هؤلاء هو تملق الكراسي أو النجومية في الكتابة . أما الموقف الثاني فقد حكمت عليه الأوضاع أن يؤيد التغيير , فالربيع العربي في أول شكل له , كان هذا الشكل التغييري العفوي – و هو كذلك – و لكن سرعان ما أستولى الإسلام السياسي هذه الحركة و أخذها إلى جانبه , فمثقفون مثل قاسم حداد أو أدونيس عرفوا طبيعة الربيع العربي بعدما رؤوا النتيجة في مصر و تونس , و هذا ماجعلهم يبتعدون عن تأييد تلك الحركات و فوق هذا التشكيك في ثورية الربيع العربي . فهذا الموقف – الثاني – يمر في مرحلتين , المرحلة الأولى الحماسية الأولى التي لم يشهدها العرب منذ القومية العربية , فهذا لا شك جر التقدميين إلى تأييد حركات كتلك , و المرحلة الثانية هي المرحلة النقدية , حيث أكتشف التقدميون أن تلك الحركات أدت في النهاية إلى بروز أنظمة رجعية تبشرنا بالخلافة و السلف الصالح . أما بالنسبة للموقف الثالث , فإنه موقف حازم , حيث هذا الشطر من التقدميين رؤوا اللحى قبل غيرهم , و سمعوا الهتافات و النداءات التي تبشر بالخلافة , و رؤوا أعلام القاعدة المرفوفة , فهذا ما جعلهم أن يقفوا ضد الحركة على الفور . و يوجد قسم آخر , وقف ضد الربيع العربي بسبب الإيديولوجية , التي تنص أن حركات الربيع العربي ليست ثورات بمعنى التغيير الإجتماعي , بل هي تغييرات و مطالبات سياسية , فأكدوا أن تلك المطالبات شرعية و لكنها لا تؤدي إلى ثورة كلية . و يوجد قسم , ينص أن تلك الحركات ليست إلا تلبية لمطالب الغرب و ” الإمبريالية” , و فوضويتها لا تبشر بتغيير واعد أو سلمي , و فوق هذا , وقفوا مع تلك الأنظمة مثل نظام القذافي و بشار الأسد , من حيث الوقوف ضد ” الإمبريالية ” . و لكننا لو مزجنا كل الأقسام من الموقف الثالث , سنكون قد حصلنا على نظرة اكثر قرباً لطبيعة الربيع العربي , حيث , جميعنا كنا نعلم – بوعي أو من دونه – أن الربيع العربي كان فوق بساط الإسلام السياسي أو على الأقل يتحلى بروح إسلامية , بالرغم من شرعية مطالبها , فهذا أول سبب يجعلنا أن نشكك في الربيع العربي , ثانياً , أن الربيع العربي يهدف إلى تغيير سياسي فقط – إذ كنا نريد أن نتحدث من منطلق إيديولوجي , و لكن هذا المنطلق في هذه الحالة ليس قوياً – و ثالثاً , أن كل تحركات الربيع العربي أصبحت تلبي مطالب أو آمال الغرب – سيكون من السذاجة أن أقول الإمبريالية ( بالمعنى القديم و المتداول للكلمة )– من حيث آمال العولمة و الفوضى الخلاقة و الشرق الأوسط الجديد . الربيع العربي أغرب ما مر على العالم العربي أجمعه , غير واضح و غامض , و الأسوء فوضوي جداً , هل نستطيع أن نشير إلى نظرية المؤامرة ( التي تعبر عن سذاجتنا ) ؟ هل نستطيع أن نقول أن الربيع العربي هو حدث عربي من دون تدخل الغرب بشكل كلي ( الذي يعبر عن سذاجتنا ) ؟ كيف الأمور وصلت إلى هذا الحد ؟ هل نحن لا نعرف كيف نحلل ؟ هل حدث مثل الربيع العربي هدفه هو تحريض الفوضى ما بين الأعين و الأقلام ؟ و لكن السؤال الأهم ليس ماذا يحدث ؟ بل ماذا سيحدث ؟ .. فوضى جديدة تجتاح عالمنا العربي , فوضى في مواجهة الفوضى .. يقول الأستاذ هاشم صالح في ” هل يستطيع هيغل أن يفسر الربيع العربي ؟ ” : (( التقدميون السطحيون , و أنا منهم , ما عادوا يفهمون شيئاً مما يحصل حالياً في العالم العربي ..)) . يصرح هاشم صالح هذه الجملة تاركاً نغمة أو طابعا معينا , حيث القارئ يفهم مباشرة أن هاشم صالح أكتفى من البقاء في دوامة التحليل الإعتيادي للربيع العربي , أو الفوضى التي تعم العالم العربي , فجميعنا – أيّ الماركسيون – اليساريون – التقدميون – لم نستطع أن نفسر الربيع العربي بالشكل المطلوب , بالرغم من التشدق بالعلمية و المادية التاريخية و الجدلية , فتركيبة الربيع العربي نفسها غريبة , تقودها رياح غريبة و غامضة , و مهما حاولنا تفسير هذا الربيع تخرج لنا ثغرة أخرى تجعلنا نتعلثم و نرجع في الدوامة التي كنا فيها . في حقيقة الأمر , لا نستطيع أن نفسر الربيع العربي بالشكل الصحيح حيث أنها لا زالت في المرحلة الجنينية أو البدائية , فالرؤية التحليلية غير واضحة , و لكن هذا لا يعني أننا لا نستطيع أن نتحدث في الأمر أو نتوقع نتيجة ما , فماركس على سبيل المثال توقع و تنباً بالعولمة أو الرأسمالية العالمية حينما كانت الرأسمالية في مرحلتها الجنينية , و لكن , يستوقف التقدميون العرب عند نقطة ما , و هي الإيديولوجية السائدة في تلك التغييرات – الأيديولوجية الدينية- الإسلامية – و لا ريب أن تلك الأيديولوجية ستنتصر في مجال الكراسي السياسية ألخ .. فيتسأل التقدميون , هل نقف مع الرجعية ؟ حيث أنها من صنع الشعب ؟ أم نكون في وضعية الحياد ؟ أم نقف ضد هذه الموجة ؟ أم تلك الحركات أساساً ليست حركات من قبل الشعب , بل ممنهجة خارجياً ؟ و حقاً لا أحد يفهم ماذا يحدث – و أنا واحداً منهم – كيف كل هذه الامور حدثت , و إلى ماذا ستؤدي تلك الحركات ؟ و لكننا نستطيع أن نستخلص استنتاجات من الربيع العربي : -أن أغلب مثقفي اليسار العربي لم يستطيعوا أن يصلوا إلى استنتاج ثابت حول ماهية الربيع العربي. - أن تلك الحركات مجرد تغييرات سياسية , و ليست ثورات بالمعنى التغيير الاجتماعي . -الربيع العربي جزء من التغيير الموعود من قبل العولمة ( الفوضى الخلاقة ؟ ). -الإيديولوجية أو الروح التي تقود تلك التغييرات – غالباً – هي التيارات الأسلاموية . -لا يمكننا أن ننسى أن تلك التغييرات حدثت بسبب الإضطهاد الاجتماعي والسياسي -هذه الحركة مدعومة من قبل القطب الغربي ( عسكرياً و إعلامياً) - حركات غير منظمة بل فوضوية . - ربما نستطيع أن ندرج مفهوم الهيمنة الثقافية ( عالمياً ؟ ) . في البدء , يجب علينا أن نعيي أن الربيع العربي مجموعة من حركات تغيرية من قبل الشباب العربي , حيث أنها تهدف إلى التغيير السياسي و ليس التغيير الاجتماعي , فعلى غرار الشباب الفرنسي عام 1968 كان الهدف الوحيد هو التغيير السياسي , طلاباً و عمالاً يداً بيد , و هذا السيناريو متشابه في حركات الربيع العربي . فدور الطبقة العاملة في الربيع العربي ضئيل , أو يجدر بنا القول نسبي , و المشكلة الأكبر أن تلك الحركات صعبت الأحوال للطبقات الفقيرة والعاملة,حيث تدنت مداخيل السياحة على سبيل المثال وأصبحت أقل في الدول التي واجهت هذا التغيير . فبهذا مثقفو اليسار لم يفهموا إذ كانت تلك الحركات مناحزة للعمال أو للطبقات الكادحة و الفقيرة , أو هل سيستفيد العمال من نتائج تلك التغييرات ؟ و بالإضافة , نستطيع أن نشير إلى مفهوم (الفوضى الخلاقة ) , الفوضى المبتكرة , التي ظل الغرب يتوعدنا بها . أن زمن الدكتاتوريات القديمة التي تعرقل السيرورة الاقتصادية لدى الغرب أصبح غير مرغوب بها , و من الأفضل و الأسهل جداً إحضار نظام موالي – إقتصادياً – للغرب , و هذا مما سيفتح شريان الاقتصاد العالمي , وفقاً لمخطط العولمة . فبشار الأسد و القذافي و الخامنئي , مع المصادر الطبيعية الغنية التي بحوزتهم , أصبحوا غير منفعين إطلاقاً , حيث أصبحوا عظماً في حلق الغرب و السيرورة الاقتصادية و السياسية , و لهذا إزالة تلك الأنظمة أصبحت ضرورة بالنسبة إلى الغرب ,بغض النظر عن البديل, لأن البديل سيكون أكثر تفتحاً من تلك الأنظمة القومية و الثيولوجية . و هنا أيضاً نستطيع أن ندرج مفهوم الهيمنة الثقافية , حيث نستطيع أن نرجع إلى المفكر الكبير غرامشي , بتوضيحه أن الدول الرأسمالية لا تمارس أسلوب القمع و البوليس و العسكر و الغزو و الإستعمار فقط , بل أنها لجأت إلى نوع من سيطرة أكثر مريحة و هي الهيمنة الثقافية CULTURAL HEGEMONY , فبسط الثقافة البرجوازية مع مرور الزمن أصبح جزء من المجتمع , و بالتالي يتبنى المجتمع هذه الثقافة و يعتقد أنها صحيحة و لا شائب فيها , و الآن – إذ نستطيع أن نربط هذا المفهوم في عصرنا الحالي – الغرب لا يريد فقط أن يمارس إنقلابات عسكرية و تغيير الانظمة , بل لجأ إلى بسط الثقافة الغربية – الديمقراطية – الليبرالية في الشرق , فأي نظام سيأتي بديلاً للأنظمة الدكتاتورية سيتحدث بأسم الديمقراطية بشكلها الغربي , و ستكون هناك ملامح لدولة المؤسسات و القانون , حيث دخل الإسلاميون لعبة خطيرة , و هي لعبة التحدث بأسم الديمقراطية , و الآن عليها أن تطبق ما كانت تقوله . عنصر مهم لا يمكننا تجاهله هو أن تلك الحركات تتمتع بروح دينية-إسلامية , فنفهم أن تلك التغييرات منحازة لدين و لأمة معينة , و ليس لجميع أفراد الشعب , بالرغم من الاحاديث عن التسامح و التوافق , لكن , دائماً سيكون هناك إنحيازاً دينياً و مذهبياً . هذا من جانب , أما من الجانب الآخر , تلك الحركات نشبت ليس بسبب ضغطة زر من قبل الغرب – حيث نحب أن نستخدم الغرب مثل الشماعة نعلق عليها كل مآسينا – بل نتج من الظلم السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي , حيث أغلب مواطنو تلك الدول محرومين من الممارسة الديمقراطية , و فوق هذا , فقر شديد وبطالة متزايدة وقمع حريات , فروح التغيير كانت موجودة و كان ينقصها شرارة – في هذه الحالة شرارتنا هي النار التي التهمت جسد بوعزيزي – فلا يمكننا ربط تلك الحركات كلياً بالغرب , فلو تلك الشعوب كانت تعيش في رخاء لكانت قانعة بما هي عليه , فالأوضاع المتدنية كانت عاملاً أساسياً في تلك الحركات . سرعان ما أستفاد الغرب من حركات عفوية كتلك , حيث كانت تعمل لنشوبها من سنين , بوضع و نشر مراكز حقوق الإنسان و مفاهيمها حول العالم , و سرعان ما وجهت بكاميراتها نحو الأحداث و أصبحت هذه الأحداث حديث العالم . ففي الدول التي لم تمارس العنف طويلاً – مثل مصر و تونس – قدم الغرب للمعارضة مساعدات مادية أو مساعدات من خلال الميديا , و لكن الدول التي مارست العنف بشكل ممنهج و مبالغ فيه – مثل ليبيا و سوريا – نجد الغرب قدم مساعدات عسكرية , و قد نجح في قلب النظام الليبي , و يعمل بكل جهد لقلب النظام السوري . الربيع العربي , تقوده عوامل سحرية و غامضة لدرجة لا يوجد رأي موحد لدى التقدميين و اليساريين و الماركسيين , التحليلات أصبحت متطايرة في السماء . و لنستخلص موقف التقدميين حول الربيع العربي : - قسم منهم وقف مع التغيير و كذلك مع النتيجة “الإسلامية” . -و قسم آخراً وقف مع التغيير و لكنه لم يقف مع النتيجة . - و هناك من لم يؤيد الحركة منذ ولادتها . فأول موقف هو موقف انتهازي لا ريب في ذلك , حيث التقدمية لا تقف مع الرجعية , و كل ما يفعله هؤلاء هو تملق الكراسي أو النجومية في الكتابة . أما الموقف الثاني فقد حكمت عليه الأوضاع أن يؤيد التغيير , فالربيع العربي في أول شكل له , كان هذا الشكل التغييري العفوي – و هو كذلك – و لكن سرعان ما أستولى الإسلام السياسي هذه الحركة و أخذها إلى جانبه , فمثقفون مثل قاسم حداد أو أدونيس عرفوا طبيعة الربيع العربي بعدما رؤوا النتيجة في مصر و تونس , و هذا ماجعلهم يبتعدون عن تأييد تلك الحركات و فوق هذا التشكيك في ثورية الربيع العربي . فهذا الموقف – الثاني – يمر في مرحلتين , المرحلة الأولى الحماسية الأولى التي لم يشهدها العرب منذ القومية العربية , فهذا لا شك جر التقدميين إلى تأييد حركات كتلك , و المرحلة الثانية هي المرحلة النقدية , حيث أكتشف التقدميون أن تلك الحركات أدت في النهاية إلى بروز أنظمة رجعية تبشرنا بالخلافة و السلف الصالح . أما بالنسبة للموقف الثالث , فإنه موقف حازم , حيث هذا الشطر من التقدميين رؤوا اللحى قبل غيرهم , و سمعوا الهتافات و النداءات التي تبشر بالخلافة , و رؤوا أعلام القاعدة المرفوفة , فهذا ما جعلهم أن يقفوا ضد الحركة على الفور . و يوجد قسم آخر , وقف ضد الربيع العربي بسبب الإيديولوجية , التي تنص أن حركات الربيع العربي ليست ثورات بمعنى التغيير الإجتماعي , بل هي تغييرات و مطالبات سياسية , فأكدوا أن تلك المطالبات شرعية و لكنها لا تؤدي إلى ثورة كلية . و يوجد قسم , ينص أن تلك الحركات ليست إلا تلبية لمطالب الغرب و ” الإمبريالية” , و فوضويتها لا تبشر بتغيير واعد أو سلمي , و فوق هذا , وقفوا مع تلك الأنظمة مثل نظام القذافي و بشار الأسد , من حيث الوقوف ضد ” الإمبريالية ” . و لكننا لو مزجنا كل الأقسام من الموقف الثالث , سنكون قد حصلنا على نظرة اكثر قرباً لطبيعة الربيع العربي , حيث , جميعنا كنا نعلم – بوعي أو من دونه – أن الربيع العربي كان فوق بساط الإسلام السياسي أو على الأقل يتحلى بروح إسلامية , بالرغم من شرعية مطالبها , فهذا أول سبب يجعلنا أن نشكك في الربيع العربي , ثانياً , أن الربيع العربي يهدف إلى تغيير سياسي فقط – إذ كنا نريد أن نتحدث من منطلق إيديولوجي , و لكن هذا المنطلق في هذه الحالة ليس قوياً – و ثالثاً , أن كل تحركات الربيع العربي أصبحت تلبي مطالب أو آمال الغرب – سيكون من السذاجة أن أقول الإمبريالية ( بالمعنى القديم و المتداول للكلمة )– من حيث آمال العولمة و الفوضى الخلاقة و الشرق الأوسط الجديد . الربيع العربي أغرب ما مر على العالم العربي أجمعه , غير واضح و غامض , و الأسوء فوضوي جداً , هل نستطيع أن نشير إلى نظرية المؤامرة ( التي تعبر عن سذاجتنا ) ؟ هل نستطيع أن نقول أن الربيع العربي هو حدث عربي من دون تدخل الغرب بشكل كلي ( الذي يعبر عن سذاجتنا ) ؟ كيف الأمور وصلت إلى هذا الحد ؟ هل نحن لا نعرف كيف نحلل ؟ هل حدث مثل الربيع العربي هدفه هو تحريض الفوضى ما بين الأعين و الأقلام ؟ و لكن السؤال الأهم ليس ماذا يحدث ؟ بل ماذا سيحدث ؟ .. | |
|