ثلاثة عوامل نظرية حاسمة من وجهة نظري أدت إلى كتابة إدوارد سعيد مقالته
الرائعة عن الراقصة المصرية (بدوية محمد كريم) المعروفة بتحية كاريوكا،
أولا: بروز دراسات البوب آرتس والثقافة الشعبية وأبحاث الفن الشعبي العفوي
والمجاني كفرع من فروع تيار ما بعد الحداثة، والثاني بروز تيار ما بعد
الكولنيالية في دراسة بولطقيا الجسد حيث يكون جسد تحية كاريوكا هو السطح
الذي تنقش عليه الأحداث التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية نفسها،
والثالث هو الاهتمام الذي أولته النظرية النقدية المعاصرة للكيانات
المقموعة والمهمشة من الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية، مثل النساء،
الزنوج، الفقراء، الأقليات الدينية والعرقية والأثنية..وإن لم تكن هذه
التيارات الثلاثة بعيدة نسبيا عن اهتمام سعيد في كتاباته المبكرة، إلا أن
هذه المقالة جاءت صادمة وعلى نحو غير متوقع في مسار سعيد، لا لأنها تعكس
اهتماما ميثادولوجيا جديدا لإدوارد سعيد في فترة حاسمة من تطوره الفكري
والنقدي حسب، إنما لأنها تهدم وبشكل كامل الفوارق الهرمية في التراتب
العنيف بين ثقافة مثقفة وثقافة مهمشة، بين ثقافة رسمية متعالية وثقافة
ثانوية مهملة، بين ثقافة مكرسة من الناحية السياسية والاجتماعية والأخلاقية
وثقافة مهملة، بين ثقافة مفكر بها وثقافة لا مفكر بها، بين ثقافة معلن
عنها و ثقافة مسكوت عنها، بين ثقافة أساسية وثقافة ثانوية وهامشية، بين
ثقافة متعارف عليها وثقافة مخبأة وسرية ومتستر عليها، غير أن هذه الثقافة
الخفية هي ثقافة موجودة وكائنة وفاعلة ومحرضة وباعثة ومتغلغلة ومتشربة، بل
هي ثقافة كاسحة . منقول