سؤال مباشر لطبيب العيون بشار الأسد.. وسحيجة القومية أضاعوا صدام حسين
بسام البدارين
2011-06-20
الفضائية السورية تصر على تكرار المشهد في رسالة
عناد واضحة مرسلة لأكثر من طرف.. الرئيس الشاب بشار الأسد يدخل على برلمان
مفترض وسط تصفيق حاد.
وللإنصاف راجعت كل المشاهد التلفزيونية الممسرحة
للزعماء العرب الذين رحلوا أو يواجهون أزمات فلاحظت مثلا بأن الرئيس
التونسي المخلوع زين العابدين بن علي هو الوحيد الذي لم يبتسم ولا مرة
واحدة أمام الكاميرا وإن أدهشتني قدرته على الإحتفاظ بالتسريحة الشهيرة
حتى عندما ألقى كلمته الأخيرة ورحل.
وقد توثقت من ذلك لإن محطة الجزيرة
مصرة على تسليتنا كل ليلة بالمشهد الثلاثي للقذافي ومبارك وبن علي وهم
يلقون خطبة الوداع لكن للأسف الشديد من الواضح ان الجزيرة لم تتمكن من صيد
خطاب مماثل لعلي عبدلله صالح فالرجل غادر عمليا بدون خطاب وداعي ويتحفز
للعودة .
.. المهم الرئيس بشار فضائية بلاده تظهره وهو يبتسم وسط
المصفقين ثم يلقي بتوجيهاته على مجلس الوزراء المليء بوجوه أنيقة وكأن عرس
القمع الذي تشهده البلاد عند الجيران.
.. لماذا يبتسم الزعماء فيما
تخرب بلادهم ويقتل شعبهم بعضه بعضا؟.. الإبتسامة ـ الرسالة هنا لمن بصورة
محددة؟.. لأوباما بإعتباره قائد ثورات الربيع العربي عن بعد كما يدعي
منظروا الظلم والظلام في كل العواصم العربية أم لإسرائيل التي تمول الثورة
الليبية نكاية بزعماء أزعم أن بقائهم وليس رحيلهم ينطوي على أفضل خدمة
مجانية لإسرائيل؟.
شخصيا لأ أعتقد أن منتخب الزعماء العرب على حد
تعبير الصديق رشاد أبو شاور عدو وخصم لإسرائيل فالوحيد الذي عارضها جهارا
نهارا أعدم ومثل زبانية الليل بجثته اما من عاندها قليلا فقد رحل بالسم .
.. إذا لماذا يبتسم الأخوة الزعماء فيما يقتل أبناء شعبهم ؟.. إظهارا للثقة والقدرة أم تمثيلا أم ماذا؟.
وقد
خطر مؤخرا بذهني سؤال خاص مني أنا المواطن العربي المحب لسوريا للرئيس
بشار الأسد: .. كطبيب عيون .. ما الذي تراه عيناك ولا نراه نحن المتابعون
والقلقون على سوريا الشقيقة؟.
على حد معلوماتي إتصل زعيم عربي بهدف
الإطمئنان بالرئيس بشار ونصحه بإجراء إتصالات مع شعبه تحت عنوان الإصلاح
فكان رد الرئيس السوري : يا أخي إنهم زعران فهل أتفاوض مع الزعران؟... قد
أفهم أن بعض الزعران يحاول إستغلال المشهد في سوريا وليسمح لي الطبيب
القائد بشار : لاأعتقد ان شعبا كاملا يمكن ان يصبح أزعرا وما تبثه
الفضائيات حتى الأن هو لقطات لصور زعران النظام وشبيحته يدوسون المواطنيين
ويطلقون عليهم النار.
سحيجة القومية
أحد الأصدقاء وهو
سياسي أردني رفيع المستوى روى لنا القصة القصيرة التالية : قابلنا بشار
ضمن وفد برلماني عربي فقمت وقلت بإنفعال وصوت يقترب من الصراخ : سيدي
الرئيس أنا بعثي وقومي .. يا أخي مشان ألله إعملك شوية إصلاحات سياسية
وشوية تعددية حزبية حتى نتوقف عن الشعور بالإحراج.
رد بشار كان مألوفا في مثل هذه الحالات مع الإبتسامة إياها فقد أجاب:طبعا نحن مع الإصلاحات ولكن ليس عن طريق السفارة الأمريكية .
هنا تحديدا وكالعادة صفق الحضور للإجابة الرئاسية المفعمة بالذكاء وبطريقة
مليئة بالنفاق فلاحظ صديق محنك ومخضرم في المؤسسة الأردنية ما يلي: من
صفقوا لبشار بإسم المؤتمرات القومية والخط الممانع وكرامة الأمة العربية
هم أنفسهم من صفقوا مرارا وتكرارا لصدام حسين وهم أنفسهم من منعوا
بتصفيقهم الدائم لكل غمزات ولمزات زعماء الأمة الإصلاحات السياسية
الحقيقية في العراق وسوريا .
صاحبنا هنا لديه وجهة نظر مثيرة فمن
حرمونا من عراق عصري وقوي وغير مفتت وغير محتل هم شبيحة الخطاب القومي
الذين صفقوا لصدام حسين عشرات المرات بإسم الأمة والشارع العربي فبقي
الرجل- يقصد صدام حسين- معتقدا انه سيخوض معركته بهؤلاء ونسي الإصلاحات
السياسية فحضر إليه الأمريكيون من مقتل.
ونفس السحيجة بإسم القومية-
حسب صديقنا- هم من يلعبون اليوم نفس اللعبة مع القيادة السورية وهي لعبة
ستنتهي بدفن هذه القيادة لسبب بسيط وهو أن الممانعة ومواجهة إسرائيل
والتصدي لمؤامراتها ينبغي أن لا تكون مبررا إطلاقا لقمع الناس وترويج
الثقافة الأمنية وكبت الحريات العامة فبإسم المواجهة مع إسرائيل تتعطل
الديمقراطية في غير بلد عربي.
والعكس هو الصحيح فإسرائيل يمكن التصدي لها فعلا لا قولا بالديمقراطية والتعددية والمجتمع الكريم الحر ورواج العدل والإنصاف.
هذه طبعا وجهة نظر قابلة للتدقيق وتذكرني بما حصل على هامش ندوة عمانية
ناقشت سحب الجنسيات حيث وقف وزير الداخلية أنذلك ليقول: نسحب الجنسيات لكي
نتصدى للمؤامرة الصهيونية على الشعبين .
يومها قام احدهم وقال
للمنتدين التالي: سحب الجنسيات يخيف نصف الشعب الأردني ويدفعه للإحتقان ضد
النصف الأخر فهل ستواجهون معالي الوزير إسرائيل بشعب نصفه بلا جنسية؟.
ثم قال الرجل نفسه: معالي الوزير أقترح عليكم كخطوة أولى في مواجهة
المؤامرة الصهيونية مراقبة مقر السفارة الإسرائيلية وسط عمان ونشاطاتها
التجسسية والتطبيعية إذا كان متعذرا إغلاقها أو التلويح بإلغاء إتفاقية
وادي عربه فذلك أسهل من تجريد نصف الشعب من جنسيته.
حوار مع وزير الإعلام
الموقف
في سوريا اليوم برأيي المتواضع يتطلب بعض التجهم وإظهار الحسرة والألم أو
على الأقل كلمات مجاملة محدودة لضحايا الدم الذين سقطوا كفارق حساب من
الأبرياء الذين بحثوا عن الكرامة أو حتى من الذين علقوا في منتصف الطريق
بين بشار وبين الباحثين عن الكرامة.
ولكي أعترف كنت معجبا بالرئيس بشار
وقد سمعته شخصيا في لقاء تسحيج وتصفيق مماثل بإسم الأحزاب العربية وأدهشني
ان الرجل دخل علينا في إجتماع عام وسط وفي عمق دمشق وبدون حراسات أو مظاهر
أمنية صارخة على الأقل حتى أننا نحن الضيوف لم نخضع للتفتيش بإعتبارنا من
السحيجة الذين سيصفقون بكل الأحوال.
وقد لمست من خطاب بشار فينا يومها
أن الرجل مهووس بقصة الإصلاحات المرتبطة بالسفارات فتوجهت في اليوم التالي
لوزير الإعلام السوري محسن بلال بالسؤال التالي: معالي الوزير ما هي قصتكم
بالزبط.. سوريا العظيمة العملاقة لا تستطيع إحتمال مدون واحد او نشط حقوقي
يقول رأيا مخالفا ؟.. لما لا تلعبون كما نلعب نحن في الأردن وتسمحوا للناس
بالكلام على الأقل؟.
الوزير قدم لي إجابة تظهرعبقرية النظام الرسمي
العربي يومها فبعد السؤال وقبل الإجابة طلب مني إلتهام المزيد من
الشوكولاته والفاكهة المجففة المتاحة على الطاولة أولا ,وعندما فعلت سميح
لي بالتكرار وعندما فعلت أجبرني على تناول الشوكولاته للمرة الثالثة
والرابعة مصرا على أنها لذيذة ومميزة.
وللحظة شعرت أن الساعة التي
خصصها الوزير لمقابلتي ستعبروكل ما سمعته هو دعوتي لتكرار تناول الحلويات
المتاحة على طاولة معالي الوزير فكررت السؤال وإعتذرت من الإستمرار في
تناول الشوكولاه على حد تعبير المسلسلات المصرية على أساس ان قبيلة من
السوس تستوطن أسناني.
بعدها قال الوزير: يا إبني لا يوجد مشكلة بمدون
مشاغب او حقوقي مشاكس .. نحن نبقي في السجن من هؤلاء الذين تطالبنا
السفارات الغربية وتحديدا الفرنسية والأمريكية بالإفراج عنهم فقط.
سألت الوزير السوري لماذا؟.. أجاب: لو أفرجنا عن هؤلاء بعد حملات ضغط
دولية لزاد عدد نشطاء الإنترنت المشاغبين في صفوف شعبنا لإن كل مشاغب
وقتها سيشعر بان السفارة الأمريكية ستصدر بيانا من أجله او ستضغط على
سفاراتنا للإفراج عنه.
وجهة نظر عبقرية فمعتقل الحريات هنا يتعرض
لعقوبة مزدوجة مرتين يسجن أولا ثم يبقى في السجن ثانيا لتأديب السفارات
الغربية وإظهار الرغبة في عنادها والهدف النهائي هو منع 'تطميع' السوريين
بالإقبال أكثر على قصة التدوين والشغب الحقوقي.
وبحصل ذلك رغم وجود
حلول أبسط بكثير تتمثل في وجود إصلاحات وأجواء سياسية ديمقراطية عامة لا
توفر 'ذخيرة' للنشطاء بحيث يبحث المدون عن قصص وحكايات ينتقد فيها النظام
فلا يجد لإن مؤسسات شرعية متاحة له ولغيره للتعبير عن رأيه.. عندها يتقلص
عدد الناقدين ولا تجد السفارات الغربية التي تترصد دمشق وتتآمر عليها
كالعادة عملا حقيقيا فتركز على الجانب الدبلوماسي والتجاري.
بهذه
الحالة يكسب الجميع ويربح الكل لكن من الواضح في النظام العربي الرسمي
برمته ان قمع حريات التعبير ومنع حقوق الإنسان الطبيعية هدفه فقط التغطية
على فساد وجرائم رجال الأنظمة ونخبها فلو لم يكن هناك ما تخفيه هذه
الأنظمة لما إحتاج الأمر لكل فلسفات القمع السائدة.
المثير أني خرجت
بعد ساعة اللقاء مع الوزير الصديق بلا أجوبة حقيقية على أي من أسئلتي
وبإلتهام كمية هائلة من الشوكولاته والفاكهة المجففة وكأسين من الشاي
فتذكرت المشهد الخالد العالق في ذاكرتي وهو بإختصار: رافقت أحد الوفود
لسوريا في رحلة سميت رحلة إغلاق الحدود وفكرتها زيارة دول الجوار بدون
تدقيق جوازات السفر..عند الحدود مع سوريا إستقبلنا الأشقاء وخطب فينا شخص
برتبة نقيب قائلا: اهلا وسهلا فيكن ببلدكم التاني سوريا ..أصلا أخواتنا
العرب مش محتاجين جوازات سفر .. مرة تانية بنرحب فيكن بس يا أخوان..
أعطوني جوازاتكن.
أخيرا ثمة إقتراح للرئيس بشار الأسد شخصيا : إذا كنت
لا ترغب بإصلاحات على الطريقة الأمريكية حسنا .. هذا جيد فما الذي يمنع
نسخ إصلاحات وطنية وذاتية با أخي ولو من باب ذر الرماد في العيون بدلا من
تطبيق قاعدة رغيف الخبز الشهيرة .. صحيح لا توكل ورغيف لا تقسم وكل لما
تشبع.