أحمد عبد الحسين
وضع الشاعر قرطاً في أذنه اليمنى وأراد من محفل المثقفين أن ينشغلوا
به وبقرطه، بلغ الثمانين من عمره واكتشف ـ الآن فقط ـ أن مثقفي العراق في
الداخل والخارج لم يعودوا يهتمون به، فأراد إعادة التذكير بنفسه لا من خلال
شعره، "الذي أصبح ماسخاً، مجرد نثر موزون يكتبه يومياً وبإفراطٍ وإلحاح
يليقان بمبتدئ"، بل من خلال قرطه الذهبيّ الذي يزيّن أذنه اليمنى.
قال
في عمود له ان العراقيين يتذكرون للآن "طوب أبو خزامة" المدفع العثمانيّ
الذي شارك به الأتراك في حرب أهلية حدثتْ وتحدث مراراً في العراق الذي يكرر
نفسه كهذا الشاعر، ولذا أراد هو أن يرسخ في أذهان العراقيين رسوخ ذلك
المدفع الطائفيّ، بحمولته الرمزية، بخزامته الشهيرة، فوضع له قرطاً ليكون
الشاعر المقرقط ذا الخزامة.
جسد الإنسان ملكه، هو ملكه الوحيد الذي يبقى
له بعد أن ينزع الزمن أملاكه منه شيئاً فشيئاً، وله الحقّ في التصرّف به
كيفما شاء، وليس شيئاً يستحقّ الذكر والاهتمام وضعُ شخصٍ ما "شاعراً كان أو
مهرجاً" قرطاً في أذنه أو خزامة في أنفه أو ملأ جسده بالوشم حتى أسنانه،
هذا تصرّف شرعيّ في ملكية تعود له، ولن يعاتبه أو يحاسبه عليه أحد، لكنّه
سيكون أمراً غبياً وثقيل الدم لو أراد منا هذا الشخص "الشاعر أو المهرج" أن
ننشغل بخزامته أو أقراطه، بحيث يروح يكتب عنه مبرراً فعلته بتبريرات لا
تخلو من تذكير بالطائفية من جهة، وتذكير بصفاقته المعهودة التي أهان بها
العراقيين مراراً.
هو ذات الشاعر الذي قال عن العراقيين انهم "قمامة في
أسفل البرميل"، وانهم "جواميس القيامة"، وهو الذي هرّج كثيراً لننتبه إليه،
وانتبهنا فلم نجد سوى شاعرٍ لا نكاد نحفظ له شيئاً سوى ما أرادتْ لنا
أدبيات حزبه أن نحفظها، والأدبيات الحزبية تعتاش على الشائعات عادة، وقد
خلقتْ لنا شعراء لا يستحقون عُشر ما قيل وكتب بهم من مدائح.
شاعر يستشعر
موته الوشيك، لا الموت البايلوجي فحسب، بل موته المعبّر عنه بشعر ساذج
ومواقف مخزية وترّهات من الكلام الرميم الذي تنشره له "القدس العربيّ"
لصاحبها عطوان. وهو يريد أن يدفع موته بأية وسيلة: بالشتم، والقذف،
والفذلكات التي تليق بصبيّ قرأ عن تمرّد الشعراء توّاً ويريد أن يقلدهم.
لن
نعيد التذكير بقصائده التي يتوسل فيها "توني بلير" أن يضرب العراق، ولا
محاولاته لأن يكون وزير ثقافة في بلده "المحتلّ" ولا بمقالاته التي تنضح
طائفية، يكفي للدلالة على تهريجه هذا القرط الذي ثقب أذنه وأرادنا أن نؤجل
كل أعمالنا لننشغل به.
مفجع أن ينتهي شاعر حين يبطل سحر الايديولوجيا
التي كانت تحفّ به، حين تتعطل الرافعة الحزبية التي كانت ترفعه علماَ
شاخصاً دون كثير استحقاق.
كم من شاعر جايله أو أتى بعده استحقّ أكثر منه
الشهرة والمجدَ اللذين نعم بهما هذا الشاعر وغيره ممن صبغتهم ولمعتهم
ماكنات كانت لها سطوة كبرى قبل أن تتساقط براغيبها وتتعطل.
بؤس الشاعر "أبو خزامة" انه لم يجد ما يدفع الموت به سوى التهريج.
أية نهاية هذه يا أبا حيدر؟ أية نهاية؟