سكووووت حََََ نفجر
أحمد عمر
2012-01-11
تحولت
الفضائيات العربية والناطقة بها إلى 'نشرة الأحوال الاستعبادية'، فقد حوّل
الفضاء المفتوح على مصراعيه (وكدت أن أقول على مصرعيه)؛ الاستبداد 'الحر'
إلى استربتيز ينزع المحللون والمتصلون عن عورتها اوراق التوت ورقة ورقة،
فيظهر جسد الحرية الحسناء المضيء والمشع، والمشكلة أن الأوراق التي غطى بها
الاستبداد عورته فولاذية، ونزعها لا يتم إلا بكماشات الدم الطاهر الذي
ينزفه الشعب في الشوارع.
لكن الطغيان الذي علا في الأرض علوا كبيرا،
ينزل شرْطة شرْطة ( من أجزاء الدرجة) من الشجرة التي صعد عاليا عليها، وقد
راعني صوت شبيحة، وهي تستغيث على فضائية فرانكشتاين وتطلب إزالة الصحون
الفضائية من فوق الاسطحة حتى يتنعم الناس بصوت واحد فقط هو 'لا صوت فوق صوت
المعلكة'، أما الشتائم التي قالتها فلا يليق بها إلا 'التشفير'.
ابطال
من أمثال خالد سعيد، والبوعزيزي واطفال درعا باعتراف النظام الذي استشهد
بآية 'عسى أن تكرهوا شيئا...' - الذين دخلوا الحفل الإمبراطوري عن طريق
الخطأ، وحولوا ممثلي ادوار الفراعنة إلى كومبارسات فبينما كان السيد حسني
مبارك يتجول محنطا في حامض الشفقة، على سريره الجوال، من غير حراك، مدفوعا
بعضلات خمس رجال من العصبة أولي القوة، ممثلا دور الميت، وهو دور بسيط
تجيده كل الكائنات عند الإحساس بالخطر (الحرباء ، الخنافس، السلاحف..).
وبينما كان ابناه علاء وجمال، ينزلان في ثياب بيضاء طاهرة جديرة بالملائكة
إلى ارض الملاعب غير الخضراء، يحمل كل منهما القرآن الكريم كما لو انه مجلة
بوردا؛ كانت فضائية الجزيرة تمثل بجثة الإعلامي التونسي، الأنيق ذو
الأنياب البيضاء، 'جوز عديلة اللي تحت'، فتجبره على تكرار جملته المذلة من
غير عصا أو سوط: النظام في تونس نظام قوي.. حقا وصدقا: ما رفع الله شيئا
إلا وضعه. آمنت بالله رب العالمين.
بانتظار غودو الاستراتيجي
إلا أن الإعلامي التونسي صاحب 'الهزات العشرية' على واحدة ونص، الذي جعل
الحرافيش أمثالي يسخرون ممن لم يكن يحلم أن يذكر أسمائهم إلا مصحوبا بألفاظ
الجلالة نهارا، وكوابيس مؤكدة ليلا - بدا أكثر تواضعا من زميل له إعلامي
سوري يمدّ تاريخه (هو تاريخ بلده وليس تاريخه أو تاريخ نظامه) إلى سبعة
آلاف سنة، ثم تسعة ألاف في حديث فضائي ثان: 'لقناتكم الكريمة'.. وتسعة آلاف
سنة تعني الأبد إلا.. قليلا. لقد كان الصراع دائما صراعا على الزمن،
فالقتل مصادرة لزمن الضحية وخنق انفاس ساعته. بحث الإنسان طويلا عن ماء
الحياة، الذي يحافظ على الشباب، ووجده أخيرا في دم الشعب على.. العرش. دم
النخبة غذاء أكثر صحة للاستبداد، السيف كان يعني: المجد الذي يجمع المال
والذرية.. تحت اسم الخلود.
أخيرا سأل المذيع عبد الصمد ناصر ضيفه أبو
فجوة - الذي تمتد فجوته إلى تسعة آلاف سنة - عما إذا كان القتل ثمنا
للسلطة، فهرب ضيفه من الشباك إلى جواب آخر. لتأكيد المؤكد: قال هارون
الرشيد مهددا ابنه المأمون الذي أشار إلى السلطة راغبا أو سائلا: 'لو
نافستني عليها لأخذت الذي فيه عيناك'. كيف يتنحى هارون الرشيد جابي خراج
الغيوم، وسابي خزائن الشمس لابنه... حقا: ما سلّ سيف في الإسلام إلا كما سل
على الإمامة. هكذا قال الشهرستاني صاحب الملل والنحل.
كان غوبلز يقول
حين اسمع كلمة ثقافة، أتحسس مسدسي، وأنا حين اسمع كلمة فلسطين أتحسس جرحي
الذي يمتد كسرب حمام - بكسر الحاء وليس بفتحها - من بغداد إلى الصين. هل
مطالبة عزمي بشارة الثورات العربية برفع إعلام فلسطين اتهام لها بالتقصير؟
اعتقد أن الجماهير العربية' البدون' قررت فجأة أن تحرر أرضها قبل فلسطين من
غير انتظار غودو التوازن الاستراتيجي، فلا يمكن للمرء ان يصعد على السطح
وممنوع عليه الزحف على الأرض. وقد احتفلت الفضائيات كعادتها بالمنجّمين
ليلة رأس السنة، والتنجيم نوعان: علمي اسمه الاستقراء، وكهني يتم في
الافلاك وقيعان الفناجين الموحلة بالبن والرمل والطين. حتى معهد كارنيغي،
اخفق في أن يتنبأ بانتفاضات في سورية، ' ربما لأنها ارض مباركة' ... حقا ..
كذب المنجمون ولو صدقوا.
قنوات فرانكشتاين
إلا انه من
الواضح أنّ الكاهن ميشيل حايك بدأ يهذي، وينسى أصول اللعب بالسبع ورقات
والكشتبان، فقد استضافت إحدى قنوات فرانكشتاين 'العلمانية' مشعوذا غريبا
الهيئة، شاذها، يذكر بشق (وسمي بذلك؛ لأنه كان نصف إنسان، له يد واحدة؟
ورجل واحدة، وعين واحدة) وسطيح (سمي سطيحا: لأنه كان جسما ملقى لا جوارح له
ولا يقدر على الجلوس، إلا إذا غضب انتفخ فجلس. ويذكر أن وجهه في صدره ولم
يكن له رأس ولا عنق) .
تنبأ الكاهن الذي يضع الكرافة للمذيعة بقتل شيخ
مشهور قريبا جدا، فصفقت مذيعة فرانكشتاين وكادت أن تزغرد، فرحة بالدم،
ونحمد الله على تجنبها ذكر اسم الشيخ وشكرا لها على لطفا. يمكن بالاستقراء
الكارنيغي الاستنتاج أن الكهانة لم تكن يوما حسب الرغبة والطلب؟!
كنت
أريد أن أتحدث عن 'نظرية الفجوة' الشبيهة بالثقب الأسود الكوني، التي وقعت
نتيجة 'أخطاء فردية'، في الخطاب الفضائي الزوري، لكني سأؤجلها، وسأؤجل
الحديث عن خطاب الدين في القنوات الفضائية إلى حين آخر، بعد إبداء الشفقة
على ضيف برنامج بلا حدود 'رئيس' حزب النور السلفي وليس شيخه أو مرشده! -
السيد عماد الدين عبد الغفور الذي بدا حاله صعبا 'على الكافر'، وأنا أظن أن
سبب لعثمته السياسية هو طارئ انتقال حزب النور السلفي من ماضي التكية إلى
حاضر الشارع، ومن وضع الخرقة بين يدي الشيخ إلى السباحة في بحر السياسة
المتلاطمة وحيتانها الفتاكة. يجب الإقرار بأن الأرض بدأت تدور، بعد أن
كبلها النظام بالسلاسل والأصفاد وصفارات الشرطة.
حوار تلفزيوني
قال الأول : دع ما لله لله، وما لمعمر لمعمر.
قال الثاني: لكن المشكلة أن معمر فقير ، فلم يكن لديه سوى خيمة، والآن ليس لديه سوى الكفن!
الأول: يا أخي هذا الشيخ الذي يدعو كل جمعة على الفضائيات غير ديمقراطي في 'الدعاء'؟
الثاني: لمَ؟
الأول: لأنه يدعو الله بأن يجعل الخير على يدي السلطان وحده.
الثاني: المطلوب؛ أن يترك لله ثلاث خيارات على الاقل كما في برنامج 'من
يربح المليون': أن يجعل الخير على يدي السلطان - أن يجعل الخير على يدي من
يستحقه - أن يجعل الخير .. والسلام.
كاتب من كوكب الأرض