[rtl][size=32]الإدماج والإقصاء في الحقل السياسي المغربي[/rtl][/size]
[rtl]عبد الله ساعف[/rtl][rtl]لقد شكلت ثنائية الإدماج / الإقصاء موضوعا هاما وتقليديا ودائما في العلم السياسي الغربي، إذ تخترق هذه الثنائية، بشكل معلن أو مضمر، دراسة الأنظمة، منذ أرسطو مرورا بمكيافيل ووصولا إلى عصر الأنوار وما بعده، كما اكتست في السياق العربي ـ الإسلامـي غموضا كبيرا، تجلى في التمييز بين "الخاصة" و "العامة" إذ ليس من المؤكد دائما أن تتسم إحدى هاتين الفئتين بالهامشية. ويمكن القول إن الدولة حسب نظريـة ابن خلدون الدورية، تتميز في مرحلة نشوئها وتطورها وبلوغها الأوج بعملية إدماج تدريجي للقوى الجديدة انطلاقا من نواة العصبية القبلية، في حين يبدأ أفولـها بانطلاق سلسلة الاقصاءات المتتابعة التي قد تنتهي بعزلة السلطة وانـهيارها.1[/rtl]
[rtl]وفي المغرب يتقاطع هذا الموضوع منذ البداية بالإشكالية القديمة التي تتلخص في ثنائية بلاد المخزن / بلاد السيبة، والتي تشير في ذات الآن إلى العلاقات المعقدة بين المركز والمحيط وبين النظام والفوضي، بين الخضوع والتمرد، بين الشرعية واللاشرعية.[/rtl]
[rtl]والواقع أن إشكالية الإدماج / الإقصاء قد تطرق إليها بشكل متواتر رجال السياسة بالمغرب، وإن كان ذلك يتم في الغالب بشكل غير مباشر. وانطلاقا من زوايا نظر متباينة وبتعابير مختلفة مثل: الإدماج وعدم الإدماج، المركزية والهامشية، ممارسة اللعبة من داخل النظـام وممارستها على النظام، الداخل والخارج الخ…[/rtl]
[rtl]ونجد بعض آثار هذا الاهتمام في الكتابات السياسية المتعلقة بالمغرب، وذلك من خلال الموضوع الكلاسيكي حول المعارضة المسماة تقليدية والمعارضات التي نكتشف في يوم أو آخر، أنـها جديدة أو في طور النشوء، كما نجد هذه الآثار عند الحديث عن الفاعلين الذين يعتبرون شرعيين والفاعلين الذين لا يعترف لـهم بـهذه الصفة، وعن الفاعلين الذين يعتبرون فاعلين مركزيين، أو الذين ينظر إليهم كثانويين.[/rtl]
[rtl]هناك نظرة هيمنت لمدة طويلة على العلم السياسي الذي يتخذ المغرب موضوعا له، سعت إلى معرفة لماذا وكيف يستطيع النظام الجمع بين القوي المتناقضة واستقطابها، ومن ثم تنظر إلى النظام كنظام يتوزع بين العديد من الأشطر، وتكمن براعة الأمير في توجيهه لما فيه مصلحته واللجوء إلى مركزيته حسب المتطلبات الآنية أو اللجوء إلى التحكم.2[/rtl]
[rtl]وهناك نظرة أخرى، مهيمنة بدورها، تقوم على التساؤل عن أسباب انـهيار النظام والقيام بأبحاث متواصلة حول آليات الحفاظ على نفسه والدفاع والتحالف، ويتعلق الأمر برؤى تسعى إلى إبراز قدرات الاستقطاب، والتكيف بل والإدماج أكثر مما تسعى إلى استكشاف مجالات تكون وتشكل آليات الإقصاء.[/rtl]
[rtl]إن ثنائية الإدماج / الإقصاء، كزاوية للتحليل، ظاهرة متنقلة بالتحديدات الموضوعية، إذ أنـها تكشف ضمن الديناميات الاجتماعية الجارية عن أماكن المقاومة والمرور، وعن الفضاءات الاجتماعية التي استطاعت الدولة أن تجعل منها فضاءات سالمة، أو عن تلك الفضاءات التي مازالت مهمة إدماجها مطروحة على الدولة.3[/rtl]
[rtl]ويتدخل مصطلح الهامشية، بشكل حتمي ضمن هذا التساؤل : غير أن الفرق يكاد يبدو فرقا في الدرجة أكثر منه في النوع.[/rtl]
[rtl]إنـها مفاهيم تحيل على وقائع متقاربة، وتشير إلى تنوع اجتماعي للأفراد، الذين يدينون جميعهم، وبمستويات مختلفة، اللاتطابق مع أعراف المجتمع (العبيد، السود، الفارون، النساء العازبات، المثقفون، الخ…)4، وهم أفراد يحيلون، ضمن نفس الرؤية، على أعمال تعتبر مزعجة وغير مطابقة.5[/rtl]
[rtl]إن أبحاث علم الاجتماع التي تهتم بقضايا التمدين، وتـهيئة المجالات الترابية، أبحاث غنية بالملاحظات الكمية والنوعية وبالتحليلات، و في الإمكان النظر إليها كجدلية للإدماج والإقصاء، لميكانيزم بروزها وانتشارها، وتبنيها من زوايا مختلفة، وخاصة من زوايا اللغة المحلية ومشاريع التنمية الحضرية إلخ… ومع ذلك فإن علم الاجتماع النقدي يؤكد على صعوبات تأكيد التهميش الجماعي، وعلى أسطورة الإقصاء في الأحياء الحضرية الهامشية مثلا، حيث لا يسمح تجانس ساكنتها وطبيعة المبادلات السائدة بـها، وهيمنة التقاليد، وتمثل الدولة، باستخلاص وجود التهميش.[/rtl]
[rtl]وعالم المهن الصغيرة،هو مملكة الإقصاء الخفي غير المهيكل، وهو عالم يسود فيه البحث عن البقاء على قيد الحياة. ويمتد إلى المجالات الاجتماعية التي يحددها التهريب وترويج المخدرات، فهل يندرج هذا العالم في قلب ديناميات هيمنة الاقتصاد الذي يطلق عليه الإقصاء والإدماج، وديناميات الإندماج والتهميش ؟ وهل تندرج ضمن هذه الديناميات هيمنة الاقتصاد الذي يطلق عليه الاقتصاد الموازي –مقارنة مع الاقتصاد الرسمي- حيث يتغلب اللاقانوني على القانوني، مثل منافسة السكن السري للسكن القانوني، وحيث تقف الأوضاع التي لا يحددها قانون الند للند مع الأوضاع التي يحددها القانون ؟ ومن ثمة، ما هو القطاع المدمج، هل القطاع غير المهيكل أو القطاع المنظم6؟[/rtl]
[rtl]وعلى المستوى السياسي، تبدو للعيان عناصر ذات خصوصية مغربية تفرض النظرتين نفسيهما على التحليل: النظرة التي تؤكد على وجود دوائر للإدماج تهم أولئك الذين يقبلون قواعد اللعبة، والموارد، وتوزيع الأدوار، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يوجد أولئك الذين يتمترسون في مواقف عدم الخضوع، ويرفضون قواعد اللعبة. أما النظرة الثانية فتعتبر أن مناطق الإقصاء تخص بالأساس المناطق التي تعير اهتماما لكل ما له علاقة بالمؤسسة والدولة والسلطة السياسية المركزية، ومن ثمة فإن المواقف تتراوح بين المشاركة بمستويات مختلفة، وبين المقاطعة أو عدم المشاركة، بل وعدم الاهتمام الواعي أو غير الواعي.[/rtl]
[rtl]وتحيل هذه النظرة الأخيرة على رؤية للعالم تقيم ـ شأنـها شأن عديد من المقاربات المتعلقة بالمؤسسات والمجتمع المدني والفرد والحركة الجمعوية ـ معارضة بين الدولة والمجتمع وتعتبرهما هويتين متنافرتين.[/rtl]
[rtl]ومع ذلك فإن الحديث عن الإدماج / الإقصاء لا يمكن إلا اعتمادا على مرجع، وعلى هوية لـها مضمون وشكل يتغيران، وعلى نظام يسود إلى هذا الحد أو ذاك، وعلى تمفصل معين للعلاقات بين المكونات، وعلى عدم ثبات للروابط مع الفاعلين في الجماعة.[/rtl]
[rtl]إن الإدماج والإقصاء يحيلان على مرجع انطلاقا منه يتحدد الانتماء أو اللاإنتماء (= الأمة، المجموعات المنتظرة، الوطن، الدولة…)[/rtl]
[rtl]فهل يشكل برنامج التقويم الهيكلي بشكل عام، والخوصصة بشكل خاص7،مجالا للملاحظة الملائمة لمناطق التمييز بين المركزي والهامشي؟ وهل يشكلان مناسبة جديدة لإعادة تشكل الفئات القديمة التي جرى الإهتمام بـها في العلم السياسي الذي اأتخذ المغرب كموضوع للدراسة ؟ وهل يتعلق الأمر هنا بدراستها كسياسات عامة استطاع العالم تبنيها بسهولة وإستهلاكهما بدون صعوبات، أكثر مما يتعلق باعتبارها قد طبعت المغرب الراهن بطابعها الخاص؟ وعلى كل حال، فإن المسألة المطروحة هي معرفة هل أدى ذلك إلى إعادة تشكيل تراتبية جديدة للفاعلين، ومواقعهم وتحركاتـهم ؟[/rtl]
[rtl]يبدو أن من السهل تحديد من يشارك ومن لا يشارك. كما يبدو أن المقصيين هم أولئك الذين تم طردهم خارج الحقل السياسي أو لم يتم إدماجهم فيه، ومن ثمة لا ظهور لـهم. فهل عرفت المركزة والهامشية تحولات وتبدلات في المعنى ؟[/rtl]
[rtl]إن الجواب عن سؤال: من ربح ومن خسر في النظام السياسي الحالي بمناسبة تنفيذ سياسة الإصلاحات الاقتصادية (التي سنطلق عليها فيما بعد سياسة التقشف، وسياسة التقويم)8 يطلب أولا دراسة هذا النظام وتقييم تأثيره على العمليات السياسية والاجتماعية والتأمل في آفاق النظام المغربي.[/rtl]
[rtl]أولا : الإدراج البطيء لبرنامج التقويم الهيكلي في السوسيوسياسي المغربي[/rtl]
[rtl]شكل عقد الستينات وبداية السبعينات على المستوى الاقتصادي فترة ركود متحكَّم فيه نسبيا، حيث لم تعرف الاستثمارات العمومية المنتجة والمصاحبة سوى تطور متواضع نسبيا. وفي منتصف السبعينات الذي يعرف بفترة الحل السهل، عندما عرفت مداخيل الفوسفاط ارتفاعا مفاجئا، تم اللجوء إلى تغيير في التوجه، فقد تسارعت سياسة الاستثمار فاقتربت بعض الشيء ـ حسب بعض الآراء ـ من التجربة الجزائرية، وخاصـة على مستوى الاختيارات، وقد كانت هذه التجربة في حينها، موضوع تجـاذب شديد داخل المعارضة، والـهدف المتوخى كان توسيع الطلب الداخلي من خلال اللجوء إلى الزيادة في الأجور وتوزيع مداخيل هامة وخلق مناصب شغل عمومية وتطوير التعليم….9وبقيامها بذلك كانت حكومة أحمد عصمان (1974 ـ 1982) تطبق بنفسها المشروع السياسي والاجتماعي الذي كانت تطالب به المعارضة، ومع ذلك وجدت البلاد نفسها ما بين 1978 و 1980 وجها لوجه أمام عجز أكثر ارتفاعا.[/rtl]
[rtl]ونظرا لانعكاسات الصدمة البترولية الثانية، واختلال الميزان التجاري، وسنوات الجفاف ومديونية الدولة، اتجهت البلاد نحو تبني مخطط للاستقرار تحت وصاية صنـدوق النقد الدولي (ص. ن. د.) وكان هذا الأخير، في البداية، يقتصر في تدخلاته على القيام بدور المستشار الذي يقدم النصائح، وخاصة في ما يتعلق بالمالية العمومية. وبعد ذلك تجاوز دور الخبير هذا، ليشرع في تطبيق قاعدة إملاء الشروط.10وقد عرف المغرب، قبـل ذلك بقليل، تنظيم انتخابات محلية (1976) ثم انتخابات تشريعية، وبذلك بدأ تطبيـق برنامج التقويم الهيكلي يندرج ضمن سياق الانفراج السياسي النسبي.[/rtl]
[rtl]ففي مرحلة أولى تمت محاولة الحد من النفقات، كما أن انـهيار مداخيل الفوسفاط في نفس الوقت، طرح ضرورة البحث عن موارد بديلة، وفي هذا السياق تم القيام بسلسلة من الإجراءات الضريبية منها الرفع من الضرائب المباشرة (رسم خـاص على الواردات، حقوق التنمبر، الضريبة على القيمة المضافة، الرسوم العقارية…).[/rtl]
[rtl]غير أن النتائج لم تكن مرضية، فالعجز لم ينخفض إلا بنسبة هزيلة وظهرت مشاكل أخرى، وبذلك لجأت الدولة، للحصول على موارد لتموين عجزها، إلىالامتناع عن تسديد مستحقات الديون التي عليها. الأمر الذي طرح مشكل متأخراتـها تجاه القطاع الخاص. ومع ذلك لم تستطع سياسة التقشف هذه توقيف العجز في ميزان الأداءات.[/rtl]
[rtl]وانطلاقا من يوليوز 1980، بدأ (ص. ن. د.) يتدخل بشكل مباشر في إطار سياسة ضمان الاستقرار. هكذا تم اللجوء إلى التسهيلات الواسعة (إجراءات الستاند بـأي) في ظل مناخ تميز بالضيق الاجتماعي الذي لم يتوقف عن التصاعد، بالغا أوجـه مع أحداث يونيو 1981، التي انفجرت بسبب الزيادة في ثمن الخبز ـ ضمن عوامل أخرى.[/rtl]
[rtl]وفي هذه الفترة، لم تكن المفاوضات مع البنك الدولي حول التقويم قد وصلت إلى نتيجة تذكر. كما أن السلطات المغربية لم تلمس في نفسها، بعد، الاستعداد لتنفيذ التوصيات التي قد تمليها عليها هذه المؤسسة. ولاشك أنـها كانت تنتظر، في هذه الفتـرة، أن تعطي الاستثمارات التي سبق للدولة أن قامت بها، أولى ثمارها، لكـن دون جدوى.[/rtl]
[rtl]وفي ظل الأجواء التي أحاطت بانفجار قضية المكسيك وتدويل مسألة مديونية العالم الثالث، ارتأى أصحاب القرار السياسي ضرورة تأجيل تنفيذ سياسة التقويم، أو حصرها على المستوى القطاعي دون أن تشمل المستوى العام… وإلى حدود سنة 1980، كان صندوق النقد الدولي المؤسسة المالية الرئيسية التي تتدخل في المغرب. وقد بلغ ذلك مستوى أكبر بعد سنة 1980. وابتداء من 1983 ظهر البنك الدولي بدوره في مشهد الاقتصاد المغربي، لكن ظهوره كان بقوة أعنف، موجها أصابع النقد ضد سياسة السلطات العمومية.[/rtl]
[rtl]وقبل سنة 1983، كانت الدولة قد بدأت ممارسة برنامج التقويم الهيكلي، باللجوء إلى تقليصات في الميزانية وتضييقات على الواردات من خلال إقامة الجدران التعريفية، وقد أصبح المغرب سنة 1983 عاجزا عن الاستيراد على الرغم من المساعدات الضخمة وغير المحددة التي كان يتلقها ، إلى ذلك الحين، من العربية السعودية وبعض دول الخليج الأخرى.11وانطلاقا من تلك السنة لجأ إلى طريقة المعالجة بالصدمة. بل إن حالة التوقف عن الأداء في منتصف السنة نفسها زاد من حدة سياسة التقشف وسياسة التقويم.[/rtl]
الأربعاء فبراير 10, 2016 12:01 pm من طرف فدوى