ينبغي لترجمة الشعر أن تكون أساس ترجمة لفظية للقصيدة الغنية بالقيم
الجمالية والتعبيرية. فقد يواجه المترجم المشاكل اللغوية والأدبية الجمالية
والاجتماعية والثقافية في ترجمته. وتشمل المشاكل اللغوية ترتيب وحجب
البنية النحوية لبعض العبارات. وتتعلق المشاكل الجمالية والأدبية بالبنية
الشعرية وأشكال التعبير المجازي، والأصوات.
في حين أن المشاكل
الاجتماعية والثقافية تنشأ عندما ينقل المترجم التعبيرات الحاوية على أربع
فئات ثقافية رئيسية، وهي: الأفكار، والبيئة، والسلوك، والمنتجات. وهذه
محاولة لعرض الاعتبارات الأساسية وكيفية حلها. عادة ما تكون ترجمة الأعمال
الأدبية أكثر صعوبة من ترجمة أنواع أخرى من النصوص لأن المصنفات الأدبية
تحمل قيما معينة تسمى القيم الجمالية والتعبيرية. وتؤكد الوظيفة الجمالية
للعمل على جمال الكلمات (الأسلوب)، واللغة التصويرية، والاستعارات؛ وما إلى
ذلك، بينما توجه الوظائف التعبيرية تركيزها على فكر الكاتب (أو عملية
التفكير)، والعاطفة، وغيرها. وينبغي للمترجم أن يحاول، في أحسن الأحوال،
نقل هذه القيم المحددة إلى اللغة الهدف. وباعتباره أحد أنواع الأدب، فإن
الشعر فيه ميزة خاصة بالمقارنة مع أنواع أدبية أخرى.
ففي القصيدة، لا
يتحقق التعبير عن الجمال باختيار كلمات ولغة تصويرية؛ كما في الروايات
والقصص القصيرة، بل إنه يتطلب إنشاء إيقاع، وقافية، ووزن، وتعبيرات وتراكيب
محددة قد لا تتفق مع المتداول في اللغة اليومية. وباختصار، فإن ترجمة
الشعر لشيء تحتاج الى شيء آخر أكثر مما تحتاجه ترجمة الأنواع الأخرى من
الأدب. وهذه بعض المشاكل المحتملة في ترجمة القصيدة:
1. مشاكل لغوية
ففيما يتعلق بالعوامل اللغوية، هناك نقطتان جديرتان بالنظر، وهما: التجميع
والحجب (غير القياسي) للتراكيب اللغوية. ويقصد بالتجميع إعادة ربط عبارة أو
كلمة مع مجموعة كلمات مع بعضها لتشكيل جملة مفيدة. ويتم الجمع أما بطريقة
بناء تركيب نحوي جديد أو ترتيب أفقي للجملة، فعلى سبيل المثال هناك فرق بين
العبارتين الإنكليزيتين (make a speech) و(say a speech) فالأولى تعني:
وجه خطابا أو أدلى بحديث، في حين أن الأخرى تعني: قال كلاما، وما إلى ذلك.
وهناك صفة أخرى تعرف بالتجميع العملي أو العمودي. وتكون فيه الكلمات منتمية
إلى الحقل الدلالي نفسه أو الدلالة المقابلة. وتختلف هذه الصفة عن الأولى
أن الرديف في هذه الفئة قد يكون موجودا في لغات اخرى.
وأيا كان السبب
في ذلك، فهناك قبول بفكرة التجميع في رصف العبارات، وعلى المترجم العثور
على المعنى الأصلي واستخدام ما يعادله في اللغة إذا كان موجودا.
ولكن
ينبغي أيضا المزيد من الاهتمام لتجميع المعنى في العبارة، ولننظر الى هذا
البيت، على سبيل المثال: I find you in every woods and gardens (أجدك في
كل الغابات والحدائق) فكلمتا (woods) و(gardens) رديفتان لبعضهما، فالأولى
تعني غابة، والأخرى تعني حديقة. ويجب على المترجم أولا دراسة المعنى نفسه.
فكلمة الغابة في الولايات المتحدة ليست بالضبط نفسها في البلاد العربية من
ناحية الخصائص، والمنطقة، والمكان، وغيرها.
وكذلك الأمر ينطبق على الحديقة. فالفحص الدقيق يتطلب فهم المترجم للمعنى السياقي للعبارة.
أما النقطة الثانية التي ينبغي النظر فيهافي المسائل اللغوية فهي الحجب (غير القياسي) للتراكيب النحوية.
وقد
يكون هذا النوع من التراكيب مكتوب بشكل مقصود في قصيدة بوصفه جزءا من
وظيفة تعبيرية للنص. ومن هنا، ينبغي نقل وترجمة مثل هذه التراكيب إلى أقصى
حد ممكن من الوصول الى غاية الشاعر. فالخطوة الأولى للتعامل مع هذه المشكلة
هي ايجاد التركيب الكامن في النص. والإجراء المفيد هو العثور على الموضوع
المنطقي في المقام الأول، ومن ثم البحث عن الفعل المحدد المقصود في الجملة.
فإذا ما تم اكتشاف العنصرين المهمين، فإن بقية الجملة ستأتي في مكانها
الصحيح. وبعد ذلك يمكن للمترجم إعادة بناء تركيب العبارة وبأقرب مدى ممكن
من التركيب الأصلي. فضلا عن أهمية النظر في تركيب كل عبارة أو جملة بشكل
واضح.
2. المشاكل الأدبية أو الجمالية يتم ايصال القيم الجمالية أو
الحقيقة الشعرية في القصيدة من خلال الكلمات والأصوات، وكذلك في المعنى
المعرفي (المنطق). وهذه القيم الجمالية ليس لها معنى مستقل، ولكنها متلازمة
مع أنواع مختلفة من المعنى في النص.
وبالتالي، فإذا أخطأ المترجم
اختيار الكلمة، وترتيب الكلمات، والأصوات، فإنه سيضعف ويشوه جمال القصيدة
الأصلية. كما ستفقد القصيدة الرقة واللين إذا ما نقل مترجم جناسا خشنا بدلا
من الجناس الأصلي المنتقى بعناية. ولذلك، فإن المشاكل في ترجمة قصيدة هو
كيفية الحفاظ على القيم الجمالية في النص الأدبي. فالقيم الجمالية، وفقا
للباحث الشعري نيومارك، تعتمد على التركيب (أو التركيب الشعري)،
والإستعارة، والصوت. ويتضمن التركيب الشعري خطة للقصيدة الأصلية بشكل عام،
وشكل وتوازن الجمل الفردية في كل بيت شعري. وترتبط الإستعارة بالصور
المرئية المستوحاة عبر مزيج من الكلمات، والتي قد تثير أيضا حواس السمع،
واللمس، والشم، والذوق. في حين أن الصوت شيء متصل بالقافية، والإيقاع،
والسجع، والمحاكاة الصوتية، وغيرها.
فلا يمكن للمترجم تجاهل أي منها على الرغم من إنه قام بترتيبها تبعا لطبيعة القصيدة المترجمة.
2.
البناء والتركيب الشعري فالعامل الأول هو التركيب. ومن المهم أن نلاحظ أن
التركيب المقصود هنا هو خطة القصيدة ككل، وشكل وتوازن الجملة الواحدة أو كل
بيت شعري. فليس من الضروري أن يتصل مباشرة بتراكيب الجمل أو التركيب
النحوي للغة، رغم أنه متأثر كثيرا بتراكيب الجمل. ولهذا، فإن الحفاظ على
التركيب الأصلي للقصيدة قد يعني الحفاظ على التركيب الأصلي لكل جملة. ويوصي
الباحثون في الترجمة الشعرية بتكرار قراءة النص المطلوب ترجمته قبل الشروع
بالعمل، لأن في ذلك فائدة كبيرة في تفكيك ايقاعات النص من خلال تكرار
القوافي والعبارات بما يؤثر في استيعاب أكثر للمعنى الذي يذهب إليه الشاعر.
التعبير المجازي
التعبير مجازي، كعامل ثان، يعني أن إثارة الصور
البصرية، والأصوات، واللمس، والذوق، والاستعارات التقليدية، توجه المقارنات
بدون حاجة الى كلمات من نوع «مثل» أو «كما لو كان»، وكافة التعابير
التصويرية.
فالكاتب لا يستخدم الإستعارة في العنوان الفرعي لأنه له
معنى مختلف بالنسبة لبعض الناس. وما هو معروف عموما بإسم الإستعارة
التقليدية، على سبيل المثال، ليست هي نفسها الإستعارة المقصودة لدى ناقدي
الشعر. ويدور مصطلح الإستعارة المجازية حول معاني الوجوه، والصورة،
والمعنى، الإستعارة، أما الأشياء فهي التي يتم وصفها مجازا. ففي تعبير
«اجتثاث الاخطاء»، على سبيل المثال، فالشيء هنا هو «الأخطاء»، أما الصورة
فهي «اقتلاع» الأعشاب، وبهذا يكون المعنى (عزل الأخطاء) بجهود جبارة،
والمجاز هو إستئصال الخطأ الى الخارج.
وكذلك عبارة «البحار السبعة»،
فهي اشارة الى كل العالم، فهي ليست مجازا. فهي عبارة تصويرية. ويقترح
نيومارك سبعة إجراءات لترجمة الاستعارات بصفة عامة. الإجراء الأول هو إعادة
إنتاج نفس الصورة في القصيدة إذا كانت الصورة متكررة للمقارنة. وعادة ما
يستخدم هذا الإجراء لاستعارة كلمة واحدة، على سبيل المثال كلمة «بصيص أمل».
ويمكن لكلمة بصيص أن تبتعد عن الأمل في ترجمتها البسيطة. أما الإجراء
الثاني فهو استبدال الصور في النص الأصلي بصورة أخرى في حدود نفس الثقافة
للقصيدة الأصلية. فعبارة «حياتي معلقة على حبل» المترجمة حرفيا عن نص
انكليزي، يمكن الإستعاضة عنها بعبارة «حياتي معلقة على شعرة»، لتطبيق اجراء
الإستبدال في الصورة. والسؤال هو إلى أي مدى يمكن تعديل العبارات المترجمة
الحاوية على البلاغة المجازية، بحيث لا يبتعد فيه المترجم عن التعبير
المجازي، وهو يعتمد على أهمية القدرة على التعبير.الصوت أما آخر العوامل
الأدبية أو الجمالية فهو الصوت. فهو شيء مرتبط بالقافية، والإيقاع، والسجع،
والمحاكاة الصوتية، وغيرها. وإذا واجهت المترجم ظروف ينبغي فيها التضحية
بواحد من العوامل الثلاثة، التركيب، أو الاستعارة، أو الصوت، فإنه ينبغي
عليه التضحية بالصوت. ومن ناحية أخرى، ينبغي للمترجم الموازنة مع جمال
القصيدة. فإذا كان الجمال يكمن في مزيد من الأصوات بدلا من التركيز على
المعنى (الدلالي)، فلا يمكن للمترجم أن يتجاهل عامل الصوت. ويقصد بالصوت
هنا استخدام القوافي والإيقاعات الوزنية عبر تكرار الكلمات والعبارات. 3.
المشاكل الاجتماعية والثقافية إن الكلمات والعبارات التي تحتوي على كلمة
محددة ثقافيا تخلق بعض المشاكل. فالمشاكل الاجتماعية والثقافية موجودة في
العبارات، أو الجمل، أو الجمل المحتوية على كلمات تتعلق أربع فئات ثقافية
رئيسة، وهي: الأفكار، والسلوك، والمنتج، والبيئة. فالأفكار تتضمن المعتقد
والقيم والمؤسسات. أما السلوك فيشمل التقاليد أو العادات. في حين أن
المنتجات تشمل الفن، والموسيقى، والفنون، بينما تشمل البيئة النباتات،
والحيوانات، والسهول، والرياح والطقس. وقد يطبق المترجم بعض الإجراءات:
كالترجمة الحرفية، أو النقل، أو الأقلمة، والمعادلة الثقافية، والمعادلة
الوظيفية، والمعادلة الوصفية، والحذف، والتقطيع الشعري، والملاحظات
الإضافية، والتقليل، والترادف. وفي الترجمة الحرفية؛ يقوم المترجم بالنقل
الحرفي؛ جملة فأخرى. وتكون النتيجة كلمات دخيلة، ويحتاج المترجم إلى أن
يضبط لفظ الكلمات المتشابهة التي قد تختلف عن بعضها، ليس في الحروف، وإنما
في اللفظ الصوتي.
إن ترجمة تعبير يتضمن كلمات مثل الصيف وشهر مايس
والنسيم والحب والحبيبة والربيع، وهي كلمات متجانسة مع بيئة مريحة للنفس،
ينبغي للمترجم فيها النظر في كل تعبير بعناية لأهمية القدرة على التعبير.
فمن المهم جدا النظر الى المعنى الكامل للقصيدة لكي تتضح أصالة التعبير
عندما تنقل إلى القصيدة الى لغة أخرى. وينبغي للمترجم ملاحظة بيئة الشاعر
في الحالة أعلاه وفهم حقيقة الكلمة الموجهة سواء إلى قريته أو الطبيعة بشكل
عام، فالصيف يعني للجزء الآخر من الكرة الأرضية شيئا مختلفا عنه في الشرق.
فعندما تشرق الشمس الزاهية والزهور، وخاصة الورود الجميلة برائحتها
الزكية، في غرب أوروبا تعني ازدهارا واضحا فيها. وفي الوقت نفسه، يعني
الصيف عذاب الحياة في الشرق، حيث قنوات الري الجافة، وحقول الارز الجرداء
لإنتهاء موسم حصاد الحبوب، والغبار الذي يغطي كل مكان.