عن قناة 'العالم' وقرار ايقافها من البث على نايلسات وعربسات: ممارسات استبدادية يبديها السياسي ضد الاعلامي


علي بدوان





























في زمن تزاحم الفضائيات، واتساع نطاق هطول البث عبر
قنوات الأقمار الاصطناعية التي تملأ سماء المعمورة، وفي زمن تسارع
المتغيرات السياسية والاقتصادية والكونية بشكل عام وفق متوالية هندسية
أسها الرقمي مرتفع القيمة العددية، يقف المشاهد العربي في حيرة من أمره من
قرار إدارة قمري (عربسات، ونايل سات) والمتعلق بوقف بث قناة 'العالم'
الإخبارية عبرهما، في وقت تهطل فيه فوق سمائنا العربية السحب المتتالية من
البث الإخباري والبرنامجي المهيأ لأغراض سياسية وثقافية في الصميم، من قبل
العديد من مراكز صناعة القرار في العالم، التي أطلقت أكثر من قناة فضائية
تبث إرسالها عبر أكثر من قمر اصطناعي وباللغة العربية، وتجاهر في موقفها
غير المتوازن بالنسبة لقضايا الصراع العربي مع الاحتلال الإسرائيلي.
وعليه،
فالقرار الأخير لإدارة قمري (عربسات ونايل سات) بوقف بث إرسال قنـــــاة
'العالم' عبرهما، كان وما زال قراراً خاطئاً، انتقل بالعملية الإعلامية من
مصاف المهنية والموضوعية في المنبر الإعلامي/الإخباري أو التنويري أو
الثقافي أو كليهما معاً، إلى مصاف العمل الاستبدادي الجديد الذي يعيد
تقديم المشهد بطريقة توظيفية غير بريئة، وتالياً يحول العملية الإعلامية
إلى عملية وحيدة الاتجاه دون إحداث تفاعل متبـادل بين الملقي والمتلقي،
ليعود هذه المرة مقص الرقيب المعروف في الإعلام المكتوب إلى رقيب جديد
يحمل بيده 'مقصاً فضائياً' يقطع كابل البث لقناة 'العالم' خدمة لصاحب
القرار السياسي.
وعلى هذا الأساس فان مساحة التفاؤل بإمكانية توالد
إعلام فضائي عربي موضوعي ومهني، وتوالد التلاقح الايجابي بين المرسل
والمستقبل، ضاقت بفعل القرار الأخير، ليس دفاعاً عن قناة 'العالم'، أو
سياسة قناة 'العالم'، إنما للتأكيد بأن سياسة الانتقاء والإقصاء الإعلامية
التي يقف وراءها قرار إدارة قمري (عربسات ونايل سات) هي سياسة ضارة ولا
تخدم العملية الإعلامية، ولا عملية التنوع في تقديم الرؤية والموقف تجاه
القضايا الحساسة التي تهم المنطقة وشعوبها، وتهم إيران والعرب الذين هم في
نهاية المطاف في بيئة تفاعلية واحدة ويجمعهما تاريخ مشترك لايمكن الخروج
من عباءته وأثقاله الايجابية والسلبية على حد سواء.
إن العواصف
الجديدة التي هبت على عالم الإعلام، والمقصود تطور تقنيات ووسائل الاتصال
خاصة الانترنيت ومنتوجاته في المعلوماتية والكتاب الإلكتروني فضلاً عن
الجريدة الإلكترونية، ودخول أجيال جديدة من الأقمار الاصطناعية يقارب
عددها الـ (200) قمر في مجال الاتصالات التلفزيونية والعمل الإعلامي،
جميعها وضعت المسألة الإعلامية أمام مفترق طرق، فمواكبة هذه العواصف أضحت
ضرورة لا غنى عنها، وإلا فان تسارع قطار تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات
سيقتلع أي وسيلة إعلامية لا تتماشى في إيقاع حركتها مع سير قطار
المعلوماتية وتقنيات الاتصال. ومن هنا فان قرار إدارة قمري (عربسات ونايل
سات) لايقدم، ولايؤخر، في إقصاء أي منبر إعلامي عن متابعة المشاهدين الذين
بإمكانهم التقاط بث مختلف القنوات عبر أكثر من قمر اصطناعي. فالحصانة التي
نخشاها على المواطن من تأثيرات قد يجلبها هذا المنبر الإعلامي أو ذاك، لا
تتشكل بلغة الجزر والقمع وبلغة الإجراءات اللاديمقراطية وبوقف ارسال بث
هذا المنبر أو ذاك، بل تتوفر في تقديم مادة إعلامية نظيفة تفتح أفق
التعددية وتنمي روح الديمقراطية واحترام الأخر.
من هنا، إن اختلاط
المشهد الإعلامي بكثير مما يسميه البعض 'الفوضى والدهشة' وصدمة المستقبل
في عصر السرعة حري بنا كعرب على ضرورة توفير أجواء مريحة من التعددية
الإعلامية التي تعكس روحاً من الديمقراطية التي تتوق إليها شعوب المنطقة،
لتقديم الموقف الأخر المتوازن على المستويات كافة، وتوزيع رادار أذن
الاستماع إلى الجميع من مشارب وتيارات فكرية وسياسية عربية، حتى من الجانب
المهني المحض عند وقوع حدث يتطلب سماع الآخرين.
في هذا السياق، فان
قرار حجب بث قناة 'العالم' عبر قمري (نايلسات وعربسات) يشير في أحد
تجلياته إلى ممارسات استبدادية يبديها السياسي بحق (الإعلامي والثقافي)
بدلاً من البحث عن موقع إعلامي في الوسائل الحديثة يقدم الموضوعية
والمهنية في الأداء الإعلامي ويخدم السياسي في نهاية المطاف. ولا اعتقد
بأن قناة إعلامية تبث من طهران وبيروت يمكن لها أن تخدش أو أن تعطل الموقف
السياسي لهذا الطرف العربي أو ذاك، خصوصاً وأن لصدقية الوسيلة الإعلامية
ثلاث دعائم أساسية: الدقة، الموضوعية، الحيادية، ولا يحتاج أي مشاهد إلى
بذل الكثير من العناء والجهد لاكتشاف أن القناة التي تفتقر إلى هذه
الدعائم الأساسية من غيرها، وذلك من خلال ما يعرض من أخبار أو برامج
حوارية متنوعة.
كما ويثير القرار إياه، الأسئلة العديدة المليئة
بشأن هذا التناحر السياسي بين البعض من العرب وإيران، بدلاً من دق أبواب
الحوار المشترك. فإيران والعرب يجمعهما تاريخ طويل، وحضارة تفاعلية منذ
عصور موغلة في قدمها في نهاية المطاف. كما يجمعهما بيئة وجغرافيا واحدة
تملك سطوتها على الأطراف مجتمعة.
وفي هذا المقام، يمكن القول أن قناة
'العالم' وبغض النظر عن استطالات الخلاف السياسي في المنطقة بين العديد من
الدول العربية وإيران بشأن بعض القضايا السياسية، فان قناة العالم إياها،
لعبت ومازالت دوراً جيداً ومقداماً بالنسبة للقضية المركزية في فلسطين
والتي نعتبرها (أم القضايا).
على أية حال، ومن باب عدم التنكر لإدارة
قناة 'العالم'، فإن إدارة القناة وباعتبارها ناطقة بالعربية، فقد راعت
الذوق العربي في جميع الجوانب، تنشد توليد القناعة لدى المشاهد العربي
باحترامها للعادات والتقاليد المرعية في المجتمع العربي، كما أن غالبية
العاملين بها هم من العرب من مختلف أقطار الوطن العربي بشقيه الإفريقي
والآسيوي، وهم من الإعلاميين الذين لاتحوزهم نقائص في الانتماء القومي
لبيئتهم العربية ولقضايا العرب المصيرية وفي القلب نمنها قضية فلسطين.
أخيراً، إن إدارتي قمري (عربسات ونايلسات) أخطأت هذه المرة بشكل كبير، والرجوع عن الخطأ فضيلة مابعدها فضيلة.