** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 في البدء كانت الحيلة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حياة
فريق العمـــــل *****
حياة


عدد الرسائل : 1546

الموقع : صهوة الشعر
تعاليق : اللغة العربية اكثر الاختراعات عبقرية انها اجمل لغة على الارض
تاريخ التسجيل : 23/02/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 10

في البدء كانت الحيلة Empty
07022012
مُساهمةفي البدء كانت الحيلة

في البدء كانت الحيلة


نعيمة بنعبد العالي


مقدمة:


ما
الشيء الذي يجمع بين جحا وميكي ماوس؟ بين أبي حنيفة وأرسين لوبان، بين ابن آوى
وحديدان الحرامي، بين "سكابان" والصعلوك…؟ قد يبدو غريبا هذا التنقل
السريع بين الثقافات والأزمنة، بين أنواع الفنون الأدبية المختلفة، البعيدة كل
البعد عن بعضها. سنحاول في هذه المقالة، أن نبين وجود خيط سميك يجمع بين هذه
الأشكال المتعددة من الإبداع، بين هذه الشخصيات المعروفة وأخرى لا تتمتع بنفس
الشهرة. خيط "أريان" هذا الذي يسمح لنا بالتجول عبر متاهات الحكايات
العالمية المتشعبة هو الحيلة. قد يبدو هذا الرابط هزيلا نظرا لتنوع المواقف
والثقافات، وغرابتها… ولكن بعد التمحيص والتحليل سوف يتبين عكس ذلك. هذا ما نطمح
إليه على الأقل… وقد يتبدى لنا في آخر المطاف أن أنجع طريق للتجوال بين الثقافات
والعصور المختلفة هو سلوك طريق الحيلة. فقد تكون هي الخاصية المشتركة بين الشعوب
عبر الأزمنة والأمكنة. كل ثقافة أخذت حظها الوافر وترجمت حصتها في أدبياتها
الشفوية والكتابية، السمعية والبصرية؛ وذلك منذ أقدم مراحل تطور البشرية… ففي
البدء كانت الحيلة، هذا على الأقل ما سجلته أساطير الشعوب الأولى التي تحكي عن
صانع الكون الشاطر… هذا ما سوف نفصله فيما بعد. وكالحكمة تبعثرت الحيلة شتاتات
صغيرة في جميع أنحاء المعمور، عندما ارتطم العدن التي كانت محفوظة فيه مع جذع شجرة
بسبب تهاون حاملتها، السلحفاة، كما تحكي أسطورة إفريقية. فمنا من جمع الكثير ومنا
من كان نصيبه الغبن والغفلة. ولا ننسى أن الحيوانات عندما تريد أن تعرف الإنسان
فيما بينها تقول: "هو ذلك الكائن المحتال"، هذا ما جاء في حكاية
"الإنسان والحيوانات"، حكاية الأسد الذي تعلم من هو الإنسان عندما سقط
في فخه(1).



لم
تحظ الحيلة بمثل الاهتمام(2) في البحث والتحليل الذي حظيت به مثلا
الحكاية العجائبية، مع ما لها من بعد أنتروبولوجي عميق ورغم شيوعها وذيوعها،
والتصاقها بالأساطير والخرافات، ورغم أنها تكون القسط الأوفر في الترتيب العالمي
الذي قام به "آرن وطومسون". فالحيلة تخترق مجالات عديدة، شاسعة، وإن
فصلتها مسافات سحيقة: الأساطير، الحكايات الشعبية، الألغاز، الأحاجي،
farces,
fabliaux, fables الكوميديا بجل
أنواعها، القصص والأفلام البوليسية… فالحيلة ليست ظاهرة هامشية، عابرة وبسيطة. بل
هي ظاهرة بشرية بعيدة الغور، تطرقت لها كل الآداب العالمية وبلورتها في أنواع
السرد المختلفة.



وأدبنا
العربي هو كذلك غني في هذا المجال. كثرة النوادر تثير الانتباه، وإن كان قسط كبير
لم يصل إلينا، فقد(3) إلى الأبد أو لازال صامدا بين المخطوطات. اهتم
بها كبار المؤلفين والمصنفين في اللغة العربية مثل الجاحظ(4) والبيهقي
والميداني والتنوخي والجوبري وكتب الفقه والمناقب، والليالي(5)،
والأغاني(6)، كتب التاريخ والموسوعات، شعر الصعاليك…



I
- المميزات:



الحيلة
ليست هي الغش أو الغرر. ما يفرق بين الحيلة والغش هو ما يفرق بين المطبوخ والنيء، بين
الخشن واللطيف، بين المهذب والفظ. الحيلة من جهة الظرف والرقة واللباقة. الفرق ليس
دائما واضحا، قد يكون لغويا وأدبيا، في الأسلوب وفي طريقة عرض الأمور، في مستوى
التعبير. يبدو هذا واضحا في أدب الكدية. الحيلة أوسع مجالا. قد تهم جميع العلاقات
الإنسانية والاجتماعية، ليس فقط العلاقات الاقتصادية، الحيلة كالحياة، هي مرونة
واختراع متواصل وقدرة على التكييف والارتجال والصبر(7).



ويبدو
أن الحيلة لا تدخل في مجال القانون. فالضحية المخدوعة لا تذهب أمام القاضي وإن
ذهبت فالمخادع يتخلص بحيلة، إن لم يكن القاضي هو نفسه صاحب خدعة. الغرر مصطلح تقني
يعرفه الفقهاء تعريفا دقيقا ويذكرون أحواله وحدوده. وكذلك الغش، الذي تتطرق له كتب
الحسبة، كالغش في الميزان والكيل وغير ذلك مما قد يتم بين البائع والمشتري… هذه
الأمور تبقى أشياء عادية، لها أهميتها وجديتها. أما التحايل فلا يعترف به. مجال الخفاء
والخيال والنوادر. هو الذكاء عندما يتوارى، عندما لا يعلن عن نفسه.



الحيلة
تقع على مستوى الخطاب أكثر(8). هي من الأمور التي تروى مرة وأخرى،
وتنسخ… ما يهم أن هذا التاجر غش هذا المشتري. أشياء تقع كل يوم وفي كل الأسواق
وتنسى لحينها. أما الحيلة فتخضع للتأليف والتنميق اللغوي؛ وتدخل في خزانة الذاكرة
الشعبية، ونجدها بين طيات الكتب.



والمتحايل
يكشف دائما عن قناعه في الأخير. يتلذذ بهذا الفضح، في ابتسامة أو ضحكة استهزاء أو
افتخار، أو حرصا على إثارة الإعجاب. كما هو الشأن مثلا في المقامات، وفي الحكايات
الشعبية، وفي بعض أنواع الروايات البوليسية. النوادر التي تعتمد على الحيلة كلها
تعلن عن نفسها. المخدوع يعرف في النهاية أنه سقط في مصيدة. وقد تكمن هناك حلاوة
الخدعة. وليس بالضروري أن تكون هناك ضحية معروفة بالضبط. الحيل المنسوبة لأبي
حنيفة هي تحايل مع أحكام دينية صارمة. والذين يبدعونها يتلاعبون بسد جميع الأبواب،
جميع المخارج لإظهار براعة الحيلة. وتأخذ النادرة صورة لغز: كيف تخرج من حجرة ليس
لها باب ولا نوافذ، سقفها عال، وليس لك فأس. وإذا لم تخرج فسوف تطلق زوجتك، لأنه
سبق لك أن حلفت. ويسأل الفقيه، ويأتي بأعجوبة سحرية، ويدلي بحبله من ثقب ما وينقذ
الموقف، وتحافظ على زواجك(9). تظهر الحيلة كالمخرج الوحيد عندما تقفل
جميع الأبواب. فالحيلة متاهة. هي أطول طريق وأنجعها للوصول إلى الغاية، تتجول في
الأزقة، أزقة الفكر والعقل. التواء والتباس يخلق نوعا من الترقب. هل يستطيع
المتحايل أن يصل إلى هدفه؟ وكيف؟ وبأية وسيلة، والسبل جميعها غير مؤدية؟ ولكن
للمحتال مقدرات فريدة، له عدة أسهم في جعبته. وهذا ما يثير الإعجاب، حتى من طرف
الضحية. الافتتان بالحيلة قائم في الأدب الشعبي وحتى في الأدب "الرسمي"،
هو افتتان بسراديب الذكاء. فالمخادع يسلك دربا مختلفا عن الدروب والمسالك المتوقعة
من الخصم. فمثلا عندما يدخل جحا في مباراة في الخداع مع ند له يريد أن يبرهن على
تفوقه في المكائد، تنتهي الخدعة والخصم لا يعلم أنها ابتدأت بعد؛ لأن جحا يأتيه من
طريق الغفلة؛ لم يواجهه ولكن أتاه من الجانب(10). فالحيلة البارعة هي
التي لا يمكن التنبؤ بها. هي غير متوقعة، كمفاتيح ومخالق المتاهة. مفاجئة للضحية
وللقارئ، وقد تكون مفاجئة حتى للمحتال نفسه، لأنه يضع نفسه في موقف حرج، في المحك،
إذ يكون هو رهينة خدعة قد تنجح وقد لا تنجح، وإن كان في حذر واحتياط مستمرين، وإن
حسب لكل طارئة حساب. فقد يسقط بدوره في الحيلة ويصبح الخادع/المخدوع كابن آوى أو
الثعلب(11) الذي يملك مائة حيلة، وليس كالقنفذ(12) الذي لا
يملك إلا حيلة ونصفا ولكن هي الصائبة، هي المنفذ من المتاهة.



الحيلة
والحكمة:



كثيرا
ما يقع التباس بين الحيلة والحكمة. الفرق بينهما ليس واضحا. تبدو الحكمة أكثر
سموا، وقد تكون الاسم الآخر للحيلة، مثلا عند صاحب "الرقائق"(13).
ومما يزيد في الالتباس أن كثيرا من سمات الحكمة تميز بعض الشخصيات المشهورة
بتحايلها كلقمان(14) وجحا وشخصيات بيدبا(15) وبعض أبطال
التراث الإغريقي(16). الحيلة لا تتكلم منطق الحق ولكن منطق الفعالية
دون احتراز العدالة دائما. وإذا استهدفت الحق فبطرق ملتوية، تنطوي على خدعة. أمام
الاستبداد قد لا تنفع الحكمة. للحيلة جانب ترفيهي مبني على السخرية، تلك السخرية
الخفية التي تضع مسافة نقدية ضرورية لمقاربة الأمور والعلاقات السلطوية. هي نظرة
لاهية مستهزئة من العالم ومن النفس أولا. وقد يبدو الحكيم جادا أكثر من اللازم
فيضع نفسه في محل الفكاهة بإفراطه هذا. ويعني واضعو الحكايات بإدماج الحكماء في
مجال التحايل كما يبين الإطار الفسيح الذي يتضمن حكايات أبي حنيفة وإياس ابن
معاوية وشريح القاضي ولقمان الحكيم وغيرهم من فقهاء وخلفاء وأطباء، خصوصا في الأدب
المكتوب، أما الدهاء الشعبي فهو يتلاعب بالحكماء والعلماء وينسج قصصا عن غباوتهم
وطمعهم حيث نجدهم الضحية الوديعة للمخادعين لثقتهم بنفسهم وبعلمهم(17).
وقد يبدو الماكر متعدد الوجوه، متغير المعتقدات، مغامرا. في حين يقف الحكيم في
ميدان الاستقامة والطريق السوي والإدماج والإجماع والموروث والمؤسسي، نجد المحتال
يلج المنعرجات والتموجات والالتواءات والتغيير والابتكار والنقد والهامش والفوضية.
الحيلة ثائرة عاصية. الحكمة فلسفية مبدئية. الحيلة طريقة إجرائية للخروج من مأزق،
مبنية على التبصر والاستنتاج. تبدو مقترنة أكثر بالعامة، بالنساء(18)،
بالممارسة اليومية، أما الحكمة فهي مرتبطة بالخاصة. والحكيم معروف ومقصود، ويسعى
للسمعة والجاه والاعتراف، أما المحتال فنكرة، يعمل في الخفاء ويتجنب الشهرة ويخشى
السمعة لما قد تسببه من مشاكل(19). وخوفه من ذيوع الصيت يجعله دائم
الترحال كشخصيات الحريري والجوبري وكجحا…



قد
يقول قائل ليست هناك حيلة بريئة. مسألة التحايل لا توضع في هذا الجانب، جانب الذنب
والبراءة. قد تكون الحيلة تحديا لإشكالية الأخلاق. قد تفتننا بمهارتها وتأنقها
وننسى أن نصدر أحكام قيمة عليها. من يستنكر منا حيل الطفيلي والثعلب؟ من يدين جحا
أو اللص الظريف؟ من ينتقذ أبا الفتح وأبا زيد. في الحكايات الشعبية يبدو القاضي
والفقيه هو السارق الأكبر(20). والمخادع عديم الذمة، مرتاح الضمير،
يتهادى في تيهه ويختال في تحدياته، في تجواله على عكس التيار. الحيلة ليست واعظة،
بل هي مشاكسة، لا يمكن أن تؤدي إلى الطريق الصالح لأنها تفتح طرقا متشعبة، فهي
مبنية على المفارقات، على الشيء وضده، على قلب الأمور(21) وتخطي
الواضح. أدب الاحتيال لا يدعي التربية أو تقويم اعوجاج المجتمع. هذا بالضبط ما
يفسده لأنه مبني على الضحك من المظلوم والتصفيق لنجاح الخدعة. الهدف التنويري
والتوجيهي يخرجنا من مجال الحيلة. ليس المكر من جهة الخير أو الشر، هو ينزلق
بينهما ويطوف حولهما. وإن أردنا مع ذلك أن نستخلص درسا ما، فهو انتصار الحيلة على
العنف(22). سياسة "الحيلة كتغلب العار"، كما يقول المثل
الشعبي. لا حسن ولا قبيح، اليد العليا للبارع في الحيل، سيد العالم من له عدة أسهم
في جعبته(23). قانون الأقوى هو الذي يسود. ولكنها قوة الذكاء
والحنكة.وقد يقوم التهكم والسخرية مقام الأخلاق بطريقة غير مباشرة.



في
سماء "هوميروس" لم يكن هناك حس قوي بما يفرق بين الخير والشر. في
الديانات البدائية كانت قوى الخير ممزوجة بقوى الشر. وقد تكون الحكايات الشعبية
انعكاسا لهذه الظاهرة، إذا نحن سلمنا بمقولة سانتيف(24) بأن هذه
الحكايات منحدرة من معتقدات وطقوس دينية.



في
أدب الكدية تبرز حرية أخلاقية كبيرة تظهر حتى في المصطلحات. ففي القصيدة الساسانية(25)
مثلا نجد إباحية قد يشفع فيها الفن. وكأن المنعدم البائس لا تنطبق عليه قيود
الأغنياء. فقره يحرره من سجن الطابوهات. فهو الملك الذي يتهادى في بحر المحرمات
ويتباهى بين كلماته الفاحشة.



في
الليالي أيضا تتخطى الحيلة حدود الأخلاق بكل سهولة، حيل للقتل، للغصب، للسطو،
للخيانة الزوجية. الحيلة يحكمها قانون الرغبة والشهوة والعشق، في طلاقة ووقاحة.



وحتى
في الروايات البوليسية المبنية على اللغز وانتصار الذكاء لا يظهر هذا الصراع
المانوي، كما هو الشأن في الأنواع الأخرى من الروايات البوليسية التي يصبح البطل
فيها هو المنصف، هو واضع الحدود بين العدل وقوة الطاغوت.



في
حكايات "كليلة ودمنة" وما يشاكلها من قصص على ألسنة الحيوانات، تلك
القصص التي تدعى الأخلاقية(26)، لا تكمن الحكمة في التفرقة بين الحسن
والقبيح بقدر ما تكمن في القدرة على الخروج من المآزق والتخلص من الخصم، في
الكفاءة على تفادي الضرر وإن اقتضى الأمر الدوس على الآخرين. هذه الحكايات تدور
على كيفية الانزلاق من الطريق المسدود بمناورة تجنب المصيدة أو تسقط الآخر فيها.
الدرس هو الحذر والاحتياط وليس هو العدل والاستقامة. والبقاء للأكثر مكرا. هذه هي
لغة القناص والطريدة، لغة الإنسان في البدء.



يقول
الجوبري في كتابه "المختار في كشف الأسرار" إنه يريد أن يفضح أعمال وحيل
هذه الطوائف لتحذير الناس. يعلن منذ المقدمة أن هدفه تربوي وليس ترفيهيا.
"فافهم ذلك ونبه فكرك"(27)؛ "فافهم ذلك ترشد"(27)؛
"كن على حذر منهم"(28)؛ "كن خبيرا بالأمور لا يدخل عليك
شيء من ذلك"(29). وينتقدهم ولا يتعاطف أو يتسامح معهم: "وكل
ذلك حيلة على أموال الناس والفسق بأولادهم…"(30). ولكن يبدو
الجوبري رغم تعففه ونكرانه الصريح أنه أول معجب وأول مفتتن بأعمال شخصياته وهذه
بعض أمثلة استهوائه: "حديث يكتب بماء الذهب"(31)؛ "ومن
أعظم ما وقفت عليه وأظرف.."(32)؛ و"لهم فيها أفعال لا يقع
عليها حد ولا قياس"(33)؛ "هذه الطائفة لهم أمور عجيبة وأحوال
غريبة لا تعد ولا تحد"(34)؛ "يذهلون عقل من يحضر", فهو
أول من يتلذذ بألاعيبهم. الإغواء يعبث أولا بالشخص الحذر الذي يقف على الأسرار
ويعرف خبائر الاحتيال. وقد يكون هو المحتال الأول، يمكن أن نخصص له أول باب في
كتابه. فهو يفوز في حلبة السباق ويخدع القارئ بتقديمه لحيل "واقعية" قد
تقطن واقعيتها في اختراع خياله وخيال من يماثله من الرواة، فهو المنمق الأول
للمكائد…



الحيلة
والفكاهة:



الحيلة
الفقهية أو الطبية(35) أو غيرها كما ترد في كتب الأدب تظهر على شكل
نادرة، تأخذ طابعا هزليا مرحا غايته الإمتاع. فهي تهدف الضحك، هي فكاهية في
جوهرها. ما يهم المصنفين، ليست هي الحيلة في حد ذاتها وإنما ما تنطوي عليه من
ترفيه. الحيلة كالنكتة والأحجية لصيقة بالخيال الشعبي، من مكوناته ومقوماته
الدفينة، فهي تستفز الذهن وتحركه.



تلازم
النادرة بالحيلة لا يعني أنه ليس هناك تحايل حقيقي واقعي وغش ومؤامرات في
المعاملات اليومية(36) لا علاقة لها بالفكاهة بل قد تكون كارثة على
المغفلين من الناس، ولكنها عندما تدخل إلى الأدب تأخذ طابعا آخر، تلج مجال
الدعابة. الحيل التي نجدها في كتب الحسبة ليست بالمرحة، هدفها تعليمي. بخلاف الحيل
المبعثرة في الموسوعات والمصنفات. فيجب أخذ الحيلة وفهمها في الأدب العربي (والأدب
الشعبي) على ما هي عليه: نكتة، طريفة من الطرائف التي تخضع لمنطق التداول على سبيل
الضحك.



قد
يتحايل الفقيه أو القاضي أو اللص أو المكدي أو غيرهم من المشهورين باتخاذ هذه
الوسيلة للخروج من المآزق، وقد لا يتحايلون. قد تنسب لهم حيل حقيقية أو خيالية.
ولكن الناس صارت على الاعتقاد بأنهم أصحاب تحايل. وهذا هو الذي يهم. فليس كل قاض
ذكي ماهرا في إخراج الناس من الدسائس أو الحرج الديني، وليس كل طماع أو مكدي ظريفا
وذكيا ولعوبا، ولكن المهم التصاق هذا الترادف في ذهن العموم، ليس المهم ما هم عليه
في الحقيقة ولكن كيف يستفيد منهم الخيال لخلق نوادر مرحة.



هذا
التلاقي بين الحيلة والفكاهة(37) لا يعني الانطباق التام. هناك مجالات
يكون فيها عدم القدرة على التحايل هو المضحك. نجد أمثلة كثيرة في هذا الباب في
كتاب "الحمقى والمغفلين" لابن الجوزي. وتداخل الحيلة بالفكاهة لا يبرز
فقط من جانب النماذج النمطية (جحا، هبنقة، أشعب…)، أو من جانب الموضوعات (اللصوصية،
الخيانة الزوجية، الفقه، البخل، الكدية، الطب). ولكن أيضا في أساليب التعبير
الإبداعية: المباغتة، المغالطة، التخلص الفكه، سرعة الجواب، خيبة الحيلة وارتدادها
على صاحبها، المفارقات… النادرة الملحة تأخذ طابع التطرف والاستقصاء حتى في بنيتها
وشكلها، والضحك يلقي على الواقع ستار اللاواقعية.



والحيلة
وإن كان أبطالها من فئة الشحاذين والمهمشين فهي لا تسقط في العاطفية الجوفاء، في
الإشفاق الحزين، في الشكوى والرثاء العقيم. كما تتجنب النبرة الخطابية التي تقتل
روح الفكاهة والسخرية المبنية على الخلخلة والفوضى، لا على البناء والتنظيم وتقويم
الأنساق. والحيلة هي كذلك تلمح أكثر مما تبين، وتلعب على الغموض وتشعب المعاني،
فالتوضيح يوقفها عند حدها وهي تريد أن تكون تقويضا مستمرا، ولهذا تحذف الخاتمة
والتفاصيل. كثير من النوادر تظهر وكأنها بلا نهاية. لا نعرف ماذا جرى للضحية، هل
طالبت بحقها وإلى أي حد، هل وجدت مغيثا، هل رجعت الأمور إلى نصابها، هل كان هناك
انتقام الخ… إذا سلكت النادرة طريق الوحدة والجمع وتخلت عن التفكيك أصبحت فاترة
جامدة أو كما يقول ابن النديم "باردة". التفكيك يكمن في فن الكتابة، في
بنية النادرة التي تخلق فترة وجيزة من الحيرة تتبعها ضحكة، وتبقى في العقل بلبلة
طفيفة. هي كل السر، سر الالتواء وخداع المستمع أو القارئ الذي يدرجه الراوي في
طريق ليجد نفسه في طريق أخرى دون أن يعي أين ومتى وقع الانحراف. إذا كانت النوادر
تحكى عن المغفلين والمخدوعين فالمغفل الأول هو القارئ لأنه لا يدري أين تنتهي به
الرحلة وهو دائما في ترقب. النادرة الناجحة هي التي تسافر به بعيدا لكي يجد نفسه
في مكانه بعد أن رجع من ضحكته، والدرس هو: كيف لا تأخذ الحياة بجدية متطرفة.



وتلعب
اللغة في النكتة وفي الحيلة دورا هاما يظهر جليا مثلا في المقامات وفي أجوبة جحا
وفيما يجمعه المصنفون تحت عنوان "الأجوبة المسكتة"، ويظهر كذلك في
الحوار بين المحتال وضحيته المبني على التمويه والكذب(38) والإيحاء.
فبالكلام يمكن أن تبهر الآخر وتغريه وتسلط الضوء على الحقيقة التي تريده أن يرى،
بحبال الكلمات يمكن أن تسرق سلطته على نفسه. فالحيلة قبل كل شيء إقناع، إقناع
الضحية بصدق ما ترويه، بالكلمات تنسج شبكة تحجب بها المصيدة(39). يقول
الجوبري متحدثا عن القدرة اللغوية للمخادعين "وهم صناع في صوغ الكلام والدك
على الناس"(40). فالضحية يجب أن تقوم بالدور الذي خصصه لها
المحتال في السيناريو(41). وتتوجه بنفسها طائعة راضية للفخ المنصوب.
فتواطؤها ضروري وبدون مساهمتها لا تنجح الحيلة، فلولا حديث الثعلب ما فتح الغراب
فمه. الضحية الحسنة هي المنصتة الطيعة. ليس هناك إرغام واضطرار بل موافقة. إذ
الحيلة لا تعترف بالعنف. كلام معسول ومرارة بعد الخيبة، عندما ينطبق الفخ. الضحية
عندها تلوم نفسها أكثر مما تلوم الماكر، إذ تعتبر نفسها عاملا في نجاح الحيلة،
تعتبر أنها انخدعت في ذكائها وفي قدرتها على التدبير والاحتياط. وتأسف لقلة فطنتها
أكثر مما تأسف على ما ضاع من أشياء. تعذبها ضحكة انتصار المحتال وشماتته. فقد
انهزمت في مباراة العقل والدهاء، فيما يميزها كإنسان.



لقيت
كتب الهمذاني والحريري والجاحظ وابن الجوزي.. رواجا كبيرا، لا يزال قائما. يفسر
هذا الإعجاب، زيادة على المبررات المعهودة من غنى لغوي وفكاهة ولطف، انطواء هذا
النوع من الكتابات على شيء من المكر المختفي في طياتها، مما يجعلها
"تفيض" دهاء، دهاء يصادف ذلك الذي ينبع من أعماق الإنسانية، من لاوعيها.
تتحدى هذه الكتب الزمن لكونها لا تسقط في تجويفات التهذيب. يكمن الافتتان بها في
جمال خبثها وعبثية هزلها. كيد أبطالها ومكرهم هو الذي يضفي عليها جماليتها. ما
يجعلها غير بعيدة عن نوادر جحا والنوادر الشعبية المرحة. خبثها يصادف خبث القارئ
الذي يتعاطف مع المحتالين ويتمتع بما يقع فيه المغفلون من مكائد. يجد نوعا من
الارتياح لكون الآخر هو الضحية. ما يوحي له أنه أكثر ذكاء. الحيلة تفريج، تخرجنا
من الرتابة، هي نوع من فك القوالب، وقلب القواعد، ولو بصفة مؤقتة. ثم هناك نوع من
التشفي والاستهزاء بمصير الغير، نوع من السادية الضمنية، نجد فيها متنفسا لحسدنا
للآخرين. قد يكشف هذا الإعجاب عن أحقاد دفينة نضمرها للغير، عن خيبات أمل، ورسوب
إحباطات. قد تخلصنا الحيلة من نقم عميق على أشخاص قد نحبهم ونخلص لهم ونكن لهم
عداوة ماكرة لأنها مقنعة.



بين
أدبين:



الأدب
الشعبي تغلب عليه روح المرح والمتعة. ويطغى عدد الحكايات الظريفة في المجموعة
العالمية: "آرن وطومسون"(42). وجل هذه الحكايات يدور حول
الحيلة. والأدب العربي الذي هو متشبع بالنوادر(43)، لا يحجب ولا يشين
الحكاية الشعبية المرحة، كما فعل الأدب الفرنسي بعد التيار المضاد لحركة الإصلاح
ونفوذ النزعة الأخلاقية، بل يدمجها ويهضمها. يقول الأصمعي إن ما أغناه ليس هو
العلم بل هو التندر(44). لا شك أن الحريري والهمذاني والجاحظ وابن
الخطيب(45) وشعراء الصعاليك وابن دريد(46) وغيرهم قد ألقوا
بدلائهم في مياه الحكايات الشفوية(47) التي "تلوكها العامة"
على حد تعبير ابن النديم(48). وقد أضفت عليها مقدوراتهم الأدبية رونقا
وجمالية وبعدا جديدا أنقذها من الغرق في المجاري المجهولة. نجد هذه الظاهرة في
كبريات الكتب العالمية. كاتب عبقري يجمع فتات خيال الشعوب ويعطيها بهجة في قالب
جديد وتعبير خلاب… هكذا نشأت كثير من النصوص الأبدية من "هوميروس"
و"أوفيد" و"بلوطارك" إلى "جوته"
و"سيرفانتيس" و"شكسبير" و"سكارون"
و"رابلي".



إلا
أنه في مجال الحيلة على الأقل، وقع نوع من التحريف عند إدماج الشفوي في الكتابة.
في الحكايات الشعبية والحيوانية والأدب المشتق عنها يكون المحتال المخادع من
المهمشين، من الضعفاء(49) جسديا واقتصاديا وسلطويا. ولكن في الأدب
"الرسمي" تصبح الحيلة من خصائص الأقوياء، أصحاب السلطة والعلم: إياس،
المعتضد(50)، أبو حنيفة(51) عمر بن الخطاب، علي بن أبي
طالب،(52) معاوية،(53) المغيرة(54)، ابن مسعود،
وغيرهم من الحكام والقضاة والفقهاء. ويذكر صاحب "الدقائق" حيل الخلفاء
والملوك والسلاطين والوزراء والعمال والكتاب والقضاة والفقهاء…



تُسترجَع
الحيلة وتُنسب إلى ذوي الجاه، إلى الأشخاص المرموقين الذين يعرفون بأسمائهم (ليسوا
مجهولين كشخوص الحكايات الشعبية)، شخصيات تاريخية. يتغير وضع وموقع الحيلة عندما
تدخل عالم الكتابة. يعاد اعتبارها وتقييمها. وتصبح إيجابية، تصبح ذكاء كما يسميها
ابن الجوزي(55). الغريب أننا نكون في كثير من الأحيان بصدد نفس القصص.



انقلاب
المعايير هذا يخص حتى حيل النساء التي تصبح كيدا بما تتضمن هذه الكلمة من معنى
قدحي، فيجب ألا يقع هناك التباس، إذ الحيلة من نصيب العقل(56)، والمرأة
"ناقصة العقل". ويصبح المحتال المكدي عالما شاعرا (المقامات) وتصبح
الحيلة حكمة (الرقائق) وتدب إليها النزعة الأخلاقية وتأخذ طريقها إليها مع أنها
كانت تتجنبها وتحذر منها في الحكايات الشفوية. يذكر ابن الجوزي في آخر الكتاب بعض
العامة والنساء والأطفال والمتلصصين والمتطفلين ولكن كاستثناءات: "من فطن
منهم". هناك تحول جذري لمفهوم الحيلة. فحتى اللص الذكي يصبح فقيها متدينا(57).
وتصبح الخدعة وسيلة للحاكم والقاضي لحل مشاكل الناس، ولفض النزاع بين متخاصمين
فرضيين، في حين كانت وسيلة للعامة للتهكم من الضغوط السلطوية، وطريقة المهمشين
للسخرية والاعتراض. فقدت طابعها التقويضي. لم يعد المحتال هو اللص الذكي بل هو
الحاكم القاضي، مفتش مباحث، لم يعد المحتال محتالا بل متحايلا. المعتضد يتحايل
للقبض على السارق(58). وإياس يتحايل لرد الوديعة لصاحبها(59).
أما اللص فلم يعد بطلا ظريفا يتعاطف معه السامع كما هو الشأن في الحكايات الشعبية
وفي الأدب التشردي الإسباني وغيره. أصبحت الحيلة في خدمة النظام والتنظيم، وفقدت
جانبها الفوضوي. لم تعد ثأر الضعيف واستهزاء بالقاضي والفقيه(60)،
واستملاحا وافتتانا بظرف اللصوص والطفيليين والبخلاء. هل نتصور حكاية في
"كليلة ودمنة" تعطي دور الزكن للأسد؟ المحتال هو الحيوان الصغير. وقد
تنقلب عليه حيلته ولكن تبقى سماته هي التعددية(61) والالتباس كابن آوى
والثعلب والأرنب والقنفذ(62) والسلحفاة وغيرها. ودخل جحا في صنف
المغفلين(63) وأضيفت حيله الذكية لقاضي أو فقيه، ورفع عنه الإبهام
والازدواجية المقترنة بشخصه.



الثقافة
العالمة على عكس الثقافة الشعبية ثقافة ترتيب وتصنيف، فالذكي ذكي والمغفل مغفل(64).
الأدب الرسمي أدب الوحدة والانضباط، لا يقبل التناقضات. أدب الفرز والتبويب. الأدب
الشعبي أدب تشعب ومتاهات ومفارقات، أدب الحياة اليومية المتعددة الملتوية، أدب
اللاشعور، العمق الدفين في متخيل العموم ومتخيل الأفراد، حيث يشارك الجمهور في
عملية الإبداع ويدرك المكبوت والمسكوت، أدب الوجدان الجماعي والتصورات الشعبية.



والغريب
أن كثيرا من الحكايات الموجودة سابقا حتى في آداب بعيدة عن العربية أضيفت لإياس
والمعتضد وابي حنيفة…(65) وعندما تعود النادرة المكتوبة لحضن الشعب ترجع
الأمور إلى نصابها. فهناك أمثلة كثيرة من الحكايات العربية التي تلونت بصبغة
بربرية عندما دخلت إلى المغرب العربي وعاد القاضي والفقيه محل استهزاء(66)
وضحية احتيال.



الحيلة
والشيطان:



تجمع
المحتال بالشيطان خصائص عديدة من مكر ودهاء إلى الازدواجية إلى التنكر والتلبيس
والانقلاب المفاجئ، إلى النزعة اللاأخلاقية وانعدام الضمير. يقول ابو الفتح
الإسكندري في المقامة الصيرمية: "أنا شيطان الدار، أظهر بالليل وأخفي في
النهار". وفي "الليالي" يطلق على دليلة "زوجة الشيطان".
ويظهر من كتاب "الرقائق" أن أكبر المحتالين هو إبليس. علم الإنسان حيلا
كثيرة ولقنه المراوغة والالتواء(67)، استعمل الحيلة مع آدم(67)
وهابيل(67) ولوط وإبراهيم وقارون(67). ويظهر من الخرافات
الشعبية أن الجن تسدي خدمات مهمة للأولياء والكهان والحكماء(68) لأنها
تملك العلم والمعرفة.



ويعترف
له في الأدب والمخيل العربي بكثير من الفضل وبالذكاء الخارق حتى أنه ينسب إليه كل
ما هو مدهش بجماله وروعته مثل "إرم ذات العماد"، ومخاريق سليمان ومدنه
وقصوره. فهو ليس فقط "الوسواس الخناس" ولكنه كذلك
le daïmon
، المبدع ورفيق كل فنان خلاق. يملك الشعر ويقوله على لسان الشعراء(69)،
وكذلك الموسيقى(70) والغناء. يعترف له أبو نواس بهذا الفضل في عديد من
أشعاره.



خاصية
أخرى تجمع المحتال بالشيطان هو التشوه في الخلقة. وهذا يظهر في جميع الأدبيات التي
تتناول هذه الشخصية. مثلا تقول الحكايات الشعبية أن حديدان الحرامي قزم، هو
والمقيدش كما يدل على ذلك اسمه(71). وأن حميمص يشبه الحمصة(72)،
وعمور النصف(73) هو نصف إنسان كالنسناس. وتتحدث الحكايات عن ولادتهم
العجيبة(74). ويظهر هذا النقص في شخصيات كالحشايشي(75)،
والنفايحي(76)، وعلي البروج(77)، وغيرهم. ونجد نفس الظاهرة
في الآداب الأوروبية. فالخادم المحتال يظهر هو الآخر بمنظر مشوه: أحدب، عظيم
الأنف، يرتدي لباسا يزيد من تشوهه(78):
Pulchinello,
Scapino, Arlequin. وهيرميس الإله
الإغريقي المحتال هو كذلك قزم(79). ولا ننسى أن صانع الكون في الأساطير
le
démiurge، والذي نظن أن شخصية
المحتال من أحفاده، هو كذلك أعرج، أعور، معطوب ودميم(80).



في
الأدب العربي قد يبدو الأمر عكس هذا. لا تتحدث النصوص عن تشوه جسماني لجحا أو
هبنقة أو أشعب أو غيرهم من بخلاء أو لصوص، كما أننا لا نعرف الشيء الكثير عن قامة
وأنف وفم السروجي أو الإسكندي وقد تكون أقنعتهما أكبر تشويه.



هذا
لا يعني أن الشخصيات العربية هذه كانت عادية وطبيعية. قد نوعز صمت النصوص هذا إلى
سببين: التعفف من ذكر هذه الأمور لأسباب دينية أو أدبية أو أخلاقية. السبب الثاني
يرجع إلى خاصية عامة في الأدب العربي القديم، هي تجنبه، في الغالب، للأوصاف
الجسدية الدقيقة. هذا لا يعني أنه لم توجد هناك نوادر كثيرة حول المعطوبين جمعت في
مؤلفات ككتاب الجاحظ عن "البرصان والعرجان والعميان والحولان"، وكتاب
الصفدي: "نكت الهميان في نكت العميان". ولكننا لا نجد في هذه الكتب ربطا
واضحا بين الدهاء والتشوه، الربط الذي لا تتأفف الذاكرة الشعبية في أمثالها عن
القيام به. مثلا: "ما يعمى ولا يزحاف إلا البلاء المسلط"، وكذلك في
الأدب المنسوب للجاهلية. يقول المسعودي: "وبهذا وجدا الكهان على هذه السبيل
من نقصان الأجسام وتشويه الخلق، كما اتصل بنا عن شق وسطيح وسملقة وزوبعة وسديف بن
هوماس وطريفة الكاهنة وعمران أخي مزيقياء وحارثة وجهينة وكاهنة باهلة
وأشباههم…"(81)، و"سطيح الكاهن لا عظم فيه إلا جمجمة
الرأس"(82). ويذكر صاحب الأغاني عيوبا جسمانية لبعض الصعاليك
كقزمية تأبط شرا ودمامة الشنفرى.



ويقترن
هذا التشويه بمقدورات جسمانية خارقة. فتأبط شرا "اسمع الناس وأبصر الناس
وأسرعهم"(83). وتبقى خطوات الشنفرى الشهيرة مهولة لطولها(83).
وتتكلم الحكايات عن سرعة مقيدش وحديدان وعن محاربتهم للنوم لمدة طويلة:
"مقيدش بوهموم ما يرقد ما ينوم"، (كناية عن الحذر الفائق).



ويظهر
أن هذا الشذوذ وسيلة تجعل هذه الشخصيات تخرج من الوضعية الإنسانية وتلج عالما فوق
الطبيعة، تخرج من العادي لتعرج(84) إلى الأعالي، فتجمع بين الحيوان
والملاك(85).



II
- تمجيد العقل:



الحيلة
والعجائبي:



هناك
فرق واضح بين الحيلة والعجائبي، وإن كنا نجد تسربا وتداخلا. الحكاية العجائبية
تتميز بالجدية واستعمال الخوارق والكائنات الخيالية والتحول السريع والمزج بين
العوالم، بين الأحياء والأموات والحلم والواقع. أما الحيلة فهي حكاية منطقية تتحرى
الواقعية، وتعترف بحدود الزمان والمكان. ليس هناك سحر وروحانيات. هي قبل كل شيء
لعبة(86) العقل، في حين أن العجائبي مبني على تهميش العقل وإقصاء
الذكاء. والحيلة تعوض هذا الخلل في ميزان الخيال المبدع. الحيلة تملأ هذا الفراغ
في الخرافات الشعبية وتعطي للذكاء قسطه.



أن
توسع دائرة الحيلة وتضيقها يؤدي إلى تغيير تعاملك مع الكون. عالم مليء بالتحايل هو
عالم خال من الإيمان بالأساطير والشعوذة. الحيلة ليست نظرة متشائمة فقدت ثقتها في
الإنسانية ولكنها نظرة خالية من الأوهام(87).



الحيلة
هي الوجه الآخر للسحر تستعمل في الحكايات كبديل للأدوات العجيبة. كثير من الحكايات
تعوض العنصر السحري بالحيلة، ويطلب من البطل أن يجد حلا ويخرج من ورطة باستعمال
ذكائه الخاص دون أن يستنجد بمساعد روحاني. مثلا في حكاية "حديدان
الحرامي" أو "المقيدش" نجد الطفل الذكي يستعمل الحيلة للقضاء على
الغولة(88). المتحايل لا ينتظر المصباح السحري بل يعتمد على عقله
ومقدراته الشخصية، هو شخص لا يتمتع بسند خارجي، فالوحدانية من سماته، وعليه أن
يدبر أمره ويحل مشاكله بنفسه. بخلاف بطل الحكاية العجيبة: مثلا في
"الليالي"، حيث نجد البطل ألعوبة في أيدي السحرة والجن والعفاريت، منهم
من يسحره ويمسخه ويسجنه تحت الأرض أو في الربع الخالي(89)… ويظل محل
صراع قوى عليا، دمية متحركة وكأنه لا عقل ولا إرادة له.



في
المغامرات البطولية، يتعامل أبو زيد الهلالي وسيف بن دي يزن وعنترة مع العجائبي
ولكنهم يعتمدون على أنفسهم أكثر لأن لهم قوة وقدرة جسمانية. فالشجاعة والجرأة
والإقدام هي خاصياتهم الأساسية. أما بطل الحيل فهو ضعيف واهن لا يملك إلا قدراته
الذهنية(90). كون الحيلة قابلة للتبادل مع العجائبي يبدو أمرا أنتروبولوجيا.
يبدو أن البشرية شغفت بالحيلة منذ العصور القديمة، ضمن أساطير الآلهة الصانعة
للعالم توجد شخصية المحتال.



العلاقة
بين العجائبي والحيلة علاقة معقدة. مثلا حتى في عصرنا الحاضر، كثير من الروايات
البوليسية المبنية على التحايل والمراوغة بين الجاني والمفتش تحتوي على عناصر
تذكرنا بالعجائبي(91) وتعتمد على مبررات خرافية لتخلق جوا من الغموض
وعالما تكتنفه الأسرار. وكثيرا ما يبدو التفسير المنطقي الختامي ملفقا.



جاء
في عيون الأخبار(92): "سئل بعض الحكماء: ما العقل، فقال
"الإصابة بالظن ومعرفة ما لم يكن بما كان" - وعن ابن حجر:



ألا
لمعي الذي يظن بك الظن كأن قد رأى وقد سمعـــــا



وقال
الشاعر يصف عاقلا:



عليم
بأعقاب الأمور برأيــــه كأن له في اليوم عينا على غد



الطرطوشي(93):
"العقل: الاستشهاد بالشاهد على الغائب". "قالت الحكماء: آية العقل
سرعة الفهم وغايته إصابة الوهم"، و"ملاك العقل الحيلة"(94).
العقل متصل بالتوقع والتكهن(95) وفي "العقد": العقل" أن
يستدل بالظاهر على الباطن ويفهم الكثير بالقليل"(96).



العقل
متصل بالظن، ابن قتيبة(97): " يقال ظن الرجل قطعة من عقله".
يقول في بهجة المجالس(98): "ظن العاقل كهانة". اللسان:
"الظن يقين… ليس يقين عيان وإنما يقين تدبر"، وقد يعني الظن العقل أو
نقص العقل في اللسان: "الظنون هو المتهم في عقله"، وقد تأخذ الحيلة معنى
الذكاء، مثلا في المستظرف(99) "فقد أفادتهم الأيام حيلة
وتجربة"(100).



والعقل
متصل بالبصر والبصيرة(101). ابن قتيبة: "لا عاش بخير من لم ير برأيه
ما لم ير بعينه"(102). ابن الجوزي "الذكاء عين القلب"(103).
الحيلة مرتبطة بالعين والنور واللمع. "الحول= الحذق وجودة النظر".
الحولة الكثير الاحتيال، الداهية من الرجال". اللسان: "الذكاء: شدة وهج
النار". "ذكاء = اسم الشمس"، الألمعية: شدة الذكاء(104).
فبما أن الحيلة مبنية على لعبة التجلي والخفاء فعمادها النظر والرؤية. والحاوي هو
الذي يعرف كيف يخدع عيون زبنائه. والفراسة هو تمحيص وقراءة. اللسان:
"الفراسة: البصر بالشيء والعلم به".



نجد
في الأدب العربي نوعا من التمجيد للعقل. كل المنتقيات وكل الموسوعات تخصص له فصلا
هاما، من الثعالبي إلى ابن الجوزي إلى البيهقي والطرطوشي والنويري وغيرهم. يتمتع
الدهاة باعتبار كبير وبمكانة عالية في المتخيل العربي. حتى أننا نجد قوائم أسمائهم
في المصنفات كما نجد لوائح أسماء الكرماء. حتى يكاد الدهاء أن يوضع في رأس سلم
المعايير الاجتماعية بعد الكرم والسخاء. إلا أنه ليس له وزن في مجال الافتخار
والمدح. الداهية المحنك لا يباهى بذكائه بخلاف الكريم والشجاع، إذا نحن استثنينا
الشعراء الصعاليك الذين يفخمون مقدوراتهم العقلية في التحايل من أجل القنص
والسرقة.



والحيلة
تتحرى الواقعية وتبتعد عن الأوهام. شخصيات عادية في أماكن مألوفة. لا يلقى بالقارئ
في الهند أو الصين أو في جزائر الواق واق. نحن في بغداد والبصرة والقاهرة، في إطار
وحي معروف. لا غرابة ولا غربة. تنطلق من الأمور المعقولة لأنها أنشودة العقل
وتكريم الذكاء، مرآة تعكس جمالية الفطنة. هذا لا يعني أن الحيلة تحيلنا إلى الواقع
بل هي تحيلنا إلى الأدب. إطار واقعي يطرح فيه لغز افتراضي قد يستيحل وقوعه(106).
أمثلة كثيرة في نوادر إياس ابن معاوية وحيل أبي حنيفة. وإذا كانت الحيلة تتفادى
الخوارق فإننا مع ذلك سرعان ما نسقط في نوع آخر من السحر، سحر العقل. حيث يصبح الذكاء
نوعا من الكهانة. وقد قيل "إياس كاهن الإسلام". ولكن عوض أن يعترف له
بعلم الغيب، بعلاقة خارقة مع الغيبيات، وبقوى غير طبيعية. يصبح إنسانا عاديا. له
هفواته(107) وشخصيته الخاصة ولكنه يتمتع بقسط وافر من الذكاء، يحكم
عقله ومنطقه لفك الرموز، لتوضيح معنى الأحداث، وتفسير سلوك الأشخاص…



يظهر
من الموسوعات العربية أن الحيلة وإن كانت مرتبطة بالعقل فهي نوع من الذكاء العملي
وليس الذكاء التخميني أو التأميلي. مهارة، قدرة على "تدبر الأمور"، حنكة
وتجربة "الحول = الحذق". الحيلة = القدرة على التصرف". ذكاء القناص
والصياد كما يقول "فيرنان"(108). ذكاء الأعرابي وذكاء
الصعلوك الذي يقاوم يوميا وفي كل حركة وسفر جفاء الطبيعة الشحيحة بجوار كائنات
عدوة متكيفة بفعل غرائزها مع قساوة الجو والحياة، حيوانات خادعة ومتلونة، منسجمة
لونا وشكلا مع المحيط. ذكاء يتعايش مع هضبات متحركة، متاهات متقلبة، سرابات موهمة.
ذكاء حركي، حاد وسريع، دائم الالتفاتة، حاضر أمام كل احتمال ومباغتة.



الحيلة
هي الروح الأعرابية والمكدي هو أعرابي المدينة. حسن المنطق والبيان وسرعة البديهة.
الوجه الآخر للثقافة العربية الذي يحرف الحلاج(109) وأبي حنيفة(110)،
ويصفق لإبليس(111)، ويسلك منطق جحا، ويفجر المتحجرات عن طريق السخرية.
هو العقلانية عندما تأخذ شكلا أدبيا. في كتاب الأذكياء لابن الجوزي وفي الرقائق
وفي الموسوعات الأدبية يمجد العقل والحيلة عند كبراء الدولة من خلفاء ووزراء وقضاة
وفقهاء. ويُطمأن لكون الذكاء من نصيب أصحاب السلطة فهذا قد يبعد من التعسف
والاستبداد(112). أن تحكم الطبقة الحاكمة عقلها بدل أهوائها شيء مرغوب
فيه ويستأمن منه. يظهر من النوادر أن القاضي الفطن الذي يمتاز بقدرة كبيرة على
التحايل قاض يظهر الحق وينصف المظلوم. وقد أضيفت حيل كثيرة لعمر بن الخطاب لأنه
اشتهر بالعدل(113). حيل إياس وشريح وشريك وعضد الدولة والمعتضد وغيرهم
قورنت بالإنصاف وأخذ حق المحروم من الظالم بتحري الحقائق واستخلاص الحقوق، يظهر
القاضي النور ويخرج من ظلمات الجهل، الجهل الذي هو عكس العقل(114).
فيكون العقل مأوى وملجأ(115).



فراسة:


تظهر
الحيلة في بعض الحكايات(116) كنوع من القيافة، قراءة علامات
واستنتاجات. يقول المسعودي: "القائف يقارب بين الهيئات فيحكم للأقرب صورة…
وهو ضرب من ضروب البحث وإلحاق النظير في الأغلب بنظيره… وهو القياس بعينه، والقصاص
يقصون آثار الناس وغيرهم ويخبرون ولاة المنازل… من طرق تلك البلاد وهم لا يروهم…
وأهل الجبال والقفار أزجر وأعرف"(117). كانت في الجاهلية علاقة
وطيدة بين العرافة والكهانة والفراسة وتعبير الأحلام والحكمة. والحكيم هو بمثابة
القاضي الذي يبت في الخصومات(118). وكأن القضاء يحتاج إلى كهانة، إلى
الظن والحدس.



قد
تكون الفراسة من أسلاف الحيلة. وكثيرا ما تستعمل اللفظة مكان الأخرى(119)
ويتكلم ابن خلكان وصاحب الرقائق عن فراسة عضد الدولة والمعتضد بمعنى تحايلهم في
تحريات الحقائق في أحكام سرقة أو جحود وديعة أو دين. كما تتجلى عند إياس وابن
طولون كخليط من المراوغة وتضليل المتهم واستدلالات واستقراءات. تذكرنا طريقة هؤلاء
بطريقة "هولمس"، نوع من التكهن بواسطة علامات وقراءة أثر. فهي نوع من
الحس الواقعي العملي، قراءة ما وراء المظاهر، قراءة وتعبير يعتمد على الذكاء
والعقل. موضع إعجاب واستغراب. القائف هو ذلك الساحر(120) المحرز الذي
يحول المظاهر إلى وقائع، و"كأنما ينظر الغيب من ستر رقيق"(121)
والفراسة مبنية على مبدأ أن "عين المرء عنوان قلبه"(122).
قال علي: "ما أضمر أحد شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه"(123)،
(فرويد لا يكذب هذا) "فإن النفوس تعلم الأشياء بعلامات"(124).
أصحاب الحيل ينتظر منهم أن يتمتعوا بقسط وافر من الزكن الذي هو "التفرس
والظن"(124). كان الخليفة أو الوالي يسهر على تولية القضاء
للبارعين في الذكاء(125). القضاء يصبح نوعا من العرافة والقيافة
والتحايل بين الخصمين(126) لمعرفة الصادق من الكاذب. قال الدهقال
لإياس: "أقاض أنت أم عراف"(127).



الحاكم،
قاضيا كان أم خليفة، هو ساحر بالطريقة الجديدة، هكذا يظهر في النوادر. سحره مبني
على التحليل العقلي. يسحر العقول بذكائه الخارق واستنتاجاته المباغتة للقوم. يخرج
الحلول من القبعات، يتوصل إلى النتيجة بطريقة مدهشة، ملتوية. يجمع بين العقلانية
واللاعقلانية، بين الوضوح والغموض، ويلعب على السر والتفسير. إلا أنه في الأخير
وعلى عكس العراف يظهر علامات مادية ركز عليها استنتاجاته فتصبح الحكاية أقرب إلى
الواقعية، فيزيد انبهار الجمهور وثقته في القدرة العقلية. يحكي وكيع في
"أخبار القضاة" أن إياس بن معاوية رأى رجلا ينظر في وجه آخر، فقال:
"معلم صبيان أبق له غلام أعور". فكم كانت دهشتهم عظيمة عندما ذهبوا
واستفهموه فكان كذلك. وكانت حيرتهم وتعجبهم أكبر عندما وضح لهم القاضي كيف استنتج
ذلك من حركات الرجل وسكناته(128). بنية الحكاية تدور حول هذا المحور
بالذات، هذا التفسير الأخير هو أساس النادرة وهو الذي يضفي عليها حلاوتها وهو الذي
يخلق الافتتان ويزكي التحليل الأصلي ويعطي للحل قيمته. فلولا هذا التوضيح لاعتبر
إياس من المهرجين أو من الكهان المتنبئين. ولكنه بتقديمه في كل مرة لطريقته في
الكشف والفراسة يعتبر ذكيا لأنه لم يستعمل إلا عقله ويوهمنا أننا نحن كذلك يمكن أن
نصل إلى نفس النتيجة إذا سلكنا نفس النهج: تحكيم العقل بدل تحكيم الغيب.



يتبين
تطبيق الأحكام الفقهية أو الحكم بين المتخاصمين وكأنه لغز صعب الحل، مثل الميراث
المعقد، كقضية ميراث الولاء(129). وكأن التعقيدات الواقعية كانت حافزا
للكتاب والرواة على اختلاق حالات صعبة، فتفننوا في تعقيدها وغموضها ثم نسبوا فكها
إلى شخصية تاريخية مشهورة بفطنتها وقدراتها على التحايل بين الوقائع والنصوص مثل
إياس، شريح، شريك. فتظهر هذه الشخصية وكأنها خبير مباحث عصري، يفهم مالا يفهمه
الغير ويرى ما لا يراه الآخرون(130). ويأتي الحل كأعجوبة، كخارقة وكلما
كان الأمر مستحيلا ومستعصي الفهم في البداية كلما برز دهاؤه واستبهر مستمعوه.



وكأن
الحياة رموز، وكأن العلاقات الإنسانية والاجتماعية ألغاز، يمكن حلها وقراءتها،
وكأن الواقع لغز يجب تأويله وتوضيحه عن طريق الذكاء والعقل، وكأن الإنسان لغز،
ولكن لغز يمكن حله. ونتعرف من جديد على الحقيقة، وكأننا كنا نعرفها من قبل. وتبقى
اللحظة الحاسمة هي عندما يطابق الواقع التحليلات والتخمينات، ونجد الواقع الذي
سبقنا وسبقناه يلاحقنا. ويتم التلاقي وتسمع تنهدات الارتياح والفوز، وكأن الجميع
انتصر، كل الحاضرين حتى الذين لم يكن لهم دخل في فك الرمز، لأنه انتصار العقل،
الشيء الذي يشتركون فيه جميعا، حيث تلحق العقول بعقل إياس ويصبح الجميع ذكيا…



شخصية
أخرى التصقت بها كثير من الحيل هي شخصية أبي حنيفة. "قياسا دقيقا النظر، سريع
الخاطر"(131). وكما هو الحال بالنسبة لجحا نسبت له نوادر جد
مختلفة حتى أصبحت شخصيته مبعثرة، متشعبة، حتى صارت الحيل لعبة فكرية وليست فتوى
فقهية. واعتاد الكتاب والرواة أن يلصقوا به الحيل حتى أنهم نسبوا له حتى الحيل غير
الفقهية(132). وقد نجد نفس الحيلة منسوبة مرة لأبي حنيفة ومرة لجحا أو
ابن سيرين(133) ويأخذ أبو يوسف مكان أبي حنيفة في بعض الحالات.



قد
تكون هذه الحيل الفقهية المهولة بكثرتها، هي أصل الشغف الكبير بنوادر التحايل. وقد
نتساءل ما الذي أثر في الآخر فقه أبي حنيفة أم الإعجاب الشعبي. حقيقة أنه لأصحاب
الرأي والقياس دور في انفجار هذا النوع من الحكايات ولكنه وجد تربة خصبة لتطوره
وانتشاره وتذوقه(134).



III
- إعادة بناء واقع:



الزيف:


يقول
في اللسان: "احتال = تغير، حال لونه أي تغير واسود. أحيل من أبي براقش وهو
طائر يتلون ألوانا".



"الخلابة
هي الخداع. المخلب الكثير الوشي من الثياب، الكثير الألوان". تلعب الحيلة على
المظاهر، على الجلي والخفي، على تلوين الظاهر وتغليف الواقع، تذويبه وخلطه. يريك
المحتال حقائق مختلفة ليمنعك من رؤية الجانب الذي يحجبه عنك. والفطن الداهية هو
ذلك الشخص الذي يعرف كيف يبهرك بحقيقة واهية، يقول في مجمع الأمثال. الهتر = العجب
والداهية. فكأن الدهر أبدعه وأبرزه للناس ليعجبوا به. والهتر هو الباطل.
"فلان هتر" أي من دهائه يعرض الباطل في معرض الحق. هو لا يخلو أبدا من
باطل فج
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

في البدء كانت الحيلة :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

في البدء كانت الحيلة

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» في البدء كانت الثورة: قراءة في كتاب حنّة أرندت Hannah ARENDT. (سبتمبر 2008)
» ابن عربي: في البدء كان الأنثى - فريد العليبي
» الصين في 1 تشرين الأول / أكتوبر 1949 - انتصار ثورة كانت قومية اكثر مما كانت اشتراكية (الكفاح العمالي ، رقم 2148 ، 2 تشرين الأول / أكتوبر سنة
» ابن عربي: في البدء كان الأنثى
» ابن عربي: في البدء كان الأنثى

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: