مهماز الديماغوجية
المعطي قبال -
mkabbal@gmail.com
أصبح
القذف في الإسلام أحد «الفنون الراقية»، يمارسها، بكل طلاقة ومن دون وازع
ولا رادع قانوني، العنصريون الأوربيون الوافدون من كل صوب ومن كل الضفاف.
وما «الخرجة» الأخيرة التي قامت بها في مدينة ليون مارين لوبان، نائبة
رئيس الجبهة الوطنية، العنصرية والمرشحة لرئاسة الحزب، في موضوع صلاة
الجمعة في أزقة وشوارع المدن والتي قارنت فيها المصلين المسلمين
بالنازيين، غزاة فرنسا في الحرب الكونية الثانية، أو الابتكار المازح
والبغيض لأحد الإسلاموفوبيين الذين طرحوا للبيع المسجدَ الكبير لمدينة
ستراسبورغ في المزاد العلني على الموقع التجاري «إيباي» Ebay بمبلغ
2158000 أورو، سوى غيض من فيض السموم العنصرية! الملاحظ أن هذا السلوك
ينهل من متخيل صليبي هو قيد الانتعاش اليوم على أيدي جماعات أوربية من
اليمين المتطرف، تعقد تجمعات وندوات تهدف إلى ضخ صدمات في ذهنية الرأي
العام والإعلام الأوربي باسم «الدفاع عن أوربا وقيمها التي يتهددها
الإسلام الأصولي». في فرنسا تشكل «كتلة دعاة الهوية» bloc identitaire
أحد المكونات الرئيسية لهذه التنظيمات المتطرفة. وقد خلقت هذه الكتلة،
التي رأت النور عام 2003، الحدث في فرنسا يوم 18 ديسمبر الماضي بتنظيمها
في المقاطعة الثانية عشرة في باريس مناظرة أوربية تحت عنوان «اللقاء
التأسيسي لمناهضة أسلمة أوربا». ليست هذه المناظرة باليتيمة، إذ تنعقد
أسبوعيا في ربوع أوربا لقاءات ومناظرات يرخي فيها الإسلاموفوبيون العنان
لتصريحات مبتسرة ومشحونة بالعداء للإسلام والمسلمين. دخلت «كتلة دعاة
الهوية» إلى المعترك الفرنسي، لا لمنافسة الجبهة الوطنية التي لا تزال
تستحوذ على الخطاب العنصري في فرنسا بل للمزايدة على أطروحاتها والدفع بها
إلى مزيد من التطرف السياسي. وهي بذلك تطمح إلى أن تقوم بدور المهماز
الديماغوجي! أثناء المناظرة التي حضر أشغالها 1053 شخصا، فيما تابعها على
موقع الجمعية عبر الأنترنيت 241623 مشاهدا، تعاقب على المنصة رؤساء جمعيات
أوربية متطرفة لمطرقة خطاب يدعو إلى «تنظيم المقاومة في وجه المحتلين
القدامى-الجدد (المسلمين) الذين أصبحوا بفضل ديانتهم الغازية خطرا جسيما
على العالم القديم»! وتخللت الخطبَ النارية والعنصرية هتافاتٌ وشعاراتٌ من
داخل القاعات دعت إلى تحرير أوربا من الخطر الإسلامي الذي يشكل تهديدا
حقيقيا للميراث والثقافة والتقاليد والمؤسسات ولأنماط العيش الاجتماعي في
أوربا!!». وفي ختام اللقاء، تقدم إلى المنصة لقراءة البيان الختامي أوسكار
فريسينغير، النائب البرلماني السويسري، المنتمي إلى حزب «تجمع الوسط
الديمقراطي» الذي كان من وراء حظر الصوامع الإسلامية بسويسرا. وقبل صعوده
إلى المنصة، قدمه أحد مسؤولي «كتلة دعاة الهوية» على أنه «الغالي Le
Gaulois الذي لا يمكن تطويعه»! تتقاسم «كتلة دعاة الهوية» وبقية تنظيمات
اليمين المتطرف الأوربية أبجديات سياسية وفلسفية قوامها: محاربة فكر
الاختلاف الذي تسبب -حسبها- في فك الحدود وتسلل الأجانب مثل ميكروب إلى
جسد أوربا، محاربة العولمة التي عملت على تذويب وتعويم قيم المحلية
والجهوية ضمن قيم عالمية هجينة، محاربة التعددية الثقافية التي كانت إحدى
نتائجها لا الاندماج الكلي داخل ثقافة بلد التبني بل الانكماش داخل ثقافة
الأجداد! إن كان التشرذم هو ما يميز -ظاهريا- هذه الحركات، فإن نقطة
التقاطع والالتقاء التي تقرب بينها تبقى هي طموحها إلى شيطنة الإسلام قبل
تشطيبه نهائيا من المشهد الأوربي. إننا اليوم في طور المرحلة الأولى من
مسلسل معقد ومرشح لتداعيات خطيرة على وضع الإسلام ووضعية المسلمين في
أوربا. فالإسلام وسط هذا المشهد معزول ولا يحظى، إلا في ما ندر، بدعم
الأنتيليجنسيا أو المثقفين الغربيين الذين يفبركون بدورهم تصورات جاهزة
نمطية عن المسلمين وديانتهم. أما «المثقفون المسلمون» فيراقبون المشهد بلا
صوت ولا حول. كانت علاقة الإسلام بأوربا وستبقى قائمة على سوء تفاهم كبير.
فلقاءات «عنكني نعنك» الداعية إلى الإخاء والتعايش بين أهل الكتاب لن تصمد
طويلا أمام الصدام الآتي الذي يعد له في الخفاء، وعلى حد سواء، شياطين
وفقهاء الظلام.