رغم أننا نعيش أوان الهبات الشعبية التي أزهرت في تونس ومصر، فإن الأحمر
القاني الذي ينتشر في واجهات المحلات التجارية والإعلانات ليس إحياء للثورة
الشيوعية البائدة، وليست حمرته حمرة ثورة «ماو» الصيني، إنه لون الحب الذي
يملأ الأجواء مع اقتراب عيد «الفلانتاين»، فالأحمر كذلك لون الثورات ضد
الاستبداد التي كانت دائما توشح نفسها به، كرمز لدماء الشهداء الذين يهبون
أرواحهم لتتحرر الشعوب من الخوف والطغيان. ومع اقتراب هذا العيد، لا يعرف
الإنسان هل يحتفل بالحب أم ينتشي فرحا بهذه الصرخة المفاجئة للمصريين؟
ويعيد الأمل في قدرة إرادة الشعوب على طرد الاستبداد مع المعجزة التي حققها
الحب الصادق لشباب تجاه وطنه، والذي يصفو من أية مطامع، ضد المحبة الزائفة
للوطن التي طالما برر بها الرئيس مبارك استمراره في الجلوس على كرسي
الحكم.
ثورة الشعب المصري أزاحت الستار عن الإعلام الوطني المتواطئ مع حكم
الأقلية، فعوض أن ينحاز إلى الشعب وإلى أحزان الأسر التي فقدت أبناءها، فضل
البقاء مخلصا للحزب الوطني. وما يدعو حقا إلى الشفقة والدهشة أن التلفزيون
المصري يقع في مبنى ماسبيرو الذي لا يبعد كثيرا عن مكان التظاهرات
المليونية، ورغم ذلك أصر الصحفيون ومقدمو البرامج على الغناء خارج السرب.
وأثناء نقل أحداث الثورة، ظلوا يتهمون الشباب الثائر بالعمالة والرغبة في
تدمير الوطن، بينما الأمر لا يتطلب سوى التحرك خطوتين إلى ميدان التحرير
لمعرفة الحقيقة ومشاهدة مرتزقة الحاكم تقتل الشبان بدون رحمة. ولعل تزييف
الحقائق هذا، هو الذي دفع رئيس اتحاد التلفزيون المصري إلى الاستقالة قبل
أن يصيبه الانفصام من فرط التناقض بين ما يشاهده خارج مبنى التلفزيون وما
يعلـَن على الملأ، في تلك التغطية التي كان شعارها الإخلاص للحاكم
وللحكومة، وكأن القناة الوطنية ليست من ممتلكات الشعب من المفروض أن تنقل
صوته. لكن، على ما يبدو، فإن الزمن الطويل الذي ظلت فيه أنظمة الاستبداد
تمارس الرقابة على الإعلام، أصبحت معه حرية التعبير ونقل الحقيقة أمورا
مرعبة وغريبة.
وبرزت، مع ثورة مصر، المسؤولية الملقاة على الفنانين والأدباء وغيرهم تجاه
وطنهم، والذين انقسموا بدورهم إلى مؤيدين لحق الشعب في الثورة، وآخرين
نعتوا الشباب بالمراهقين الذين يعطلون مصالح الوطن مغفلين أن الحكم الظالم
أضاع ثلاثين سنة من تاريخ مصر، عمر كان كافيا لبعض دول أمريكا اللاتينية
لتتغير جذريا وتبني مجتمعات تتذوق، لأول مرة، العيش مع الحرية
والديمقراطية. ومع الثورة المصرية، كذلك، خفـَت نجم بعض المنظرين السياسيين
الذين ظلوا زمنا طويلا يرددون أن الشعب، الذي ألف العيش تحت الاستبداد،
يجب أن تعطاه الديمقراطية على جرعات محسوبة ودقيقة مثل دواء، ويفوتون عليه
مراكمة التجارب في العيش تحت أنظمة عادلة، التي لم تعد آمالا مستحيلة أو
مخيفة بعد اليوم.
في الرابع عشر من فبراير، يحل عيد الحب مع آمال ملايين المصريين في أن
تكون هدية الرئيس مبارك لهم وعربون محبته الحقيقية أن يترك الحكم ويـُرجع
الأموال التي غرفها خلال علاقة الحب الزائفة التي جمعته بالشعب. فلم يعد
سرا، بعد هذه الثورة، أن الرئيس، الذي ظل يعلن حبه للشعب على الملأ، يدهس
ويقتل المتظاهرين في الشارع. على عكس الثوار الشباب الذين فضلوا التعبير عن
حبهم لوطنهم بالتحرك لتحريره من الخوف، مثل عشاق وطن لا يتملقون ولا
يبوحون، وهم مثل نزار قباني، حين لا يقولون للوطن نحبك، فمعناه أنهم يحبونه
أكثر.