من كان يخطر بباله أن الاحتفال بانتصار المؤيدين للدستور الجديد سيتزامن
مع احتجاجات حركة 20 فبراير يوم الأحد ثالث يوليوز. ومن يصدق أن المصوتين
على الدستور سينتظرون يوما كاملا للاحتفال بالدستور (إعلان النتائج منتصف
ليلة الجمعة فاتح يوليوز). لاشك أن المحتفلين يوم الأحد لا يهمهم لا
الدستور ولا الملك ولا حتى الوطن، لأنهم أظهروا ولاءهم لمن منحوهم بعض
الدريهمات أو من اعتادوا سخرتهم في الحملات الإنتخابية.
ما
حدث يوم الأحد يورط الدولة وأجهزتها التي لم تستبطن بعد ما جاء في الدستور
الذي صوت عليه 73 في المائة من المغاربة وذهب 98 في المائة منهم إلى
اختيار "نعم"، فهؤلاء لم يخرجوا للاحتفال بمكتسبات المغاربة بل للتنكيل
بحركة 20 فبراير. كانت نية الكثيرين ممن خرجوا للاحتكاك بهؤلاء الرافضين
للدستور مبيتة، فهم لا يرون فيهم كما تم شحنهم به «بوليزاريو» أو
«متطرفين» أو «ملحدين» "وكالة رمضان"، لكن منافسين حقيقيين على كسب ثقة
السكان خاصة في أحياء شعبية رفعت شعارات محاربتهم كرموز للفساد، ولا
يستحقون أن يمثلوا الساكنة في مغرب الحكامة والمسؤولية.
تصرف
أولئك ضرب مصداقية بعض مؤسسات الدولة، وكشفت عن المستور حول الصراع
الحقيقي داخل المجتمع المغربي بين لوبيات الفساد وبين من تتوفر فيهم ذرة
وطنية ورغبة حقيقية في التحول نحو الديمقراطية ومجتمع الكرامة والحرية.
فقد أماطت نساء ممن شاركن في المسيرة اللثام عن أنهن مسخرات من قبل جهات
معينة للخروج والتظاهر قدمن من أحياء بعيدة جدا عن حي اسباتة، بل إن
إحداهن احتجت على رجال الأمن الذين أخرجوها من وسط مسيرة 20 فبراير، وقالت
لهم «انتوما كتجيبونا ودابا كتخرجونا»، بل أكثر من ذلك كانت هي نفسها
حاضرة أثناء محاكمة علي محمد سالم التامك واستغلت من قبل بعض الأجهزة
لتظهر لوسائل الإعلام أن المواطنين البسطاء ضد من سموهم «الإنفصاليين»،
وذات الورقة تلعب مه حركة 20 فبراير سعيا لإخراجهم من الملة بتخوينهم
وضربهم بذات السلاح.
هذا التصرف أساء لعملية التصويت على
استفتاء اختاره المغاربة طواعية وسيوسع دائرة الشكوك حول نوايا الدولة
الحقيقية، ويطرح سيلا من التساؤلات حول مدى انخراط بعض الجهات الأمنية أو
السلطات في العهد الجديد أو أنها تسعى لعرقلته بالاستعانة بمن هم مستعدون
لبيع أصواتهم ببلغة أو بورقة زرقاء وحتى التظاهر دون الدفاع عن قضية ما،
بل فقط كالآلة التي تشحن ببطارية سرعان ما تتوقف بعد انتهاء مدة صلاحيتها.
هناك فئة كبيرة أصابها الذهول مما حدث ويحدث في المغرب. مستشارون
في كل جهات المغرب اعتقد الجميع أن عهدهم ولى لارتباطه بالفساد الانتخابي
والتزوير والاغتناء الفاحش السريع، وتحينوا الفرصة بعد اعتقوا أنه
بامكانهم الإصطياد في المياه العكرة، فتحولوا بقدرة قادر إلى مدافعين عن
الدستور وعن الإصلاح، وإن كانوا يدركون أن الدستور الحالي رغم علاته سيكون
سيفا سيقلم أظافرهم قبل أظافر غيرهم، لأنهم بكل بساطة عينة من لوبيات فساد
عاتت في البلاد فسادا وتسعى للتحكم في السلطة وفي المؤسسات، وعلينا أن
نتصور بلادا تحكمها مصاصو دماء الشعب المغربي. أكيد أنهم سيحعلون منا ليس
فقط عبيدا بل أقنانا في مقاطعات وجهات سيحولونها إلى مزارع، في وقت
يتطلع فيه كل الديمقراطيين للإرتقاء من مجرد رعايا إلى مواطنين حقيقيين
يعيشون في ظل ملكية مواطنة ويحكمهم ملك مواطن بكل ما تحمل الكلمات من
معنى.
الدولة ستقع في مأزق حقيقي ومن حق الأحزاب المؤمنة
بالوطنية الحقة أن تطالب بتأخير موعد الانتخابات التشريعية لأنها تدرك أن
تنظيمها شهر أكتوبر المقبل سيعيد نفس وجوه الفساد والتزوير إلى قبة
البرلمان، ثم فيما بعد إلى المجالس الحضرية والقروية. وستعيد هاته
الإنتخابات المدافعين الجدد على الدستور، بعد أن استغلوا الحملة للدعوة
للتصويت بنعم إلى حملة انتخابية سابقة لأوانها، لذلك قلنا أن كل من مولوا
المجموعات الموسيقية واقتنوا الخيام وجيشوا الشباب والشابات للخروج ضدا عن
حركة 20 فبراير هم ممن لا يهمهم سوى الإحتفاظ بموقعم الإجتماعي والإحتماء
بالسلطة خوفا على مصالحهم التي راكموها في ظرف وجيز وليس حرصا على مصالح
البلاد والعباد.
هذا الموقف الذي تورطت فيه الدولة قد تكون
نتائجه كارثية على نسبة التصويت في الانتخابات المقبلة خاصة أن الأغلبية
من الشعب لا تزال تحتفظ بصمتها، وسيفقد الثقة في السياسة والسياسيين،
وسيبعد الطبقة المتوسطة من كل نقاش حول الإصلاح السياسي لما بعد الدستور
الجديد، خاصة إذا ما استمر حماة الدستور الجدد في استعراض عضلاتهم في
الشارع مهددين من يخالفهم الرأي بالحجارة عوض مقارعتهم بالأفكار.
إن
لجوء أجهزة في الدولة إلى شيطنة حركة 20 فبراير ستكون عواقبه وخيمة. هؤلاء
يمثلون تيارات فكرية متباينة، لكن عمودها الفقري خرج إلى الشارع للمناداة
بالإصلاح، بملكية برلمانية وبفصل حقيقي للسلط. الدستور الجديد لم يلب هذه
الطلبات، لذا فمن حق هؤلاء أن يستمروا في الاحتجاج سلميا، لأن هذا الدليل
الأوضح على تحول تدريجي إلى القبول بالآخر، وعلي الدولة أن تعي من ينافق
بلده ومن حقيقة له غيره على تقدمه وتطوره ليصبح جنة للمواطنة.