لو كان السودانيون نرويجيين
صحف عبرية
2010-12-23
من قال حقا إن الحديث عن عنصرية؟ هل اليهود
'عنصريون'؟ هل الاسرائيليون 'قوميون'؟ ماذا دهاكم، لا شيء كهذا، إن البصقات
تصيب وجوهنا واحدة بعد اخرى: فمظاهرة قُبح في بات يام، وفي حي هتكفا،
ويحظر رئيس بلدية الناصرة العليا نصب اشجار الصنوبر على خُمس سكان مدينته،
وقد قيل كل شيء عن صفد وحاخاماتها، وطبرية و 'حسيديها'، وتل ابيب ومُظهري
البر فيها والقدس ومشاغبيها، ويُخيِّل الاسرائيليون لانفسهم ان الحديث عن
مطر. يُعرّف رئيس بلدية تل ابيب، رون حولدائي، كراهية سكان مدينته للاجانب
بأنها 'مفهومة وعادلة'، ويكتب السياسي المخلِّص الآتي يئير لبيد انه لو كان
السودانيون نرويجيين لما تحدث أحد عن العنصرية. لكن الغوغائية المتكتكة
المتملقة للمهتم البرّ بفقراء مدينته لبيد لا تستطيع أن تغطي على العار:
فلو كان السود البشرات شقر زرق العيون لما كان عندنا أي مشكلة. هل تريدون
برهانا؟ لقد استوعبت اسرائيل مئات آلاف الروس من غير اليهود، من الشقر
الزرق العيون، ولم يتظاهر أحد بل لم يشكُ أحد. اسألوا الاثيوبيين واهتموا
بما عند عرب اسرائيل وفيهم البدو والدروز الذين يخدمون في الجيش وقرروا هل
الحديث عن عنصرية لاسمها، مُصفّاة مُخيفة أم عن أمطار بركة؟
إن شوارع
الغضب تصرخ بالعنصرية، ودعائيو القلم يكنسون القمامة القذرة تحت البساط.
واولئك الذين تدور أعينهم يُضللون مرة اخرى. والقيادة في شلل تؤيد صمتها أو
لا يصدر عنها سوى تملق أجوف، والجمهور غير مكترث كعادته، والنار في هياج
تهدد بتخريب البيت على سكانه.
تأملوا الوجوه المبتسمة للمتظاهرين في حي
هتكفا أول أمس، وأنصتوا للاصوات التي تُسمع هناك مع رؤية يهودي اثيوبي علا
ليتحدث والدعوات هناك الى احراق بيوت الاجانب وقولوا: أليست هذه عنصرية؟
وتنبهوا الى الحديث عن معسكرنا 'الطاهر'، والحفاظ على 'صبغة' بلدات ما،
وعلى البنات المسلوبات والامراض المتفشية وقولوا: أليست هذه كراهية
الاجانب؟
انه يُسمع كذلك ويبدو كذلك ويسلك كذلك، وهو كذلك. ولن تُغير أي
مقالات نفاق حقيقة أن العنصرية رفعت رأسها هنا بتشجيع القيادة وأن أكثرنا
ساكن بل لا نسأل أنفسنا: أحقا هذا هو المجتمع الذي نريد أن نعيش فيه؟
أصبحوا
في بات يام وفي حي هتكفا يخافون فجأة ويريدون الأمن. إن مدينة وحي جريمة
في الماضي وفي الحاضر ايضا بقدر ما تلقيان مخاوفهما وأزماتهما على الاجنبي
المشارك في الجنايات والمسؤول عن الازمة بقدر أقل من أبناء هاتين المدينتين
أنفسهم. هكذا كان في اوروبا في الثلاثينيات وهو كذلك عندنا الآن. إن
مظاهرات كراهية كهذه ما كان يمكن أن تتم اليوم في اوروبا إلا على أيدي
منظمات نازية جديدة وأشباهها؛ أما عندنا فان رئيس البلدية يمتدحها. وكان
سيصدر في اوروبا احتجاج مضاد شديد اللهجة ايضا. لو كانت الكراهية موجهة الى
اليهود لجندت القيادة هناك نفسها ايضا للعمل الحثيث ولا شيء عندنا تقريبا.
هكذا
يكون الأمر عندما يصبح كل شيء 'مركزا'، أجوف موهوما. إن لبيد وحولدائي
وجدعون ساعر وتسيبي ليفني وأكثر الاسرائيليين في الحقيقة هم فنانو الكذب
والكبت والإنكار. وضررهم لا يقل عن ضرر المحرضين فهم شركاء في الجريمة.
توجد مجتمعات اسوأ منا، لكن لا يوجد مجتمع راضٍ عن نفسه وفخور متكبِّر
وأعمى عن أمراضه الى هذا الحد.
ليست المشكلة كالعادة في المتطرفين،
فهؤلاء موجودون في كل مكان، بل في التيار المركزي الوادع الذي يقطر رضى عن
نفسه. انه يعيش في سخافاته ولهوه ولا يقلقه شيء سوى الاستجمام وسيارة الجيب
الصغيرة الآتيين. السود سيكنسون شوارعنا (ويتبخرون بعد العمل)، والمُضللون
سينظفون ضميرنا، وهؤلاء واولئك يُنقّون القمامة التي نثرناها. سنبني
معسكرات اعتقال جماعية ونُسميها باسم 'منشآت مكوث'، ونطرد لاجئي الحرب الى
بلدانهم ونقول إن ذلك كان 'باتفاق'. وسنظل عنصريين ظلاميين ونحيا بسلام مع
ذلك، فقد قال لبيد وحولدائي إن الامر على ما يرام، واذا تجرأ شخص ما على
الحديث عن الانسانية وعن حقوق الانسان والشفقة، فانه يكون منافقا في أحسن
الحالات وخائنا في أسوأها. اسألوا لبيد النجم اللامع في سماء حياتنا
السياسية.
هآرتس 23/12/2010