أيام ثورة 25 يناير الشبابية أصالة شعب مصر الحقيقة والتى تاهت وسط الزحام
لسنوات بسبب انكفاء الناس على لقمة العيش، فى ظل غياب العدالة الاجتماعية
لسنوات طويلة، وسياسات أنست الناس الكثير والكثير، وأدخلت الجميع فى حالة
من الحياة الانفرادية، إلا أن ثورة شباب هذا البلد دبت الحياة والأمل من
جديد فى نفوس هذا الشعب.
وأصبحت أحداث ثورة 25 يناير، رافدا ومنهلا للعديد من القصص التى كان
أبطالها أفراد هذا الشعب الأصيل، وعلى بعد آلاف الكيلومترات روى لى صديق
حكاية سيدة مصرية من بين ملايين الأمهات من ريف وأحياء ومدن بلادنا التى
عبرت بطريقتها عن تضمناها مع هذه الثورة.
حملت هذه الفلاحة المصرية الأصيلة على رأسها "قفة" وتحركت من ريف ضواحى
منطقة الهرم قادمة من قرية المنشية، وفى ظل حظر التجول، لم تجد سوى الترجل
مشيا من قريتها فى طريقها إلى المعتصمين، وعند ميدان الدقى حطت رحالها لأخذ
قسط من الراحة.
ونادت على أحد الشباب ليعنها على حمل "القفة" فوق رأسها، وانتابه الفضول
فسألها "رايحه فين ياحاجة"، وكانت المفاجأة فى الإجابة، "يابنى أنا كل يوم
أخبز العيش وأروح به للسوق لبيعه، ولكنى سمعت أن "عيالى" و"عيال ناس كتير"
قاعدين فى ميدان التحرير علشان بيحبوا بلدهم، فقلت لنفسى "أنا كمان بحب
بلدى تكون أحسن، وفكرت أعمل إيه، قلت أحسن حاجة أن اذهب لهم "ووكلّهم" يعنى
"أكلّهم"، وربنا هو الرزاق يا بنى.
أدمعت عيناى وصديقى يحكى لى هذه الواقعة، والتى أكدت لى هذا الفرق الكبير
بين فقراء هذا البلد والجالسين على كراسى الحكم لسنوات، والذين وصفوا زيادة
أعداد حملة الهواتف المتحركة "الموبايل" عنوان على رفاهية شعب مصر، ووصلت
الجرأة برأس النظام أن يصف الاعتراض على تزوير الانتخابات وتشكيل برلمان
موازى بأنه "نوع من التسلية".
كم تستحق هذه الأم الفلاحة البسيطة التى شاركت، وحتما أنها تشارك، فى هذا
التغيير، دعونا نقبل يديها، ونبكى بين يديها على شهداء الثورة، وعلى زهور
مصر التى ذهبت أرواحها فداء هذا الوطن، والتى لا يجب أن تذهب هباء.
ما أبكانى أيضا دموع المهندس الشاب "وائل غنيم" على ضحايا ثورة الشباب،
وأعتقد أنه أبكى كل ما شاهده، لقد جاءت دموعه حقيقية وصادقة، وتعبير عن
طموحات أجيال تاهت وسط سيطرة النظام وحلفاءه على مقدرات شعب مصر، وضياع حتى
مجرد أن يحلم أحدا بيوم جديد.
لا أخفى عليكم أننى أحسد جميع الواقفين فى ميدان التحرير، فى وجه الظلم
والاستبداد، رافعين شعارات التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية، بالتأكيد
أنها أيام تاريخية تستحق أن يشارك فيها كل مصرى، وصدقونى أنا لا أدعى بأن
أصعب شىء على النفس أن تقف عاجزا وبعيدا بسبب "الغربة" عن هذا التحوّل الذى
تشهده بلادنا، وهو ما يبكى أكثر.
وليس لدى شك فى أن شمسا جديدة قد أشرقت على بلادنا، وعلى مستقبل جديد
لأولادنا وللأجيال القادمة، وحتما سنأمن عليهم، إن لم يدخل الطامحون لسرقة
نتائج هذه الثورة، كما سرق آخرون حصاد حرب أكتوبر، وربما قد نتوقف عن
البكاء.