ذ رشيد شريت
2011-10-25 22:06
نُخْبَتُنا خَيْبَتُنا! هو أقرب تصوير لوصف حالة الضياع الذي
تعيشه نخبتنا المغربية، خصوصا في علاقتها مع ما يدور و يحدث من حولها؛ من
حراك شعبي و مجتمعي عام! إنهم في غيبوبة تامة عن الساحة! بين رجل مع المخزن
و رجل أخرى في أحسن الأحوال مترددة بين مجرد التعاطف مع النزول المعنوي أو
حتى حلم النزول إلى الشارع، أو قل الصعود إلى الشارع لأنه أضحى لا يقوى
على صعوده عقبته الكأداء إلا التواقون للكرامة الكاملة من دون تقسيط. و أما
باقي أرجلهم و لنخبنا أكثر من رجلين و لسانا و شفتين، فمع مستقبلهم الشخصي
و حساباتهم البنكية و مشاريعهم الشخصية، و البعثات السياحية المسماة مجازا
باسم المشاركة في المؤتمرات و الملتقيات الدولية الهاي كلاس المدفوعة
الآجر، وإن كان هذا مطلب طبيعي و مفهوم لكن الأحق منه سؤال الكرامة و حقوق
المجتمع ككل. غموض و تيه و غيبوبة و غيرها عناوين الخيبة و الحسرة لنخبتنا
المغربية و موقعها من الإعراب المجتمعي العام!مع بعض الاستثناءات الشاذة
هنا و هناك، و طبعا الشاذ لا يقاس عليه! فلماذا هذه الحالة من الغيبوبة
التامة عن المجتمع؟ و هل يمكن الحديث عن نخبة أم عن نخبة اصطناعية أقرب
منها إلى لوبيات عائلية صنعها المخزن كما صنع معارضيه؟ و حتى إذا افترضنا
دخولها على الخط فهل ستكون لها قيمة مضافة و هي المقطوعة عن الشارع و نبضه؟
و هل لدخولها المتأخر المُتَجَرْجِرْ معنى و مغزى؟ أم فاتهم القطار على
حد قول العبد الطالح اليمني! و ما موقعها في الإعراب المجتمعي العام الحالي
و القادم إذا ما أصرت على حالة البقاء في دور المتفرج المراقب؟و هل
بتخلفها أتاحت فرصة ذهبية لبروز أصوات و نحب جديدة؟
نخب أم لوبيات مخزنية؟
من الصعب الحديث عن نخب مغربية طبيعية في ظل النظام المخزني من دون
الحديث عن الآلية المخزنية لصناعة نخب على مقاسه و مزاجه، أو حتى استيعاب
تلك النخب التي نشأت خارج فلكه، و ذلك لهيمنة المخزن و احتكاره للثقافة
المجتمعية سواء السياسية أو الثقافية و التاريخية منها. فهو لا يضع السياسة
فقط، بل يتعداه إلى إنشاء الخطاب و الثقافة السياسيتين، و يفرض فرضا تحت
يافطات الإجماع الوطني و المسلمات التاريخية التي لا تقبل الشك و النقد
!.بل حتى الخطاب المعارض المتشكل من داخل الدائرة المخزنية المبنية على
قواعد اللعبة المرسومة سلفا قد لا يعد خطابا معارضا 100% طالما ينهل من
الثقافة نفسها،و يعارض التفاصيل لا التصاميم.
و عادة ما يتم وصف النخبة بكونها قشدة المجتمع التي لها القدرة على صنع
القرار و توجيهه و التأثير على الرأي العام؟ فهل تنطبق هذه المواصفات على
النخب المغربية؟ أكيد لا. بل حتما هي أبعد عن هذا، و عليه فالتوصيف الدقيق
للنخب المغربية هو انقسامها إلى طبقات، مع التركيز على مصطلح طبقات لأنه
يعكس طبيعة النسقية الحالية و القابلة للتشكل و التغيير نتيجة المستجدات و
التطورات الحاصلة:
الطبقة الأولى: لوبيات العائلات والتجمعات
وهي النخبة المخزنية أو اللوبي المقرر، و هي أقرب منه إلى لوبي مخزني
كبير تتصاهر فيه روابط العائلة و القرابة و المال و النسب و المصاهرة و
السياسية و المالية المبنية على قاعدة مدى قربها و ولائها لدار المخزن. و
قد ظهرت بشكل كبير في العشرية الأخيرة، و كانت العائلات الفاسية زمن حكومة
عباس الفاسي أبرز ملمح لهذا. و ذلك لا لكونها نخبة مخزنية فقط، و لكنها
لوبي عائلي بروابط متشعبة فضلا عن الاعتبار الثاني الذي هو عقم المخزن على
إنتاج نخب طبيعية مجتمعية متمايزة عن اللوبي العائلي الوراثي التقليدي. هذا
العقم أدى إلى توسع اللوبي المخزني العائلي و تضخمه المفرط في السنوات
الأخيرة. و هو ما يجعلنا نؤكد على أن المخزن بمنظومته الحالية هو إلى زوال
لا لفشل مشروعه السياسي فحسب و لكن لعدم قدرته على إنتاج نخب جديدة تحمل
فكره و تصوره. ناهيك عن تهاوي أطروحته الفوكوياماتي باعتبار المخزن نهاية
للتاريخ السياسي المغربي المعاصر.
هذه النخب المنحدرة من هذا اللوبي تحتاج إلى:
- تأشيرة العائلة أو التجمع أو التكتل، سواء بطريقة القرب أو التدخل من جهات ما نتيجة توصية ما!
- بُعد الولاء القابل للتطور نحو الولاء المطلق لدار المخزن.
- الكفاءة الشخصية فكرا أو مالا او خدمات، أي ما يمكن أن يقدمه هذا
الوارد الجديد الطموح لنادي النخبة، و قد يتعلق الأمر بكفاءات متواضعة، فقط
من أجل ملء فراغ ما من الفراغات .
الطبقة الثانية: النخبة المدمجة
أو بالمعنى الأصح النخب التأثيثية للنسق المخزني العام، و هي نخب
الأحزاب و الهيآت المجتمعية الأخرى التي لا يمكن وصفها بحال من الأحوال
بأنها مخزنية إلى النخاع لأن عددا كبيرا منها كان معارضا للمنظومة
المخزنية، و تظهر نخب اليسار أكثر من غيرها لأنها كانت مهيأة أكثر من غيرها
في العقود الأربعة الأخيرة على مناكفة المخزن و رفع سقف الفعل والتشوف
للسلطة. و رغم إدماجها في المنظومة المخزنية إلا أنها بدون أثر يذكر! و
يكفي مثلا أن يتولى المناصب الحقوقية الرسمية يساريون مثل بنزكري و حرزني و
الصبار، وحتى عبد الرحمان اليوسفي كأبرز مثال سياسي. و يبقى حزب الجرار
أبزر مثال على مدى القدرة على المخزنة و الإدماج لعدد من اليساريين
الانقلابيين سابقا.
و أقول أنها نخب تأثيثية لا غير، ليس من باب الحط
من قيمتها و مؤهلاتها، بل لأن المخزن لا يأبه إليها تماما بعد استقدامها و
استخدامها، والأعجب و المحير فعلا أنه خلال العقد المنصرم قام المخزن
بأكبر عملية جلب من جهة، و بالموازاة مع ذلك قام بإبعادها و إفراغ
الأحزاب الموالية له منها؟
و خير مثال حركة تعيينات السفراء التي ضمت أعضاء قياديين من الأحزاب
كالاستقلال نموذج حسن عبد الخالق عضو اللجنة التنفيذية و أحد مسؤولي العلم
الذي عين سفيرا بالأردن؛ و قبله المفكر علي أمليل سفيرا بلبنانة؛ و عبد
القادر الشاوي سفيرا الشيلي؛ نبيل بنعبد الله- سابقا - سفيرا بإيطاليا و
غيره ما يعني. قمة الضبابية في الحفاظ على النخب الموالية للمخزن، و إلا
بماذا نفسر العقم في إنتاج النخبة ثم الرمي بمن تبقى من النخبة التي تم
استيعابها بعيدا عن الساحة؟
و الحال أنه يصعب تقدير موقف المخزن و كيفية رؤيته و تقديره لهذه
المرحلة إلا بكونه يعيش حالة من الانهيار الداخلي على مستوى تدبير
المرحلة،و التي جعلته يفكر فقط في تدبير اللحظة الراهنة من دون النظر إلى
القريب أو المتوسط! و الدليل هو حالة الشلل التام في تجديد الخطاب السياسي
طالما سيتم تنزيل جزء منها بواسطة آليات و وجوه و نخب قديمة؟
الطبقة الثالثة: نخبة المعارضة الشعبية الجديدة
النخب الشعبية اللا مخزنية الناشئة، و هي النخب الشبابية إما عمرا أو
فكرا التي عبرت عن نفسها من خارج المنظومة المخزنية، مطالبة بالقطيعة معه،
هذه الأخيرة و التي يمكن اعتبار حركة 20 فبراير أبرز ملمح لها و إن لم
تتحدد الرؤية تماما على الأقل عند البعض، أي التمييز بين صدى الشارع و
اللحظة الراهنة و بين بروز بصمة ما بعد المرحلة و المخاض الحالي. لأن
الثورات و الانتفاضات عادة ما تفرز نخب مرحلية وليدة اللحظة تخبو بمرور
المخاض. هذه الطبقة من النخب الناشئة و إن كانت لا تملك القرار و لا
الإرادة في التأثير الواسع على الجماهير إلا أن صورتها ارتبطت بمجريات
الحراك الشعبي و حركة 20 فبراير تحديدا، و قد تتميز أكثر في المجالات
الفردية مثل الكتابة و المقال و الشعر و الفن و غيره....و هي تجمع بين
رسالتها الفنية و المهنية والإعلامية و الثقافية و بين الهم السياسي و
التعبير عن مطالب الشعب المغربي عبر قناة حركة 20 فبراير، لذا فلا ريب أن
يتم مثلا حبس مغني الراب الحاقد معاد بلغوات الذي يعد أحد أبرز المنابر
الفنية للحركة و المناهضة للمخزن، أو التضييق على عدد من الأقلام الجديدة و
أبرزها حبس رشيدي نيني الذي لا يمكن دوره الكبير في كشف المستور و العورات
المخزنية، و من ذلك أيضا مضايقة و تهديد الدكتور شفيق العمراني صاحب ظاهرة
عروبي في ميريكان بأشرطته البسيطة أسلوبا العميقة محتوى ورسالة، ومحاصرة
المهندس أحمد بن الصديق صاحب أجرأ رسالة مباشرة توجه للملك منذ اندلاع
الأحداث، و طبعا من دون أن ننسى الحديث عن النخب المعارضة القديمة نسبيا أو
من أجل الدقة الوجوه المعارضة القديمة الجديدة مثل أحمد السنونسي؛ رشيد
غلام؛ علي لمرابط؛ بوبكر الجامعي؛ والأستاذة نادية ياسين؛ وغيرهم من
الوجوه. و الفرق بين النخبتين المعارضتين الجديدة و قبل 20 فبراير؛ هو كون
النخبة الشابة الجديدة أكثر جرأة و أحد صوتا و أبلغ ترجمة للمرحلة لأنها
وليدة المرحلة الجديدة، و هي مرحلة الحلم يتحول إلى حقيقة و بنعلي هرب !
طبعا من دون أن ينقص هذا من أداء و لا قيمة الوجوه المعارضة المقصية
السابقة شيئا من ناحية عطائها و رسالتها. بيد أنه صوت الشعب و الشارع
العفوي القادر الذي إفراز نخب جديدة من دون سابق ميعاد! حيث عاد الشارع
العربي و المغربي لينتج نخبا شابة جديدة قطعت مع زمن المقدسات و الخوف و
الخطوط الحمراء و الخضراء. و طبعا الحديث عن معالم النخبة الشعبية السياسية
الجديدة يحتاج إلى تفصيل أكثر قد نعود إليه في قادم الأيام إن شاء الله
تعالى. لأن الحديث منصب عن النخب الثلاثية، المخزنية مولدا، و الممخزنة في
المرحلة الشبابية و المدجنة شيخوخة، و أشباهها المتواجدة بالبازارات و
فضاءات العرض المخزني، من إعلام رسمي و مشهد حزبي و هيآت...
النخب السياسية و الإصرار على النوم في الأوحال!
عند الحديث عن النخب السياسية القائمة، فإننا لا نستثني هذا من ذاك،
بما فيها أحزاب الإدارة التي خرجت من كُوكُوتُ مِينُوت إدريس بصري- كما كان
يحلو لأحزاب اليسار أن تنعت بها عملية الحزبية قبل أن يظهر أن كُوكُوتُ
مِينُوت المخزن قابلة لإعادة إنتاج حتى أحزاب اليسار نفسه - أو تلك التي
أخرجتها وزراة الداخلية من رحم المعارضة و أحزاب اليسار، بعد مسلسلات
مكسيكية طويلة من الانشقاق المستمر و عدم قدرة اليسار على البقاء التنظيمي و
حل خلافاته من دون اللجوء إلى الآلية الانشقاقية! لقد كان سقوط أنظمة
شمولية ديكتاتورية مثل بن علي و ما أدراك ما بن علي حبيب فرنسا و أمريكا، و
من بعده حسني مبارك حبيب تل أبيب وصولا إلى القذافي زعيم الجرذان كافيا من
أجل إعادة الاعتبار للمراجعة الداخلية الشاملة. أي نعم، أحزاب الإدارة
كانت صنيعة و مطية للمخزن، و لكن اللحظة الحالية و ظهور إرادة شعبية قوية
مطالبة بالتغيير الحقيقي الهادئ كان كافيا ليتوب الحزب الإداري و يكفر عن
خطاياه بأن ينضم للمطالب الشعبية المشروعة و يصحح مساره التأسيسي و يشب عن
الطوق المخزني من دون أن يشق عصا المخزن أو يتمرد عليه، فعلا لحظة التأسيس
حكمتها ظروف معينة و إكراهات و إملاءات كانت فيها الأحزاب مجرد تلاميذ في
مدرسة الحسن الثاني و لكن من تاب سياسيا عفا عنه الشعب - و أستغفر الله
لأنه وحده الله تعالى هو التواب و الغفور الرحيم- لقد ضيعت أحزاب الإدارة
فرصة لتصحيح مسارها الداخلي و تصالحها مع النضال المشروع،و استدراك الولادة
القيسرية غير الطبيعية الأولى لها. كما ضيع تماما حزب العدالة و التنمية
الفرصة التاريخية لولادة حقيقية جديدة شعبية من دون وصاية وزارة الداخلية و
تدخلها في كيفية التحاقه بحزب الخطيب و لا لأعداد المقاعد المسموح له بها
في البرلمان و لا غيره!نعم لقد ضيع الفرصة من أجل إصلاح حقيقي و ديمقراطية
فعلية و مشاركة فاعلة و بناءة لا ديكورية مخزنية تحشدهم حشدا في البرلمان
بلحاهم و حجاب عضواتهم حتى يكتمل مشهد البرلمان الديكوري ويقال في برلماننا
لحية و حجاب كدليل على التنوع و الانفتاح. و لا أعتقد تماما بأن هذه
الحركات التمردية كافية بأن يتصالح معها الشارع من تهديد بمقاطعة
الانتخابات و إعادة بعث حركة باركا من مرقدها بمقابر الشهداء و غيرها من
الأساليب التصعيدية الانتخابوية كافية و في مستوى التحدي و المنعطف
التاريخي الذي يشهد المغرب.
أما الأحزاب الوطنية، فقد أظهرت شيخوخة منقطعة النظير و عدم القدرة
بالبت و المطلق على مواكبة المستجدات!حيث ظهر أن مطالبها الدستورية قبل
ثلاثة عقود هي أرقى من مطالبها بعد 20 فبراير؟ و كأن الزمن لا يزيدها إلا
وهنا و شيخوخة و مخزنة. فأين رفاق عبد الرحيم بوعبيد رحمه الله من الملكية
البرلمانية؟
لم يكن المطلوب من هذه النخب السياسية أن تلبي نداء 20 فبراير، و
لكن كان عليها فقط إلتقاط دعاوى 9 مارس الوردية حين أعلنت فيها دار المخزن
عن إصلاحات "حقيقية" و عميقة"، بعد أن وصلها لهيب الشارع الهادر الساخط.
لقد كان عليها الوقوف فقط على الضمانات الحقيقية لهذا الإصلاح "الحقيقي
"الموعود و لهذه الخطب الوردية. و هي التي تعرف تماما أن غياب الضمانات هو
مشكلة الفعل السياسي بالمغرب. و لكنهم هللوا و صفقوا كما صفقوا من قبل لكل
شيء صدر من دار المخزن، و مضوا كالعادة في التوقيع على بياض، و تنافسوا في
نحت العبارات الرنانة المادحة الهاتفة، و عندما دعوا إلى ارتشاف كوب شاي
دستوري منعنعن مَنُونِيََّا ظاهرا معتصميا باطنا تهافتوا على تلبية الدعوة،
بل النكسة أن مطالب جلهم إن لم نقل كلهم كانت دون مستوى اللحظة بل و دون
مستوى حتى المخزن نفسه! و هكذا بدأنا نسمع بأحزاب تزيد من صلاحيات المخزن
عوض تخفيفها، و تنافست في إنتاج مجالس جديدة تضاف له، كما هو الشأن لحدوثة
مجلس الأمن القومي؟ الذي ما سمعنا به إلا عبر بوابة حزب من أحزاب "الله
يرضي عليك":و كأن لسان حالهم حيال المخزن " ما قدو فيل زادوه فيلة". بل إن
حزب العدالة و التنمية وفي كلمة تاريخية لأمينه العام برر التزوير
الانتخابي عبر اعتماد لوائح قديمة مطعون فيها من أجل إجراء العملية
الاستفتائية.
و تبقى خرجة الشيوعيين هي الأبرز حين دافعوا باستماتة عن الفصل 19 و
إمارة المؤمنين.و كأن النقاش كان حول إسلامية الدولة! و هو الشيء الذي ليس
منة او عطاء من أحد ،وذلك لأن المغاربة احتضنوا الإسلام و ارتضوه دينا و
دنيا رغم تعاقب و سقوط العائلات الحاكمة بل بما فيه سقوط العائلة الإدريسية
التي أسست لأول إمارة إسلامية عربية-أمازيغية مستقلة عن البلاط العباسي. و
إلا لو كان بقاء الإسلام مرتبط بشخص أو عائلة بعينها لذهب مع الأدارسة منذ
أزيد من 10 قرون ! لذا لم نكن نحتاج لمواعظ الشيوعيين القدامى.فقد اختلطت
عليهم الأدوار و المهام حيث عوض أن يقدموا مذكرة سياسية تقدموا بموعظة
سياسية!و ما يقال عن الإخوة الشيوعيين ينطبق على الإخوة الاشتراكيين.
نعم لقد ضيعت و فرطت مع سبق الإصرار و الترصد النخبة السياسية بشتى
تلاوينها القائمة فرصة تصحيح مساراتها الذاتية المعاقة و ولاداتها غير
الطبيعة و إعاقتها المستدامة!فلم يكن المطلوب منها الوقوف بجانب الشعب و لا
20 فبراير و لا مشاكسة صاحب الأمر، و لكن كان المطلوب فقط النظر إلى ما
حولهم من تغيرات حقيقية قامت بها شعوب عربية شقيقة بعضها أقل مستوى من
الشعب المغربي صاحب النضال التاريخي القديم أيام كانت قراءة مجرد جريدة
معارضة كفيلة بأن "تُغَبِّرَكَ تَغْبِيرا" في دهاليز مولاي الشريف و دار
المقري.من أجل تصحيح مسارهم، و اغتنام هذا المنعطف التاريخي السلمي الحضاري
غير المسبوق و أركز كثيرا على كلمتي السلمي و الحضاري التي أبانت عنها
حركة 20 فبراير، و معها الشعب المغربي الذي خرج عن صمته. فلو أنهم فقط
بحثوا مسألة ضمانات الإصلاح و تقييم الوعود السابقة التي ترجمتها شعارات
رنانة لا تسمن و لا تغني من بؤس سياسي! و لو أنهم تريثوا قليلا قبل التصفيق
لكان موقفا جديرا بأن يدخلهم إلى بوابة التاريخ. و يَجُبَّ ما قبلهم من
كبائر سياسية بما فيها الولادة غير الشرعية لبعضهم! ولكنهم أصروا على تضييع
الفرصة التاريخية الذهبية لتغيير جذري من دون أن يكون ثوري. لقد كان من
الممكن أن يكونوا في منزلة ما بين المنزلتين، فلا هم مذعنون لإملاءات
المخزن المتدثرة باسم الإصلاحات و المشاورات، و من دون أيضا أن تصل سقف
طموحاتهم مطالب 20 فبراير. كان على الأقل من الممكن الحديث عن طرح ثالث،
تكون ترجمة لحل ثالث :لا غالب و لا مغلوب. و لكنهم بتضييعهم لهذه الفرصة
التاريخية الناذرة فعلا و قولا، و بغيابهم و انبطاحهم ساهموا في حالة
الاستقطاب و التنافر الشديد، فإما المخزن و إما الشارع، في معركة قد تطول و
لكنها حتما ستسفر هذه المرة عن غالب و مغلوب.
"و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون"
هوامش
- اعتبر إنشاء الاتحاد الوطني
للقوات الشعبية كرسالة سياسية و اجتماعية على هيمنة الأسر الفاسية على حزب
الاستقلال؛في مقابل تهميش العنصر الأمازيغي، لذا رأى البعض أن الاتحاد
الوطني هو حزب "سواسة" مقابل حزب "فاسة" حزب الاستقلال.
- موضوع النخبة أو الصفوة كان محط دراسات عدد من المفكرين خاصة علماء
الاجتماع، نذكر منهم: ولفريد فريتز باريتو,موسكا؛توم بوتمور؛هارولد دوايت
لاسويل.
- وقف جون واتربوري عند علاقة النخبة بالمخزن و الأسر الفاسية تحديدا
في كتابه أمير المؤمنين، و يسرد الباحث مثلا العلاقات المتداخلة للعائلات
المخزنية فيما بينها.مثل أسر بن سليمان و الخطيب و بوجبار و حصار و علاقات
المصاهرة بين هذه العائلات المتمكنة على مستوى المناصب بنوعيها السياسية و
المالية.
- أنظر جون واتربوري : أمير المؤمنين- الملكية و النخلة السياسية
المغربية، ترجمة عبد الغني أبو العزم و عبد الأحد السبتي، عبد اللطيف
الفلق-ط1-الرباط 2004- الكتاب كان ممنوع التداول في عهد الحسن الثاني.
- انظر عددا من المؤلفات التي تناولت موضوع النخبة المغربية:
صناعة النخبة بالمغرب: المخزن و المال و النسب و المقدس وطرق الوصول إلى القمة- عبد الرحيم العطري/ دفاتر وجهة نظر 9-ط1 /2006.
- النخبة المخزنية في مغرب التاسع عشر/ رسالة دبلوم الدراسات العليا في
التاريخ 1974/مصطفى الشابي-ضمن منشورات كلية الآداب و العلوم الإنسانية
الرباط/1995.
- النخب السياسية في المغرب، محاولة للتحديد، عزيزة حاجي/
أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، كلية الحقوق أكدال، الرباط،
السنة الجامعية 2002- 2001 (غير منشورة).
- - الوزراء في النظام السياسي المغربي : من حكومة 1955 إلى حكومة
1985. المسعودي أمينة /أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون العام ، كلية
الحقوق جامعة محمد الخامس، أكدال الرباط 1999-الرسالة مطبوعة في كتاب يحمل
عنوان: الوزراء في النظام السياسي المغربي، (1955- 1992) الأصول،
المنافذ، المآل.
Les élites du royaume -Ali Benhaddou/ Editeur Riveneuve Paris 2009.
La formation des élites marocaines et tunisiennes , Des nationalistes
aux islamistes 1920-2000 Pierre Vermeren. éditions la Découverte -Paris
2002.