" الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري، توطيدا لسمو الدستور، ولسيادة القانون، والمساواة أمامه"، كانت تلك هي العبارات التي نطق بها الملك محمد السادس متحدثا عن الخطوط العريضة لإصلاح دستوري مطروح على أنظار لجنة مكلفة بتعديل الدستور. إنه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها الملك محمد السادس عن إصلاح القضاء، الذي ما فتئ يذكر بأنه ورش يحظى بأهمية قصوى. رغم ذلك ظل هذا الورش يراوح مكانه، رغم تعاقب عدة وزراء على قطاع العدل، منذ تعيين حكومة التناوب التي أكدت في برنامجها على أولوية إصلاح القضاء وحاولت بلورة مجموعة من الإجراءات المتخذة في هذا الإطار، كما أن عباس الفاسي صرح خلال مؤتمر صحفي عقده بتاريخ 29 يناير 2009 بأن إعادة هيكلة النظام القضائي تعتبر من أهم المجالات التي تركز عليها الحكومة جهودها. هل يعود سبب هذا "البلوكاج" إلى قوى مناهضة الإصلاح، أم أن الطابع التقني الذي كان يقدم به إصلاح قضاء المملكة هو المشكل في خذ ذاته.
"يجب أن تخضع قرارات المؤسسة الملكية لمراقبة السلطة القضائية"، إنها الجملة التي تردد على لسان أكثر من فاعل حقوقي ومدافع عن استقلال القضاء. بالنسبة إلى هؤلاء القيام بإجراءات تقنية من قبيل الزيادة في عدد القضاة أو الانكباب على تحسين البنية التحتية للمحاكم..ليست كافية ليكون القاضي مستقلا عن السلطة التنفيذية. التأكيد على فصل السلطات واستقلالية القضاء في الدستور يظل بالنسبة إليهم غير كاف إذا لم يعزز ذلك بإجراءات وتدابير ميدانية تترجمه على أرض الواقع.
إن أولى المشاكل المطروحة أمام استقلال القضاء تتعلق بخضوع القضاة لـ"المجلس الأعلى للقضاء"
على مستوى التعيين والترقية والتأديب. هذه الهيأة القضائية تعرف حضورا وازنا للسلطة التنفيذية التي يمثلها وزير العدل، والرئيس الأول للمجلس والوكيل العام للمجلس الأعلى باعتباره يمثل الحق العام. خطورة هذه الصلاحيات ظهرت جليا من خلال قرار توقيف القاضيين جعفر حسون ومحمد أمغار من طرف وزير العدل الذي يترأس المجلس واقعيا وإن كان مجرد نائب عن الملك من الناحية القانونية، بشكل جعل العديدين يتساءلون هل يتعلق الأمر فعلا بتسريب أخبار للصحافة كما صرح وزير العدل أم أن للأمر علاقة بالأحكام السابقة التي أصدرها جعفر حسون من المحكمة الإدارية بمدينة مراكش التي كانت تشكل حالة استثنائية بقراراتها من بينها قرار إلغاء عمودية الأصالة والمعاصرة في مدينة مراكش.
بموجب الفقرة الثانية من الفصل 62 من النظام الأساسي لرجال القضاء يحق لوزير العدل إيقاف القاضي حالا إذا ارتكب خطأ خطيرا، كما يلعب دورا أساسيا على مستوى ترقية القضاة بمقتضى الفصل 23 من نفس النظام، كما يمكنه تحريك الدعوى التأديبية ضد القضاة دون استشارة المجلس(الفصل 61 من نفس النظام). حتى قانون المسطرة الجنائية لا يمنح للقاضي سلطة على النيابة العامة التي تعمل تحت سلطة وزير العدل. إصلاح القضاء إذن لا يعني فقط عصرنة المحاكم والنهوض بأحوال الموظفين، بل هو اعتبار الدولة للقضاء في حد ذاته سلطة بدل اعتباره مجرد وظيفة فقط. على المستوى الميداني مازالت العديد من الأحكام الصادرة محكومة بمنطق التعليمات بدل الاستماع إلى سلطة القاضي التقديرية المستندة إلى النص القانوني، وهذا ما ظهر جليا في بعض المحاكمات المرتبطة بمتابعة الجرائد، إذ ان سيف القضاء كان مسلطا على بعضها من خلال المبالغ الخيالية التي كان يحكم على الصحف بإدائها.