ايها المفكرون وكتاب الرأي.. اليوم أمر
د. فوزية أبوخالد
2011-02-07
شباب مصر
نساء مصر
فقراء مصر
مثقفو مصر
مسلمو مصر ومسيحيوها
شعراء مصر
أطفال مصر
لاعدمتكم الشجاعة ولا الكرامة ولا البصيرة ولا الصبر
لاعدمتهم الحرية ولا الإباء ولاعزة النفس والأوطان
وهم يحفرون اليوم اسم مصر على جبهة التاريخ بحروف الخلود
وهم يكتبون المستقبل بحبر الروح وأطياف التضحية ويسيرون إليه على طريق وعر ولكنها آهلة بالأمل.
هذا
الجزء الواضح الشفيف من المشهد الشاهق، الذي يأتينا مطهما بالعرق والدم
عبر شاشات العالم، حاملا صوت الحق ونداءاته الندية الحرى، محمولا على أكف
وأكتاف الشرفاء والشعب المصري المجيد. أما المشهد الغامض الملتبس، فهو
الكثير من القراءات المرتبكة لما يحيط بهذا المشهد من احتمالات لا تتحمل
انتصار الشعب المصري، وترى أن مثل هذا النصر تهديد لمصالحها التي لا تستقيم
مع إقامة دولة العدل والحق والكرامة والقانون والنظام، وترى في استقلال
الأوطان بداية انكسار شوكتها وانحسار هيمنتها. ولهذا فإن واجبنا اليوم على
امتداد العالم العربي، الذي يتابع بشغف وشجن أو بإشفاق ورجاء ما يجري على
الساحة المصرية من بطولات شعبية وحملات مسعورة مضادة، أن نجمع شتات تفكيرنا
ونعمل العقل للتفكير بصوت مسموع مشترك وفردي في ما يجري. فواجب الفهم
والاستيعاب وتحري التحليل الموضوعي والاستشراف هو اقل ما يمكن ان نسهم
بتقديمه للشعب المصري وللغد العربي والإسلامي القريب والبعيد، الذي أراهن
أنه لن يبقى مع انطلاقة العقد الثاني من الألفية الميلادية الثــــالثة،
وبعد ثورة الشباب في تونس ومصر، على نفس منخفض ذلك المسار المنكسر المتعرج .
أما اتجاه المسار الجديد، أو اتجاهات المسارات الجديدة فهذا هو تحدينا
الأكبر الذي لن نستطيع مواجهته بخبــراتنا السابقة وحدها، بل لا بد للفكر
والرأي من التفاعل الخلاق مع الواقع، في ضوء عدم الحياد عن الأساسيات
المبدأية لحياة إنسانية شريفة وكريمة. لست ادعي ولا لأحد ان يدعي امتلاك
فصل الخطاب في هذه اللحظات الدقيقة، بين مرحلة التشظي ومرحلة الاستشراف،
ولذلك فإنني أكتفي هنا بشرف طرح الأسئلة احتراما لحرية عقولنا واستجابة
لداعي التفكير في هذه المرحلة التاريخية الحاسمة.
الأسئلة:
-ماهي
رسالة ثورة الشباب في هذه المنطقة من العالم للعالم ولشبابه بالذات، التي
بدأت مع نهاية العام الماضي وبداية العام الميلادي الحالي، وجاءت متسلحة
بأدوات رومانسية سلمية بسيطة غير معهودة في القتال التقليدي، وهي وسائل
الاتصال الحديثة (الجوال، البيبي، الفيس بوك تويتر الى آخر الفضاء
الافتراضي، مع حلم مشروع بوطن حر وخبز حلال وحب مباح وعيش كريم، يقر بحقه
في المساواة والاحترام والمشاركة في إدارة حياته في الفضائين الخاص والعام)
؟
أليست هذه الرسالة هي السلاح السلمي الذي يمكن أن يواجه به شباب
العالم اليوم ذلك السلوك المبعثر بين الانسحاب والانغماس في حمى الاستهلاك،
وبين راحة اليأس أو قسوة القلق؟
بعد ما لا يزيد عن عشر سنوات على ترويج
تلك الصورة الإرهابية، التي وصمت الشباب العربي المسلم بها أحداث 11
ايلول/سبتمبر حقا أو باطلا، يطل شباب المنطقة على العالم بصورة متألقة
جديدة، لشباب يدافع عن قيم العدل والحرية والمساواة. والسؤال ليس فقط أي
صورة نريد لنا، بل السؤال الذي لابد أن نهجس به أيضا هو لماذا تلك القوى
التي توصمنا بصورة الإرهاب، تريد أن تنكر علينا الحق في الصورة التي ترسمها
للشباب، هذه الرسالة الثورية النظيفة ذات الأسلوب والمضمون الحضاري؟
' ' '
-
لماذا بعد مضى ما يزيد عن أربعة عشر يوما بنهاراتها المشتعلة رفضا وغضبا،
ولياليها الملتهبة سهرا واحتجاجا، مع استمرار التضحيات العظيمة للشعب
المصري في كل ميدان وبلدة من أرض مصر الحرة، وبتلك المشاركة السلمية
الواسعة لكل أطيافه وطبقاته واجياله، نساء ورجالا في الثورة على النظام
السياسي المتهاوي، والمطالبة العلنية الصريحة بتنحي الرئيس وإزالة الرموز
السلطوية للسلطة، تجري اليوم محاولة الالتفاف على تلك الثورة الجامحة
العادلة وتحجيمها في طروحات احتوائية تحاول شق صفها بعروض هزيلة وهزلية
لحوار غير متكافئ مع السلطة المرفوضة؟ لماذ يجري العمل على تحويل مجرى
الثورة الجذرية إلى بضعة إجراءات تجميلية تجمع بين الجلاد والضحية الى
طاولة حوار لم تنفذ أيا من المطالب المشروعة التي تقدم بها المتظاهرون،
ليمتلك شروط الحوار؟. هل لا يحق لنا التشكيك بأن مثل هذه الدعوى، التي
تحاول بحيلة الحوار استعادة تاريخ رفع المصاحف على أسنة الرماح، بأنها لن
تؤدي إلا إلى أن يبقى الجلاد متمترسا في جلده وخلف متاريس التصفيات الجسدية
والمعنوية، فيما تجر قوى الشباب لتعود إلى دور الضحية الذي قامت بتعميد
خروجها البطولي عليه بالدم والعرق والتضحيات، ابتداء من يوم 25/1/2011 ليس
على مدى أسبوعين وحسب، بل على مدى احلام وتضحيات عدة أجيال ذهبت واخرى
قادمة.
ماذا كانت طبيعة الموقف السياسي الرسمي على المستوى المصري وعلى
المستوى العربــــي وعلى المستوى الدولي، أمــام مشاهد هذه الثورة
الشبابية الشعبية النابضة بقلب الشارع المصري؟
لم يقابل ذلك المشهد
الشبابي الشعبي الشفيف في الثورة السلمية على المستوى المصري الداخلي
الرسمي إلا بالتسويف في يد والعنف والتصفيات في اليد الأخرى. كما لم يقابل
على المستوى العربي الرسمي، من دون تعميم، إلا بالصمت أوالتهدئات الباردة
علنيا مع ما لا يدري به إلا الله عن تحركاتهم في الكواليس خوفا على انفراط
عقد شرعياتهم.
أما على المستوى الدولي فقد اتسم الموقف، وتحديدا الموقف
الأمريكي والأوروبي، بازدواجية تمثلت بموقف مباشر وآخر غير مباشر لئلا
نقول انه موقف علني وآخر مبطن. وقد جاء هذا الموقف في ظاهره تحت غطاء حقوق
الإنسان، مطالبا 'النظام السياسي المصري' باحترام حق التظاهر السياسي
السلمي، وعدم التعرض للمتظاهرين بالعنف، مع ما في ذلك من معنى ضمني بمساندة
النظام القائم ومعاملة رأسه كشخصية اعتبارية ذات شرعية، ينفيها على أرض
الواقع المطلب الرئيسي للمظاهرات، بل ان الرئيس الأمريكي كان واضحا في
رسالته للنظام على حساب المطلب المحدد للمتظاهرين، برحيل رأس النظام، حين
تجاوز أو بالأحرى تجاهل ذلك المطلب بدعوة الرئيس مبارك إلى الشروع في اتخاذ
اجراءات إصلاحية 'مجرد إجراءات' على أمل ان يؤدي ذلك إلى فض المظاهرات
وإعادة البلاد إلى سابق عهدها. فهل حقا أن امريكا والغرب تعاملا بحياد مع
ثورة الشباب الشعبية في مصر؟ هل كان الموقف الغربي والأمريكي مؤيدا معنويا،
من دون تدخل، للمطالب الشعبية العادلة لشباب مصر، أم أن الموقف الغربي
والأمريكي اكتفى على السطح بالقاء تعليقات احتجاجية على العنف الذي قوبلت
به المظاهرات المليونية السلمية، بينما كان في واقعه مؤيدا عنيدا لموقف
السلطة القائمة بعدم التزحزح عن كراسيها، ريثما تجرى الترتيبات تحت البصر
والسمع الامريكي، ان لم يكن الإشراف المباشر للإتيان بحكومة بديلة على مقاس
المصالح الأمريكية، في دولة بالاهمية الاستراتجية لمصر في العالمين العربي
والدولي. أما ردة فعل اسرائيل دولة الاستعمار الاستيطاني بفلسطين فقد
كفتها أمريكا شر القتال، كيوم فعلت ذلك صواريخ الباتريوت في حرب الخليج
الثانية عام 1991.
والمضحك المستخف بعقول العالم العربي أن يجري من قبل
النظام الرسمي المصري التحذير من الاجندات الأجنبية، ليصير الشباب في موقف
دفاع عن النفس، بل بلغ تلبيس الموقف او تدليسه أن البعض في معرض الدفاع عن
شرف موقف المتظاهرين يقول، لا نريد من القوى الاجنبية أن تتدخل لتنحية
الرئيس، وكأن ذلك ممكن حقا من تلك القوى الاجنبية. هذا في الوقت الذي يؤكد
فيه مشهد التحركات الخارجية المريبة على المسرح الأمريكي بشكل خاص، من مشهد
المظاهرات الصامد، أنها لا ترى تهديدا لمصالحها أكثر من ثورات مستقلة. فهل
من شك في أنه بدون تحييد الحسابات الخارجية التي تحاول تضييق الخناق على
الشباب الثائر، بمساندة استمرار النظام لريثما تجد حلا لا يخرج المنطقة من
يدها، يمكن أن يكون لثورة الشباب شأن نهضوي آخر. وفي هذا لابد أن لا تكتفي
بيانات المثقفين بخطابات تأييد معنوي للمتظاهرين في مصر، بل لا بد من بيان
تكون رسالته واضحة للرئيس باراك أوباما على وجه الخصوص، تطالبه بعدم التدخل
المباشر أو اللامباشر في هذه الثورة المباركة، وتحميل الولايات المتحدة
مسؤوليتها عن أي قطرة دم قد تراق في تقوية نظام متهاو للدفاع عن بقائه ضد
ارادة الشعب المصري وإجماعه على امتلاك زمام أمره بنفسه. هذا ولله الأمر من
قبل ومن بعد.