يبدو أن الأنظمة العربية، وأنظمتها الاستخباراتية، وشعوبها على دين
واحد. كلما أعلن شباب رغبتهم في الخروج إلى الشارع للتبشير بغد أفضل
والمطالبة بحقوق مشروعة، قفز الذين في أنفسهم "مخابرات" و"تمخزين"، وأطلقوا
اتهامات فارغة في حقهم من قبيل العمالة لجهات أجنبية والعمل على زعزعة
استقرار البلاد وتشويه صورتها في الخارج.
محمد الخضيري
المغرب لا يخرج على الإطلاق عن هذه القاعدة. من سوء حظ منظمي
احتجاجات حركة 20 فبراير، أنهم اختاروا في البدء تاريخ 27 من الشهر ذاته
الذي يوافق تاريخ الإعلان عن جمهورية "البوليزاريو"، لتخرج جهات فزاعاتها
من درجها المغبر وتعلن عبر جرائد، صار من المعلوم أنها تنطق بلسان
"لادجيد" والـ"الديستي"، أن المنظمين ينتمون إلى مخطط من مخططات جهات
أجنبية لزعزعة البلاد. مسلسل التخوين لم يقف عند هذا الحد بل طال كل عضو من
أعضاء الحركة. البعض "اتهم" بالانتماء إلى الديانة المسيحية (وكأنه ليس من
حق المسيحي المغربي أن يحتج في بلده) وآخرون فبركت لهم صور مع محمد عبد
العزيز، ومع علم "البوليزاريو" وكأنهم خرجوا غزاة للمغرب من رمال تندوف،
رغم أن أغلبهم طلبة مغاربة ينتمون إلى مدن الداخل ويعيشون أو يدرسون
بالرباط.
سياسة تكميم الأفواه لم تتوقف عند هذا الحد بل تعدته إلى
إرسال رسائل لأعضاء نشيطين في حركة 20 فبراير داخل الفيسبوك تتهمهم
بالعمالة للمخابرات الأجنبية وتهددهم في سلامتهم البدنية. الطلبة والشباب
الذين يعبؤون لهذه الحراك المدني هددت عائلاتهم بالأسوأ في حالة استمرار
أبنائهم في حشد مساندين للمسيرات. وتحركت "جهات" لشن هجوم شرس على أعضاء
الحركة في فيسبوك. المواطنون المغاربة الذين لديهم آراء مخالفة لما تتبناه
الحركة كانوا الهشيم الذي امتدت إليه نار عداوة "المعارضين الجدد"، وركزت
تعليقاتهم على أطروحات الدولة ووسائل إعلامها، بالإضافة إلى استعمال
الكثير من عبارات السب والشتم في حق شباب العشرين، وكأن الواجب على كل
مغربي الانتماء إلى "القطيع" كي يعتبر مواطنا صالحا.
في الفيسبوك
أيضا أسست الكثير من المجموعات "القذافية" لقطع الطريق على تعبئة الحركات
الاحتجاجية. الأولى تدعو إلى مسيرة حب الملك التي تم إلغاؤها لاحقا،
ومجموعات أخرى مثيرة للضحك أيضا كـ: "البقاء في البيت يوم 20 فبراير هو
تعبير عن حب الملك". عشق الملك دفع البعض إلى التكرم بدفع أموال مقابل
إعلانات بالفيسبوك، من أجل الإشهار لصفحات تقاطع مسيرات العشرين فبراير.
الحركة
والملتحقون بها من أحزاب ونقابات وجمعيات حقوقية ومواطنين عاديين لا
يهدفون إلى قلب الملكية كما يروج البعض، بل إلى وضعها في سياق حديث وعصري.
سياق يقطع مع ميثولوجيات تراكمت في مخيال المغاربة السياسي منذ الاستقلال.
عبر اعتبار الملك أب المغاربة وخلق ثقافة عبادة الشخصية التي تنطلق من فكرة
الخضوع وعبودية السلطان التي توارثها المغاربة لقرون. ثقافة امتزجت مع
عقود من قمع وتخويف كل من سولت له نفسه انتقاد تدبير البلاد ومؤسساتها
ودستورها.
من حق الذين يعتبرون أنهم يحصلون على مواطنة كاملة في
المغرب أن يبقوا في بيوتهم يوم 20 فبراير. من حق هؤلاء الذين يعتبرون أنهم
يعيشون في سكن لائق، ولا يعانون من غلاء الأسعار، وتلقوا تعليما حديثا
وعصريا، والكرامة في المستشفيات والإدارات المغربية والكوميساريات وحصلوا
على حرياتهم أن يبقوا في بيوتهم. ومن حق الذين يعيشون تحت خط الفقر،
والذين يعانون يوميا بحافلات النقل العمومي وفي الجامعات، ومن عنف رجال
السلطة، والعطالة، ومن غلاء الأسعار، والذين يرغبون في عودة حرية التعبير
التي تعيش خريفها، والكرامة، والقطع مع اقتصاد الريع. لكل هؤلاء وللذين
يرغبون في دستور ديمقراطي يضمن فصل السلط واستقلال القضاء، ويمنحهم الحق في
تدبير شؤونهم ويوافق تطلعاتهم من أجل دولة المواطنة الحقيقية أن يخرجوا
إلى الشارع.
أن يخرجوا إليه دون أن يخونهم أحد.