القراصنة / قصيدة للشاعر آدم فتحي
شعر: آدم فتحي
-
*
قَبْلَ أَنْ يَصِلُوا بِقَلِيلٍ، جَلَسْنَا على رُكْبَةِ البَحْرِ نَغْسِلُ
أَيَّامَنَا مِنْ دُخَانِ الحُرُوبِ القَدِيمَةِ...كُنَّا بَعِيدِينَ عَنْ
غَدِنَا، فَهُرِعْنَا عُرَاةَ الجُنُوبِ حُفَاةَ القُلُوبِ إلى حُفَرِ
المَاءِ نُخْفِي سَفِينَتَنَا الخَائِفَةْ
قِشْرَة الجَوْزِ هذي التي يَخْرُجُ الأَبْيَضُ المُتَوَسِّطُ مِنْ
قَلْبِهَا وَهْوَ أَزْرَقُ. هذي التي تَتَرَقْرَقُ في حَلْقِ بَحْرٍ
يَغَصُّ بِهَا ثُمَّ يَشْهَقُ، لاَ هِيَ تَطْفُو وَلاَ هِيَ تَغْرَقُ في
لَحْظَةٍ وَاقِفَةْ
عِنْدَ نِصْفِ الطَّرِيقِ إلى غَدِنَا...
ثُمَّ لم نَدْرِ كيف شُوِينَا على رَغْوَةِ النَّارِ، مُخْتَرَعِينَ
أَسَاطِيرَ عَنْ شَعْرِ شَمْشُونَ، عَنْ جُزُرٍ قَادَهَا بَرْبَرُوسُ إلى
حَتْفِهَا، عَنْ بَرَاءَةِ سِيبْيُونَ مِنْ ملْحِ قَرْطَاجَ، عَنْ أَنَّ
كَالِيغُلاَ كَانَ سَمَّى حِصَانًا لَهُ قُنْصُلاً حِينَ جَاشَتْ بِهِ
العَاطِفَةْ...
*
قَبْلَ أَنْ يَصِلُوا بِقَلِيلٍ جَلَسْنَا على رُكْبَةِ العَاصِفَةْ
نَتَنَفَّضُ مِثْلَ النَّوَارِسِ مِنْ طُحْلُبِ البَحْرِ...
لَكِنَّهُمْ قَوَّسُوا البَحْرَ وَالبَرَّ...حتّى الشُّعَاعُ الذي يَتَسَلَّلُ
مِنْ جِهَةِ الشَّمْسِ في وَمْضَةٍ خَاطِفَةْ
حَادَ عَنْ يَدِنَا، وَتَقَوَّسَ في يَدِهِمْ مِنْجَلاً
لِحَصَادِ سَنَابِلِ أَحْلاَمِنَا النَّازِفَةْ...
*
عَضَّنَا البَحْرُ. لَمْ يَكْتَرِثْ لَحْمُنَا. ضَرَّجُونَا قَرَاصِنَةً
وَطَوَاحِينَ. لَمْ ينْتَفِضْ فَحْمُنَا. قَبْلَ أَنْ يَبْطُلَ السِّحْرُ
فَاضُوا قَبَاطِنَةً وَقَرَابِينَ. لَمْ يَنْتَبِهْ حُلْمُنَا. نَاحَ
خَطْمُ السَّفِينَةِ. لاَحَ السَّلُوقِيُّ يَنْشُجُ في إثْرِهِمْ.
أَمَرُونَا بِأَنْ نَحْطِبَ الليْلَ مُنْطَفِئِينَ. وَأَنْ نَشْتَعِلْ
كَيْ يَرَوْا جَيِّدًا أَيْنَ يَخْتَبِئُ الفَجْرُ فِينَا، وَأَيْنَ يَنَامُ الأَمَلْ...
طَقَّ عَظْمُ السَّفِينَةِ في السَّطْحِ. عَضَّتْ عَلَيْنَا الصَّوَاعِقُ
فَاحْتَرَفُوا صَقْلَ أَنْيَابِهَا. لَمْ نَكُنْ ذَاهِبِينَ إلى الرِّبْحِ
كَيْ تَتَعَشَّى الحَرَائِقُ. هَمَّ السَّلُوقِيُّ بِالنَّبْحِ حتّى إِذَا
شَمَّ حُرْقَتنَا بَحَّ. مَالَتْ صَوَارِي السَّفِينَةِ مِنْ عَطَشِ
الحُبِّ. لَكِنَّهُمْ حَارَبُونَا بِهَا. لَمْ نَزَلْ
نَتَرَاشَقُ بِالصَّبْرِ. لاَ الفَجْرُ صَحَّ وَلاَ المُدْلَهِمُّ اكْتَمَلْ...
طَقَّ عَظْمُ السَّفِينَةِ مِنْ جِهَةِ القَبْوِ، فَانْتَبَهُوا
لِلسَّلُوقِيِّ. لَمْ يَعْوِ لَكِنَّهُمْ خَوَّفُونَا بِهِ. كَلْبُ
عِزْرِيلَ قَالُوا، لِنَرْحَلَ بِالخَوْفِ مِنْهُمْ إِلَيْنَا وَمِنَّا
إِلَيْهِمْ. وَمِنْ فَوْرِهِمْ حَرَّضُوهُ عَلَيْنَا...وَلَكِنَّهُ ظَلَّ
يُقْعِي على ذَيْلِهِ ثَابِتًا كَالجَبَلْ
لَمْ يُبَصْبِصْ لَهُمْ مِثْلَ بَعْضِ ذَوِينَا، وَلَمْ يَمْتَثِلْ...
*
قَبْلَ أَنْ يَصِلُوا بِقَلِيلٍ، ظَهَرْنَا على ظَهْرِهَا صُدْفَةً،
وَكَبُرْنَا على ظَهْرِهَا صُدْفَةً، وَنَذَرْنَا على المَوْتِ أَنْ لاَ
نَمُوتَ على ظَهْرِهَا صُدْفَةً...بَيْضَة الجِصِّ
هذي التي تَتَفَتَّتُ مِنْ تَحْتِنَا...
ثُمَّ سُرْعَانَ مَا وَصَلُوا...فَنَذَرْنَا على عُمْرِنَا أَنْ نَخُوضَ
حُرُوبَ المَوَاقِعِ مُلْتَحِفِينَ بِجَمْرِ الفَواجِعِ، نَحْفَظُ
وَرْدَتَهَا وَنُحَصِّنُ قُمْرَتَهَا، وَنَسُدُّ الثُّقُوبَ التي
يَزْرَعُونَ على وَجْهِهَا...
لَمْ يَكُنْ مِنْ سِلاَحٍ لَنَا غَيْرُنَا، فَامْتَشَقْنَا أَمَارَاتِ
أَسْنَانِنَا في المِيَاهِ. وَلَكِنَّهُمْ نَهَبُوا المَاءَ والملْحَ،
والدَّمَ والجُرْحَ، والصَّحْوَ والنَّوْمَ، والغَدَ والأَمْس واليَوْمَ،
والغَضَبَ العَامَّ والغَضَبَ المَنْزِلِيَّ، وحتّى الغَبَاءَ الغَبِيَّ
الذي كَانَ طَبَّلَ في عُرْسِهِمْ ورقَصْ...
نَهَبُوا مَا غَلاَ نَهَبُوا مَا رُخُصْ
نَهَبُوا مَا حَوَتْهُ الجُيُوبُ وَمَا خَبَّأَتْهُ القُلُوبُ
وَمَا دَنْدَنَتْهُ الأَغَانِي وَمَا وَشْوَشَتْهُ القصَصْ
نَهَبُوا كُلَّ مَا ظَلَّ أَخْضَرَ، حتّى الغُصَصْ
وَهْيَ تُولَدُ في الحلْقِ...لَمْ يَتْرُكُوا فُرْصَةً للفُرَصْ
كَيْ تُؤَاتِيَنَا، فَنَعِيشَ وَلَوْ مَرَّةً أو نَمُوتَ
بَعِيدِينَ عَنْ جَزْرَةٍ في قفَصْ...
*
هَلْ جَلَسْنَا؟
جَلَسْنَا نَعُدُّ خَسَارَاتِنا قُرْبَ صَحْنِ السَّلُوقِيِّ: بَحَّارَةٌ
أَوْثَقُوا بِالسَّلاَسِلِ أَنْفُسَهُمْ لِلصَّوَارِي. على الجَانِبَيْنِ
مَدَافِعُ فَوْهَاتُهَا نَحْوَ رُكَّابِهَا. كَلِمَاتٌ تَدُقُّ على
بَعْضِهَا كَالعِصِيِّ. مَنَاظِيرُ عَمْيَاءُ. سَطْلٌ على رَمَدِ النَّارِ.
بِضْعُ خَرَائِطَ غَدَّرَهَا الدَّمُ وَالمَاءُ. بَوْصَلَةٌ جَفَّ فيها
الشَّمَالُ فَخَرَّتْ على السَّطْحِ تَلْحَسُ ظِلَّ البَلَلْ
حِيَلٌ لِلبَقَاءِ تُحَاوِلُ أَنْ لاَ تَمُوتَ بِتَرْكِ الحِيَلْ...
*
هَلْ هَمَسْنَا؟
هَمَسْنَا بِأَسْمَائِنَا فَاخْتَنَقْنَا. هَمَسْنَا بِأَحْلاَمِنَا
فَاحْتَرَقْنَا. الْتَمَسْنَا مَكَانًا لِمَأْسَاتِنَا في كِتَابِ
الخَلِيقَةِ ثُمَّ انْشَقَقْنَا عَنِ الكُلِّ، جُغْرَافِيَا
وَأَسَاطِيرَ...مَأْسَاتُهُمْ: أَنْ يَسِيبُوا وَأَنْ يَحْلُمُوا
وَيخِيبُوا وَيَمْضُوا إلى قَدَرٍ في النِّهَايةِ لاَ
يَستجيبُ...وَمَأْسَاتُنَا: أَنْ نَعِيشَ النِّهَايَةَ مُنْذُ البِدَايَةِ،
مَوْتًا طَوِيلاً ثَقِيلاً، يُؤجَّلُ حتّى بُلُوغِ الأَجَلْ
لاَ ضَمِيرَ لِيَشْهَدَ، لاَ شِكْسبِيرَ لِيَحْفَظَنَا في كِتَابِ الأَزَلْ...
*
هَلْ غَطَسْنَا؟
غَطَسْنَا؟ وَلَمْ يَظْهَرِ القَاعُ. عَضُّوا عَلَيْنَا قَرَاصِنَةً
وَثَعَابِينَ. هَلْ شَبِعُوا؟ لاَ. وَلَكِنَّهُمْ حِينَ لَمْ يَتْرُكُوا في
السَّفِينَةِ مَا يُشْتَرَى أَوْ يُبَاعُ اشْتَهَوْا لَحْمَنَا. كُلَّمَا
أَكَلُوا مِنْهُ جَاعُوا، وَقَامُوا إلى عَظْمِنَا يَشْحَذُونَ
السَّكَاكِين.َ مَاذَا تَبَقَّى لِنَخْسَرَ؟ أَنْ يَأْمُرُونَا احْمِلُوا
نَعْشَكُمْ فَنَخِفَّ إلى نَعْشِنَا؟ لاَ حَجَلْ
يَحْرُسُ البَيْضَ في عُشِّنَا. لاَ نُهُودَ تُرَطِّبُ أَشْعَارَنَا لِلغَزَلْ...
*
هل يَبِسْنَا؟
يَبِسْنَا طَوِيلاً إلى أَنْ تَيَبَّسَ في رُوحِنَا شَجَرُ الصَّبْرِ،
وَالرُّوحُ خَضْرَاءُ. لَكِنَّهُمْ أَطْرَدُونَا مِنَ الخُبْزِ وَالحِبْرِ،
وَاحْتَضَرُونَا طَوِيلاً. فَمِتْنَا قَلِيلاً وَعِشْنَا قَلِيلاً، على
وَهْمِ أنْ يَرْحَلُوا مِنْ على ظَهْرِنَا. وإذا لم يكن مستحيلاً، على وهم
أن يرحلوا مِنْ على ظَهْرِهَا. لَمْ نَمِلْ عَنْ قَصِيدَتِنَا. لَمْ نَمِلْ
عَنْ سَفِينَتِنَا. وَدَعَوْنَا السَّلُوقِيَّ كَيْ نَتَقَاسَمَ خُبْزَ المَلَلْ...
*
هَلْ نَعَسْنَا؟
نَعَسْنَا وَلَمْ نُغْمِضِ العَيْنَ. لَكِنَّهُمْ أَغْمَضُونَا سِنِينَ.
وحَثُّوا الخُطَى مُتَعَامِينَ، كَيْ يَصِلُوا وَقِحِينَ إلى حَيْثُ
يُخْجِلُنا أَنْ نَصِلْ...
*
هَلْ يَئِسْنَا؟
يَئِسْنَا إلى آخِرِ اليَأْسِ. يَا كَمْ يَئِسْنَا إلى آخِر اليَأْسِ
لَمْ يَبْقَ في الأُفْقِ إِلاَّ الأَمَلْ...
*
عَضَّنَا البَحْرُ. لَمْ يَنْتَبِهْ نَجْمُنَا. كَانَ يَشْوِي على
ظَهْرِنَا سَمَكًا، عِنْدَمَا أَصْبَحَ البَحْرُ كَمَّاشَةً بَيْنَ عُكّازِ
مُوسَى ومِهْمَازِ خُوفُو وسَاقَيْ هِرَقْلٍ وَنَهْدَيْ أَثِينَا.
فَمَزَّقَنَا الصَّبْرُ وَالصَّخْرُ حتّى نَسِينَا حِرَاسَةَ أَوْصَالِنَا.
لَمْ نَكُنْ غَيْرَ بَحَّارَةٍ هَارِبِينَ بِأَحْلاَمِ أَطْفَالِنَا.
لاَ زَلاَبِيَةٌ لاَ جِرَارُ عَسَلْ
في صَنَادِيقِنَا، لاَ بَطَلْ...
رُبَّمَا يَهْدَأُ البَحْرُ قُلْنَا. وَلَمْ يَهْدَأِ البَحْرُ. لَنْ
يَهْدَأَ البَحْرُ إِلاَّ إِذَا ثَارَ فِيناَ. وَلمْ يَخْجَلُوا. لَمْ
يَقُولُوا لَنَا كَيْفَ صَارُوا قَرَاصِنةَ البَحْرِ أو كَيْفَ صَارُوا
بَرَابِرةَ البَرِّ. لَمْ يَرْحَلُوا. لَمْ تُغِثْنَا الجِهَاتْ
كَيْ نَعِيشَ. وَكِدْنَا نَمُوتُ وَلَكِنَّنَا
لَمْ نَجِدْ غَيْرَ ذَيْلِ السَّلُوقِيِّ حَبْلَ نَجَاةْ...
*
مَا الحياةُ إِذَا أََصْبِحَ المَوْتُ نَوْعًا مِنَ الحَلِّ؟
خُذْ يَا سَلُوقِيُّ عَظْمَتَنَا...خُذْ غَنِيمَتَنَا المُشْتَهَاةْ
خُذْ بِثَارَاتِنَا...آخِرُ الأُمْنِيَاتْ
أَنْ نَرَى كَلْبَ عِزْرِيلَ يُنْصِفُنَا مِنْ كِلاَبِ الحَيَاةْ...
الأربعاء مارس 20, 2019 4:03 pm من طرف Admin