هذا الكتاب فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1296
الموقع : لب الكلمة تاريخ التسجيل : 16/06/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3
| | جواهر لا يعرفها الإسلام! | |
إذا نظرنا في باب من أبواب التاريخ إلى ما وصلت إليه أمم الشرق كالأمة المصرية مثلا أيام الفراعنة من العظمة والمجد المؤثل وما شيده الكلدانيون والآشوريون والبابليون والهنود من أعمال وفنون وعمران وشرائع لا تقل في فخامتها وجبروتها وثرائها الفني والفلسفي عن أعمال اليونانيين والرومان على الشاطئ الآخر فإن هذا يجعلنا نتسائل عن سر هذا العقم والعجز الذي ابتلي به الشرقيون (الورثة الخاملون) حتى انحدروا ليكونوا اليوم أفقر الأمم فكرا وأثرا، وأحطهم قيمة وذكرا، وأشدهم تنكرا للمدنية وحنينا للوحشية، حتى ترى الشرقي لا تحسبه في الأرض إلا حربا لتحضر الانسان وحريته وابداعه وانطلاق خياله، نصيرا للتخلف والبدائية شديد الحرص على القديم والجمود عليه والتفاني في خدمته؟
-لقد ورث الإسلام تاريخ تلك الأمم وأباد في الناس ذكراها، ولما صارت في قبضته وتحت تصرفه أخضعها وأهلها إلى دوغمائيته الضيقة ورؤيته المتصلبة، فتقزمت الهمم ونضبت العزائم وتوجهت الطاقات الانسانية والعقلية إلى خدمة الدين والأحكام الملية والنظريات الفقهية والحدود والعقائد الاسلامية، في نفس الوقت الذي غَيبت فيه السلطة الاسلامية عن عقول أصحابها حكمة التاريخ وعلم العمران اللذان أفادانا أن للكون نظاما بديعا وسننا محمكة استخرجت الامم السابقة للاسلام والأمم الغربية لهذا العهد أكثرها واستعملوها في حفظ حياتهم والترقي بمدنيتهم نحو الأمثل فالأمثل والأوفق لإنسانية الانسان المعاصر فالاوفق.
-نعم لقد نبتة في أقاليم البلاد الاسلامية نابتة عقل وحكمة وطائفة علم وفلسفة، جاوزت الاسلام وتحجر فكرته، وهجرت ضيق عطنه وتعنت سَدَنته، واستقت مصادرها من أنظمة معرفية مناقضة راديكاليا للنظام المعرفي الذي وضع محمد أسسه السطحية ومبادئه الغيبية ومناهجه الشمولية المبنية في عمومها على فكرة (خرق العادة) التي لا تدع مجالا لفكرة القانون أو السببية، وتعزل العقل في زاوية محدودة جدا لا تتعدى الاستئناس و الاستعانة والاستقواء به في تدعيم المنحى العصموي والتبجيلي للنصوص الدينية، ثم نشره من بعده (السلف الصالح) بحد السيف وقهر الفتوح وجبر الولاة والمتفقهة، وانطلق أولئك الفلاسفة المتحررون أومن عرفوا في تاريخ الاسلام بالملاحدة وأهل الأهواء، أو الزنادقة وأهل الضلال يترجمون وينهلون من حكمة اليونان وعلوم الهند والفرس وغيرهم من الأمم التي حنط الاسلام علوم أهلها، معلنين القطيعة مع اللاعقل ومنتجاته الكلاسيكية في التفسير والحديث والفقه والاعتقاد.
- ويخطئ أشد الخطأ من يظن أن ابن سينا والفارابي والسهروردي وابن طفيل والباجي والتوحيدي والمعري وغيرهم من أقطاب المدرسة البرهانية كانوا إسلاميين بالمعنى المتبادر للكلمة، كلا لم يكونوا حملة اعتقاد إسلامي كانوا أبعد ما يمكن عن الفكرة الاسلامية اعتقادا وعملا، حتى وهم يتحدثون عن الالهيات. إن تراثهم وثمار أعمالهم لم تنتج لنا فكرا إسلاميا أصيلا، لكنها أينعت بفكر مشرقي عقلاني، يستند في أساسه ومادته إلى الفكر اليوناني ويتهادى في حججه وبرهاناته بين أرسطو وأفلاطون، فأين دولة محمد التي بنيت على الخرافة وأوهام الوحي والتصور التجسيمي للذات الاهية من المحتوى المعرفي والمضمون الايديولوجي للمدينة الفاضلة التي تخيلها الفارابي والتي جعل أساسها سيادة العقل وعلو مرتبة الفيلسوف الذي يستمد الهداية من العقل على النبي الذي يستمدها من قوة الخيال، ومن هنا كانت المنظومة الفارابية الثائرة على المجتمع الذي يستمد أفراده معارفهم من الدين الاسلامي وأساطيره تعكس في نظامها العلمي-الفلسفي أرقى ما يمكن بلوغه من درجات على سلم العقلانية. وأين روح القرآن في ما ألفه ابن سينا في ما يخص العلم الالهي الذي كان اعتماده فيه على كتاب (ما بعد الطبيعة) لأرسطو، وأين أثر الاسلام في ما قرره في (فلسفته المشرقية) وفي كتابه( الاشارات والتنبيهات) وكافة نصوصه ومؤلفاته المشهورة. بل إن أقطاب المدرسة الصوفية العرفانية كالسهروردي وابن عربي وابن سبعين والحلاج التي يظن البعض أنهم استمدوا طريقتهم من الفكرة الاسلامية، لم يأخذوا منها إلا الرسوم والعبارات الظاهرة، للاعتبارات سياسية واكراهات ثقافية معروفة في المجتمعات الاسلامية، أما الرؤية الفلسفية والاشراقات المعنوية والجوهر الاعتقادي فتعود أصولها إلى ما قبل الاسلام بعدة قرون ولها امتدادات تاريخية إلى الفلسفة الهرمسية القائمة على الحكمة الاشراقية و الكشف والالهام في تلقي المعرفة مقابل الحكمة البحثية القائمة على الاستدلال والنظر والبرهان كما يقول السهروردي في المطارحات.
ولا يتسع المقام هنا لاستعادة موسعة للفروقات والمفاصلات التي تبين بجلاء مباعدة كبار فلاسفة الشرق من أهل البرهان وأنصار العرفان للاسلام كفكرة غيبية ملفقة من مجموعة من الديانات والفلسفات السابقة له والمعاصرة، لكننا نكتفي بإشارات تبين أن القوم إنما انضووا تحت لوائه وتلطخوا بشعاره مكرهين غير مختارين تقية وخوفا من حرقهم أو صلبهم أو إعدام كتبهم كما حدث لكثير منهم على امتداد الزمن، والتاريخ طافح بالأمثلة والشواهد، فقد أخنى المسلمون وخلفائهم عموما على هؤلاء المفكرين واضطهدوهم وضيقوا عليهم مسالك القول وسبل التعبير، ورغم ذلك فإنهم اليوم بعد أن اعترف العالم المتمدن بعلو كعبهم ورياستهم وسبقهن -لا يفوتون فرصة إلا انتسبوا إليهم وربطوا تاريخهم بتاريخ الاسلام؟.
لم يكن أولئك المفكرون -الذين نقيم لهم التماثيل في بلادنا ونسمي بأسمائهم مستشفياتنا وأحيائنا- على شيء من الاسلام بل حتى من انتمى منهم ظاهريا الى مذهب أو طائفة تجده أبعد ما يكون عن تلك التي تتمسك بحرفية الدين وتلتزم أحكامه وعقائده ورسومه فتجده مثلا أميل إلى الصوفية الفيضية أو الشيعة الاسماعلية بما تسمح به باطنيتهما من تعمق في النظر وتحرر وانطلاق.
-نعود فنقول: إن الاسلام لم يصنع لنا مدنية ولم ينشئ حضارة وإن ما ظهر في الأقاليم الخاضعة له من بوادر نبوغ وبوارق علم وفلسفة كان خارجا عن رغبة اللاهوتيين المسلمين، وإن هؤلاء الذين عرفوا (بالسلف الصالح) والفقهاء كان لهم رأيا فاسدا في العلوم الدنيوية والعقلية وكانوا يحرمونها وينهون عنها وموقفهم هذا كان تعبيرا صادقا عن تعاليم محمد ورؤيته للتجديد والإبداع، فانزوت أمته عن الأمم الأخرى لاعتقادها أنها أفضل منها علما وأدبا، وفضيلة ونسبا وذلك قول القرآن:( كنتم خير أمة أخرجت للناس) فأصبحت بذلك الاعتقاد وراء تلك الأمم، إذ التقدم والترقي يتوقف على المباراة والمسابقة ولا نجاح بدونهما.
- والمسلمون لما بث محمد في عروقهم خدر الخيرية والأفضلية واعتقدوا أنهم أفضل الأمم نسبا لاتصالهم بالإله واتصال غيرهم بالشياطين وأن بلادهم بلاد الايمان وبلاد غيرهم بلاد كفر ونجاسة، وأن رقعتهم فيها أقدس الأماكن وأطهرها ورقعة غيرهم موطن فجور ورجاسة، وأن عوائدهم أفضل العوائد وأن لا علم إلا عندهم وأن الحكمة لم تتخط سدهم وشطوطهم- قطعوا علائقهم مع غيرهم احتقارا لهم ورغبة عما عندهم فكانت النتيجة أن بقي علمهم وعمرانهم على ما كان عليه قبل 1400 سنة فأخنى عليهم الدهر بما هم مصرون عليه من رجعية وتخلف ومقبلون عليه من مزيد استجداء لما عند غيرهم من علوم وفضائل، وهم أكثر الأمم تقليدا وتبعية مع ما يزعمونه لأنفسهم من شخصية واكتفاء وليس على التحقيق إلا هواء، والأعجب أنهم مع إحكامهم التقليد وتفانيهم فيه وكرههم للتجديد إذا ترك لهم عمل بسيط جدا خبطوا فيه خبط عشواء، وهذا من صفات الأمم المتوحشة التي حظها من المدنية قليل، تميل أبدا إلى التقليد الأعمى، فإذا رأى أهلها أحدا يجتهد بشيء من الأعمال النافعة أو المعاني المبتكرة رموه بالكفر والردة والزندقة.
والواقع أن الدين الاسلامي في كليات مقاصده ضعيف القدرة الخيالية لايحمل لأهله طاقة ابداعية تبعثهم على الانتاج المعرفي الخلاق خارج دائرته ولذلك ابتغى أولئك الفلاسفة المتحررون وسائل معرفية أرحب صدرا وأعمق نظرة من الاسلام، فكانت ثمارات عقولهم أبعد مدى في الانسانية وأكثر اتصالا بالتاريخ من اللاهوتيين أنصار القديم، والسبب كما ذكرنا هو أن قليل التصور ساقط النتيجة لا يستطيع الاجتهاد بأكثر المسائل الملية فضلا عن العقلية فهو عدو لكل حركة عقلية حرة منطلقة، جامد على ما عنده من مناشير مزبورة وصحائف مسطورة، عاكف دهره على مكرور معناها ومسطور مبناها.
-إن القوم يعفون اللحى ويقصرون الأثواب ويؤدون فروض دينهم ويؤتون زكاة أموالهم ويصومون رمضان ويحجون البيت، ومنذ آلاف السنين وهم يقطعون ويرجمون ويعدمون ويجاهدون ويثخنون ويفتحون ويسبون ويأسرون فهل وجدوا في هذه الحياة الجهيدة والعيشة البئيسة من لذة أو سعادة؟ هل وجدوا بعد -مضي كل هذه القرون- ما وعدهم به محمد حقا؟
كلا لقد سمعنا القرآن ما لا يعد من المرات وقد تفننت فيه أصوات القراء بأطرب المقامات وأرخمها، فوجدنا طنطنة عود يسمعها المرأ وهو مار بشارع تفوق لذتها في القلوب والأسماع لذة ما كان يحضره من مجالس التلاوة والترتيل، ألا يسأل المرأ نفسه كيف تفضل رنة وتر آية معدودة في كلام الله؟ إنه سؤال عن المصدر فهل تتماهى الألوهية مع البشرية حتى يغلط الحس ويكبو الوجدان فيقدم المفضول على الأفضل؟ أم أن للمسألة وجها آخر لا يضعه المسلمون في الحسبان بحكم ترسخ العادة وفشو التقليد؟ | |
|