يشير غاستون باشلا إلى أنه سيقترح تحليلات للصور : اعتبر الفضاء شبكة موضوعاتية ضخمة. ومع ذلك، أهمل مشكلة تأليف القصيدة). أظهرت الموضوعات هنا كمنتجة للنصوص، دون أن يفكر بدراسة وضعها ضمن شكل. سيوجه هذا التشيع باحثين آخرين نحو الملف. في مقابل ذلك، سنذكر مشروع جان - بيير ريشارد شعر وعمق )(2) ، الذي يهدف إلى إيجاد القصد الأساسي لمؤلف معين ووصفه) :هنا نقد خلاق بالمعنى الشعري للتعبير وليس نقداً فلسفياً. بين هذين الطرفين، هناك مكان لإعداد القراءات التي تظهر الموضوع كوسيلة من وسائل العثور على طرق الإبداع. شدد ف. شاردان (3) بفائدة على هذا التوجه عندما عارض فيه بين الموضوعاتية وجمالية التلقي، فأصبحت الموضوعاتية ثقلاً موازناً) لجمالية التلقي.
أما بالنسبة لكتاب برونيل - بيشوا - روسو، فإنه يشير إلى أنه يوجد منهج موضوعاتي) (4) ، ولكن المقارن يمتلك مناهج) عدة لكي يقوم بدراسة موضوعاتية بصورة جيدة : مثل المنهج التاريخي، والمناهج المسماة بالبنيوية.
- بين البنية والشكل.
يمكن بسهولة نقل الزمن الثاني لدراسة الصورة انظر الفصل الرابع )، وهي لحظة بنيوية، إلى الدراسة الشعرية) لموضوع : كيف يعطي الموضوع شكلاً للنص، البنية. نسجل المساواة بين الشكل والبنية، ولهذا نرجع إلى جان روسيه ومقدمته للشكل والمعنى كورتي، 1962). ولكن يجب أيضاً فحص العلاقات التي يقيمها الموضوع مع مفهوم الجنس النوع)، الذي هو توسع شعري آخر.
إذا أخذنا، من الكوميديا الإلهية، الموضوع، المتكرر، والبنيوي، للدائرة الجهنمية، فإننا نستطيع أن نرى كيف يخدم كموضوعاتية، وعنصر مشيّد لتسجيلات أخرى للفضاء. مثلاً الباب الخامس من كتاب - عنصر الأنوار - لأليجو كاربنتييه حيث يندمج موضوع غويان، وهو فضاء تشاؤمي، مع الموضوعاتية الجهنمية (5) .
إن القوانين الثلاثة للفعل المقارني التي استخلصها بييربرونيل البروز، والمرونة، والإشعاع، انظر الفصل الأول) هي مبادئ أساسية لتوجيه قراءة موضوعاتية : سنتذكر، بصورة خاصة، القانون الثاني وعلاقاته مع التحليل البنيوي انظر أيضاً الفصل التالي). يسمح الموضوع، إذن بتتبع عمل) النص، وفي هذا المستوى، يمكن أن تسمى الدراسة، بحق، شعرية).
أمام نصوص عدة مع وضع مقارني إجباري) كيف نمارس قراءة تبدو مصنوعة من قراءات متشابكة ومنفصلة؟ هذا يتطلب أن يستطيع نص إضاءة نص آخر، من خلال سلسلة من الانزلاقات المراقبة، وتشابهات مكتشفة ومستثمرة. بهذه الصورة، تبدو القراءة سماعاً للنصوص، الأكثر تفصيلاً وسعة في الوقت نفسه، إنها تشبه لعبة مرايا حيث ترتسم تعاقبياً المبادئ المنظمة، والمخططات المؤسسة، ومنطق الخيال الإبداعي وانحرافاته، وانزياحات العناصر وحساسيتها الزائدة، والدوافع الثانوية. قراءات متذبذبة ومتصالبة في الوقت نفسه حيث لا يمكن للمختص بهذا الأدب أو ذاك أن يتعرف ثانية على نصه، ومؤلفه. هنا يطرح سؤال :
هل هناك معنى واحد، ووجه واحد خاص بالنص الأدبي؟ بوساطة هذا المنهج الذي استند على تحليلات البنيان، دُرس موضوع هاييتي من خلال ثلاثة نصوص: مملكة هذا العالم لأليجوكاربنتييه، ومأساة الملك كريستوف لأيمي سيزير، وجزر العاصفة لبيرنارد دادييه (6) لهذا، من الواضح أنه على المقارن أن يراقب، من خلال قراءات مسبقة أو متوازية، تمريناته، ويتأكد من فائدة مايعتقد اكتشافه، وما يظن أنه قدمه. هذه القراءات هي دائماً قراءات ثانية. ولكن من الذي قال إنه لافائدة من إعادة القراءة؟ من المؤكد، مع ذلك، أنه عليه أن يتجنب خطراً مزدوجاً : فإما أن يكرر بديهيات على هذا، لماذا طرح نصوص أخرى ؟)، أو أن يصل إلى نتائج تعسفية، وأصالات غير مفيدة، ومغلوطة في مبدئها نفسه. ولكن القراءة النقدية تكون دائماً جديدة، عندما تدار بصورة جيدة.
- مسارات موضوعاتية جديدة :
يجب الاعتراف أن الجدة تتأتى أيضاً من الاختيار البصير للموضوع، أي إما من زوايا مهاجمة النصوص، وإما من الإمكانيات الجديدة في التجميع. في الحالة الأولى، يتعلق الأمر غالباً بقراءة تهتم بنص. نتذكر البداية المذهلة لدراسة جان بييرريشارد حول فلوبير (7) : " يؤكل كثيراً في روايات فلوبير ". أو أيضاً الأثر) المدهش، الموضوع والأسطورة الشخصية التي يستخلصها ميشيل ريفاتير من قراءة مذكرات ماوراء القبر) (8)
في الحالة الثانية، تبدو الإمكانيات المتاحة أمام المقارن غير محددة : عليه أن يفرض صحة تجميعه. ولأن احتمال نص واحد أو كاتب مستبعد من الآن فصاعداً، فإننا سننطلق إذن، من الإمكانية المزدوجة )(9) ، وسننتقل عبر النموذج المشترك إلى موضوعاتية العصر(10) ، أو عبر النموذج الذي يتحول إلى مادة رومانسية (11) ، من أجل الوصول إلى موضوعاتية قريبة من تاريخ الأفكار(12) . إن ابتكار موضوع تحت شكل جديد وصياغته، وقدرته على التوليف بين إشكاليات ذات طبيعات مختلفة تاريخية، وجمالية، واجتماعية، وتحليلية نفسية .... إلخ)، ذلك كله يبقى المعيار لكل دراسة موضوعاتية جيدة وقوية في الأدب العام والمقارن.
- الجبل :
الدراسة قديمة، ولكنها تبقى نموذجية. أظهرت السويسرية كلير - إليان إنجيل في كتابها - الأدب الألبي نسبة إلى جبال الألب) في فرنسا وانكلترا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر (13) ، بروز موضوع في أدبين، والكتابة التدريجية عن عنصر حقيقي) والذي لم يكن له وضع أدبي قبل النصف الثاني من القرن الثامن عشر، بذلك يكشف الموضوع حالة من الحساسية الأوربية عشية عصر الأنوار. ونجد مساراً موازياً في التاريخ وتاريخ الأفكار، والعقليات(14)
- النموذج والموضوع :
يدمج لابيا تولومي (15) ، الموضوع والنموذج الأدبي، ويظهر حالة حدية تقريباً للموضَعة تحويل إلى موضوع)، الأدبية، وأيضاً الرسمية والموسيقية.
يقال إن السمة الوهمية للشخصية وصراخه من الألم خدما كمحرض لخيال الشعراء، والفنانين، والموسيقيين، ستاندال، مع مقطع من - الحب -، دونيزيتي، كارلومارينكو، مسرحي إيطالي، الشاعر المكسيكي غوتيريز ناجيرا، دانوزيو، سواريس، باريس، أنا تول فرانس، ألدوس هو كسلي، غوستاف دوري، دانت - غابرييل روستي، والمسرحية القصيرة - حوار في المستنقع لمارغريت يورسينار.
عندما يسمح وجود نص كامل قصيدة - مسرحية) بالتحليل الشعري، يجب أن يجعل تواتر الإشارات والمقاطع المقارن حذراً، ويوجهه نحو تاريخ الحساسيات، لحظة من الخيال الأوربي بصورة أساسية، ونحو فحص علم الجمال، الانحطاطي هنا.
الموضوع، والجنس، أو الجنيس :
يمكن أخذ حالة التطور لموضوعاتية بحرية ملازمة لولادة رواية بحرية)، بدءاً من العصر الرومانسي دوما، ميريميه، جول، فيرن، ستيفنسون، ميلفيل) هذا يعني إذن سيناريوات) جديدة لأن المغامرات البحرية، وغرق السفن، والقرصان كثروا قبلاً ضمن الرواية اليونانية، وضمن الحوليات أو القصائد الملحمية في انكلترا أو في الجزيرة الإيبيرية في القرنين السادس عشر والسابع عشر.
في حالات أخرى الشعور السوداوي عند بروست، وث. مان، وإيتالو سفيفو، وروبير موزيل )، يلائم الموضوع نفسه مع أشكال روائية مختلفة، ويمكن أن أيضاً من وجهة نظر اجتماعية أزمة قيم) وكذلك من وجهة نظر شعرية وفلسفية : وهذا مافعله فيليب شاردان(16)
- المدينة : موضوعاً وكتابة :
غذى الموضوع برامج وندوات متعددة (17) ولكن تنظيم اختيار النصوص وثائق ظاهرة)، واستراتيجيات القراءة، يمكنه دائماً أن يثير إضاءات جديدة. سنعطي ثلاثة أمثلة إذا لم تكن تستعمل منهجية فإنها على الأقل تستعمل مبادئ مختلفة للقراءة.
يقابل أنطونيلا ليونسيني بارتولي بين أربعة نصوص في كتابه الجولان في روما القديمة )(18) ، وهذه النصوص هي : مدام جيرفيزي، 1869) للأخوين غونكورت، وطفل الشهوة 1889)، لـ غ. دانوزيو، والأممي 1894) لبول بورجيه، والحياة في روما 1910 )لفيرنون لي اسم مستعار لفيولي باجي ).
تقدم الأعمال موضوعاتية مشتركة : فيها ذوق أرستقراطي، وحساسية قوية نحو جمالية الخراب، والافتتان بالقوة الروحية للفن.
ولكن، قبلاً، يمكن الإشارة إلى أن فيرنون لي وحده أراد إخماد هذا الافتتان وتحويله إلى موضوع جمالي، ضمن نص لايعد عملاً خيالياً ولكنه ملاحظات متفرقة. إن ذلك كله مسار يرتسم بدءاً من استخدام موضوعاتية الانحطاط عند غونكورت وحتى فكرة البعث عند فيرنون - غالباً ما تكون روما زخرفة وإطارا باروكياً، وكذلك مشهداً عقلياً وداخلياً، وفضاء مؤنثاً إلا عند فيرنون لي. هناك اختلافات في الكتابة يجب الإشارة إليها بوضوح : أصبحت روما، مع بورجيه، المكان لرواية قضية (19) ، تسمح للبطل بالانتقال من الافتتان المضني إلى الالتزام. وفي ضوء أعمال ماريو براز، تم الوصول إلى توضيح مفهوم الانحطاط) نستخلص من الندوة المخصصة لباريس وظاهرة العواصم الأدبية التي ذكرت سابقاً في الفصل الثاني)، الإعلان القصير والكثيف لروس شامبير الذي أعطى عبر كوميديا القصر )(20) مثالاً جيداً عن الاتفاق بين الموضوع وصول الكوميديين إلى القصر) والشكل المسرح ضمن المسرح) هنا يأخذ يوليس لجيمس جويس، وزازي في الميترو لريمون كينو، لكي يقترح قراءة تناصية أي متصالبة)، مكرسة لاستخراج نوع من الموضوعاتية لوظيفة تأملية ذاتية). يتعلق الأمر، بدقة أكثر، بزيارة المدينة حيث يظهر اشتراك ملح إلى حد ما بين دافع الإغراء ودافع الفوضى) منذ بودلير، يفكر بالمدينة بصورة مزدوجة فهي مكان الفوضى، والتبعثر يستبعد كل إمكانية للجمع، وهي مكان التقاء. انظر، عابرة) يسمح هذا المعطى المزدوج بجمع نصين مختلفين بشدة حيث تقرأ كتابة متموسقة، ومتعددة الأصوات، ويسمح أيضاً برؤية كيف يموضع) كينو المعطى المزدوج إغراء الفوضى)، عن طريق العودة إلى مصادر إغرائية) لسردية تقليدية، في حين أن جويس كان يبحث عن استخدام هذا المعطى في الكتابة. من هنا تأتي فكرة أن النصين يجيبان على التمييز الذي قام به رولان بارت في كتابة س / ز (21) بين نص قابل للقراءة) ونص قابل للكتابة) في لقاء آخر مع موضوع المدينة (22) جمع كاميل دومولييه الرواية الحديثة والمعاصرة مع المدينة الحديثة التي لا يمكن للفضاء فيها أبداً أن يمسك في شموليته، ولكن عبر انقطاعات زمنية، وتباينات فضائية :
ملصقات، و مونتاجات) تساعد على خلق شك في موضوع التعبير والانقطاعات داخل وحدة الشعور والواقع، والتي تتوافق مع انقطاعات سردية تجعل كل استمرارية للمسرود مستحيلة.
يضاف إلى ذلك استثمار الصور الاستيهامية مثل المتاهة، بابل أو بابيلون، وخلق فضاء حواري، متعدد اللغة، والصوت المتميز للمدينة الحديثة التي تحولت إلى فضاء روائي. عنصر مفيد بالنسبة لفصل قادم انظر الفصل السابع) : الموضوع شكل من النموذج المحرض) للنص : نموذج وصفي، وسردي بحسب الحالة هذا ما نسميه سيناريو).
إنه دائماً موقف وصفي، ومعطى المادة) مع إمكانية سردية إلى حد ما. إن تتبع هذه الإمكانيات السردية المختلفة، يعني أيضاً ضمن التعاقب أوالتزامن، ملاحظة كيفية وجود موضوع في حياة مجتمع وجماعة، وعصر، وكاتب.
- الموضوعاتية والخيال
لن نُفاجأ بالعثور أيضاً في هذا المستوى على شاغل كلي الوجود : هوالمؤرخ انظر سابقاً تطور العقيدة والخيال).
- خيال المؤرخين :
يجب القول إن هذا المستوى الثالث) كما يسميه المؤرخون، هو مستوى العقليات والحساسيات. لم يعد المستوى الأول الزمن القصير) مستوى السياسي والحدث، ولا الثاني للزمن المتوسط مستوى الدورة، والاتجاه، والمصادفة، والذي يعيد إلى المستوى الاقتصادي، ولكنه الزمن الطويل، الحقبة الطويلة الأثيرة عند فيرناند بروديل (23) سيستحوذ المؤرخ على موضوع، ومعطى، وموقف إنساني ليصنع تاريخ البشر : كليو الهابطة إلى أرض البشر، هذا هو المسار المؤسس للتاريخ الجديد. مسار سنرى إلى أي حد ابتعد عن المعطيات الاجتماعية حصراً، والاقتصادية التي كان يمكنها أن تكون لتحليلات عقائدية. من الواضح أن هناك صلات متعددة بين التاريخ الجديد ورواج خيال معين أصبح مجال بحث مفضل، ومفهوماً متعدد المعاني، ويمكن القول إنه استكشافي بسهولة. هناك أيضاً، عند المؤرخين الافتتان بالتركيبات الواسعة التي نسيها الأدب. تركيبات موضوعاتية مثل الموت الذي درسه جان ديلومو.
- الأدب والحساسية :
بالنسبة للمؤرخ، كل شيء قابل لأن يصبح موضوعاتياً. أصدر آلان كوربان، أحد أساتذة هذا التاريخ الجديد، دراسة حول الأجراس على الأرض، مشهد رنان وثقافة حساسة في الأرياف في القرن التاسع عشر، ألبان ميشيل، 1994. هل كان يستحق هذا الموضوع مساراً مقارنياً؟ كان المأسوف عليه إروان كوبين قد فكر بذلك منذ عام 1971، ضمن مقالة بقيت خصوصية وعنوانها : الأجراس المحزنة (24) ، مع عنوان فرعي إيضاحي : " تغيرات دافع في الأدب الأوربي " تكشف الدراسة عن فهرس جيد حول الدافع، أوالموضوع، أو الرمز المتعلق بالجرس في الأدب. نجد في هذا الفهرس شيلر، وأو هلاند، وكونراد - فيرديناندماير، وبودلير، وإدغار آلان بو، وفيكتور هوغو ونوتردام باريس، وديكنز، وبوشكين.
فجأة ظهرت المقالة ضيقة جداً بالنسبة للأجراس، حتى المحزنة.
ما الذي يجب فعله بهذه الأسماء الكبيرة لأن موضوعاتية هذا الجنس لا تقتصر حتماً على مبتدئين)؟
يجب الارتقاء بعزم فوق كل عمل لاستخلاص بعض التكرارات للدراسة، وسمات دائمة متواجدة مع روايات مختلفة تقوم على رهانات شعرية مختلفة، ومتعلقة بدافع ذي أصداء دينية، وبرؤى مختلفة للعالم.
تفيد الكتابة هنا وفي أي مكان آخر في التجاوز المعبر للواقع، ويذكر كوبين بصورة مناسبة فكرة هاري ليفان خلال حديثه في مؤتمر الرابطة الدولية للأدب المقارن بلغراد، 1967) عن ميزة الواقعية في محاربة التقاليد). هكذا خدمت الأجراس هنا في التغلب على استذكار مجموعة من التأملات الجمالية، في حين أنها اتجهت مع آلان كوربان نحو تاريخ الديانة والمواقف أمام شعائر الحياة.
- الخيال والمجتمع :
أراد آلان كوربان في دراسة سابقة (25) أن يتأمل بعض أوجه المنظر ودوافعه، على حد الأرض والبحر، وهذا خيار لم يكن ينكره مقارن باسم الموضوعاتية أو العلاقات بين الأدب والفنون.
وهذه هي خاتمة هذه الدراسة التي تهمنا مع بعض التنبيهات أن على المقارن أن يسمع. أمام هذه الصور الدائمة، وفي مواجهة الزمن الطويل، يحدد كوربان : " أن الأمر لايتعلق بالانضمام إلى الإيمان ببنيات انتروبولوجية للخيال لاتتغير مع الزمن. المنظر مرسل لصور تسهل الانتقال من الوعي إلى اللاوعي، وتقدم خطة التحليل رموزاً تقاوم فوقها الحساسية، ولكن العمليات تتم، برأيي، وفق آليات يمكن تأريخها "
رأينا في المقطع انتقاداً موجهاً إلى جيلبير - دوراند. لقد قيل كل شيء في بضعة سطور : لهذا تحدثنا، منذ الفصل السابق، عن الخيال الاجتماعي، يمكن التعرف عليه في زمن وثقافة معينين.
إن سمة العناصر القابلة للتأريخ مثل الموضوعات) تهم الدراسات التعاقبية حيث تظهر حقب الاستغلال دون تجديد، ومراحل تطور خيال. الموضوعات هي وسائل لتحديد التاريخ الأدبي وتمييزه، مثل الترجمات أو الصور انظر الفكرة التي عبر عنها سابقاً جورج بوليه). بذلك تقدم دراسة الموضوعات للمقارن أعمالاً عديدة، ومحددة : مثل التعرف على العلاقات المحتملة بين النصوص والسياق الاجتماعي، وتتبع استراتيجيات استدلالية، والتقاط أصداء روحية، واكتشاف أن دراسة الأدب تستطيع، مثل التاريخ، أن تكشف عن أبعاد عاطفية وحساسة.
يقترب الموضوع حيناً مما يمكن تسميته بالمتخيل، والأسطورة، وحيناً آخر يدفع المقارن إلى فهم المنطق التخيلي : كلمات لفاليري في كتابه مقدمة في منهج ليوناردو فينشي) 1894).
وفي الحالتين، يحرص هذا الأخير على عدم نسيان المنظور التاريخي، الذي سيسمح له، في مكان آخر، بحصر كل ما هو موضوع كامل)، ويعاد أخذه، ويتأدب تحدثنا في الفصل السابق عن عناصر مأخوذة ضمن تطور اجتماعي)، وما هو موضوع شخصي، يمكن أن يصل إلى الموضوع الهاجسي أو إلى أسطورة شخصية بالمعنى الذي استخدمه شارل مورون). أشير إلى هذه الطرق بوضوح في نهاية الفصل الذي خصصه برونيل، وبيشوا، وروسو لهذه المسألة. في المقابل، يبدو من غير الممكن، والبعيد عن التفكير إعادة أخذ فكرة موضوعاتية أبدية)، حتى وإن تعلق الأمر بموضوعات قديمة جداً.
القديم الجمعي، أو الحقبة الطويلة ليسا مبدئياً ماوراء التاريخي الأبدي. ويمكن القول إن الموضوعاتية تشجع على مقارنة الموضوعات القديمة والموضوعات الحالية التي نقلتها لنا الحياة الحديثة. من بين الدراسات الموضوعاتية الحديثة في الولايات المتحدة الأمريكية، يمكننا أن نذكر دراسة الاستعباد النسائي) من روسو إلى زولا (26) مظهرة الاستغلال الدائم للجسد الأنثوي في المجتمات والآداب الأوروبية الغربية خاصة الفرنسية). المثال الثاني الذي سجل في موروث أكثر من عشرين سنة هو : الأدب والغذاء (27) .
دُرست فيه التصرفات الشاذة للآكلين، وفقد الشهوة إلى الطعام، والشراهة التي تقود إلى موضوعاتية ملحة للبدانة فيما يبدو) أما فيما يتعلق بالآكلين الشاذين، فإننا نجدهم عند هويسمان، ث. مان والوجبات التي لا تنتهي في Buddenbrook ).
يمكن الربط بين الموضوعين الحاملين : موضوع المرأة و موضوع التغذية أو دراسة الآكلات الشاذات الثلاث : مدام دومورتسوف في الزنبق في الوادي)، وإيما بوفاري، المتخفية عن الأنظار، وجيرفيز. وكشاهد على المثال المضاد أو الموضوع المضاد يمكن ذكر أعمال المؤرخة الأمريكية كارولين بينوم الموجهة نحوالربط القوي مفهوم مقارني) بين فقدان الشهوة إلى الطعام وبين الروحانية النسائية في العصور الوسطى (28) .
ويمكن أن نذكر أيضاً الندوة الغنية جداً التي نظمت في ديجون حول موضوع لاينضب : خيال الخمر، مرسيليا، جان لافيت، 1983.
من المؤكد أن الموضوعاتية تفتح على منظورات لا محدودة : يستطيع المقارن دائماً أن يحاول رفع وتد الغطاء الذي يغطي، حسب رأيه، مشكلة معقدة. يمكنه اختيار موضوع غير مدروس كثيراً، لكنه يعده مفيداً من خلال المنظورات التي يقدمها، ويستطيع أن يختار نصوصاً معروفة يريد رؤيتها ثانية، أوغير معروفة كثيراً من أجل توضيح دراسة الموضوع، ويستطيع أخيراً أن يعتمد على تجميعات يقدمها واضحة ومدهشة في الوقت نفسه.
وعليه أخيراً الاختيار بين موضوعين : طريق يجب توضيحه أو درب مطروق، وللثاني أفضلية واضحة في إثارة قليل من الغبار، أو ذر الرماد في العيون.