بالروح بالدم نفديك يا شخص!
رشاد أبوشاور
2011-01-04
في مسرحية (الشخص) للرحابنة، والتي بطلتها السيدة
فيروز، ونصري شمس الدين، وعدد من الفنانين والفنانات، والراقصين،
والراقصات..تنهمك (الضيعة) ـ لا يهم اسمها، وأين تقع بالضبط ـ في التحضير
لاستقبال حافل يليق بـ(الشخص)!
من هو الشخص؟!
ليس ضروريا أن يعرف أهل الضيعة من هو، يكفي أنه شخص مهم، ومن يعرف أهميته، ويقدره حق قدره، هم من يشرفون على الاحتفال:
رئيس
البلدية، والمختار، وشاويش المخفر، يعاونهم أتباع، وأدوات، وهؤلاء يشيعون
جوّا من الحماسة والحيوية والسباق لتقديم أقصى المستطاع، فـ(الشخص) لا بدّ
أن يخرج بانطباع حسن عن أهل الضيعة الذين سعبّرون عن سعادتهم بزيارته،
وتشريف ضيعتهم، وإن كانوا يجهلون(الشخص)، وفي معمعان انهماكهم نسوا أن
يستفسروا عنه، أو، وهذا أمر هام، اكتفوا بأن رئيس البلدية، وشاويش المخفر،
والمختار..يعرفون من هو، وهذا كاف!
التحضيرات لاستقبال الشخص هي الحدث،
وهي التي تكشف طبيعة العلاقات، والعقليات، وأساليب ابتزاز أهل الضيعة،
أمّا الشخص فمبني للمجهول، ولا صفات له، ولا تمايز سوى أنه الشخص!
الشخص ليس (غودو)..فغودو تعبير فلسفي، أما الشخص فهو(وسيلة) نصب، وخداع، وهو فضح لتدني الوعي، والتلاعب بجهل البسطاء!
في حالتنا الفلسطينيّة، في الثورة الضائعة ـ هل شاهدتم مسلسل: ضيعة ضايعة
؟! ـ هناك شخص ما يعّد نفسه ليكون هو الشخص المنتظر، وهو صنع زبانيته،
أدواته، مخاتيره، شاوشيته، وانكشاريته، و..هو رغم تواضع الأصول، ولا عيب
أن تكون ابن مخيّم، فالثوّار يخرجون من بين الفقراء، ومن البيئات
المضطهدة، وامتحانك، أيا كنت، أن تبقى ابن الثورة، ابن الناس الذين نشأت
بينهم، وحملت السلاح، إن حملته يوما، معاهدا بالسير على خطى من أقسموا على
التحرير أو الشهادة!
ولأن الثورة آلت إلى (منطّة) يمتطيها أي مارق، أو
سمسار، أو مساوم، أو طامح طامع بالنجومية وما تدرّه من مال وجاه، فإن ثمّة
أكثر من(شخص) يتربصون للقفز، وينشئون علاقات غامضة و..مفضوحة في آن، مع
نظم حكم عربيّة نفطية تموّلهم لأسباب غير قوميّة، وغير وفيّة لفلسطين،
وغيرها من نظم التبعية التي تقدم الرعاية...
نحن رغم عدم توفر وثائق من
ويكيليكس عن(الشخص) نعرف أن معه مالاً كثيرا، أكثر بكثير مما تركه والده
الذي لم يكن يملك قوت يومه، مثل كل آبائنا نحن أبناء المخيمات، ولذا فأنت،
وأنا، ونحن ..لسنا بحاجة لأسانج وويكيليكس ليزودنا بوثائق، وبنصوص
البرقيات التي يتبادلها سفراء أمريكا في دول النفط مع وزارة الخارجية
الأمريكيّة حول الشخص، وترتيب علاقاته مع تلك الدولة النفطية التي تدعمه
شهريا بمبلغ يتردد أنه يبلغ خمسة ملايين دولار..لزوم الإنفاق على جماعته
التي تهيئ له ضيعة الثورة الضائعة، لتضييعها أكثر وأكثر، بحيث يضيع ما
تبقى من وطن فداه ألوف الرجال والنساء الذين حوّلوا إلى نكرات بفضل سياسة
التناسي المقصودة، حتى لا يكون تاريخ يبنى عليه، ومقاييس يقاس عليها قدر
الرجال، فيسهل خلق أبطال مزورين.
هنا أتوقف لأذكركم بما قاله الشاعر محمد الفيتوري في واحدة من قصائده الجميلة:
كلما زوروا بطلاً
قلت: قلبي على وطني!
والتزوير
ليس جديدا، ففي ثورتنا الفلسطينيّة المعاصرة، تمّ صنع نسخ مزورة بديلاً عن
قادة ثوّار شجعان تركوا لنا تراثا ثوريا يكفي لإلهام الأجيال حتى يوم
التحرير وما بعده.
في حقبة التزوير صار الناس يسمعون بأبي الجماجم، ونسوا قائد الجهاد المقدس، بطل الدفاع عن فلسطين، وفتى ثوراتها: عبد القادر الحسيني!
صرنا
نسمع بأزعر في حارة، يحف به عدة زعران يطخون في الهواء، تشهره الفضائيات
الباحثة عن الإثارة، أو التي تنفذ سياسة اختراع (أشخاص) ليكونوا من جهة
سبّة للثورة، ومعرّة للشعب، ومن جهة أخرى ليكونوا تغطية على ثوريين
حقيقيين زاهدين في الفضائيات، والدعاية، لأن همّهم فلسطين، وشعبها، وهكذا
يكون دورهم أبعد من التشويه!.
من صفات (الشخص) النفسية أنه وصل إلى
مرحلة بات يرى نفسه فيها أهم من رؤسائه! ..وأنه أكفأ، وأبرع في اللعب على
الحبال، ما دامت المسألة لعبا في لعب، وبدون تكلفة، ولا جدية، ولا محاسبة!
أعلمه الرماية كل يوم
فلما اشتدّ ساعده رماني
تلك
هي المسألة، وهنا ينكشف اللغز، فـ(الشخص) بدأ مُنفذا، ثمّ كما قرأنا عن
صراعات المماليك، طمع في إمارة سيده، وسيده من وجهة نظره مجرّد (شخص) وصل
إلى ما وصل إليه بالصدفة بكفاءة لا تفوق كفاءته و..هو لا تنقصه الفهلوة،
ناهيك عن المصاري الكثيرة التي يُدعم بها من جهات تريد(شخصا) يمضي إلى حيث
يؤمر فينفّذ، ولا تريد للفلسطينيين قادة يصححون مسار الثورة، وينقذون
القضيّة!
من سنوات بعيدة قرأنا كتاب (الثامن عشر من بروميير) لماركس،
وهو عن نابليون الثالث ابن شقيق نابليون الأوّل، الجاهل والمستبّد
والأزعر، والذي جمع حثالات باريس، أي بشر قاع المدينة، ثمّ استحوذ بهم على
فرنسا الأمّة العظيمة!
لايكفي أن يكون الشعب الفلسطيني عظيما، وصاحب
تراث ثوري وكفاحي أسطوري، فهو يمكن أن يخدع، ويقاد من (شخص) محاط بالحثالة
الذين لا يعرفون شيئا عن تراث الشعب الذي أنجبهم، وهم الذين رُبّوا
كمرتزقة، ليكونوا هراوات في يد(الشخص)، والذي سيبتهج بأنه صار الشخص
الأوّل دون الاهتمام ببلوغ القضية ..القاع، وضياع الشعب، وتبدد حلم
التحرير، وحتى الدولة الفلسطينيّة مقابل التنازل عن 80' من أرض فلسطين
التاريخيّة والجغرافية!
معاقبة (الشخص)..أي شخص، وهناك أشخاص كثيرون
يتسابقون، ويكيدون ببعضهم، وبنا وبقضيتنا، ليست هي العلاج، فمع تفشي
الأمراض التي فقّس في مناخها (أشخاص) فالصو، فاسدون مُفسدون، يمضون
بقضيتنا إلى الكارثة النهائيّة..لا بدّ من العلاج الجذري، بثورة داخلية
عارمة حاسمة تبدأ من محاسبة النهج السياسي، والمسار كله الذي أوصلنا إلى
ما وصلنا إليه.
ولأن الحساب لن يكون مجرّد حساب نظري، فلا بدّ أن
يحاسب كل(الأشخاص) على كل الضرر الذي ألحقوه بقضيتنا،..وليس بذلك(الشخص)
وحده، رغم ما يتمتع به من سوء سمعة، ورعونة، وعدم وفاء، وطيش..تعلمه في
المدرسة إيّاها التي أنجبته، لأنها ستنجب غيره إذا ما انتُبذ..فالعلاج ليس
خلع الشخص، ولكنه خلع النهج من شروشه!
إذا لم يحدث هذا، فسنستيقظ ذات
يوم لنرى (الشخص) محمولاً على أكتاف زعرانه، وهم يهتفون، وبنادقهم تطّخ في
الهواء لإرهاب شعبنا، وليس عدونا:
بالروح بالدم
نفديك يا (...)!