free men فريق العمـــــل *****
التوقيع :
عدد الرسائل : 1500
الموقع : center d enfer تاريخ التسجيل : 26/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 6
| | طابو البكارة، اليوم وفي ديارنا نحن (11) مفارقات الشرف في ثقافتين: للمقارنة والتأمّل | |
يوما إثر يوم تتعمق الهوة الحضارية التي تفصل مجتمعاتنا العربية ليس عن مجتمعات الغرب الأوروبي المتقدم باستمرار، بل عن أفكار عصور الحداثة الأولى التي كانت إرهاصاتها الأولى منذ القرن الخامس عشر قد بدأت ترسم أفق ثوراته الاجتماعية والعلمية والمعرفية المتتالية دون توقف حتى أيامنا. وتستمر النتائج كارثية على المواطن العربيّ كفرد أعزل بمواجهة إمّا قوى ظلامية متشددة، أو سلطات مستبدة جائرة. أو بمواجهة تواطئهما معا لاغتيال عقله وعمقه الإنساني الحقيقي. كما سأبين من المثالين القادمين اللذين يجسدان أقصى مفردات الحياة اليومية بين المجتمعين، والتي تعكس أيضا أقصى مفارقات الثقافة التي تحكم كل منهما لاسيما فيما يتعلق بالشباب والموقف الأخلاقي من المرأة. فالشباب هم وقود المستقبل، والمرأة هي نصف المجتمع الأكثر رقّة وخصوبة وعطاء.
تكثر في مجتمعاتنا العربية، ما اتفق على تسميته بـ "جرائم الشرف "، كما نقرأ ونسمع يوميا، وتكثر الأحاديث والندوات الحوارية والملفات الصحفية حول بشاعتها وضرورة تدخل الدولة للحدّ منها على الأقل عبر وضع عقوبات جزائية شديدة لمقترفها، واعتبارها جريمة إنسانية لا علاقة لها بالشرف. لكن " لا جدوى يا يسوع… لا جدوى " كما تقول إحدى شخصيات روايات كازنتزاكي. فهذا النوع من الجرائم يستمرّ لأنّ مقترفها يستفيد من أعذار تخفيفية يبيحها له القانون وأخلاق المجتمع وثقافته العامة السائدة. وربما يصبح بعدها بطلا مرفوع الرأس يشار له بالبنان في حارته وبين أبناء عشيرته أو قبيلته بل وفي طائفته كلها. لأنّ المسألة في عمقها الحقيقيّ هي في الثقافة القبلية السائدة في القاع المجتمعيّ العربيّ، كجذر رئيس متمكن، لكل القيم والتشريعات الأخلاقية والقوانين، بل وحتى الأنظمة السياسية الحاكمة. ثقافة تنكر حقّ الفرد في الاستقلال بتفكيره وحاجاته وميوله وعواطفه أو حق التصرّف بجسده، عن رأي وأخلاق بل وقرارات الجموع في المجتمع، ممثلة بسلطاتها الزمنية والروحية. فهو فرد ضمن قطيع كبير وتمايزه النسبيّ يكون فقط حسب مستوى مكانته الذكورية أو الأبوية السلطوية، ضمن هذه الجموع.
ولعلّ من أخبار الجرائم العديدة التي أقرأها مع التعليق عليها ما يزال يستوقفني خبر قرأته منذ أربعة أعوام لسبب سوف يتضح لكم لاحقا. ففي عدد صحيفة ( الحياة ) بتاريخ 2004/9/14 ص4، نقرأ عنوان الخبر التالي: "أردني يقتل شقيقته أمام المئات لتبييض الشرف". جاء فيه أنّ الضحية عمرها 24 عاما وأنّ الشقيق " أقلّ شقيقته في سيارة للنقل العمومي بصحبة عدد من أفراد العشيرة ووضعها على ميدان رئيسيّ يشهد حركة مرور كثيفة في البلدة، قبل أن يبتعد عنها خطوات ويصوّب مسدسه، مطلقا خمس رصاصات إلى قلبها مباشرة، لتفارق الحياة على الفور وسط وجوم الحضور وعجزهم عن فعل أي شيء للضحية" ثم يتوجه الشقيق القاتل إلى أقرب مركز أمنيّ ليسلّم نفسه مستفيدا بذلك من نصّ قانونيّ يخفّف عقوبات جرائم الشرف. ويذكر محرّر الخبر أنّ جرائم الشرف المماثلة في الأردن خلال عام 2004 بلغت 12 جريمة مقابل 20 جريمة خلال عام 2003. ثم يخلص إلى القول ملخّصا رأي بعض الاختصاصين في علم الاجتماع "أن تعاظم ظاهرة جرائم الشرف" يعكس فشل النظام التعليمي الذي تواطأ في فلسفته ومناهجه مع معتقدات اجتماعية مشوهة وموروثات خاطئة حول الجنس والأخلاق والمرأة" يضاف إلى ذلك " عزلة النخب الثقافية التي لم تشتبك مع المجتمع واكتفت بإعلان يأسها من التغيير المنشود ".
وفي نفس العدد بذات التاريخ من صحيفة الحياة نقرأ في الصفحة 19 " ملفّ شباب " تحت العنوان التالي " شباب سويسريون يبحثون عن علاقات طويلة الأمد " مقالا لمحرره من جنيف يكشف فيه عن الفروقات بين جيل الشباب اليوم في سويسرا وأوروبا عموما عن جيل آبائهم الإباحي في حقبة ستينات القرن العشرين مستعرضا أمثلة وأقوالا لشباب من الجنسين حول المسألة، مع رأي الأخصائيين والباحثين الدارسين في الغرب المتابعين باستمرار لتحولات أفكار وميول الشباب هناك. ففي أحد الأمثلة تقول الفتاة السويسرية ( كلاوديا ) عمرها 18 عاما : "لم يكن الموضوع يشغل تفكيري في شكل كبير، كنت أدرك أنني يوما ستكون لي علاقة بشاب. ولكني تركتها للظروف، أهدتني أمي في عيد ميلادي السادس عشر عازلا واقيا وقالت لي أنني الآن حرة في حياتي وعليّ فقط أن أنتبه من الإيدز، وفي أول تجربة لي مع شاب بعد حفلة في الديسكو اختفى تماما، ولم أكن أعرف سوى اسمه الأول وعندما التقيته مصادفة اكتشفت أنه نسيني تماما ولم أكن بالنسبة إليه سوى متعة عابرة. ولما لاحظ دهشتي عايرني بأنني كنت عذراء وعليّ أن أكون شاكرة له لأنه قبل بي في تلك الليلة. شعرت بحرج كبير عندما سمعت تلك الكلمات، لم أحبّه ولكنني لم أكن أتوقّع أن يكون وقحا، ولكنه قال لي أنه صريح ويقول ما لا يقدر الشباب الآخرون على البوح به. أحسست بنفسي مهانة. وقررت من هذا اليوم ألا أبدا أية علاقة إلا مع شاب ناضج يبحث عن علاقة طويلة، أما العوازل الخمسة عشر المتبقية فقد أعدتها إلى أمي".
ويشير محرّر المقال في بقية الأمثلة الواردة على لسان شخصياتها الشابة التي يذكرها بالاسم والعمر أنها وصلت إلى ذات النتيجة التي وصلت إليها ( كلاوديا )، وفي وقت مبكر من العمر حيث أن جميعهم تحت سن العشرين. رغم أن الحرية الجنسية متاحة أمامهم بدون حدود أو أية رقابة من الأهل والمجتمع. لكن ماذا تقول لنا المقارنة بين المثال الأردنيّ الذي هو أيضا مثال عربيّ بامتياز لكن في حدّه الأقصى. وبين المثال السويسريّ الذي هو مثال أوروبيّ بامتياز، وربما في حدّه الأقصى أيضا. لا شك أن الجواب على هذا السؤال يستدعي إلى الذهن سؤال أخر لا يقل أهمية. وهو لماذا لا توجد في مجتمعاتنا العربية مراكز أبحاث متخصصة معززة بثقافة مجتمعية تنطلق من الإنسان أولا، والفرد الكائن فيه بكل آلام وآمال مفردات الحياة اليومية لديه. مثلما هو موجود في المدنية الأوروبية؟
أزعم هنا أن هذا السؤال يحيلنا إلى الفارق الأساس بين الخلفية الثقافية التي تحكم مجتمعاتنا العربية، والخلفية الثقافية للمجتمعات الأوروبية. فرغم دخول الحداثة الأوروبية إلى مجمل أنماط ومستويات حياتنا اليومية لكن في جانبها الشكلاني المبهر والاستهلاكي المفرط فقط، الذي يتصالح من خلال سيادة علاقات السوق دون سواها، مع أشد حالات ورموز التخلف القبلي في أي مجتمع كان إذا لم يتم التصالح بداية مع ثقافة الحداثة ذاتها وتمثلها في سياق عملية إنتاج ثقافي جديد. ورغم أن الثقافة العربية الحديثة والمعاصرة حاولت ذلك منذ بداية عصر النهضة العربي مع بدايات القرن التاسع عشر، بأطياف واتجاهات فكرية، ومذاهب أيديولوجية، متعددة. إلا أنها أخفقت في مقاربة الواقع اليومي المعيش للإنسان العربي، و"الاشتباك" اليومي فعلا مع كل أسباب ورموز وقوى التخلف التي تقتل الإنسان فيه. فالثقافة العربية انطلقت من النظريات والأفكار والكتب في سياق الإطلاع والترجمة ونقل الأفكار والنظريات وإعادة استنساخها محليا قياسا على موروثنا الثقافي التاريخي، وليس على وقائع الحياة اليومية للإنسان العربي. بينما الثقافة الأوروبية منذ عهود الحداثة الأولى انطلقت من الوقائع اليومية بعلاقة ديالكتيكية مع التحولات العظيمة في الواقع. واستطاعت في سياق تكونها أن تتحرر من سطوة المنطق الأرسطي بقوانينه الجامدة. ومن سلطة ميتافيزيك الفكر الديني للعصور الوسطى. بتوافق تام مع تحرّر شخصية الفرد الأوروبيّ بأبعادها الإنسانية الكاملة، وتمكنت من بناء منظومات فكر فلسفي متعددة تتقاطع جميعها في رسم أفق مستقبلي متجدد ليس للمجتمعات الأوروبية فقط وإنما للبشرية جمعاء. متجاوزة بذلك الشرط المجتمعي اللاإنساني للقرون الوسطى بدون أسف أو رجعة. ومتضمنة في كل ذلك حقّ الفرد الإنساني في الاستقلال بتفكيره وعواطفه وحاجاته الإنسانية وحتى جسده الذي هو ملك له وحده فقط وهو المسؤول عن كيفية التعامل معه، ولا أحد غيره. فالمسألة في جوهرها فكرة ثقافية فلسفية تحكم العقل الغربي عموما مهما تعددت اتجاهات التفكير فيه. ولا علاقة لها بمسائل العيب والحرام كما هو سائد عندنا.فالثقافة العربية الحديثة والمعاصرة لم تنجح حتى اليوم في محاولة تحرير الفرد العربي من إطار القطيع القبلي والسياسي الذي يعيش فيه. أو في تكوين رؤية فلسفية عربية معاصرة تساعد في رسم ملامح أفق مستقبلي جديد للمجتمعات العربية بتوافق مع السياق العام للتطور البشري على أساس مستجدات العلم وثوراته الدائمة.
لذلك نشهد هذا الاستيقاظ الرهيب والمريع لكل ما هو قبليّ وغرائزيّ في موروثنا التاريخي والاجتماعيّ، ليشكل مكونات ثقافة جديدة قادمة سوف تحكم مجتمعاتنا بالكامل. وضمن هذا السياق الراهن تذبح الصبيّة العربية الأردنية - اسمها واسم شقيقها القاتل مجهولان لأسباب قبلية عشائرية حسب الخبر الوارد في الصحيفة – ذات الـ24 ربيعا بتلك الطريقة الوحشية، ربما بسبب وضوح مشاعرها الإنسانية في فترة قلقة ومصيرية من عمرها كأنثى في مجتمع شرقي محافظ، كما قتل وسوف يقتل الكثير غيرها، بتواطؤ من قبلنا جميعا أفرادا ومؤسسات حكومية وأهلية، ومثقفين، وسياسيين سواء في الحكم أو في المعارضة. أما السويسرية ( كلاوديا ) ذات الـ 18 ربيعا فباستطاعتها أن تختار طريقها بحريّة تامة منذ عامها السادس عشر لتدرك بسرعة ومن أوّل تجربة لها أن الإنسان ليس غريزة فحسب بل هو أساسا أحاسيس ومشاعر دافئة ونبيلة، ومقدرة على التفكير السليم، تولد من خلالهما عواطف إنسانية سامية. وعلى هذا الأساس أخذت قرارها بهدوء وسلام داخلي مع الذات، وكذلك فعلت زميلاتها الأخريات. ثمة قراءات أخرى متعددة يستطيع الباحث أو الأخصّائي في علم الاجتماع المقارن، والتاريخ، وعلم النفس، والأنتروبولوجبا، أن يضيئها من المثالين السابقين، الأمر الذي لا ندعيه. ثمة سؤال أخير يطرح ذاته هنا، يتعلق بمدى صحة الرأي السائد حول دفء العلاقات والمشاعر الإنسانية في مجتمعاتنا العربية الإسلامية، مقابل برود العلاقات الإنسانية في الغرب وفجورها ! | |
|