** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 عُرىً وأشجار والبحث عن فيزياء جديدة(*

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
هشام مزيان
المشرف العام
المشرف العام
هشام مزيان


التوقيع : عُرىً وأشجار والبحث عن فيزياء جديدة(* Democracy

عدد الرسائل : 1749

الموقع : في قلب كل الاحبة
تعاليق : للعقل منهج واحد هو التعايش
تاريخ التسجيل : 09/02/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 25

عُرىً وأشجار والبحث عن فيزياء جديدة(* Empty
29122012
مُساهمةعُرىً وأشجار والبحث عن فيزياء جديدة(*

والبحث عن فيزياء جديدة(*)
قد لا يكون توحيد قوى الطبيعة تماما بالصعوبة التي كان الفيزيائيون يظنونها.
- -


باختصار
مؤخرا اجتاحت ثورة صامتة فهم الفيزيائيين لتصادمات الجسيمات. فقد بلغت المفاهيم التي طرحها الفيزيائي الشهير حدود فائدتها في تطبيقات عديدة، لذلك فقد طور المؤلفون وزملاؤهم مقاربة جديدة.


وباتباع هذه المقاربة يستطيع الفيزيائيون وصف سلوك الجسيمات العادية -
بوثوقية أفضل مما سبق - تحت الشروط المتطرفة في المصادم الهادروني الكبير (LHC) في مختبر سيرن، مما يساعد التجريبيين على بحثهم عن جسيمات وقوى غريبة.


وبصورة أكثر عمقا، تبث المقاربة الجديدة روحا جديدة في نظرية موحدة تركها
الفيزيائيون ميتة في ثمانينات القرن الماضي، حيث تبدو قوة الثقالة كنسختين
من تآثرات تحت نووية شديدة تعملان معا.


في يوم ربيعي مشمس، دخل أحدنا (ديكسون>) محطة قطار مايل إند (مترو الأنفاق) في لندن في طريقه إلى مطار
هيثرو. وعندما لمح غريبا، واحدا من أكثر من ثلاثة ملايين راكب يسافرون
بالقطار يوميا، تساءل بخمول متعجبا: ما هو احتمال أن يخرج الغريب عند محطة
ويمبلدن مثلا؟ وكيف يمكن للمرء أن يستخلص ذلك، علما بأنه مسموح للشخص بأن
يسلك أي عدد من المسارات؟ فتبين له وهو يفكر في ذلك، أن هذا السؤال يشبه
المسائل المعقدة التي تواجه فيزيائيي الجسيمات الذين يبحثون عن تنبؤات
بخصوص تصادمات الجسيمات في التجارب الحديثة.

إن المصادم الهادروني الكبير (1)(LHC)
يقع ضمن مختبر سيرن بالقرب من جنيڤ، وهو آلة الاكتشافات الرئيسة في عصرنا
الحاضر، حيث تُسرَّع فيه البروتونات لتتحرك بسرعة تقارب سرعة الضوء ثم
يرتطم بعضها ببعض بغية دراسة شظايا (مخلفات) تصادماتها. لقد دفع بناء
المصادم وكواشفه بالتقانة إلى أقصى حدودها. ويمثل تفسير ما تعطيه الكواشف
تحديا بمستوى ضخامة البناء، إن لم يكن أقل وضوحا. وللوهلة الأولى، يبدو
هذا الأمر غريبا؛ إذ إن النموذج المعياري للجسيمات الأولية نظرية متينة
البناء ومقبولة بشكل كبيرَ حيث يطبقها النظريون روتينيا للتنبؤ بنتائج
تجاربهم. ولتنفيذ ذلك، نعتمد تقنية حسابية طُورت منذ أكثر من ستين سنة من
قبل الفيزيائي المشهور فاينمان>. وكل فيزيائي جسيمات يتعلم تقنية <فاينمان> خلال دراسته
العليا، وكل كتاب ومقالة في مجلة يتناول فيزياء الجسيمات ويشرحها للعموم
يعتمد على مفاهيم <فاينمان>.

ومع
ذلك، فقد بَطُلَت هذه التقنية وصارت عديمة الفائدة عند معالجة آخر
المشكلات المستجدة؛ إذ إنها تزودنا بطريقة حدسية وتقريبية لتلمس أبسط
العمليات وإنجاز الحسابات المتعلقة بها، غير أنها مضنية لا أمل يرجى منها
في حالة مشكلات أكثر تعقيدا أو في طلب حسابات عالية الدقة. فالتنبؤ بما
سينشأ عن تصادم جسيم أكثر تعقيدا من التنبؤ إلى أين سيذهب مسافر القطار.
فإذا عملت جميع حواسيب العالم معا فإنها لن تستطيع تحديد خرج حادثة صدم
شائعة ومألوفة في المصادم LHC.
وإذا كان النظريون لا يستطيعون القيام بتنبؤات دقيقة في حالة قوانين
فيزيائية معروفة وفي حالة أشكال معروفة للمادة، فما الأمل المنتظر منهم
لإخبارنا برؤية المصادم حادثة ما جديدة حقا؟ فجُلّ ما نعرفه عن المصادم
أنه ربما وجد بعض الأجوبة لبعض أعظم خفايا الطبيعة، ولكننا ما زلنا في
ظلمة الجهل بها لأننا لا نستطيع إيجاد حل دقيق بما فيه الكفاية لمعادلات
النموذج المعياري.

لقد طورنا (ثلاثتنا
وزملاؤنا) مؤخرا طريقة جديدة لتحليل عمليات الجسيمات تتجاوز تعقيد تقنية
<فاينمان>. وسميت هذه الطريقة بالطريقة الواحدية unitarity method،
وهي ترقى للتنبؤ بشكل اقتصادي فعال بما سيفعله مسافر القطار وذلك بإدراك
أن خيارات المسافر عند اتخاذ أي قرار في نقطة معينة هي في الواقع محدودة
جدا، ويمكن تجزئتها إلى احتمالات لمتتاليات من الأفعال. وتم التغلب على
مسائل نظرية عديدة في فيزياء الجسيمات وفق هذه الفكرة الجديدة، كان يُظن
أنها غير قابلة للحل. وتسمح حلول هذه المسائل بفهم تفصيلات غير مسبوقة لما
تتنبأ به نظريتنا الحالية بخصوص الطبيعة، مما يمكننا من معرفة حدوث اكتشاف
جديد عندما نراه. وقد أنتجت هذه الطريقة أيضا نتائج غنية بخصوص نموذج ابن
عم مثالي للنموذج المعياري ذي أهمية خاصة للفيزيائيين كركنٍ أساسي للتوصل
إلى نظرية نهائية للطبيعة.

والمقاربة
الواحدية هي أكثر من مجرد حيلة حسابية مساعدة، فهي تقود إلى رؤية جوهرية
جديدة لنظريات تآثر الجسيمات المحكومة بتناظرات غير متوقعة، عاكسة أناقة -
لم تُعطِ حق قدرها - للنموذج المعياري. فقد أظهرت، على وجه الخصوص، تطورا
غير متوقع وتحويرا غريبا في جهد عمره عقود في سبيل توحيد النظرية الكمومية
مع نظرية <أينشتاين> للنسبية العامة وذلك ضمن نظرية كمومية للثقالة.
لقد افترض الفيزيائيون - حتى نهاية سبعينات القرن الماضي - أن الثقالة
تسلك سلوك بقية قوى الطبيعة وبحثوا في إمكان تعميم وتمديد النظريات
القائمة عندئذ لتشملها. غير أنه عندما طبقوا تقنية <فاينمان> فإنهم
حصلوا إما على نتائج غير ذات معنى أو أعاقتهم رياضياتها. وبدا لهم في
النهاية أن الثقالة لا تشبه بقية القوى؛ فتحوّل الفيزيائيون نتيجة إحباطهم
نحو أفكار أكثر ثورية مثل فكرة التناظر الفائق(2)، وتلتها فيما بعد نظرية الأوتار(3).


عُرىً وأشجار والبحث عن فيزياء جديدة(* 2012_09_10_39_d

مع
ذلك، لقد سمحت لنا الطريقة الواحدية بإنجاز حسابات مطروحة منذ ثمانينات
القرن الماضي، ولكنها بدت آنئذ بعيدة المنال. فقد وجدنا في الواقع أن بعض
النقاط التي بدت غير متسقة إنما هي غائبة وغير موجودة. إذ إن الثقالة تشبه
فعليا القوى الأخرى، ولكن بطريقة غير متوقعة – فهي تسلك سلوك «نسخة
مضاعفة» من القوة تحت النووية الشديدة strong subnuclear force التي تربط مكونات النواة معا. يتم نقل القوة الشديدة بواسطة جسيمات معروفة بالگلوونات (غريونات) gluons، بينما يتعين نقل الثقالة بواسطة جسيمات تعرف بالگرافيتونات gravitons.
أما الصورة الجديدة فهي أن كل گرافيتون يسلك سلوك گلوونَين مخيطَين معا.
وهذا المفهوم غريب حقا، فحتى الخبراء لم تتكون لديهم صورة ذهنية جيدة عما
يعنيه. ومع ذلك، فإن خاصة النسخة المضاعفة تزودنا بمنظور جديد لما يمكن أن
يوحد الثقالة بالقوى الأخرى المعروفة.



[البنية التشريحية لمخطط فاينمان]
عندما تتصادم الجسيمات(**)

نجد في كل ما يجري حولنا وفي جميع الأوقات جسيمات أولية تتجاذب أو تتنافر
أو تتضارب، تبدل وتحول بنية بعضها بعضا أو يفني أحدها الآخر. ولكي نَصِفَ
هذا الهرج والمرج الكموميين ابتدع <فاينمان> - الحائز على جائزة
نوبل - منظومة من المخططات تشبه الأشكال المكونة من العيدان. وتمثل
المخططات المرسومة فيما يلي تآثر كواركين two quarks يؤديان إلى ولادة گلوون والبوزون W.
عُرىً وأشجار والبحث عن فيزياء جديدة(* 2012_09_10_40


من الأشجار إلى الأحراش(***)

إن
ما جعل تقنية <فاينمان> مقنعة جدا ومفيدة هي أنها تعطي وصفة بيانية
دقيقة لحسابات معقدة جدا. وهي تعتمد مخططات تعطي صورة مرئية لجسيمين
اثنين، أو أكثر، متصادمين أو متبعثرين. ويمكن أن تجد في كل مؤسسة بحثية
تُدرِّس فيزياء الجسيمات ألواحا سوداء مطلوسة بهذه المخططات. ولكي يقوم
الباحث النظري بتنبؤات كمية فإنه يرسم مجموعة من هذه المخططات، ويمثل كل
واحد منها إحدى الطرق المحتملة لما يمكن أن يسلكه ويكشف عنه تصادم ما؛ فهي
تشبه أحد السبل التي يمكن أن يأخذها راكب القطار. وباتباع مجموعة إرشادات
تفصيلية وضعها <فــاينمان> وزمــــــلاؤه، خصــــوصــــا
زميـــلــــه ، يُسند الفيزيائيون النظريون إلى كل واحد من المخططات رقما مقابل احتمال حدوث حادثة وفق هذا الطريق.

والجانب
المثبط في ذلك هو إمكان رسم عدد هائل من هذه المخططات – عدد لانهائي من
حيث المبدأ. ولم يكن هذا العيب ذا أهمية عندما وضع <فاينمان> قواعده
وطورها، فقد كان يدرس الإلكتروديناميك (التحريك الكهربائي) الكمومي (4)(QED) الذي يصف كيفية تآثر الإلكترونات بالفوتونات. ويحكم هذا التآثر مقدارٌ - هو ثابت الاقتران coupling
- ويساوي تقريبا 137/1. ويضمن صغر هذا الاقتران تلقي المخططات المعقدة
أوزانا منخفضة في الحساب، ومن ثم يمكن في الغالب إهمالها جميعا. وهذا يشبه
قولنا إنه من الأفضل لمسافر القطار أن يسلك طريقا بسيطا تماما.

وبعد
انقضاء عقدين من الزمن، طوّر الفيزيائيون تقنية <فاينمان> لتشمل
القوة تحت النووية الشديدة. وبالتشابه مع تسمية الإلكتروديناميك الكمومي QED، عُرفت نظرية القوة الشديدة باسم الكروموديناميك (التحريك اللوني) الكمومي (5)(QED).
وهذا الكروموديناميك الكمومي محكوم أيضا بثابت اقتران، لكن قيمته - كما
تشير إليه كلمة «شديدة» - أكبر من قيمة ثابت الاقتران الكهرطيسي. ومن ثم،
كما هو متوقع، فإن كِبَر قيمة ثابت الاقتران يتطلب زيادة عدد المخططات
المعقدة الواجب على النظريين تضمينها في حساباتهم - كما في حالة مسافر
القطار والراغب باتباع طرق ملتوية غير مباشرة مما يجعل التنبؤ بما سيقوم
به صعبا. ولحسن الحظ، تتناقص قيمة ثابت الاقتران عند المسافات القصيرة
جدا، بما في ذلك المسافات الموافقة لتصادمات في المصادم LHC،
مما يجعل النظريين قادرين مرة ثانية - في حالة تصادمات بسيطة جدا - على
القيام بتنبؤات دقيقة وذلك بالاقتصار على مخططات غير معقدة لـ<فاينمان>.

غير
أنه في حالة تصادمات غير بسيطة، فإنه سرعان ما يتجلى التعقيد الكامل في
مخططات <فاينمان>. وتصنّف مخططات <فاينمان> عادة اعتمادا على
عدد الخطوط الخارجية وعلى عدد العرى loops
المغلقة التي تمتلكها [انظر الإطار في الصفحة 42]. وتمثل العرى إحدى
السمات الجوهرية للنظرية الكمومية، ألا وهي الجسيمات الافتراضية. ومع أنها
لا تُشاهد مباشرة، فإن للجسيمات الافتراضية أثرا قابلا للقياس في شدة
القوى. وهي تخضع لجميع قوانين الطبيعة المألوفة - مثل انحفاظ الطاقة
وانحفاظ العزم(6) - مع تحذير واحد:
هو إمكان اختلاف كتلتها عن كتلة الجسيمات «الحقيقية» (أي تلك التي يمكن
مشاهدتها مباشرة) المقابلة. وتمثل العرى دورة الحياة العابرة والسريعة
الزوال لهذه الجسيمات الافتراضية: فهي تظهر إلى مسرح الوجود فجأة، وتتحرك
لمسافات قصيرة، ثم تختفي ثانية. وتحدد كتلتها عمر حياتها المتوقع؛ إذ كلما
كانت الجسيمات أثقل كلما قصر عمرها.

يهمل أبسط مخططات <فاينمان> الجسيمات الافتراضية: فليس فيها عرى مغلقة وتدعى عندئذ مخططات شجرية(7). ففي الإلكتروديناميك الكمومي QED،
يُظهر أبسط المخططات على الإطلاق إلكترونين ينفر أحدهما من الآخر عبر
تبادل فوتون. وتضيف المخططات المتزايدة التعقيد عرى واحدة بعد أخرى. ويدل
الفيزيائيون على هذا النهج الجمعي بأنه «اضطرابي»(8)،
ما يعني أننا نبدأ بتقدير تقريبي معين (تمثله المخططات الشجرية) ثم نجعله
يضطرب تدريجيا بإضافة تحسينات (هي العرى). وعلى سبيل المثال، يمكن للفوتون
خلال انتقاله بين الإلكترونين أن ينفصم تلقائيا إلى إلكترون افتراضي ومضاد
إلكترون افتراضي، يعيشان لمدة زمنية قصيرة قبل أن يفني أحدهما الآخر
لينتجا فوتونا. ويتابع هذا الفوتون الأخير رحلة الفوتون الأصلي. وعند
المستوى التالي من التعقيد، يمكن للإلكترون ومضاد الإلكترون الافتراضيين
أن ينفصم كل منهما بدوره مؤقتا. ومع زيادة عدد الجسيمات الافتراضية، تصف
المخططات آثارا كمومية بدقة متزايدة.

وحتى المخططات الشجرية، فإنها يمكن أن تبدي تحديا للحل. ففي الكروموديناميك الكمومي QCD،
إذا كنت جريئا كفاية للنظر في تصادم يتضمن گلوونين واردين وثمانية گلوونات
صادرة، فإنك ستحتاج إلى كتابة عشرة ملايين مخطط شجري وحساب احتمال حدوث كل
منها. ففي ثمانينات القرن الماضي، كان [من جامعة ليدن في هولندا] وگيل> [الذي يعمل الآن في مختبر فِرمي] رائدين في ترويض مسألة المخططات
الشجرية من خلال ما يعرف بالمقاربة التراجعية (التدريجية) recursion approach،
ولكن هذه المقاربة لا تعميم واضحا لها لتشمل العرى. والأسوأ من ذلك، تجعل
العرى المغلقة عبء العمل ثقيلا جدا. إذ يسبب وجود عروة واحدة فقط انفجارا
في عدد المخططات وفي تعقيد كل منها، حيث يمكن للصيغ الرياضياتية المقابلة
ملء موسوعة. وتستطيع مقاربة القوة العمياء - أي تلك المعتمدة على زيادة
استطاعة وقدرة عدد متنام من الحواسيب - معالجة حجم التعقيد المتزايد لمدة
زمنية محدودة، ولكنها ستنهار بعدئذ تحت ضغط العدد المتزايد من الجسيمات
الخارجية أوالعرى.

والأسوأ من ذلك، أن ما ابتدأ بكونه طريقة متينة لجعل العالم المجهري(9)
مرئيا يمكن أن ينقلب دوره فيزيد هذا العالَم غموضا. وغالبا ما تكون مخططات
<فاينمان> المنفردة متسمة بزخرفة معقدة لا يمكن تبسيطها، وعندما
نجري الحسابات على عدد وافر منها فسرعان ما يغيب عنا لب وجوهر الفيزياء
المتضمنة. ومما يثير الدهشة أن النتيجة النهائية، التي نحصل عليها بجمع
جميع المخططات، قد تكون بسيطة جدا. إذ يبدو أن بعض المخططات تحذف جزئيا
مخططات أخرى وتلغيها، ويمكن أحيانا لبعض الصيغ المحتوية على ملايين من
الحدود أن تنهار إلى حد وحيد. وتشير الإلغاءات هذه إلى أن المخططات هي
أدوات خاطئة لتنفيذ العمل - مثل محاولة دق مسمار بريشة. ومن ثَمَّ فلا بد
من وجود طريقة أفضل.



[لماذا تُجَنِّنُ مخططات فاينمان الفيزيائيين]
مسارات عديدة جدا يصعب اقتفاء آثارها(****)

يزودنا كل مخطط من مخططات <فاينمان> بطريقة حدسية لرؤية أحد طرق
تآثر الجسيمات الممكنة. والمأزق هو وجود طرق أخرى لا حصر لها أيضا. فقد
ينتج تآثر كوارك بكوارك آخر أكثر من گلوون واحد، أو قد يتضمن التآثر أكثر
من عروة جسيم افتراضي واحدة، أو كليهما. فتصبح الحسابات غير مسيطر عليها
سريعا.
عُرىً وأشجار والبحث عن فيزياء جديدة(* 2012_09_10_42


ما بعد مخططات فاينمان(*****)

على
مر السنين، حاول الفيزيائيون إجراء تقنيات حساب جديدة عديدة، وكانت كل
واحدة منها أفضل قليلا من سابقتها، فتشكلت تدريجيا خطوط عريضة لبديل عن
مخططات <فاينمان>. وقد بدأ اهتمامنا بالأمر منذ بداية تسعينات القرن
الماضي، عندما بيّن اثنان منا (<بيرن> و<كوسوور>) كيف يمكن
لنظرية الأوتار أن تبسط حسابات الكروموديناميك الكمومي QCD
عبر تلخيص جميع مخططات <فاينمان> المتعلقة بها في صيغة واحدة. وقام
ثلاثتنا باستعمال هذه الصيغة لتحليل تفاعل جسيمي لم يُفهم سلوكه سابقا
بالتفصيل قطُّ: ألا وهو تبعثر (استطارة) گلوونين إلى ثلاثة گلوونات، مع
عروة جسيم افتراضي واحدة. وكانت هذه العملية معقدة جدا وفق معايير ذلك
الزمن، ولكنه أمكن وصفها تماما بصيغة بسيطة مذهلة، تقع في صفحة واحدة فقط.

كانت الصيغة بسيطة إلى حد أننا وجدنا - مع الذي كان آنئذ في جامعة كاليفونيا بلوس أنجلوس - إمكان فهم التبعثر تماما تقريبا وفق مبدأ يدعى مبدأ الواحدية(10).
والواحدية هي المتطلب القائل بوجوب كون مجموع احتمالات نتائج الخرج
الممكنة كلها مساويا مئة في المئة. (من الناحية التقنية، إن الكميات التي
يجري جمعها ليست احتمالات وإنما هي جذور تربيعية للاحتمالات، غير أن هذا
التمييز ليس بذي أهمية هنا). وتوجد الواحدية ضمنيا في تقنية
<فاينمان>، لكنها تميل إلى أن تكون مخبأة وغير ظاهرة للعيان بسبب
تعقيد الحسابات. لذلك طورنا تقنية بديلة تضعها في المقدمة والمركز. لقد
ظهرت فكرة اعتماد الحسابات على الواحدية في ستينات القرن الماضي(11)، ولكنها لم تكن مفضلة ومحبوبة. وكما يحدث مرارا في العلوم، يمكن لأفكار أهملت أن تظهر حائمة بحلة جديدة.

ويكمن
مفتاح نجاح طريقة الواحدية في تجنبها الاستعمال المباشر للجسيمات
الافتراضية، التي هي السبب الرئيس في حصول تعقيدات كثيرة في مخططات
<فاينمان>. وإن لهذه الجسيمات آثارا حقيقية ودخيلة معا. وبالتعريف،
يتعين على الآثار الدخيلة أن تنحذف من النتيجة النهائية، فهي إذن حقائب
رياضياتية إضافية(12) يسعد الفيزيائيون بتركها وراءهم.

ويمكن
فهم طريقة الواحدية عند تشبيهها بمنظومة طرقات تحت أرضية معقدة مثل منظومة
قطار لندن، ذات مسارات متعددة بين أي محطتين تحت أرضيتين. لنفترض أننا نود
معرفة احتمال خروج شخص دخل محطة مايل إند من محطة ويمبلدن. تقوم تقنية
<فاينمان> بجمع احتمالات جميع المسارات الممكنة. والمقصود بالجميع
هو الجميع فعليا: فإلى جانب المسارات عبر الممرات والأنفاق، تتضمن مخططات
<فاينمان> مسارات عبر الصخور الصلبة حيث لا توجد خطوط تحت أرضية أو
ممرات مشاة. وتشبه هذه المسارات غير الواقعية المساهمات الدخيلة لعرى
الجسيمات الافتراضية. ومن ثم ستلغى في النهاية، غير أننا نحتاج إلى
متابعتها وتقفي أثرها في المراحل المتوسطة جميعها من الحسابات. أما في
المقاربة الواحدية، فإننا نهتم فقط بالمسارات المحسوسة وذات المعنى. فنحسب
احتمال سلوك الشخص مسارا معينا وذلك بتجزئة المسألة: ما هو احتمال أن يسير
الشخص عبر منعطف معين، ثم يأخذ أحد المسارات أو غيره، وذلك عند كل خطوة
يخطوها من رحلته؟ ويخفض هذا الإجراء حجم الحسابات تخفيضا ضخما.

ليس
الاختيار بين تقنية <فاينمان> والتقنية الواحدية اختيارا بين الصح
والخطأ. فكلتا التقنيتين تُعبِّران عن المبادئ الأساسية نفسها في
الفيزياء، وكلتاهما ستقودان إلى القيم العددية نفسها للاحتمالات، غير
أنهما تمثلان مستويين مختلفين من التوصيف. إذ يشبه مخطط <فاينمان>
واحدٌ، من بين عشرات الآلاف الموافقة لحالة تصادم معقد، جزيئا واحدا ضمن
قطيرة مائع. فمن حيث المبدأ، تستطيع تعيين ما سيسلكه مائع بتتبع جميع
جزيئاته فرادى، غير أن هذا الأمر لا معنى له إلا عندما تكون لديك قطيرة
مجهرية صغيرة، أما في الحالة العامة، فالأمر ليس صعبا فحسب بل أيضا غير
مُنوِّر ولا مبصِّر. فيمكن للمائع أن يتبع شلالا لدى نزوله هضبة، ولكنك
بالكاد تستطيع معرفة ذلك عن طريق الوصف الجزيئي. وسيكون من الأفضل لك
النظر في خواص بمستوى أعلى من الوصف مثل سرعة المائع وكثافته وضغطه.
وبالمثل، فعوضا عن النظر في تصادم الجسيم كأنه مبني مخططا بعد آخر من
مخططات <فاينمان>، يمكن للفيزيائيين التفكير به ككل واحد متكامل.
فنركز على الخواص التي تحكم العملية كلية - أي مبدأ الواحدية، إضافة إلى
تناظرات خاصة تبرزها الطريقة الواحدية. وفي حالات خاصة، نستطيع القيام
بتنبؤات نظرية بدقة كاملة، كانت ستتطلب باستعمال تقنية <فاينمان>
مخططات لامتناهية العدد ومدة زمنية لانهائية أيضا.


إن الترجحات والتراوحات الكمومية للفضاء وللزمن هي حميدة أكثر مما كُنّا نتخيل.

وتمتد
مزايا الطريقة الجديدة أبعد من ذلك. فبعد أن طورنا الطريقة الواحدية لتشمل
عرى الجسيمات الافتراضية، قام فريق آخر - كان آنئذ في معهد الدراسات
المتقدمة في برينستون - بإضافة ملفتة متممة. لقد أعادوا النظر في المخططات
الشجرية وحسبوا احتمال أن يحوي التصادم خمسة جسيمات مثلا بدلالة احتمال
احتواء التصادم على أربعة جسيمات، متبوعا بانفصام جسيم واحد إلى اثنين.
وهذا استنتاج مدهش لأن تصادم خمسة جسيمات يبدو عادة مختلفا جدا عن
التصادمين المتتاليين المذكورين. ونستطيع بطرائق متعددة تجزئة مسائل
الجسيمات المرعبة إلى قطع أبسط مما كانت عليه.

تحطيم ساعات(******)

إن تصادمات البروتونات في المصادم LHC
معقدة تعقيدا استثنائيا. فقد قارنها مرة <فاينمان> نفسه بتقديركيف
تعمل الساعات السويسرية عبر تحطيم بعضها بعضا، وتصارع تقنيته - عند
تطبيقها بهدف إجراء الحسابات - لتتبع وتتقفى أثر ما يحدث أثناء حوادث
الصدم. فالبروتونات ليست جسيمات أولية لكنها كرات صغيرة من الكواركات
والگلوونات مرتبطة معا بالقوة تحت النووية الشديدة. وعندما تتلاطم معا،
يمكن لكواركات أن تقفز عن كواركات أخرى، أو عن گلوونات كذلك، أو لگلوونات
أيضا أن ترتد عن گلوونات. كما يمكن للكواركات والگلوونات أن تنفصم مشكلة
كواركات وگلوونات إضافية. وهي في النهاية تلتحم معا في تركيبة جسيمات تقذف
خارجة من المصادم على شكل رشات ضيقة يدعوها الفيزيائيون نفثات jets.

قد
يوجد داخل تلك الكومة التركيبة بعضُ الأشياء المطمورة التي لم يشاهدها
الإنسان من قبل: جسيمات جديدة، وتناظرات جديدة، أو حتى أبعاد جديدة
للزمكان spacetime. غير أن غربلتها وتمحيصها أمر صعب. وقد تبدو الجسيمات الغريبة exotic
لأدواتنا كالجسيمات العادية تماما، فتكون الفروق صغيرة بحيث تُغفل بسهولة.
ولكننا نستطيع بالطريقة الواحدية وصف الفيزياء المألوفة بدقة تجعل
الفيزياء غير المألوفة تقف بارزة.



[طريقة أفضل]
تجعل الحياة أبسط(*******)

طور المؤلفون بديلا لطريقة مخططات <فاينمان> سموها الطريقة
الواحدية. فهي تستفيد من مبادئ النظرية الكمومية الأساسية من أجل دمج
العديد من مخططات <فاينمان> مع بعضها بعضا، مما جعل حسابات لم تكن
قابلة للإنجاز سابقا ممكنة.
عُرىً وأشجار والبحث عن فيزياء جديدة(* 2012_09_10_44_a

والتقنية الجديدة أظهرت سمات للعالم الطبيعي كانت موجودة ضمنيا في
النظريات المعاصرة، ولكننا أضعنا رؤيتها في أمواج بحر مخططات
<فاينمان>. وأكثر ما يلفت النظر بينها طريقة ممكنة لتضمين قوة
الثقالة، التي قاومت جهودا سابقة لتفسيرها. فالجسيمات التي تنقل قوة
الثقالة، والمعروفة بالگرافيتونات، تحمل تشابهات مثيرة بالگلوونات، حيث
يشبه الگرافيتون الواحد في الواقع، من وجهة النظر الرياضياتية، نسختين من
الگلوون، تعملان معا كمتباريين في سباق ثلاثي المراحل.
عُرىً وأشجار والبحث عن فيزياء جديدة(* 2012_09_10_44_b


على سبيل المثال، أتى إلينا [من جامعة كاليفورنيا في سانتا باربارا] وهو المتحدث حاليا باسم ألفَيْ فيزيائي ونيف يعملون على التجربة CMS ضمن المصادم LHC
- يسألنا سؤالا يتناول بحث فريقه عن جسيمات غريبة تكوِّن المادة المعتمة
الكونية، التي تشكل ذاك الحشو الغامض الذي يعتقد الفلكيون بوجوده هناك
بانتظار تحديد الفيزيائيين ماهيته. وأي جسيمات من هذا النوع ينتجها
المصادم LHC ستحتال على الكاشف CMS، تاركة الانطباع بفقدان بعض الطاقة. ولسوء الحظ، فإن فقد الطاقة الظاهري وحده لا يعني بالضرورة أن المصادم LHC قد صنع مادة معتمة. فمثلا، ينتج المصادم LHC بصورة متكررة جسيما مألوفا عاديا يسمى البوزون Z، وفي خُمْس زمن تفككه فإنه يتحول إلى نيوترينوَين tow neutrinos،
يتآثران أيضا تآثرا ضعيفا جدا فيفلتان من الكاشف دون أن يسجلهما. والسؤال
كيف يمكن للمرء أن يتنبأ بعدد جسيمات النموذج المعياري التي تقلد آثارُها
آثارَ الجسيمات المعتمة؟

اقترح فريق <إنكاندل> حلا كالتالي: خذ عدد الفوتونات التي يسجلها الكاشف CMS، وقدِّر من ذلك استقرائيا extrapolate
عدد الحوادث التي تتضمن نيوترينوهات، ثم انظر ما إذا كان هذا يفسر فقد
الطاقة الظاهري كله. فإذا لم يحقق ذلك، فمن الممكن أن يكون المصادم LHC
قد أنتج مادة معتمة. تشكل هذه الفكرة مثالا نموذجيا لتقديرات الفيزيائيين
التجريبيين غير المباشرة الواجب عليهم القيام بها بسبب فقدانهم للقدرة على
مشاهدة أنواع معينة من الجسيمات مباشرة. ولكن كي ينجز ذلك، احتاج فريق
<إنكاندل> إلى معرفة كيفية ارتباط عدد الفوتونات بالضبط بعدد
النيوترينوهات. وما لم تكن الدقة عالية كفاية، ستفشل استراتيجية خلف
الستار هذه. لقد درسنا هذه المسألة مع عدة زملاء باستعمال الأدوات النظرية
الجديدة وكنا قادرين على التأكيد ل<إنكاندل> على أن الدقة كانت
عالية كفاية. وبعد اطمئنان فريق الكاشف CMS لذلك، قاموا بتطبيق تقنيتهم واستطاعوا فرض قيود قاسية على جسيمات المادة المعتمة. فبرهن ذلك على نجاعة طريقتنا.

أوحى
إلينا هذا النجاح بالتقدم نحو حسابات أكثر طموحا. وكما هو شائع في مجتمع
فيزياء الجسيمات الجديدة، نعمل بـــالتعــــاون مــــع عـــلمـــاء عــلى
مســـتوى العـــالــم، بمــن فــيــهــم [جامعة سيمون بوليڤار في كاراكاس بڤنزويلا] و [من جامعة تل أبيب وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس (U.C.L.A)] و [من جامعة درهام في إنكلترا] و [من مختبر المسرع الوطني SLAC] و [من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس (U.C.L.A)]. لقد قمنا معا بتنبؤات دقيقة لاحتمال أن تنتج تصادمات المصادم LHC
زوجا من النيوترينوهات مع أربع نفثات مرافقة لها. ويعتبر إنجاز مثل هذه
الحسابات باستعمال مخططات <فاينمان> صعبا جدا حتى مع فريق عمل كبير
من الفيزيائيين يعمل بجد لعقد من الزمن وبمساعدة أفضل الحواسيب الحديثة
المتقدمة. غير أن الطريقة الواحدية مكنتنا من إنجازها بأقل من سنة.
ولسرورنا البالغ، قام فريق آخر يعمل في المصادم LHC - هو فريق العاملين في تجربة الكاشف أطلس ATLAS
- بمقارنة تنبؤاتنا ببياناته، وكانت النتائج على توافق ممتاز لغاية الآن.
وبالتقدم إلى الأمام، سوف يستعمل التجريبيون هذه النتائج للبحث عن فيزياء
جديدة.

وقد ساعدت الطريقة الواحدية أيضا على البحث عن جسيم هيگز الذي طال انتظاره(13).
إذ إن مؤشرا لوجود هيگز هو إنتاج إلكترون منفرد، مع نفثتين ونيوترينو، حيث
يعطي النيوترينو مرة ثانية الانطباع بفقدان طاقة. ويمكن لهذا النتاج نفسه
أن ينشأ أيضا عن تآثرات جسيمات لا تشمل جسيمات هيگز. لقد تمثل أحد
استعمالاتنا الأولى للطريقة الواحدية في حساب الاحتمال الدقيق لجميع هذه
التآثرات المتعارضة والمشوِّشة.

عودة إلى الثقالة(********)

إن
دراسة الثقالة الكمومية باستعمال الطريقة الواحدية هو المجال الأكثر
إثارة؛ إذ على الفيزيائيين عند تطويرهم نظرية متسقة كلية للطبيعة أن يجدوا
طريقة تضمن الثقالة في إطار الميكانيك الكمومي. فلو كانت الثقالة تسلك
سلوك قوى الطبيعة الأخرى، لكان عليها أن تنتقل بجسيمات الگرافيتون.
وستصطدم الگرافيتونات وتتبعثر تماما كما تفعل الجسيمات الأخرى، ومن ثم
يمكننا رسم مخططات <فاينمان> لها. ومع ذلك، فإن محاولات أجريت منتصف
ثمانينات القرن الماضي لوصف تبعثر الگرافيتونات عبر تكميم quantizing
نظرية <أينشتاين> وفق أبسط طريقة ممكنة قد قادت إلى تنبؤات عديمة
المعنى، مثل إعطاء قيم لانهائية لكميات يجب أن تكون محدودة وضوحا. وإن
الكميات اللانهائية بحد ذاتها ليست مشكلة، إذ يمكن أن تنشأ في مراحل
متوسطة من الحسابات حتى في نظريات جيدة السلوك - مثل النموذج المعياري -
ولكنه يجب أن تختفي وتتفانى في حالة أي مقدار يمكن أن يكون قابلا للقياس.
ولم يحدث - على ما يبدو - مثل هذا الفناء والحذف في الثقالة. وبعبارة
واضحة وصريحة، يعني هذا الأمر أن الترجحات والتراوحات الكمومية للمكان
والزمن التي سماها رائد الثقالة الكمومية ، «رغوة (زبد) الزمكان»، ستنتفض ملتفة وخارجة عن متناول اليد بشكل يصعب معه السيطرة عليها.

إن
أحد التفسيرات المحتملة هو أن الطبيعة تحتوي جسيمات غير مكتشفة تحكم هذه
الآثار الكمومية. درست هذه الفكرة، المتضمنة بما يعرف نظريات الثقالة
الفائقة supergravity، دراسة موسعة خلال سبعينات القرن الماضي وأوائل ثمانيناته(14)،
غير أن الإثارة والحماس حولها خمدا عندما أفضت نقاشات غير مباشرة إلى
نتيجة أن هذه اللانهائيات العديمة المعنى ستستمر بالنشوء مع وجود ثلاث عرى
جسيمات افتراضية أو أكثر. وبدا أن الثقالة الفائقة محكوم عليها بالفشل.

لقد
قادت هذه الخيبةُ العديدَ لمتابعة نظرية الأوتار ومحاولة فهمها. وتعد
نظرية الأوتار ابتعادا رئيسا عن النموذج المعياري. وتبعا لها، فإن
الجسيمات مثل الكواركات والگلوونات والگرافيتونات لم تعد نقاطا دقيقة،
ولكنها اهتزازات أوتار أحادية البعد. وإن تآثرات الجسيمات سوف تنتشر على
طول الأوتار بدلا من أن تكون متمركزة في نقطة وحيدة، مما يمنع نشوء
اللانهائيات آليا. ومن جهة ثانية، فقد صادفت نظرية الأوتار مشكلاتها
الخاصة بها؛ وعلى سبيل المثال، فإنها لا تقوم بإعطاء تنبؤات نظرية قاطعة
(محددة) عن الظواهر المشاهدة.

مشكلة مضاعفة(*********)

في أواسط ثمانينات القرن الماضي، دفع هوكنگ> [من جامعة كامبردج] بفكرة إعطاء نظريات الثقالة الفائقة مظهرا
آخر. فقد أشار إلى أن دراسات فترة منتصف الثمانينات قد اتخذت طرقا مختصرة
جعلت استنتاجاتها موضع تساؤل. ولكن <هوكنگ> كان غير قادر على إقناع
أي شخص آخر بوجود سبب جيد لاتخاذ العاملين في هذه النظريات هذه الطرق
المختصرة، فالحسابات الكاملة كانت أبعد منالا وبلا أمل في حلها حتى من قبل
ألمع الرياضياتيين وأوسعهم خبرة. ولكي نتأكد مما إذا كانت مخططات
<فاينمان> ذات عرى الگرافيتونات الافتراضية الثلاث ستنتج كميات
لانهائية نحتاج إلى تقدير 1020 حدا. وفي حالة خمس عرى، سيحتوي مخطط
فاينمان 1030 حدا، لكل ذرة تقريبا في المصادم LHC. وبدت القضية محكومة برميها في سلة المهملات للمسائل غير القابلة للقطع فيها.

لقد غيرت الطريقةُ الواحدية الحالةَ تغييرا تاما. فباستعمالها، أجرينا نسخة فيزيائية لمشروع البراءة(15)
وأعدنا فتح القضية المتعلقة بنظـــرية الثقالة الفائقــة. وما كان يحتاج
1020 حدا وفق تقنية <فاينمان>، نستطيع الآن إنجازه ببضع دستات من
الحدود. فقد وجدنا بالتعاون مع [من جـــامعــــة ولايــــة بنسلڤانيا] إضـــافــــة إلى و اللذين كانا آنئذ طالبي دراسات عليا في جامعة (U.C.L.A)،
أن توقعات فترة منتصف الثمانينات كانت خاطئة. فالكميات التي بدت أنها
ستنتهي إلى اللانهاية هي في الحقيقة محدودة. ومن ثم فالثقالة الفائقة ليست
عديمة المعنى كما ظنها الفيزيائيون. ويعني هذا أن ترجحات وتراوحات المكان
والزمن الكمومية هي حميدة في الثقالة الفائقة أكثر مما بدت عليه في
البداية.

وما يلفت النظر أكثر، هو أن
ثلاثة گرافيتونات تتآثر تماما كما تتآثر نسختان من ثلاثة گلوونات. وتبدو
خاصة النسخة المضاعفة هذه مستمرة مهما كان عدد الجسيمات المتبعثرة أو مهما
كان عدد عرى الجسيمات الافتراضية المشتركة في التآثر. وهذا يعني، من
الناحية الشكلية، أن الثقالة هي مربع التآثر تحت النووي الشديد. وسنحتاج
إلى بعض الوقت لترجمة الرياضيات المتضمنة إلى رؤى فيزيائية وللتحقق من
صحتها ضمن جميع الشروط. أما الآن، فإن النقطة الحاسمة هي أنه ربما لا تكون
الثقالة مختلفة اختلافا كبيرا عن بقية قوى الطبيعة الأخرى.

وكما
هو شائع في العلم، بعد البتِّ بمناظرة أولى تثورُ مناظرة أخرى. فبعد
انتهاء حساباتنا لثلاث عرى مباشرة، تساءل المتشككون عما إذا كانت ستظهر
المشكلات عند أربع عرى. وكما يحدث تكرارا أيضا، جرى الرهان على نتيجة
الحسابات، وعندما أنجزنا الحسابات، لم نجد أي إشارة إلى صعوبات، لنبتّ في
هذه المناظرة الأخيرة.

والسؤال الآن،
هل نظرية الثقالة الفائقة خالية تماما من اللانهائيات؟ أم هل أن درجة
التناظر العالية التي تمتلكها تقوم بمجرد كبح بعض نتائجها المتطرفة في
حالة عدد صغير من العرى؟ وفي الحالة الأخيرة، يجب أن تظهر المشكلات منسلة
عند خمس عرى؛ وعند الوصول إلى سبع عرى ستكون الآثار الكموميــة قد نمــت
بشكل كاف لإنتاج لانهائيات. وقد راهن گروس> [من جامعة كاليفورنيا بسانتا باربرا] على عدم نشوء لانهائيات
عندما يكون عدد العرى مساويا لسبعة. وللبتِّ في هذا الرهان، باشر بعض منا
بحسابات جديدة. وغياب اللانهائيات في حالة سبع عرى، سيذهل المتشككين وربما
يقنعهم في النهاية أن الثقالة الفائقة قد تكون متسقة ذاتيا. ومع ذلك وحتى
لو كانت هكذا، فإن النظرية لا تعالج أنواعا أخرى من الآثار، تدعى لا
اضطرابية(16)، تتعذر لدقتها وصغرها
رؤيتها في المقاربة عروة - عروة، التي اتبعناها حتى الآن. وقد يتطلب تناول
مثل هذه الآثار نظرية أعمق من الثقالة، وربما تكون نظرية الأوتار.

وغالبا
ما يميل الفيزيائيون إلى التفكير بأن النظريات الجديدة إنما تنبعث من
ضربات فرشاة جريئة لمبادئ جديدة، مثل: النسبية والميكانيك الكمومي
والتناظر. ولكنه يتم أحيانا ظهور هذه النظريات من إعادة الفحص المتأني
للمبادئ المعروفة لدينا. فالثورة الهادئة في فهمنا لتصادمات الجسيمات قد
جعلتنا قادرين على استخلاص نتائج النموذج المعياري بتفصيلات مدهشة، مما
قاد إلى تحسينات مهمة في مقدرتنا الكامنة على اكتشاف فيزياء ما بعد
النموذج المعياري. وما يثير الدهشة أكثر، أنها تجعلنا نتبع مقتضيات غير
مستكتشفة للفيزياء القديمة، بما فيها طريق كان قد أُهمِل سابقا لتوحيد
الثقالة بالقوى المعروفة الأخرى. ومن نواح عديدة، فإن الرحلة لفهم أسرار
كيفية تبعثر الجسيمات الأولية لم تكن على الإطلاق تشبه عملية قابلة للتوقع
مثل ركوب قطار الأنفاق في لندن، ولكنها أقرب شبها برحلة حافلة الفارس(17) في حكايات <هاري بوتر> (روايات سحرية تحولت أفلاما وذاع صيتها، بطلها <هاري بوتر>) حيث لا تعرف أبدا ما سيحدث تاليا.


المؤلفون
Zvi Bern - Lance J. Dixon - David A. Kosower
<بيرن>
أستاذ الفيزياء في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلُس. ومؤخرا شارك في تنظيم
ورشة عمل مدتها ثلاثة أشهر في معهد كاڤلي للفيزياء النظرية بجامعة
كاليفورنيا سانتا بربارا لمناقشة الجسيمات ذات الطاقات العالية.

<ديكسون>
يتذكر بداية اهتمامه بالعلم عندما كان يراقب إطلاق المركبة الفضائية
بَيونير العاشرة، أول مجس فضائي يزور المنطقة خارج المنظومة الشمسية.
واليوم هو أستاذ في مختبر المسرع الوطني SLAC. أمضى السنة الأكاديمية
الأخيرة في سيرن يتحدث مع التجريبيين بخصوص أفضل استعمال للتنبؤات النظرية
الموصوفة في هذه المقالة.

<كوسوور>
شغوف بالعلم بقدر شغفه بالترحال والتزلج والركض. وهو استاذ في معهد
الفيزياء النظرية بهيئة الطاقة الذرية والطاقات البديلة الفرنسية في مركز
أبحاث Saclay. حائز حاليا على منحة مجلس الأبحاث الأوروبي المتقدمة.
عُرىً وأشجار والبحث عن فيزياء جديدة(* 2012_09_10_39_c عُرىً وأشجار والبحث عن فيزياء جديدة(* 2012_09_10_39_b
عُرىً وأشجار والبحث عن فيزياء جديدة(* 2012_09_10_39_a

مراجع للاستزادة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

عُرىً وأشجار والبحث عن فيزياء جديدة(* :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

عُرىً وأشجار والبحث عن فيزياء جديدة(*

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: منبر البحوث المتخصصة والدراسات العلمية يشاهده 23456 زائر-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: