طائرات الاطفاء قبل الغواصات النووية
اوري مسغاف
2010-12-05
الاستنتاج المشتعل من الحريق المعربد في الكرمل هو أنه من المجدي لاسرائيل أن تسارع الى صنع السلام. فهي ببساطة غير جاهزة للتصدي للكوارث. من المخيف أن نفكر ماذا كان سيحصل هنا في حالة هجوم صاروخي شامل. في الحرائق السابقة درجوا على تهدئة الجمهور حين سقطت الصواريخ 'في الاراضي المفتوحة'. في أعقاب فشل مساعي الاطفاء في نهاية الاسبوع يبدو أن تكتيكا ناجعا لاخضاع اسرائيل من شأنه أن يقوم بالذات على اساس امطار الاراضي المشجرة بالرؤوس المتفجرة.
لاطفاء اللهيب في الكرمل جندت منظومة وطنية كاملة، بادارة رئيس الوزراء ووزير الدفاع، رئيس الاركان والمفتش العام. دون جدوى. تصوروا، بالتوازي، ان كانت هناك حاجة للتصدير لخمس او عشر بؤر نارية اخرى في ارجاء البلاد. وانه بالتوازي كان على قادة الدولة أن يعنوا بأمور اخرى غير الاسناد المهين لطائرات الرش من أطراف المعمورة الاربعة. طيار في طائرة الاطفاء الروسية أفاد يوم السبت قائلا: 'انه من فوق لا تبدو الامور جيدة'. كم هو محق.
صنع السلام انطلاقا من مثل هذه الدوافع سيعتبر بالتأكيد ضعفا، ولكنه سيعبر في نهاية المطاف عن قوة هائلة: قدرة الدولة على العودة الى صوابها. ومثل البارون من نيخاوزن، الامساك برأسها وامتشاق ذاتها من هوة المستنقع، إذ مع كل الاسف على الفقدان الرهيب في الحريق، فان المصيبة الوطنية التي ألمت باسرائيل حقا هي فقدان القدرة الاساسية لديها للحرص على مواطنيها. هذه دولة في نصف القرن السابق اعتبرت بين أمم العالم معجزة مدنية واقتصادية، قدوة مبادرة وزخماً.
ولكن هذه القدرة ضاعت. اسرائيل العقود الاخيرة هي كيان وطني عاجز. دولة تجف لم تقم بعد لنفسها آلية تحلية لمياه البحر. دولة لا تنجح في الحفاظ على احدى عجائب الدنيا في شكل البحر الميت. دولة لا تنجح في ان تقيم قطارا سفلياً في تل أبيب وقطارا سريعا الى القدس. دولة تفشل في نقل 8500 مستوطن من غوش قطيف الى نطاقها، وتجد صعوبة في السماح لبضعة الاف من الناجين من الكارثة في أن يشيخوا بكرامة. فقط لجان تحقيق لفحص القصورات تقوم هنا بوتيرة مثيرة للدوار؛ ولجنة الكرمل هي الاخرى باتت على الطريق.
احد الاسباب المركزية لهذا الفشل المتواصل هو تسليم المبادرة الوطنية الى ايادٍ خاصة وايداع املاك الدولة في حساب الجاري مدين لعدد من اصحاب رؤوس الاموال المحظوظين. هذه بشرى 'الخصخصة' عديمة الجماح التي يسجد نتنياهو وأمثاله امامها. ولكن العامل الاول في سموه في الشلل المدني هو عبادة نزعة الامن. ميزانيات الامن تزداد فقط مع السنين، رغم أنه منذ اتفاقات الفصل في 1974 واتفاقات السلام مع مصر والاردن اخذت الجبهات العسكرية لاسرائيل تتقلص.
بيد أنه لا يدور الحديث فقط عن المال، بل عن الاهتمام: مثير للجنس بقدر اكبر الغرق في لجة التهديد الايراني وفي منظومة حزب الله الصاروخية مما في تحسين خدمات الاطفاء. وزارة الداخلية سلمت هنا بشكل دائم وتلقائي لشاس، الحزب القطاعي الذي يركز رئيسه على تدفق الاموال نحو المدارس الدينية، التهود الفقهي ومطاردة المهاجرين الاجانب. زعيم حزب العمل، الذي أقام وأسكن الدولة، يعنى فقط بالامن. في الليكود، حزب الشعب والطبقات الفقيرة يعنون فقط بالمستوطنات.
المواساة الوحيدة في مصيبة الحريق هي في المساعدة السخية للدول العربية والاوروبية. فها هو، يتبين ان ليس الجميع يكرهوننا ويريدون ابادتنا. ينبغي لاسرائيل ويمكنها أن تنسحب من المناطق المحتلة، ان تصنع السلام وان تحدث ثورة في سلم اولوياتها. اولا طائرات اطفاء ومنشآت تحلية، بعد ذلك قاصفات متملصة وغواصات نووية. نتنياهو وباراك يطلبان من العالم سياسة 'ايران اولا' و'السلام بعد ذلك؟' على مواطني الدولة أن يقترحوا عليهما صفقة: اسرائيل اولا، ايران بعد ذلك.
يديعوت 5/12/2010